تأملات / ما الذي بالبلاد يفعلون !؟
رضا الظاهر
2011 / 12 / 26 - 21:47
تمثل الأزمة الأخيرة التي تجسدت بتوجيه اتهام الى نائب رئيس الجمهورية وتداعياته، وتعليق القائمة العراقية مشاركتها في البرلمان وتعطل جلساته، وتفجيرات الخميس الدامي، تجلياً صارخاً لأزمة الحكم المتعمقة، التي تعود جذورها الى الأسس الخاطئة التي قامت عليها العملية السياسية، متمثلة في منهجية المحاصصات الطائفية والاثنية وتكريسها في عملية إعادة بناء الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية.
فما شهدناه من تسييس فاضح للقضاء في الأزمة الأخيرة، وقبل ذلك من تزييف لارادة الناخبين في انتخابات آذار 2010، وما أعقبها من عملية تشكيل ما يسمى حكومة الشراكة الذي استغرق أكثر من ثمانية أشهر ولم يكتمل حتى اللحظة، هو كله تجلٍ لنهج المحاصصة وخيم العواقب.
أما الحديث عن حكومة أغلبية فلن يغير من الأمر شيئاً ذلك أنه سيقوم على أساس النهج ذاته، ولن يكون سوى إعادة اصطفاف جديدة في مسلسل الصراع المتواصل على السلطة.
وفي غضون ذلك تستمر نزعة التسييس في سياق نهج المحاصصة ذاته، مما يكشف من بين حقائق أخرى، عن أنه لا يمكن معالجة بناء الدولة بدون التخلي عن هذا النهج والتوصل الى توافق وطني حقيقي في ضوء تغير تناسب القوى السياسي والاجتماعي.
ولا ريب أن من بين أخطر الحقائق المريرة أن القوى التي تصدرت المشهد السياسي وهيمنت على مقاليد الحكم خلال السنوات الثمان المنصرمة أثبتت، في التطبيق العملي، فشلها الذريع في مهمة إعادة بناء دولة مؤسسات وقانون تضمن حقوق وحريات جميع مواطنيها دون تمييز.
وعلى الرغم من تصاعد المطالبات الشعبية بضرورة وضع حد للصراع المحتدم بين القوى المتنفذة على السلطة والنفوذ والامتيازات والمغانم، والاحتكام الى صوت العقل لتفادي دفع البلاد الى الهاوية وإعادتها الى حرب طائفية تهدد وحدتها، على الرغم من ذلك تواصل هذه القوى تصعيد الاتهامات المتبادلة، وتلجأ، كما جرى في السابق مراراً، الى اعتماد أساليب الابتزاز لانتزاع أقصى ما يمكن من تنازلات من الخصوم بهدف الحفاظ على مواقع السلطة بأي ثمن.
ولئن بدت القوى المتنفذة المتصارعة تتفق، ظاهرياً، على التوجه الى عقد "مؤتمر وطني عاجل"، فانها تريده، في الحقيقة، مؤتمراً آخر أو "لقاء قمة" لابرام صفقة تسويات ومساومات جديدة تضمن من خلالها تكريس هيمنتها وتقاسم مواقع النفوذ، بدل أن يكون مثل هذا المؤتمر فرصة لاجراء مراجعة جادة لمسار العملية السياسية ومآلها بهدف إجراء إصلاح جذري يضمن التخلص من نهج المحاصصة والالتزام بميثاق وطني أمام الشعب. ومن ناحية أخرى فانه لا يمكن لمثل هذا المؤتمر، إذا ما أريد له أن ينقذ البلاد من أزمتها المستعصية، أن ينجح دون مشاركة فاعلة لكل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتأمين رقابة شعبية على سير أعماله ونتائجه وتطبيقاتها العملية.
ومن دون ذلك لن يكون هذا المؤتمر سوى ستار يحجب الأسباب الحقيقية لأزمة الحكم، وحل ترقيعي ومعالجة آنية قاصرة ستؤدي، لا محالة، الى إعادة انتاج الأزمة بأشكال جديدة لا تقل خطورة عن سابقاتها وتدفع البلاد الى مزالق مهلكة. أما أبناء الشعب من الكادحين والمحرومين فهم الضحايا الذين يدفعون دماءً ومعاناة ثمن السياسات الهوجاء للمتنفذين ممن يبقون، في قصورهم المحمية، بمنأى عن تداعيات سياساتهم، وبمنجى من المساءلة القضائية.
أما انسحاب القوات الأميركية نهاية العام الحالي فقد أصبح بالنسبة لكثير من المتنفذين تدشيناً لمرحلة جديدة توفر فرصة لتغيير تناسب القوى لصالحها وتصفية حساباتها مع منافسيها وخصومها في الحكم، بدلاً من التعامل مع هذا الحدث الهام باعتباره منعطفاً على طريق استعادة السيادة الوطنية الكاملة.
وأما الحديث عن أن الأميركان كانوا القوى الضامنة للاستقرار ومنع تصدع وحدة البلاد فليس سوى وهم تكشفه تجربة السنوات الثمان المنصرمة. فهذا الوجود العسكري أخفق في تجنيب البلاد شرور الارهاب والعنف الطائفي والتدحلات الخارجية، أي أنه كان جزءاً من المشكلة لا من الحل.
ولا ريب أن أبرز حقائق المشهد السياسي في البلاد تتجلى في فشل القوى المتنفذة في توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الحرة الكريمة لأبناء الشعب. وبالتالي فان على القوى الديمقراطية أن تصعد مطالبتها بالانتخابات المبكرة، وتمهد لذلك بحملة شعبية لتأمين مستلزمات انتخابات ديمقراطية حقيقية عبر تشريع قانون أحزاب ديمقراطي، وتعديل قانون الانتخابات الحالي الجائر، وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات.
ويمكن لهذه الانتخابات، إذا ما توفرت لها الشروط الضرورية، أن تمنح الناخبين فرصة قول كلمتهم بحق القوى المتنفذة التي خذلتهم وفرطت بمصالح الشعب ومصائر البلاد على مذبح أهوائها المقيتة.
* * *
ينبغي أن تتوقف اللامبالاة بمعاناة الملايين ومآسيهم، والاستهتار بالدستور واستقلالية القضاء، والادعاء الزائف بأن الأوضاع الأمنية تحت السيطرة، ونزعة الاستئثار وتهميش "الخصوم"، والصراع المحتدم الذي يمكن أن يؤدي الى التفتيت الدموي وبلقنة العراق.
أقُدِّر لهذه البلاد أن تستباح على يد أبناء جحدوا زكي دمائها وراحوا يتصارعون تاركينها تحتضر تحت ثقل نوائب قل نظيرها وتمضي في وحشة الى حتفها !؟
ما الذي بنا وبالبلاد يفعلون !؟