أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مفهوم الوطن فى رواية بيوت بيضاء















المزيد.....

مفهوم الوطن فى رواية بيوت بيضاء


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 08:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هل الانتماء الوطنى يرتبط بواقعة الميلاد والنشأة ؟ أم لابد من توافرعلاقة جدل صحى يُعمق هذا الانتماء ؟ وإذا حدث الخلل فى هذه العلاقة الجدلية لصالح منظومة الحكم ، فهل تُؤثرالعوامل الطاردة فى الانتماء ؟ وهل الوطن هوالمكان الذى يُوفرلقمة العيش حتى ولوكان غيرالوطن الأم؟ هذه المعانى تناولتها الأديبة هدى توفيق بشكل روائى بديع فى روايتها (بيوت بيضاء) الصادرة عن دار(كيان للنشروالتوزيع) عام 2011.
تضغط العوامل الطاردة على بطلة الرواية. وإذْ تجد فرصة للعمل فى سلطنة عمان تتلقفها ، خاصة وقد طلقها زوجها وتزوّج غيرها ، وفى ليلة زفافه مات ، فأصبحتْ مطلقة وأرملة. عمّتها وأم زوجها اتهمتها بأنها سبب موت ابنها ، اعتقادًا بتخاريف موروثة. كما أنّ عمتها كانت وراء طلاقها بحجة أنها عاقر. البطلة تعمل مدرسة للغة الإنجليزية ، لذا وصفتْ نفسها بأنها نصف قروية. نصف مدنية. نصف امرأة. انعكس هذا على انتمائها لوطنها فقالت ونصف وطن. وقبل السفرتساءلتْ : هل لى وطن ؟ حتمًا كل مافى الأمرأننا نتبادل أماكننا الآن بالسفرإلى وطن آخر. وإذا فقد الإنسان الشعوربالوطن ، فعليه أنْ يُقيم (الوطن المتخيل) فيشعرأنّ له وجودًا وانتماءً داخله. ورغم ذلك فإنها بعد أنْ استعدّتْ للسفرظلتْ مترددة : هل تترك وطنها الأم أم تُسافر؟ فشجّعتها أختها قائلة : إعرفى يافاطمه إنْ الوطن هوّاللى فيه رزقى ومالى . بعد سفرها تكتشف (معنى الوطن) فالبلد العربى الذى تعمل فيه يفتقد دفء الأسرة كما هوفى مصر، ويفتقد العلاقة الحميمة بين الإنسان والمكان ، فالعربى يخرج من البيت المكيف إلى السيارة المكيفة إلى مكان العمل المكيف ، لايعرف السيرفى الشوارع ، فأدى لفقدان الحب بين الإنسان والمكان. ولأنها تختلف عن زميلاتها المصريات الحريصات على العمل ولوعلى حساب كرامتهن قالت (( كيف يحافظن على القروش تحت شعارفك الارتباط عن الوطن الأم للانتماء لوطن مغاير، هنّ فيه أسيرات الكفيل؟)) وعندما لاحظتْ مظاهرالدونية القومية لدى بعض المصريين مقابل دوام العمل قالت إنّ الشعوربالنقص يقابله ((النظرات البدائية لهم من الآخرداخل المحيط الكبير: الأم مصر)) هذا المعنى يتعمّق بلقائها مع عبلة العراقية التى تتمسك بأنها كردية من كركوك .
كشفتْ منظومة الكفيل وجهًا آخرلمعنى الوطن ، فانفضحتْ أكذوبة (الوطن العربى الكبير) إذْ اندهشتْ فاطمة من حجزالكفيل للبوسبور، فلا حركة إلاّبإذنه. هى العبودية العصرية إذن . بل هى (مجتمعات عنصرية. أعنى الطريقة التى يُعاملون بها الهنود والباكستانيين ، والمصريين بشكل خاص. أنت محظوظ فقط عندما تكون إنجليزيًا أوأمريكيًا) (ص43) ولحظات القهرجعلتها تشعر أنّ الكفيل (هوإله على الأرض) ويستغل المدرسات لأغراضه الشهوانية، رغم أنه يصوم ويصلى ويزكى وحجّ أكثرمن مرة. وعندما قرّرتْ المدرسات ترك العمل لديه قال (لاإله إلاّ الله على المصريات. ماعندهم عقل والله. صحيح ناقصات عقل ودين) ولأنّ الإبداع يخضع لقانون صارم هوتعدد الأصوات ، فإنّ المبدعة تجعل بطلتها تلتقى بمواطن عربى يقول لها (مصرية أنتِ أستاذة. جمالك يشى بأنك مصرية) ثم سألها عن حال (أبوالهول) وتتعرّف فاطمة على مواطن عربى آخر(مغرم بالفن المصرى القديم والقراءة فيه بتوسع أقرب إلى التقديس) وفى المعهد الذى يُشرف عليه أكثرمن رسم مصرى ونماذج من كتاب الخروج إلى النهارالشهيرباسم كتاب الموتى. ولوحة مكتوب عليها بالعربى أنّ الجمال مرادف نفرتارى. وأنا من نفرتارى. واسمها يعنى جميلة الجميلات. أحبّتْ فاطمة هذا العربى خاصة عندما تحدّث معها بلغتها القومية إذْ ردّ على دهشتها (بتكلم مصرى كويس. أنا عشتْ فى مصرأربع سنين واتعلمت فيها) عشقه لمصرالحضارة عمّق العلاقة بينهما ، خاصة وأنّ المبدعة مهّدتْ فى الصفحات الأولى عن عشق فاطمة لحضارة جدودها ، وترى أنّ تراب مقابرالفراعنة هوالقلب المقهورلمصر. وتتساءل كيف صنعتم تلك الحضارة يا جدودى؟ وهل نحن حقا أحفادكم؟ وتتذكرقصة الحب بين نوت / السماء وجب / الأرض فأثمر ولادة إيزيس وأوزيرونفتيس وست. فتكوّنتْ أول أسرة فى التاريخ.
تمتلك المبدعة شجاعة البوح بما فى صدرالمرأة ، فبطلتها تتصورأنها أحبّتْ شابًا فتقول إنه (سقط على روحى ليجعل من جسدى كيانًا حيًا ينبض بالشهوة، لكن بلا أدنى حيوية) وبعد الاعتداء عليها من زميلاتها اللائى جرّدنها من ملابسها قالت (أنا فى خصام وتنافرمع جسدى وكأنه أصبح عبئًا أسيربه وأريد التخلص منه) ومع بداية الغربة قالت (انتابتنى حالات من الشبق وانقباضات متلاحقة فى الرحم جراء فقدانى للآخر، مازال بعضه فى ذاكرتى. مع توالى الأيام وانهماكى فى العمل تحوّل كل شىء إلى لاشىء غيراليأس وتجاهل لتلك البؤرالخبيثة فى جسدى) ولأنها لم تُنجب نشأتْ بينها وبين ابن زميلتها سعاد علاقة أمومة. وكانت لحظة مشرقة فى حياتها عندما قال لها الطفل (عايزأنام فى حضنك ياماما) ويُخرجها من شعورالعجزاحتضانها للطفل. وتنتشى بالسعادة إذا طلب منها من لم يحمله رحمها (ماما فاطمة تعالى مرجحينى) ولكن وهج السعادة تُطفئه أم الطفل عندما قرّرتْ الانتقال لمدرسة أخرى فطلبتْ فاطمه أنْ تُبقى الطفل معها. جاءتها الطعنة القاتلة عندما قالت الأم : إنتِ ناسيه يافاطمه إنك ما بتخلفيش) كما تعى المبدعة أنّ الخصوصية الثقافية لكل شعب هى وقود احتمال الغربة ، فتلتقط مناظرالمصريات وهنّ يخبزن العيش المصرى والأطعمة المصرية. ويكون قتل الوقت بصناعة البهجة بالرقص المصرى. لذا تشعرفاطمة أنّ البلد العربى سقط وتلاشى من وجودها لأنهن يُردن (برغبة جامحة أنْ يعشن وقتا مصريًا. يعشن حياتهن الحقيقية التى ألفنها ولاينسونها إلاّمضطرات ويائسات من حالة الشوق والحنين للوطن. وحس الفكاهة المصرى انطلق بلتقائية عندما رأتْ فاطمة يافطة عليها عبارة (معهد المراتب لتعليم اللغة الإنجليزية) فقالت : إين النكتة المصرية لتلتقط هذا الاسم العجيب)
أهدتْ المبدعة روايتها إلى فاطمة البلوشية وفاطمة عبدالناصر. الأولى (وهى ليستْ عمانية الأصل) أحبّتْ فاطمة المصرية لدرجة البوح لها بعواطفها تجاه الرجل الذى أحبّته. بل وتطلب منها أنْ تكتب لها خطابًا إليه تبث له فيه أشواقها. كان الطلب مباغتا للبطلة التى تصوّرتْ أنّ هذا الشخص يُحبها هى ، ومع ذلك كتبتْ الخطاب الذى جاء تعبيرًا عما فى نفسها تجاهه وإنْ كان التوقيع فاطمة البلوشية. أما فاطمة عبالناصرفهى مديرتها الجديدة التى قالت لها فى أول مقابلة : ما تخافيش يافاطمه. إنتِ زى بنتى. وح ترتاحى معانا. أكدتْ الأيام صدق كلامها. وحكت لها عن ذكرياتها أيام هزيمة67والبيانات الكاذبة عن وقوع طائرات العدو. وفجأة انفجرالراديو.
وعن لغة الوصف فإنّ الكاتبة تعى توظيف المفردات الملائمة للشخصية. فى الصفحات الأولى المُمهّدة للسفرقالت البطلة (ماذا أفعل بنفسى وسط هذا الحزن الذى جعل منى أشبه بامرأة شبحية كما لوكنت مرسومة بالطباشيرعلى السواد) وعندما طلبتْ منها زميلتها أمانى انقاذها من ورطة حملها غيرالمشروع حدّثتْ نفسها (زهدنى النوم وأسدل ستائرداكنة قاتمة على عقلى)
وامتلكتْ شجاعة كتابة الحوارباللغة القومية التى يمتلكها شعبنا ، المسماة بالعامية وفق الشائع فى الثقافة السائدة ، فى حين أنها لغة مصرية كما شرحها عالم المصريات واللغويات المرحوم بيومى قنديل فى كتابه حاضرالثقافة فى مصر. وعندما طلبتْ فاطمة البلوشية من البطلة أنْ تكتب لها خطابها الغرامى ردّتْ عليها : بس أنا ح أكتبه بالمصرى. وتقول للضابط العمانى : إنت بتعرف تتكلم مصرى (ص71،95) وكما فعلتْ الكاتبة مع لغتنا المصرية فعلتْ نفس الشىء مع اللغة القومية لشعب عمان ، فمثلا تسأل فاطمة البلوشية البطلة : فاطمه. إيش حالش ؟ إذْ أنّ حرف ال ش فى حالش هوحرف الكاف فى العربى. وتقول : سلامتش فاطمه. أى سلامتك. وتقول : لابد أشوفش. أى أشوفك. وعبدالعزيزالعمانى يقول للبطلة : إيش رأيش. أى إيه رأيك. ويقول : لا أظنش. أى لا أظنك إلخ (ص94، 116) وهذا يؤكد دقة ما كتبه المرحوم بيومى قنديل وهوأنّ العبرة بالبنية Structure وليستْ بالألفاظ .
رواية بيوت بيضاء تُثيرعلاقة الجدل (بلغة الرواية) بين منظومة الحكم والانتماء الوطنى . وأنّ المصرى يفرمن بطش الداخل إلى جحيم منظومة الكفيل العربية. وهوما لخصته البطلة وهى فى أسرالمَدْرسة العمانية إذْ قالت (السيدات لايدخلن الجيش ، ولكنهن يعشن ماهوأشد صرامة وقسوة وحرمانًا ، إنه سجن الغربة الذى تتصلب فيه الشرايين والعواطف الإنسانية) (ص53)
*****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهر زاد على بحيرة جنيف
- عبدالرحمن أبوعوف وثنائية الإبدع والقمع
- ثمن الحرية وحصاد عام من الدم
- جميل عطية إبراهيم والتأريخ بلغة فن الرواية
- العلاقة بين (المواطنة) و (القومية)
- النبل والبؤس فى طاحونة الحياة
- سناء المصرى : ضميرحى وعقل حر
- التنوير المصرى والجامعة الأهلية
- بورتريه لابن عمى المليونير م . م
- تونا الجبل : ميلاد مُتجدد للحضارة المصرية
- ميس إيجيبت وجدل العلاقة بين الثقافتين المصرية والعربية
- سليمان فياض : الواحد المتعدد
- النص الدينى والتفسيرات المتعددة
- العالمانية والاستقرارالاجتماعى
- هل يؤمن الأصوليون الإسلاميون بالديموقراطية
- مأزق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل
- الأدب واتعبيرعن التغيرات الاجتماعية
- لاتُصالح ودوائرالثأرالجهنمية
- كفيل مصرى لأى خليجى فى مصر
- رد بأن مقالى عن اللغة القبطية


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مفهوم الوطن فى رواية بيوت بيضاء