تأملات / المسرح -الوطني- للمجتمع المدني !
رضا الظاهر
2011 / 12 / 12 - 21:11
تأملات
المسرح "الوطني" للمجتمع المدني !
في بلاد العجائب والمصائب ما يزيد على ألفي منظمة مجتمع مدني وهمية .. هذا ما كشفت عنه الأمانة العامة لمجلس الوزراء أواخر الشهر الماضي.
وهو من بين أدلة ساطعة وصارخة على الفوضى التي تعم البلاد منذ "التحرير"، والأزمة الخانقة التي تعصف بها، والمعضلات المستعصية التي تعاني منها، والتي تتجلى على كل صعيد وفي سائر الميادين.
وهذا يفضح، من بين أمور أخرى، ما فعله "المحررون"، الذين أوهمونا وسوانا بأنهم سيقيمون في العراق النموذج الذي يقتدى به، فكان أسوأ نموذج يخشاه الآخرون، وكانت آخر تجلياته أن بغداد اختيرت من بين أسوأ العواصم.
ومن المعلوم أنه إثر قرار "حاكمنا" السابق المستر بريمر المرقم 45 في عام 2003 ظهرت مئات المنظمات "الوهمية" أو "الشبحية". وكانت شروط التسجيل متساهلة الى أبعد الحدود، فاستثمرها اللاهثون وراء المال والجاه، أدعياء "الثقافة" و"المدنية" و"حقوق الانسان" وسوى ذلك من أبواب الحصول على الهبات والصفقات المرتبطة بتأسيس وعمل "منظمات المجتمع المدني". وفي هؤلاء وجد "المحررون" مأجورين يصلحون للتطبيل لنوايا المحتلين وثقافتهم ونمط تفكيرهم "الديمقراطي". ولم يقصر أبناء العم سام في شراء ضمائر من يعرضون بضاعتهم في سوق الفوضى والانحطاط والعواقب الكارثية للانهيار الاجتماعي، وتبديد الأموال الطائلة على هؤلاء المنحدرين الى المستنقعات، والمتسربلين بأسمال "المجتمع المدني"، والعارضين حركاتهم البهلوانية في سيرك "العراق الجديد"، وبينها حركات "مشبوهة".
والحق أن هذا هو، بايجاز، تجسيد لعقل "المحررين" وسياساتهم وأغراضهم وتعبير عن إخفاقهم المخزي في بلاد حولوها الى بلاد شيعة وسنة وأكراد يحكم مدعي تمثيلهم قانون المحاصصات الطائفية والاثنية، بينما يسعى المحتلون الى الامساك بخيوط لعبة تحركات المتنفذين وهم ينغمرون بالصراعات السياسية والفكرية الضيقة الأفق والملتبسة التجليات والمأساوية العواقب.
هكذا وجدنا، وسط هذه اللوحة المثقلة بالنوائب، جيشاً من "مؤسسات ومؤسسي" منظمات "المجتمع المدني" من البارعات والبارعين في الدجل والتمثيل والتباكي للحصول على "التمويل" المنشود من الجهات "الراعية" في ظل غياب الرقابة على التمويل ومصادره، وتقديم التقارير الكاذبة عن أوجه الصرف في سياق "المؤتمرات" وتنفيذ المشاريع، وأغلبها وهمية، وصرف مكافآت أغلبها وهمية لموظفين بينهم "متطوعون" وأغلبهم وهميون، في لعبة باتت مفضوحة أمام الجميع، ولكنها مستمرة على الرغم من كل الفضائح لأن "المقررين" ومأجوريهم هم المنتفعون من منظمات وهمية تكرس "طاقاتها" لانقاذ الأرامل والأيتام والمعوقين وسائر ضحايا المعاناة من محنهم التي تبدو بلا نهاية ولا يمكن أن ينصفهم ويخلصهم من هذه المحن الا "نشطاء المجتمع المدني" !
ولا يندر أن نجد بين "فارسات وفرسان المجتمع المدني" من يجلبون أفراد عوائلهم، ممن يعيشون في "بلاد الكفر" ويقبضون مخصصات من حكوماتها وهم يخفون مصادر "معيشتهم"، للعمل في منظمات المجتمع المدني "وتحويش" ما يمكن من ثمار الركوب في عربة المجتمع المدني قبل أن يصل القطار الى محطته الأخيرة فينزل ركابه متفرقين، وقبل أن تضيع فرص النهب، حيث الشعار العراقي المميز: أكبر قدر ممكن من النهب في أقصر فترة ممكنة !
ويبرع القائمون على منظمات المجتمع المدني في ابتداع أسماء براقة لمنظماتهم وتدبيج برامج وأهداف "إنسانية" ضمنت لجيوبهم الأموال، ووفرت لبعضهم فرص الحصول على اللجوء في الخارج على أساس مزاعم تعرضهم الى تهديدات ذات طابع "سياسي" أو "طائفي".
وبعض هذه المنظمات لا يعدو أن يكون واجهة لحزب أو كيان أو دولة اقليمية أو أجنبية أو مخابرات دولية، وقد تحولت الى سبيل ناجع لتنشيط النصابين والمختلسين والمزورين للوثائق والحقائق والمتاجرين بآلام الضحايا والمحرومين.
وهناك منظمات في دول الجوار تقوم بدور الوسيط بين الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني لتتلقى عمولات عن هذه الوساطة من المخصصات التي يفترض أن تصل الى من تأسست المنظمة من أجل حقوقهم.
ومما يلفت الأنظار أن القانون الحالي يخلو من الاشارة الى التزام الدولة بمنظمات المجتمع المدني على خلاف الوضع في اقليم كردستان حيث يخصص جزء من الموازنة لدعم المنظمات. ويضع القانون، المثير للجدل والالتباس في أحكام تسجيله ومواضع أخرى منه، منظمات المجتمع المدني تحت اشراف رئيس الحكومة مباشرة وهو ما اعترضت عليه منظمات مجتمع مدني حقيقية وفاعلة، ذلك أنه يفقدها استقلاليتها ويكبلها بقيود السلطة التنفيذية.
* * *
أدعياء "الانسانية"، المتزلفون الى السلطة، والمتّبعون، في الجوهر، منهجها، والخائفون عليها وإن زعموا الخوف منها .. السائرون في ركابها، وماسحو أحذية السلاطين .. العارفون من أين تؤكل الكتف .. و"الأسطوات" في شم رائحة المال والجاه وسائر "المكاسب" المبتذلة .. حفّاظ النصوص الجاهزة الممتثلون للأعراف والمعايير المزدوجة .. الباحثون عن الأضواء ومتصنعو الابتسامات المستعدون للوضاعات .. هؤلاء هم بعض من خلقهم عقل "المحررين" ومحاصصات المتنفذين .. وهذا هو زمن متصدرات المجالس والمتصدرين والمستعرضات والمستعرضين ..
ألسنا بحاجة الى مسرح "وطني" نعرض عليه كوميديا المجتمع "المدني" السوداء وتراجيديا البلاد التي "تزدهر" فيها منظمات مجتمع "مدني" وهمية مثلما "يزدهر" نبت شيطاني في مستنقعات "التحرير" والعراق "الجديد" !؟