|
الأزمة الرأسمالية الراهنة وعدم راهنية النظرية الكينزية المستجدى بها
محمد بودواهي
الحوار المتمدن-العدد: 3537 - 2011 / 11 / 5 - 19:43
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
دخلت الرأسمالية في أزمة عميقة من المؤكد أنها أكبر من كل أزماتها السابقة . فالانهيار المالي كبير جدا ويمكن أن يفضي إلى ركود اقتصادي طويل الأمد حيث بات المال عبئا ثقيلا عليها وأصبح يقوم بدور تدميري هائل وهو الدي يمكن أن يهيء الأرضية المناسبة لتحقيق تحولات جدية في الحراك الشعبي والاجتماعي العالمي الدي قد يكون هده المرة عاصفا على خلاف كل الأوهام التي بنت أبراجها على حكاية نهاية التاريخ السفسطائية . إن العجز في الميزانية وفي الميزان التجاري والمديونية المرتفعة على الدولة وعلى الشركات والأفراد هي أمراض اقتصادية ناتجة عن إشكالية رأسمالية يعيشها الاقتصاد الأمريكي والغربي عموما بسبب التراكم المالي الهائل الدي بات خارج التوظيف في الاقتصاد الحقيقي للدولة والدي أصبح لا مكان له سوى المضاربة ... وهو الأمر الدي أسس لكثافة في التوظيف والتشغيل في قطاعات غير منتجة ، مثل العقارات ، توظيف لا يجلب فائض القيمة ولا يراكم في الإنتاج بل يعتمد على المضاربات مما تعنيه من ارتفاع في أسعار السلع دون أي مرتكز اقتصادي وهو الشيء الدي يِؤدي إلى تكاثر التراكم المالي دون أي إنتاج فعلي وحقيقي . إن الانهيار المالي الحالي نشأ في قلب النظام الرأسمالي ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو أخد في الانتشار ليؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره . فالبنوك الأوربية التي كانت من أهم الزبائن في سوق الرهون العقارية أصبحت اليوم سامة . وقد بدأ امتصاص الاقتصاديات المصدرة الكبرى ، اليابان - الصين - ألمانيا .. ، إلى الأزمة في وقت تتقلص فيه الأسواق لسلع تلك الدول . وبدلك يترائى في الأفق ركود عالمي على نطاق ما حصل في أواخر عشرينيات القرن العشرين . ولمعالجة هده الأزمة وإنقاد الاقتصاد الرأسمالي منها نادى الكثيرون من علماء الاقتصاد والسياسيين بالعودة إلى النظرية الكينزية والعمل بها بينما تجاوزها الكثيرون ودعوا إلى تبني نظام رأسمالية الدولة في الوقت الدي أكد فيه الشيوعيون بأن لا مخرج من هده الأزمات إلا باعتناق المدهب الاشتراكي والقضاء نهائيا على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج . فما هي إدن النظرية الكينزية التي يطالب بها هؤلاء ؟ وما هي الانتقادات الموجهة إليها ؟ تأسست المدرسة الكينزية من طرف المفكر الاقتصادي كينز عقب الحرب العالمية الثانية من أجل إيجاد حل للأزمة الاقتصادية العالمية 1934 على مبادئ وأسس تختلف في جوهرها عن الأفكار الاقتصادية التقليدية . فهي لم تدع إلى هدم النظام الرأسمالي وإنما إلى تطويره ودلك عبر تدخل الدولة لإحداث التوازن الاقتصادي وعبر فرض الكثير من القيود على الحرية الاقتصادية للشركات والأفراد . فالنظرية الكينزية حققت رواجا كبيرا في الأوساط الأكاديمية والإقتصادية نظرا لطبيعتها الإسعافية أمام عجز النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي كانت سائدة قبل كينز عن تفسير الكساد الكبير وعن تزويد الدولة بأفكار تمكن من رسم سياسة اقتصادية تخرج الاقتصاد الرأسمالي من هدا الكساد وتضمن بالتالي تجدد إنتاج هياكله . وفي هدا الإطار أبرز كينز بشكل قاطع دور الطلب الفعلي وبين كيف أن تراخيه يؤدي مباشرة وبشكل تلقائي إلى الانكماش . فالمشكل الرئيسي هو كيف يمكن إنعاش الاقتصاد ومواصلة الاستثمار لتجنب البطالة ، وهو ما يقتضي حسب كينز تعبئة الأموال العاطلة وتوظيفها ، ودلك باتباع ثلاثة إجراءات رئيسية : 1 _ إحياء الطلب الفعلي . 2 _ تسهيل توظيف الأموال في الإنتاج بتخفيض سعر الفائدة . 3 _ زيادة الإنفاق العام حيث يترجم إلى أجور ودخول تسهم في إنعاش اللطلب . لقد أبرز كينز دور الطلب وأوضح كيف أن انخفاض الطلب يؤدي إلى الركود . والحقيقة أن انخفاض الطلب هو النتيجة الطبيعية لسوء توزيع الدخول . بمعنى أن تركيز جزء كبير من الثروة في يد أقلية بورجوازية لا بد أن ينتج عنه تراخي الطلب لأن النسبة الكبيرة من حجم الطلب يقع على عاتق أغلبية الناس ، ولما كانت هده الأغلبية الفقيرة لا تجد مداخيل كافية فإنها ستتسبب في خفض الطلب لأنها عاجزة عن الشراء . وبهدا ينتقل الاقتصاد الرأسمالي باستمرار من الفقراء إلى البرجوازيين إلى أن يصل إلى نقطة الانكماش ، وبالتالي تحصل الأزمات . ورغم أن الكينزية استطاعت أن تحقق توازنا نسبيا بين المعطيات الاقتصادية مثل الاستهلاك والادخار والعرض والطلب والإنتاج والتوزيع إلا أنها عرفت انتقادات حادة تمثلت حسب المتخصصين في : مستوى أدوات التحليل المستعملة ، ومستوى مفهوم التوازن الدي تدافع عنه النظرية وأخيرا مستوى السياسة الاقتصادية المقترحة . فهي نظرية خاصة بالأجل القصير فقط ومن تم فهي لا تصلح لتفسير التطورات الطويلة المدى . كما أنها اتسمت بالطابع الستاتيكي الساكن إد هي لا تأخد بعين الاعتبار حركة النظام الرأسمالي ومشكلاته ومستقبل النمو فيه . هدا زيادة على عجزها عن حل الأزمات على المدى الطويل بسبب افتقار جهازها التحليلي للبعد الزمني وعجزها عن إيضاح لمادا يبتعد النظام الاقتصادي بين فترة وأخرى عن تحقيق التوازن الكلي المستقر . ففي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية لا يمكن للنظرية الكينزية أن تلعب أي دور علاجي مرتقب ودلك لأن الرأسمالية الاحتكارية العالمية وصلت إلى حدود إفلاس لا رجعة عنها . وبناء عليه فإن خلاص البشرية لا يمكن أن يأتي إلا إدا استنهضت كل القوى الاشتراكية والشيوعية المخلصة لخطها النضالي الأصيل وكل الطبقات العاملة على مستوى العالم وكل الشعوب المضطهدة والمستغلة أبشع استغلال كل قواها واستنفرت كل طاقاتها وبدلت كل مجهوداتها من أجل إزاحة القيادات النقابية الانتهازية الخائنة لقضايا العمال والفلاحين والفقراء والقيام بالثورات الشعبية الرصينة والمنظمة ضد أنظمة العار العميلة للإمبريالية والإمبيالية نفسها وإقامة أنظمتها الاشتراكية الديموقراطية البديلة محلها .
#محمد_بودواهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دولة المخزن والسيرورة التي لا تريد أن تنتهي
-
لا خلاص لشعوب المنطقة إلا في الاشتراكية ... وفي وجود قيادات
...
-
ما هي الطبيعية الوجودية ؟
-
الثورات العربية والشمال إفريقية : حجمها وأفقها....
-
الرأسمالية المأزومة والنهوض الشعبي المتوقع
-
الأحزاب الشيوعية ومهام الحاضر
-
المفهوم الضيق والمتناقض للهويات والإثنيات والقوميات عند السي
...
-
مقال السيد سعيد الكحل وعصا الابتزاز
-
حركة 20 فبراير: الإنجازات والتحديات ....
-
الملكية التنفيدية ودولة المخزن ( الحرايمية )
-
من دولة المخزن إلى دولة القانون
-
مطالب الإصلاح والأفق المفتوح للسيرورة النضالية في المغرب
-
محطة 20 مارس والتحديات المطروحة على الدولة المغربية
-
الثورة الليبية والمؤامرة الغربية المدبرة
-
تطورات الوضع في المغرب في ظل الدينامية النضالية الإقليمية
-
المغرب والجزائر : بين الاتفاقيات الرسمية المشبوهة وضرورة الت
...
-
الأسباب الكامنة وراء تأخر المغرب في مواكبة الانتفاضات الشمال
...
-
القدافي - الثائر - والقدافي المتسلط
-
ملخص للأجواء التي تمت فيها تظاهرة 20 فبراير في مدينة خنيفرة
-
القيادة العسكرية وتخوفات الشعب المشروعة من إجهاض أهداف الثور
...
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|