أحمد بهاء الدين شعبان: -التصويت للاخوان مشروط بحل مشاكل المجتمع الاساسية-


اسماء اغبارية زحالقة
2011 / 12 / 22 - 14:53     

في اعقاب الانتخابات في مصر

أحمد بهاء الدين شعبان: "التصويت للاخوان مشروط بحل مشاكل المجتمع الاساسية"
حوار / اسماء اغبارية-زحالقة

احمد بهاء الدين شعبان هو عضو مؤسس للحزب المصري الاشتراكي المشارك في تحالف الثورة مستمرة. في حوار معه في اعقاب الانتخابات يصف الوضع المعقد في مصر اليوم خاصة ازاء المواجهات في التحرير، اسباب التصويت للاخوان المسلمين والاستحقاقات السياسية المترتبة عليه، وضع الشباب الثائر وكذلك رؤيته لكيفية بناء اليسار الجديد كقوة سياسية لحماية الثورة وتحقيق مطالبها. اجري الحوار في 19 ديسمبر 2011.

كيف تصف لنا الوضع العام في مصر؟

الوضع صعب، فالثورة حققت انجازا ضخما بإسقاط النظام ولكنها لم تستكمل بسبب ان السلطة ليست بيدها. يدور الآن صراع إرادات عنيف حول من الذي سيقطف ثمار الثورة. الثورة المضادة تتشكل وتعيد تكوين نفسها. البنية الاجتماعية والاقتصادية لا تزال قائمة لم يتم تقويضها او تفكيكها. المشكلة ان انهيار النظام القديم فكك الآلة القمعية المباشرة ولكن أسسها لا تزال قائمة ويُعاد تكوينها وهي مسنودة برجال الاعمال الذين لا يزالوا قائمين ويدعمون إعادة بناء الآلية الاستبدادية.

عندما تقول القوى المضادة للثورة، من تشمل ضمن هذا التعريف؟

القوى المضادة تشمل اولا المجلس العسكري، وتشكيلات النظام القديم التي لم يهدم منها سوى القشرة الخارجية، أي الرئيس السابق وحاشيته واسرته، اما الطبقة الاجتماعية التي كانت حوله فلا تزال قائمة وكذلك العلاقات الاقتصادية. اجهزة الدولة الفاسدة لا تزال موجودة، وكذلك الأمن بكل مكوناته، حتى لو انها عاجزة عن اداء الدور المباشر الا انها لا تزال قائمة وتُعدّ لإنزالها مجددا.

من الجانب الآخر هناك التيارات الاسلامية، وعلى رأسها الاخوان المسلمون والجماعات السلفية الدينية. هذه الجماعات السلفية كانت من ركائز مباحث امن الدولة، وهي تيار متدين سلبي يقنع المواطن بان الدين يحكم بالولاء للحاكم وعدم الخروج عليه طالما انه لا يمنع المسلم من اداء الفرائض الدينية، وان الخروج عليه كفر وواجبنا الحفاظ عليه رغم فسقه واجرامه حفاظا على الامة ومصالحها.

هذه الجماعات اخذت على مدى 30 سنة فرصة للانتشار، ولها اكثر من 2000 مسجد تمارس من خلالها غسيل الدماغ للفقراء، اخترقت الجامعات والمدن ولها تدفقات مادية هائلة من الخليج وتحديدا قطر، تحت مسميات خادعة مثل تمويل الجمعيات الخيرية، ومن ذلك مثلا الحصول على تبرع بقيمة 150 مليون جنيه لبناء جامع يكلف 5 مليون فقط، اما المبلغ المتبقي فيذهب للتيار السلفي الوهابي، لدرجة انه في أول خروج جماهيري سياسي لهم صاروا القوة الثانية.

كيف تقيّم العملية الانتخابية ونتائجها حتى الآن؟

في هذا الظرف جاءت الانتخابات غير معبرة عن الثورة، ولا تعكس روح وإرادة الاجيال الجديدة والشعبية. لم يتيسر خوض الانتخابات الا للاتجاهات التي تملك تمويلا هائلا، سواء الاسلام السياسي المدعوم من دول الخليج النفطية، او القوى السياسية النيوليبرالية المدعومة من الغرب وتحديدا امريكا. ولا تناقض بين الفئتين من جهة وبين المؤسسة العسكرية من جهة اخرى، فأصلهم جميعا يميني رأسمالي ويسعون للحفاظ على مصالحهم وركائزهم.

الشعب المصري انتظر الانتخابات بأمل كبير، فقد تصور انها ستحمل له الاستقرار وتعالج مشكلات الحياة المتراكمة وتحقق له الفردوس على الارض، كما طرحت الاتجاهات الاسلامية. غير ان المشكلات الاجتماعية معقدة ومتراكمة ولن تحل بسهولة.

الاخوان والسلفيون متفقون على محاولات أسلمة الدولة ومواجهة القوى العلمانية والليبرالية، وكذلك عداؤهم للمرأة والفكر السياسي التقدمي، وينحصر الخلاف بين التيارين الدينيين في من ستكون له الأولوية وموقع الصدارة في الشكل القادم. وعليه، فمن غير الوارد ان يتحالف الاخوان مع الليبراليين، رغم رسائل التطمين. الاخوان قوة مخادعة لا تقول ما تفكر فيه، تلعب سياسة وتعرف ان موازين القوى لن تقبل تطرف السلفيين، فتخفف الوطأة وتعطي احساس بانها تمثل تيارا منفتحا ومتقدما اما السلفيون فهم المنغلقون، خاصة ان جزءا أساسيا من اهدافهم هو تطبيق الشريعة وإقامة الحد عل السرقة بقطع اليد وإطلاق اللحى وغيرها.

هناك خيبة امل لدى الشباب الذين يشعرون بأن الثورة تسرق منهم، وهناك تكالب من الاخوان والسلفيين والاحزاب التقليدية والجيش التي تغتصب حقه وحلمه ببناء دولة مدنية عصرية جديدة. الصراع في ميدان التحرير هو صراع إرادات بين الشباب وبين القوى التقليدية التابعة للنظام القديم. الشباب يشعرون بالخيانة، وهم يستخدمون هذا التعبير، من طرف كل القوى التقليدية والسياسية والمجلس العسكري، وهو ما يسبّب الصدام الدامي، فهم يعتبرون التحرير رمزا لثورتهم، وسقوطه يعني احتواء الثورة. في فترة الانتخابات كان الشباب منشغلين بالدفاع عن الثورة، والاخوان بتجهيز الارض للانتخاب.

كيف تقيّم أحداث التحرير وهل توافق على تكتيك المواجهة المستمرة الذي ينتهجه الشباب؟

انا متعاطف مع الجيل البديع الذي قام بالثورة المذهلة أو على الاقل فجّرها، فهي ليست ثورة شباب بل ثورة متراكمة. لدينا شباب ذكي وقوي له طموح لخلق دولة عصرية متمدنة حديثة متفوقة، شباب متعلم وله كفاءات في التواصل. اختلفت معهم في التكتيك الحالي. كان رأيي بعد انتهاء الثورة انه لا بد من الاحتفاظ بحق التظاهر، لان ما من خطوة تحققت الا بالتظاهر في التحرير، فهو اداة، ولكني ايضا ناقشتهم بان التظاهر والاضراب هي ادوات وليست اهداف وغايات بحد ذاتها. ليس هناك هدف اسمه الحفاظ على الميدان ليل نهار، فالميدان موجود ويمكن استخدامه للضغط.

الشباب محتاج لقيمة رمزية مبالغ بها، فيتمسك بالميدان كالكعبة. ناشدتهم بان يتوجه مئات الآلاف منهم للقرى والتواصل مع الجماهير وتجنيد الدعم للانتخابات، ولكنهم احتقروا فكرة الانتخابات من اساسها، واعتبروها تحايلا على الثورة بينما النظام القديم قائم. وهذا صحيح، ولكنهم تجاهلوا ان هناك واقع آخر يتم تصنيعه ويجب قطع الطريق امام الاسلاميين والنزول للمجتمع. ولكن غلبت قلة الخبرة السياسية ورومانسية الجيل وعدم وجود اداة تنظيمية فعالة، وبسبب "خيانة" القوى التقليدية للثورة التي جرت تتصارع على كعكة وتركت الشباب يواجهون وحدهم آلة البطش العنيفة سواء من الشرطة او الجيش.

الشباب رفضوا فكرة التسييس واعتبروها بيروقراطية، ولكن اليوم بدؤوا يعيدون النظر ويفهمون ان جزءا كبيرا من ازمتهم انهم بلا وعي سياسي او خبرة تنظيمية. فهموا ان الثورة التي ضخّم الاعلام دور الشباب فيها لدرجة جعلت الكل يعتقد ان الشباب قاموا بمعجزة من السماء، لم تكن معجزتهم بل كانت لها ممهدات وماضي وان هناك وعيا سياسيا وتنظيميا سابقا، وانه ما لم يتم اعادة الاعتبار لهذه الامور فلن يتمكنوا من تحقيق مطالب الثورة. لا شك لدي بان المحنة ستصلب عودهم وتكسبهم خبرة.

كنت رفضت اقتراحا من المجلس العسكري بالمشاركة في المجلس الاستشاري، حدثنا عن مصير هذا المجلس خاصة في اعقاب الاحداث الاخيرة في ميدان التحرير.

المجلس الاستشاري على كف عفريت. فقد ضم 30 شخصا، من المثقفين ورجال الفكر وعلماء السياسة والاقتصاد، هدفه المعلن ان يكون مشيرا للمجلس في قضايا التحول الديمقراطي كمرجعية يعرض عليها قرارته قبل إصدارها، الى ان يتم انتخاب رئيس للدولة منتصف السنة القادمة. انا شخصيا رفضت المشاركة لأن لي تجربة مع المجلس العسكري، فهو يستمع للآراء، يجمع المعلومات ثم ينفذ ما يريد، لذا دوره ليس حقيقيا بل مجرد "مكلمة" وغطاء.

وقد فشل المجلس الاستشاري في اول اختبار، وكان المفروض ان يستخدمه المجلس العسكري للتشاور معه قبل الهجوم على الشباب وايقاع قتلى وجرحى، ولكن هذا لم يتم. لذلك استقال اغلب الاعضاء منه، وكانت مطالبة بان تكون هناك استقالة جماعية. ولكن رئيس المجلس الاستشاري، منصور حسن، وهو وزير سابق شخصية ليبرالية محترمة، رأى غير ذلك. وبالمناسبة جميع الاعضاء هم متعلمون ووطنيون ونزيهون ولكن معظمهم اكاديميون لا سياسيين محترفين، وقبل بعضهم العضوية من منطق محاولة التأثير لتطوير الاوضاع وحماية الناس من الفتن. عرفت انني لو قبلت العضوية سأجد نفسي في الازمة الحاصلة الآن، وعلاقتي بالناس وبالميدان وبالاجيال الجديدة اهم عندي لأنهم المستقبل. صحيح ان الاستشارة شكلية، ولكن أي خطأ يحدث، تتحمله.

كيف تقيّم أداء تحالف الثورة مستمرة في الانتخابات؟

يضم التحالف قوى يسارية وشبابية والقطاعات الأوعي من شباب الإخوان (4000 شاب انقطعوا عن جماعة الاخوان وشكّلوا حزب "التيار المصري" ودخلوا كعضو في ائتلاف الثورة مستمرة). نحن كتحالف "الثورة مستمرة" شاركنا في الانتخابات شكليا فقط، فنحن لا نزال نبني أنفسنا. وفي الواقع كانت لدينا وجهتي نظر بالنسبة للانتخابات: إحداها، دعمتها، هي ان الانتخابات لا تمثل القوى الوطنية والثورية ولن ينتج عنها الا برلمان مهمته الاساسية إجهاض الثورة، وان الشروط الموضوعية القائمة لا تسمح بان يصل للبرلمان ممثلو الثورة، لذا من الافضل مقاطعة الانتخابات لتكون لنا شرعية مقاومة نتائجها، خاصة اذا كان الدستور مناقضا لاهداف الثورة.

ولكن آخرون رأوا انه لا يمكن لحزب ناشئ جديد ان يعزل نفسه عن مجتمع يدخل معركة انتخابية، والواجب المشاركة ولو في شكل محدود، على اساس ان الانتخابات هي فرصة للتواصل واكتساب الخبرة والتفاعل مع المجتمع في لحظة المجتمع كله مشغول بالانتخابات. وبعد مناقشات طويلة على دورتين، صوتت الهيئة المؤسسة (50 عضوا) مع المشاركة بأغلبية صوتين فقط والجميع التزم بالقرار.

لم ننجح في دخول البرلمان كقائمة، لاننا لم نشارك بشكل حقيقي. وفي مواقع مثل الجيزة شطبت في آخر لحظة قائمة التحالف التي ترأستها كريمة الحفناوي، بسبب رفض الهيئة القضائية الاعتراف بعضوية العمال في القائمة وذلك لانتمائهم للنقابات المستقلة وليس للاتحاد العام الرسمي للنقابات كما ينص الدستور السابق. نحن اعتبرنا ذلك نوعا من التآمر على العمال وعلى حقهم بالتنظيم السياسي.

بعد الانتخابات سيعاد تقييم وترتيب القوى، وستكون القضية هي تكوين جبهة عريضة لكل القوى المدنية وضد الاستبداد الديني والعسكري، وفي قلبها الاجيال الجديدة. نتائج الانتخابات تمثل تحديا كبيرا ليس فقط لليسار والديمقراطيين والقوى الليبرالية والمدنية، ولا تعكس التوازن الحقيقي لانها جاءت في لحظة تحول أرهقت فيها الجماهير بفعل فاعل على مدى ال11 شهر الاخيرة، وتدهورت اوضاعها ثم طرحت الانتخابات باعتبارها المخرج الذي يمكن ان يحقق رغبات الناس. وهذا غير صحيح، لان الانتخابات لا تحقق البديل بل كان يجب ان يكون هناك دستور ديمقراطي ومن ثم إعطاء فرصة للقوى الجديدة لخوض المعركة الانتخابية.

واضح انه حدث إرباك نتيجة عدم وجود دستور، والسؤال من الذي سيشكل الحكومة هل البرلمان او المجلس العسكري الذي يستند الى الاعلان الدستوري الذي صيغ قبل الانتخابات؟ هل نكون نظاما برلمانيا ام رئاسيا؟ القوى الدينية كانت رفضت سن دستور جديد، خشية ان يكون دستورا مدنيا. الآن الاعلان الدستوري يعطي سلطة للمجلس العسكري بتشكيل حكومة وتعيين رئيس وزراء، ولكننا نسير بلا دليل.

يرى الكثيرون ان نجاح الاسلاميين يعني انتهاء الربيع العربي وسقوط مشروع الديمقراطية، هل انت قلق على مصير الثورة؟

التيارات الاسلامية والديمقراطية وكذلك المجلس العسكري، كلها في مأزق. القوى الدينية وُضعت في محك حل المشكلات الاجتماعية، فالتصويت لها كان مشروطا بان تحل مشاكل المجتمع الاساسية. وهذا الحلم يحتاج الى إجراءات صارمة وشد الحزام لسنوات طويلة والتدخل الحاسم للدولة لاسترداد الاموال المنهوبة واعادة الاعتبار لدور الدولة الاجتماعي. وهذا العمل لا يمكن ان يتيسر الا بظروف معقدة. مستبعد جدا ان يتخذ الاخوان اجراءات لصالح الناس لانهم ينتمون للطبقة البرجوازية ومصالحها التي تفضل الخصخصة وليس العكس. لقد سوّغوا للناس فكرة ان الانتخابات ستعيد الاستقرار وسيعيش المصريون في أحسن حال، ولكن الآن جاء وقت الاختبار. ولسان حال الناس يقول اننا جربنا مبارك والسادات وسنرى ماذا سيفعل الاخوان، وإن لم يحققوا لنا ما نريد فنحن نعرف الطريق للتحرير والانتخابات المجددة.

الإقبال على الانتخابات كان عظيما، ويشير ان الشعب يستعيد دوره في تقرير مصيره، حتى لو اعطى الاخوان صوته فهو قادر ان ينزع السلطة منهم. والاخوان يدركون ذلك تماما. وعمليا، هذه المشاركة الكبيرة هي التي جعلتني اغير موقفي بشأن المقاطعة.

مصر فيها 60-70 ألف مسجد تستخدم لإشاعة افكار مثل ان من ينادي للديمقراطية كافر او ان الاقباط كفرة، وهو كلام في منتهى الخطورة. احزاب دينية ترفع علنا شعار تطبيق الشريعة واننا دولة دينية وان الشرعية الديمقراطية تعني العداء للاسلام، وان من يصوت لليبرالي او العلماني او المسيحي هو كافر، هناك مليارات الجنيهات تتدفق من الخليج، كل هذا يؤدي الى انتخابات مشبوهة ونتائج لا تعكس بالضرورة توجهات المجتمع.

ولكني لست قلقا، فالديمقراطية تسير باتجاهها، الاهم ان الشعب اختار بارادته الحرة، ولكن في النهاية لا يمكن القول لا للانتخابات، لان من حق الناس ان تجرب وتأخذ قرارها ثم تعدّل المسار اذا المنتخَبين أخطؤوا. الناس تشعر انها قادرة ان تقول لا لمن وعدها ونكث بوعوده. لذا لست قلقا من نتائج الانتخابات لاني اعتبر ان العملية الديمقراطية ستأخذ وقتا، ولا يمكن اسقاط نظام مستبد ب18 يوما فقط، لان الثورة بحاجة ان تأخذ وقتها ولها مدى مفتوح، وما رأيناه في 18 يوما في يناير - فبراير هو في تقديري الموجة الاولى من الثورة، ولكن هناك موجات ومراحل اخرى قادمة سيكون لها بعد اجتماعي. وهو واقع آخذ بالتشكل باستمرار، منذ يومين كان تهديد لعمال الغزل والنسيج، عبارة عن 70 الف عامل، في المحلة وكفر الزيات وكفر الدوار، بإعلان الاضراب اذا لم يحصلوا على حقوقهم.

خلال الفترة الاخيرة شهدنا إضرابات في الموانئ، في صفوف المعلمين والاطباء وقطاعات اخرى. وفي رأيي ان التجربة القادمة ستكون فيها نهاية اسطورة الاخوان والفردوس الموعود على الارض، لان سقف التوقعات عال والناس تنتظر ان تُحل مشاكلها. ونحن نرى كيف تتصعب الحكومة برفع الحد الأدنى للاجور الى 700 جنيه. الفترة القادمة ستشهد المزيد من الانفجارات جوهرها الصراع الاجتماعي الذي بدأ يعود الى صدارة المشهد.

كيف تتوقع ان يكون شكل التحالفات في البرلمان القادم؟

الجيش والاخوان والسلفيون متقاربون جدا، ومعهم الطبقة الرأسمالية وأحزابها مثل "المصريون الأحرار" التابع لرجل الأعمال نجيب ساويرس، وبالتالي هذا الحلف موضوعيا سيستبعد القوى الديمقراطية الوطنية التي ترى انها يمكن ان تكون مسلمة ولكن ضد التطرف الديني والسلفيين بل تريد الاسلام المعتدل المصري الطبيعي، من هنا فالبرلمان لن يعبر عن الطبقات الشعبية. البرلمان يضم اثنين من شباب الثورة، وهناك تمثيل ضعيف للمرأة (عشر سيدات) ولا تمثيل للاقباط الا بشكل هامشي جدا، أي ان هناك اربعة قطاعات سيتم تهميشها وستغيب عن البرلمان: الطبقات الشعبية، الشباب، المرأة والاقباط.

مشاكل البرلمان كبيرة وقد لا يقضي مدته. من ناحية قانونية، سيتم حله بعد صياغة الدستور، اذ من المرجح ان يتم إلغاء المادة في الدستور السابق (الذي جرت على اساسه الانتخابات) والتي تنص على ان يكون 50% من البرلمان من العمال والفلاحين، لانه في الحقيقة تم دائما التحايل على هذا البند من قبل الحزب الوطني والاقطاعيين، فكان الشرطة يترشحون كعمال والاقطاعيون الكبار كفلاحين. خلال عام يمكن ان يحل البرلمان بإصدار الدستور، وحتى إن لم يحدث هذا سيكون على البرلمان ان يواجه تحديات هائلة شاقة لان الناس لن تصبر لان الاوضاع الاقتصادية متدهورة للغاية، فالتضخم عال والبطالة متزايدة، حتى الطبقة البرجوازية ضعفت، والاخطاء التي تهدد بارتكابها جماعة حزب النور السلفي بموضوع السياحة مثل تغطية التماثيل بالشمع، كلها لن تقرب الاستقرار.

ما المتوقع ان يكون شكل نظام الدولة الجديدة، برلمانيا ام رئاسيا، وما هو موقف الاسلاميين؟

من الصعب ان يكون النظام برلمانيا كاملا، لان المؤسسة العسكرية وجهاز الدولة التقليدي ضد المسألة على الاقل في المراحل الاولى من البرلمان القادم. هناك حرب بين المجلس والاسلاميين حول تشكيل الهيئة التأسيسية، الجيش أعلن انه لن يقبل ان تكون مصر دينية بل مدنية، وهناك صراع على الهيئة التي ستصوغ الدستور. من الارجح ان يكون هناك نظام رئاسي-برلماني يتم فيه تقاسم السلطات، تقل السلطات الممنوحة لرئيس الدولة الذي تمتع في النظام السابق على ثلثي السلطات السيادية، وقد تبقى للرئيس سلطة تشكيل الحكومة وتعيين رئيس الوزراء، وهذا سيبقى محل صراع.

الاخوان مدركون المأزق، فهم محنّكون سياسيا ولذا يعطون تطمينات للمجتمع الدولي والمحلي، طمأنوا امريكا بالنسبة لمصالحها وبالنسبة للعلاقة مع اسرائيل والحرص على اتفاقية كامب ديفيد ويبعثون رسائل تطمين للاقباط والقوى السياسية، ويعطون الانطباع بانهم حريصون ان يبقى الحكم القادم ائتلافيا، ولكن بالنسبة للرأي العام أي فشل سيتحمله الاخوان لانهم في صدارة المشهد.

يطرح الاخوان سعيهم الى حكومة متوازنة بمشاركة الجميع والدخول في تجربة تعددية، لتطمين القوى السياسية وانهم ليسوا قوى انقلابية بل يسعون لتوافق مجتمعي، أشبه بالاتراك رغم انهم رفضوا علمانية الدولة. نتيجة خبرتهم السياسية يدرك الاخوان ان الوضع معقد، وان هناك مخاطرة في الانفراد بالسلطة لانهم قد ينفردون ايضا بدفع الثمن، والناس لن تصبر. فالتصويت لهم كان تحمليهم مسؤولية إخراج المجتمع من ازمته.

للاخوان خبراء اقتصاد ويعرفون ان حل قضايا المجتمع ليس من السهولة بمكان، بل يحتاج الى مشروع نهضوي يقتضي اجراءات صارمة لن يقدروا عليها، وستدخلهم الى صراع كبير. فالمطلوب تأمين مصادر الدخل الوطني، استرجاع دور الدولة والقيام بنوع من التأميم للمشاريع الكبيرة، وكلها اجراءات صعبة على الاخوان. لذا سيحاولون بمجرد انتهاء الانتخابات القيام بمشاورات مع حزب الوفد رغم فك التحالف بينهم، فالوفد حزب انتهازي وسيسعى لتعويض فشله في الانتخابات من خلال الحصول على الوزارات، وهناك احزاب اخرى قد تجد فرصة مشابهة، وكما هو معروف فالمبادئ تغيب عند توزيع المقاعد.

الى أي مدى سيحترم الاسلاميون الحريات، وكيف سيؤثر التحالف مع العسكر والقوى الرأسمالية تحديدا على حريات التنظيم النقابي للعمال والحق بالاضراب؟

سيكون هناك خطر حقيقي على الحريات الاساسية والحريات النقابية، لان الاخوان حزب منضبط قائم على السمع والطاعة واصدار تعليمات من المرشد وليست لهم فكرة تعددية الاصوات والاضرابات والاعتصامات والتعبير عن الرأي، فهذه بالنسبة لهم خارج ثقافتهم. حتى ما قبل الانتخابات بيومين كان مرشّحوهم يقبّلون يد المرشد. المتوقع انهم سيسعون للسيطرة على الاضرابات والمظاهرات وأشكال الاحتجاج الشعبي وقد يستخدمون لهذا الغرض قواتهم الامنية الخاصة بهم. لن يتمكنوا من منع الحريات في الدستور، لانهم يحاولون الظهور كقوة مدنية وان السلفيين هم المشكلة، ولكن سيحاولون السيطرة على الحريات النقابية.

الاخوان في مأزق ازاء الضغوط الاجتماعية، فهم يريدون شيئا أقرب الى حزب "العدالة والتنمية" التركي، ولكن المشكلة ان تطور العدالة والتنمية في تركيا ارتبط ببيئة علمانية عميقة في الجذور التركية وقوى سياسية ليبرالية ويسارية موجودة بقوة، وهذا غير متوفر في مصر. يحاولون الظهور بالمتنورين، ولكن الجدل داخلهم عنيف بين اجيال شابة أقرب للاسلام المدني وهي اكثر انفتاحا، وبين العناصر القديمة المتقدمة في السن والمغلقة التي تربت في التنظيمات السرية وخاضت تجربة السجن زمن عبد الناصر وهي اقرب للاتجاهات الاصولية المتشددة. هناك تطور ايجابي باتجاه التمدين. في السنوات الاخيرة القيادات القديمة هي التي سيطرت على الاخوان وطهرتها من رموز التحديث الداخلي، من اشخاص مثل عبد المنعم ابو الفتوح، المرشح المستقل للرئاسة وهو ذو ميول اسلامية منفتحة.

مع ان الاسلاميين اعلنوا عدم ترشحهم للرئاسة، الا ان اغلب الظن ان يصوت الاسلاميون لابو الفتوح، ومع هذا فالرئاسة ستكون محجوزة لمن يرضى عنه الجيش. وستكون هناك اتفاقات لتسوية الموضوع، لانه ليس من الممكن ان يتنافس الاسلاميون على البرلمان والرئاسة معا، وهم انفسهم لا يريدون ذلك.

ماذا يحدث مع العمال، التصويت في المحلة وشبين الكوم والمواقع العمالية الى اين ذهبت الاصوات؟

المحلة شاركت في الجولة الثانية من الانتخابات لذا لا نعرف بعد كيف كان التصويت. ولكن حتى الآن ذهبت الاصوات للكتلة المصرية والاخوان ولتحالف الثورة مستمرة. ويجب ان نذكر ان الاخوان موجودون في المدن الصناعية بسبب فقرها الشديد.

الى أي مدى جلبت الثورة كوادر جديدة لليسار؟

الثورة جلبت فرصا جديدة لليسار. هناك مئات آلاف الشباب المهتم بالتغيير والتوعية والتربية السياسية، ولكن هذه الفرص ليست مجانية. اليسار مطالب ان يبذل جهدا للتواصل وتغيير خطابه القديم لانه لم يعد صالحا لمواجهة التحديات الجديدة. اليسار مطالَب بتطوير آليات عمل تنظيمي، الاشكال التقليدية لا تتجاوب مع هذا الجيل وحركيته ووجهات نظره وثقافته. وهناك تحديات كبيرة بالتواصل مع الشعب وتجاوز فكرة ان اليسار حالة ثقافية والانتقال للنزول للشارع. الانتخابات بيّنت ان اليسار بعيد عن التواصل الحقيقي مع الناس. سيكون على اليسار المصري ان يتجاوز نقاط الضعف ويطور خطابه السياسي، لان مشكلات المجتمع اعوص من ان تحلها القوى السياسية الأخرى، وسيكون عليه ضمن ذلك تقييم تجاربه السابقة.

ما اهم المميزات السياسية لليسار في مصر وما العنوان الاستراتيجي الذي يريدون تحقيقه: ديمقراطية، اشتراكية، دولة رفاه؟

العنوان طرحته الجماهير وهو "دولة العدالة الاجتماعية"، وهذه دولة ليست اشتراكية ولكنها ليست رأسمالية، بل هي أبعد من النظام الرأسمالي وأقل من الاشتراكي، ولكنها كافية لشعار تعبوي وتكتكي في هذه الفترة. الناس رفعت الشعار، ومضامينها العدالة، حق العمل المناسب، السكن، العلاج، التعليم المجاني او المدعوم، دور اكبر للدولة لصالح الطبقات الافقر والاكثر تضررا، رفع مستوى الاجور.

العمال في هذا السياق محتاجون ضمن المهمات اليسارية لإعادة بحث وتعريف دور العامل في المجتمع، لم يعد دوره العامل الكلاسيكي، بل طرأت تغيرات كبيرة. فالعمالة القديمة تتفكك، من خلال الخصخصة، وتفكيك مؤسسات الدولة الصناعية الكبرى، طبيعة العمال تتغير، ملايين العاملين ليسوا عمالا بالمعنى المباشر، ولكن اوضاعهم تقترب من اوضاع الطبقة العاملة. العمال يجب ان يكونوا في صلب القضية والشباب القوة المحركة للمشروع.