الاحزاب العربية كتلة مانعة لشارون
اسماء اغبارية زحالقة
2004 / 12 / 6 - 08:51
خطة الانفصال
الاحزاب العربية كتلة مانعة لشارون
امتناع الاحزاب العربية في التصويت على خطة الانفصال التي تدعي معارضتها، يؤكد ان الامر الثابت الوحيد ان هذه الاحزاب غير ثابتة على موقفها. الاحزاب العربية قدمت دعما مجانيا بكل معنى الكلمة لشارون، وصوتت ضد برنامجها عندما سهلت تمرير خطة مصيرية ستكون لها انعكاسات تاريخية خطيرة على الشعب الفلسطيني.
اسماء اغبارية
بغض النظر عن التحليلات السياسية لخطة الانفصال التي ساقها نواب الجبهة والتجمع، فان تصويتهم كان الامتحان الذي كشف حقيقة موقفهم. وكلما اجتهد هؤلاء في تفسير الاسباب الموضوعية التي تستوجب معارضة الخطة جملة وتفصيلا، كلما اتضح مدى الانتهازية التي جعلتهم ينقلبون على قرارهم ويصوتون بالامتناع، ويساهمون بذلك في تمرير خطة شارون التي تسدد ضربة في الصميم للشعب الفلسطيني.
اللعبة السياسية
تذبذبت الجبهة والتجمع في البداية قبل اعلان موقفهما الرافض بشكل نهائي للخطة. الحركة الاسلامية بشقيها كانت الوحيدة التي اعلنت تأييدها للخطة بحجة دعمها لكل انسحاب من كل شبر فلسطيني، وهكذا ايضا صوتت. من نفس المنطلق اعلنت الجبهة في البداية تأييدها للخطة، هذا بالاضافة الى استراتيجيتها الدائمة دعم "اهون الشرين"، وهذه المرة شارون ضد اليمين المتطرف. اما التجمع فاعلن تردده بين المعارضة والامتناع. ولا شك ان الموقف الفلسطيني المتذبذب اصلا من الخطة ساهم في عدم حسم الاحزاب العربية موقفها من البداية.
المقابلة مع دوف فايسغلاس في صحيفة هآرتس (8/10) التي كشفت طبيعة خطة الانفصال، وان هدفها هو تجميد المفاوضات لامد غير محدود، كانت استفزازية بدرجة اضطرت الاحزاب العربية للخروج ضد الخطة، فحسمت نيتها المعارضة.
الاعتبارات السياسية الحقيقية وراء نية العرب التصويت ضد الخطة، كشفها النائب الجبهوي محمد بركة في القناة الاولى للتلفزيون الاسرائيلي، اذ قال بكل صراحة: على كل حال لا احد يأخذ اصوات العرب في الحسبان؟ فلماذا "نأكل السمك العفن ونطرَد من القرية؟" (وهو اصطلاح عبري يعني ان تخرج خاسرا في كل الاحوال – أ.أ.).
وقد صرح مسؤولون في الجبهة والتجمع انهم سيدرسون موقفهم مجددا اذا كانت نتيجة التصويت متوقفة على اصواتهم. بمعنى انهم مستعدون لتغيير موقفهم اذا كان سيؤثر - تغييره لصالح الموقف الاسرائيلي الحكومي.
وطالما كانت الاغلبية مضمونة لشارون لما كان بالامكان تبين حقيقة موقف العرب. ولكن اللعبة السياسية التي لعبها بنيامين نتانياهو خلطت الاوراق. محاولته الانقلاب على شارون وتهديده بالتصويت ضد الخطة، لحظات قبل بدء التصويت، شكلت خطرا على امكانية تمرير الخطة. وهنا دخل حزب العمل الى الصورة ومارس ضغوطا كبيرة على الاحزاب العربية لدفعها على الامتناع على الاقل.
كان هذا ما اراده نواب الجبهة والتجمع: استدراج حزب العمل للتوسل اليهم كي يمتنعوا، وبذلك يُرد اعتبارهم ولو ليوم واحد، ليشعروا انهم ساهموا في صنع قرار ما في هذه الكنيست التي همشتهم يوم همّشت الرئيس الفلسطيني.
في لقاء "بوليتيكا" في القناة الاولى مباشرة بعد حفلة التصويت، حضر بركة مرة اخرى ليفسر امتناعه. في رأيه، وهو نفس رأي التجمع، امتناع العرب هو الذي لوى ذراع نتانياهو، واجبره على التصويت مع الخطة. وقد دفع هذا التصريح النائبة المبتدئة جيلا جامليئل (ليكود) للتساؤل مستغربة: "تقول انك اجبرت نتانياهو على دعم خطة تعارضها! لم يعد واضحا ما هي حقيقة موقفك: هل انت مع ام انت ضد؟".
وفي الواقع ادعاء لوي ذراع نتانياهو وعدم الرغبة في التصويت مع اليمين، قد انتهى للنتيجة العكسية. وبغض النظر عمّن له الفضل في تأييد نتانياهو للخطة، كانت هذه الخطوة مقدمة للمصالحة بينه وبين شارون في 1/11.
امتناع الاحزاب العربية ايضا في التصويت على قانون الاخلاء والتعويض للمستوطنين في غزة، يوم 3/11، يؤكد ان الامر الثابت الوحيد ان هذه الاحزاب غير ثابتة على موقفها. بامتناعها هذه المرة الذي لم يكن مطلوبا لتمرير القرار، تكون الاحزاب العربية قدمت دعما مجانيا بكل معنى الكلمة لشارون، وتكون ك"من حضر عرسا بلا عزيمة فكان قليل القيمة".
صوّتوا ضد انفسهم
لقد صوتت الاحزاب العربية ضد برنامجها في خطة مصيرية ستكون لها انعكاسات تاريخية من الدرجة الاولى. بايجاز نورد تحليل حزب التجمع (في موقعه بالانترنت، 27/10) لخطة الانفصال:
المنطق من ورائها هو استحالة التوصل الى حل سياسي، واستبدال ذلك بممارسة القوة لكسر ارادة الشعب الفلسطيني؛ الاهداف: تأجيل اية تسوية لاجل غير مسمى، تحسين ظروف الاحتلال، منع قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة، توسيع مستوطنات الضفة وضم الكتل الكبيرة لاسرائيل؛ الخطة ليست انسحابا من غزة بل اعادة انتشار للجيش وتحويل القطاع الى جيتو محكوم برا بحرا وجوا من قبل الجيش الاسرائيلي؛ غزو القطاع سيتواصل كلما ارتأت اسرائيل ذلك.
الا ان تصويت التجمع لم يرتقِ لتحليله السياسي. هكذا فسر تصويته: "لقد قررنا رفض الخطة والامتناع في التصويت بالكنيست، لاننا اردنا ان نميّز معارضتنا عن اليمين المتطرف". )www.azmibishara.info/news/nd_20041027.html(
وينسجم هذا مع موقف الجبهة التي تتفاوض هذه الايام مع غريمها التجمع، للتوحد تمهيدا للانتخابات القادمة، وذلك بسبب صعوبة اجتياز نسبة الحسم التي رُفعت مؤخرا الى 2%.
قبل يوم من التصويت نشر امين عام الحزب الشيوعي، النائب عصام مخول، مقالا في www.hagada.org.il، يعتبر فيه الخطة منعطفا تاريخيا مصيريا ويقارنها بكامب ديفيد واوسلو.
يقول مخول ان الحزب الشيوعي والجبهة قررا رفض اتفاق كامب ديفيد الموقع مع المصريين عام 1979، لانه ربط الانسحاب من سيناء بافشال الحل العادل للقضية الفلسطينية. وليس هذا فحسب، بل قاد الى حرب لبنان عام 1982.
ما لا يقوله مخول ان الاعتبار الاساسي وراء رفض الاتفاق، كان معارضة الاتحاد السوفييتي له. وما يؤكد الامر ان الجبهة كانت مستعدة للتصويت ضد الاتفاق رغم ان اليمين المتطرف صوت هو ايضا ضده. وهذا ما يفرغ من مضمونه ادعاء النائب بركة بان امتناعه في التصويت على خطة الانفصال، جاء لئلا يكون في نفس الخندق مع اليمين المتطرف.
ويعترف مخول ان اتفاق اوسلو اجّل القضايا الجوهرية للحل النهائي. ومع هذا ايده لان حكومة اسرائيل اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كشريك شرعي للمفاوضات وللحل السياسي.
الحقيقة التي لا تريد الجبهة الاعتراف بها، ان موازين القوى تغيرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لصالح الامبريالية الامريكية. هذه الاخيرة ارادت فرض هيمنتها على العالم وعلى الشرق الاوسط الجديد من خلال بوابة اوسلو. وفي ظل غياب الاتحاد السوفييتي غيّر الحزب الشيوعي موقفه ب180 درجة. وتحول من معارض للحركة الصهيونية الى حليف معها، وذلك بتشكيله "الكتلة المانعة" في الكنيست التي دعمت ائتلاف العمل وميرتس برئاسة رابين.
اليوم يجيد مخول تفسير الاسباب الداعية لرفض خطة الانفصال، ويضيف انها "ليست خطوة باتجاه اقامة الدولة الفلسطينية، بل محاولة لدفن هذه الفكرة والحل التاريخي الذي آمنا به طوال السنين. ليس في الخطة خطوة للعودة للمفاوضات، بل هي محاولة لابتزاز اعتراف بالادعاء انه ليس هناك شريك فلسطيني، على الاقل في هذه المرحلة وانه بالامكان الوصول الى حل دون شريك كهذا".
ويشير مخول ان خطة الانفصال هي بديل جاء ليقضي على معاهدة جنيف (التي تعتبر الجبهة شريكة فيها – أ.أ.)، والتي تؤكد على وجود الشريك الفلسطيني. ولكن رغم ان الجبهة تأخذ على يسار جنيف دعمه لخطة الانفصال، فان تصويت الجبهة بالامتناع اكد انها هي الاخرى لا تستطيع الفكاك من تحالفها الاستراتيجي مع اليسار الاسرائيلي، سواء حزب العمل او "ياحد"، حتى عندما اختار هذا الاخير الانتحار والانقلاب على برنامجه ودعم شارون.
ورغم ان التركيز يوضع على قضية "الشريك"، الا ان المشكلة الاساسية تبقى في جوهر الخطة وانعكاساتها السياسية على الشعب الفلسطيني. مخول نفسه يحذر:
"كما كان اتفاق كامب ديفيد مقدمة لحرب لبنان التي شنت تحت الشعار الكاذب "سلام الجليل"، كذلك ستكون خطة الانفصال مقدمة لتعميق الاحتلال واشعال الحروب القادمة في اطار الدور الاسرائيلي في الاستراتيجية الامريكية الساعية لبسط هيمنتها العالمية. انه واجبنا التحذير مسبقا لنعرف من البداية من سيتحمل المسؤولية عن اندلاع الحرب القادمة". فهل يا ترى ستواصل الجبهة دق نواقيس الخطر، ام انها ستختفي اذا ظهر "الشريك" ابو مازن مثلا، واعلن استعداده للتعاون مع الخطة.
ان عدم رؤية الجبهة مخاطر اوسلو واعطائها الفرصة لانجاحه، كان خطأ سياسيا. ولكن الخطأ الاكبر انها اليوم تدرك مخاطر خطة الانفصال، ومع هذا ساهمت في تمريرها. لهذا تتحمل الجبهة والاحزاب العربية، تلك التي ايدت وتلك التي امتنعت، المسؤولية عن عواقب الخطة او الحرب القادمة التي يحذر منها مخول نفسه.
في النهاية حدث الامر الذي خشي منه بركة: لقد اكلت الاحزاب العربية السمك العفن وطردت من القرية – ساهمت في تمرير خطة شارون وعادت الى هوامش الحياة السياسية في اسرائيل.
بعد ان شكلت "الكتلة المانعة" لدعم رابين، سيكون دورها الجديد تشكيل "كتلة ممتنعة" داعمة لشارون الذي فقد الاغلبية البرلمانية بانسحاب حزب "مفدال" من حكومته. الامتناع في التصويت على الانفصال وعلى تعويض المستوطنين، ساعد شارون والآن هو بحاجة للعرب للامتناع في التصويت على الميزانية ليسهل عليه تمريرها. الضغوطات على الاحزاب العربية في هذا الاتجاه بدأت، وستكون هذه فرصة اضافية بالنسبة لها لابداء حسن نواياها تجاه شارون ووزير ماليته نتانياهو ايضا.