جاسم محمد كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 3527 - 2011 / 10 / 26 - 23:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدوا إن المتفائلين بالربيع العربي قد أصابت رؤوسهم مطرقة الذهول وكسرت أقلامهم كارثة الخيبة لان صورة المستقبل القادم كشفت بسرعة عن لونها المشئوم المصبوغ بالسوداوية .
وظهر جليا الخلل بطرفي معادلة الطموح والواقع وأنهما غير متساويين أبدا بعد صعود التيارات الإسلامية إلى كرسي السلطان ومنصة القرار وأصبحت القوى التنويرية التي حلمت كثيرا بالتقدم خطوات إلى الإمام من أسوار الحرية في حيرة من أمرها تضرب أخماس بأسداس بعد إن خان الواقع وصم أذنيه عن خطابها الجديد وإن كان خطابها القديم الحالم بالتغيير له ما يبرره و يسمعه لأنة يضرب مساميره ذات النصل الفولاذي في جسد الديكتاتورية وتعزف أصابعه على نوطه حقوق الإنسان ورأي الشعب في تقرير مصيره .
وهاهو الشعب يقول كلمته التي ظلت حبيسة أنفاسه وعظام قفصه الصدري ويأتي بالماضي البعيد الغابر ليتسيد منصة الحاضر .
والربيع العربي لا يختلف في درجة حرارته ومعدلات رطوبته النسبية من ماء الخليج في الشرق إلى مياه الأطلسي في الغرب لان العقلية والتفكير تبقى شي واحد ماضي غابر يلملم أذياله ليشكل نفسه مثل دخان المارد السحري الخارج من قمقم الساحر ليزاحم نسمات الحرية القادمة من بلاد الثلوج البعيدة .
ويأتي الخطاب الجديد للأحزاب البدائية التي لا تؤمن أبدا بمخيالها الاستبدادي المعادي للإنسان منغوليا في شكله منافقا في كلماته بادعائه الساذج أنة يملك رؤية جديدة للحياة والإنسان تختلف عما كان يفكر الأسلاف الغابرين .
وتطرح على الساحة نماذج محدثة للسياسة والحكم بطريقة خلط الأفكار وطحنها والخروج بعجينة جديدة تبدأ أبواقه المبثوثة بين البسطاء بالتبشير لها مثلما يفعل مبشروا الديانات بين البدائيين .
المتفائلين بالتغيير سوف يصيبهم القهر ويزاحم نفوسهم الهم وتبيض شعورهم من الحسرة مثلما أصابتنا سهامه من قبلهم بسبع سنوات حين صدقنا المنادين بالماضي وعدالته .
لكن التاريخ يجب إن يسير ليحقق جدله الهائل وان كان التاريخ العربي جثة محنطة في متاحف العاديات لم يتناقض فيه الزمن ليقطف الحالمين بالحرية أزهاره الحقيقية بدل الأشواك الحادة وتنمو في عقلة المغلق أفكارا حديثة تسير بالتوافق مع جدل المادة الذي لا ينقطع ويصبح الإنسان العربي بالتالي نسخة من إنسان كرومانيون المفكر المغير للطبيعة والتاريخ الباحث والعارف لنفسه بنفسه في نهاية المطاف مثل ما صنع إنسان الشمال نفسه وتاريخه .
الربيع العربي لم يحقق ذاته بذاته وذهبت معه دماء "" البو عزيزي " وجسده المحترق سدا في ساحات تونس وربما لن يفرح عازفو الكمان كثيرا وهم يضربون الأوتار وينشدون بمرح لفترة مابعد القذافي لان رياح القادمين تجاه مقود السلطة لاتختلف عن أخواتها في تونس إن لم تكن اشد منها غلظة لتكسر أخشاب الكمان على رؤوسهم إن لم تلف أوتاره البلاستكية على أعناقهم وتعلقهم على الأعمدة كما فعل أنقلابيوا تشيلي " ببالو نيرودا " .
جاسم محمد كاظم
#جاسم_محمد_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟