حازم الحسوني
الحوار المتمدن-العدد: 1037 - 2004 / 12 / 4 - 09:42
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أعتقد أن الكثير منا يتذكر الظروف التي تمت بها عملية تسليم السلطة للعراقيين من قبل إدارة الإحتلال ( بريمر ) الى الشعب العراقي في الثامن والعشرين من شهر حزيران 2004 , أي قبل يومين من الموعد المحدد في قانون إدارة الدولة حينها , والمقصود يوم الثلاثين من نفس الشهر لأعتبارات وصفت بالأمنية , تقبل أغلب العراقيين الأمر , و وافقوا عليهِ رغم الكثير من التحفظات على الحكومة الجديدة وأهم هذهِ التحفظات هي انها لم تأتي عن طريق الإنتخابات الشرعية , ورغم كل هذا وافقوا عليها وأعتبروها حكومة مؤقتة مكلفة بعبور إستحقاقات مرحلة تاريخية تحدد مسار عملية الصراع مع قوات الإحتلال لأنهاء وجودها في الأراضي العراقية , فمطالبنا كانت ولا تزال مطالبة هذهِ الحكومة , ورئيس وزراءها بالشفافية والوضوح مع الشعب العراقي , والتحدث بكل مصداقية عن حجم أمكانياتها , و برامجها , وخططها في تنفيذ هذهِ الأستحقاقات بما فيها السيطرة على الوضع الأمني وتوفير الحاجات الأساسية للمواطنيين وتوفير العمل ...الخ .
يحمل الينا البريد الألكتروني , و الصحافة , و وكالات الأنباء , والمواقع العراقية المختلفة يومياً , بالعديد من الأخبار التي يتعب المرء احياناً من متابعتها وحصرها , ولكنها في نفس الوقت هيّ الزاد اليومي الذي نتغذى منهُ يومياً , فبعد خفوت الزوبعة الإعلامية لتأجيل الإنتخابات التي أثارها أجتماع بيت الباجه جي , وإنسحاب البعض من موقعيها الأساسيين بشكل دراماتيكي , يخرج علينا السيد علاوي رئيس الوزراء الحالي بسعيهِ للألتقاء بالعراقيين المقيمين في الخارج على حد زعمه , ولا يريد متحدثه الرسمي ثائر النقيب بتسميتهم بالمعارضيين , فيقول رئيس الوزراء علاوي أمام المجلس الوطني في جلسته لهذا اليوم الأربعاء قبيل مغادرتهِ الى الخارج , ومحطتهِ الرئيسية ستكون عمان ثم المانيا وروسيا , وبعدها العودة الى عمان حيث مقرراً اللقاء بالعراقيين في الخارج يوم الثامن من ديسمبر برعاية الأردن وملكها يقول :
[ وأود أحاطتكم علماً بان بعض العراقيين المقيمين خارج العراق يرغبون في لعب دور سياسي في بلدهم , ونحن لا مانع لدينا في ذلك شرط ان يكون عملهم في أطار الشرعية القائمة وبالأسلوب السلمي والديمقراطي ] الى هنا لم ينتهي حديث السيد علاوي لكنهُ لم يخبر المجلس أو يخبر الشعب العراقي من هم هؤلاء الذي ينوي اللقاء بهم ؟؟ وأذا كانوا قوى سياسية ذات برامج تحترم العملية الديمقراطية , ولم تتلطخ أياديهم بدماء الشعب العراقي , وكانوا من ضحايا النظام المقبور فلماذا لم يدخلوا هؤلاء الى بلدهم ويعملوا مع بقية القوى الأخرى , وينخرطوا في العملية السياسية لتقريب يوم الخلاص من الوجود الأجنبي في العراق , وإنهاء الإحتلال !!!؟؟؟ , وأذا كان هؤلاء من دعاة المقاومة المسلحة ضد الإحتلال فكلنا يعرف منطقهم الداعي بتخوين كل القوى السياسية المتواجدة في الساحة العراقية التي تجاوز عددها اكثر من مئتين حزب وتجمع صغير ومنظمات ..الخ أي بأختصار تخوين كل اطياف الشعب العراقي وإتهامها بالعمالة للمحتل !!! فهل يرتضي السيد علاوي تخوين الشعب العراقي ؟؟؟ وأذا أفترضنا جدلاً ان هؤلاء من الضحايا لماذا يحصر السيد علاوي لقاءهِ بهم بشكلٍ منفرد ؟؟ ولماذا برعاية ملك الأردن ؟؟؟ هل هناك طبخة سياسية لحركة الوفاق يريد السيد علاوي (بمباركة أردنية وخلفها امريكية بطبيعة الحال ) تسوقيها على المواطن العراقي المغلوب على امره ؟؟؟
السيد علاوي لم يترك لنا مجالاً واسعاً للتفكير , فهو يشير الى بعض ملامح توجاهتهِ الأخرى عبر الفقرة التالية من كلمتهِ امام المجلس [ وفي الختام , أشير الى اني مسافر هذا الأسبوع في جولة للعديد من الدول غايتها تعزيز وتطوير علاقتنا مع حلفائنا الرئيسيين مثل الأردن والمانيا وروسيا , منطلقين من حقيقة ان العلاقات الجديدة مع هذهِ الدول تحقق لنا مصالح جديدة في كافة المجالات السياسية والأقتصادية والأمنية , وسوف نطلعكم على نتائج هذهِ المحادثات بعد عودتي ] .
أعتقد أننا لسنا بحاجة الى التذكير ببعض المسلمات التي تحدثنا عنها , ويتحث عنها المواطن العراقي يومياً , ومنها خضوع الأجندة السياسية الحالية لرغبة قوات الإحتلال الأمريكي بل وسعي هذهِ القوات للأستمرار بفرض اجندتها على السياسة العراقية القادمة , فلذا لا أعتقد أن تحركات السيد علاوي البعيدة عن دراية المجلس الوطني تخرج عن هذا الأطار . لا أعرف منذُ متى كانت الأردن حليف رئيسي ( لا نعرف لمن ؟ هل للشعب العراقي أم لحركة الوفاق ؟ ) !!! ربما يقصد السيد علاوي حليف رئيسي لحركة الوفاق , فمن المعروف ان الأردن سمحت لهذهِ الحركة فقط في التواجد ضمن أراضيها دون بقية القوى المعارضة للنظام المقبور ولم تقدم الدعم السياسي أوغيره على حد علمي الى أي قوة سياسية معارضة أخرى , وكانت بنفس الوقت ولا زالت المحطة الرئيسية لهروب وإيواء أزلام النظام ورأسهِ الساقط ... الخ من الحقائق التي يعرفها المواطن العراقي فعن أي حليف رئيسي يتحدث السيد علاوي !!! ثم كيف توصل السيد علاوي الى ان روسيا والمانيا حلفاء رئيسين فهو لا زال لم يخبرنا لمن !!!؟؟؟
ألم ينتقد السيد علاوي مواقف هذهِ الدول حين معارضتهما لأمريكا وبريطانيا في مجلس الأمن عند مسعى هاتين الدولتين الأخيرتين لأستصدار القرارات المتعلقة بالشأن العراقي ؟؟؟ والسؤال البسيط الذي يطرح نفسه أيضاً , أذا كان لدينا كشعب عراقي كل هؤلاء الحلفاء الرئيسين ( الأردن , المانيا , روسيا , أمريكا , بريطانيا , و القائمة تطول ) لماذا بقيّ نظام صدام الساقط الى يوم 9-4-2003 تاريخ سقوط النظام ؟ لماذا تطلب من الشعب العراقي كل هذهِ التضحيات الجسام أذا كان لدينا كل هؤلاء الحلفاء ؟؟!!
أعتقد ان على السيد علاوي أن يعلنها بشكل صريح ويخبرنا , بان المُراد من تحركهِ أعطاء دور رئيسي للأردن وغيرها من الدول ( دول الخليج ) للتدخل في الشأن العراقي و ببعدهِ الطائفي المفضوح هذهِ المرة , فهذا الدور جاء ثمرة المساومات التي تمت تحت العباءة في شرم الشيخ منها ( مؤتمر تدعو لهُ البحرين والآخر في الأردن بحجة تجميع كل الأطراف العراقية ) , وهنا لا أتفق مع بعض المحللين السياسيين العراقيين ومبالغتهم في نتائج مؤتمر شرم الشيخ , فهذا المؤتمر لم يحدد أي آلية عملية لإلتزام الدول الموقعة على بيانهِ الختامي بأي إلتزامات , فلذلك بقيت نتائجهِ حبراً على ورق سرعان ما تبخرت , و تم التملص منها في اول مؤتمر عقد في أيران لوزراء داخلية الدول المجاورة للعراق أضافة الى مصر التي حضرت المؤتمر ( لا أعرف ما هو دخل مصر في الشأن العراقي ؟ ) .
أما الأشارة في حديث السيد علاوي امام المجلس الوطني الى كل من المانيا وروسيا فأعتقد أنهُ هناك إيعاز أمريكي للأتصال بهذهِ الدول بأسم الحكومة العراقية هذهِ المرة لمحاولة طمأنة مصالحها في العراق ثم جرها للعملية السياسية العراقية , ومحاولة أستشعار هذهِ الدول عن طريق الطرف العراقي بمخاطر التدخل الأيراني في الشأن العراقي , وكذلك دعم الخطوات الأمريكية الحالية أو القادمة في العراق وبشكل خاص أستثمار تحرك هذهِ الدول على الصعيد الدولي أو مجلس الأمن , فأمريكا بحاجة الى قرارات قادمة من مجلس الأمن الدولي تجيز بقاء قواتها في العراق الى امد غير محدد الأمر الذي يزعج المصالح الروسية والألمانية والفرنسية في العراق , فهنا اعتقد بوجود أدراك أمريكي اصبح اكثر وضوحاً لمصالح هذهِ الدول و عدم نكرانها في العراق , ومن ثم فلا بد من أعطاء جزء من الكعكعة العراقية إليها ضمن الشروط الأمريكية بطبيعة الحال طالما يتسنى ضمان المصالح الستراتيجية الأمريكية في العراق عن طريقها أيضاً .
أما السيد ثائر النقيب المتحدث باسم السيد رئيس الوزراء فكان اكثر وضوحاً للحديث عن تحركات السيد علاوي وذلك في تصريحاتهِ لوكالة فرانس أبرس يوم امس الأربعاء حيث يقول [ الهدف من زيارة رئيس الوزراء الى عمان هو بشكل رئيسي لقاء جلالة الملك والطلب منهُ مساعدة الحكومة العراقية لأقامة الأنتخابات في موعدها ] ويضيف [ هناك جالية عراقية كبيرة تقيم في الأردن ( لماذا لم يفكر السيد علاوي بلقاء أبناء الجالية العراقية في دول المهجر الأخرى !!؟؟ ) ونرغب في مشاركتها في العملية الأنتخابية وبامكان الحكومة الأردنية بقيادة الملك دفع هؤلاء ( نعم الملك يدفع فنحن بحاجة الى وساطة الملك !!! ) الى المشاركة في الأنتخابات لقيادة البلاد الى بر الأمان ] ويضيف أيضاً [ والى جانب لقاءه العاهل الأردني يلتقي رئيس الوزراء اليوم الشخصيات التي كانت في الخارج من النظام السابق وكانت على خلاف مع نظام صدام حسين وتربطها مع رئيس الوزراء علاقات ودية قديمة ( تحت يافطة الخلاف مع صدام ممكن تبرئة كل أو اغلب العناصر البعثية من أزلام النظام المقبور ولا بأس أن يكون من بينهم سعدون حمادي وأوميد حكمت وصباح الياسين ..الخ فهؤلاء المساكين معارضين جداً لنظام صدام وقد برأتهم أمريكا , فلديهم صك الغفران من العم سام أذن بأمكانهم الدخول بالعملية السياسية مجدداً , أي منطق أعوج هذا وأي مهزلة يراد تسويقها على العراقييات والعراقيين !!!!) , وهذهِ الشخصيات رؤساء العشائر وشخصيات بارزة أدت دوراً في تاريخ العراق الحديث ] هل يحتاج الأمر الى المزيد من التعليق ؟ !!!!
في كل الدول المتقدمة والأمم المتحضرة التي تحترم نفسها تُحدد الصلاحيات والمسؤوليات لكل الأجهزة المنتخبة شرعياً كرئيس الوزراء وطاقمهِ الوزاري وبقية السلطات التشريعية والقضائية وبالتالي تخضع كل هذهِ الأجهزة الى المحاسبة السياسية والقانونية أمام بعضها البعض والذي يحكم تصرفها الدستور الذي يحدد الصلاحيات لكل منهما , وما يتعلق بالحكومة أو بالسلطة التفيذية فانها تعُلم البرلمان وتحاول أقناعهِ بخططها وتحركها الدولي قبل الشروع بهِ بكل شفافية و وضوح , فأين السيد علاوي من كل هذهِ الممارسة !!! , أما في وضعنا العراقي فرغم اننا لم نتمكن من بناء هذهِ السلطات بشكل شرعي و منتخب ( هنا لا بد من أجراء الأنتخابات في موعدها المحدد للخروج من معضلة عدم الشرعية هذهِ ولكي تحظى الحكومة القادمة بالشعبية الملائمة لتفيذ واجباتها ) فقد تم القبول بهذهِ الحكومة التي من المفترض بها أن تكون حكومة تصريف أعمال لحين إجراء الأنتخابات , ولكن الملاحظ من قبل رئيس الوزراء , وبعض العناصر المتنفذة بها ( الداخلية والدفاع والأمن القومي ) أرادوا توظيف هذهِ الفرصة للكسب السياسي الحزبي متناسين المسؤوليات الكبيرة على عاتقهم بتوفير الأمن , وتوفيرالمتطلبات الضرورية للمواطنين , وتوفير فرص العمل . متناسين أيضاً أنهُ هناك مجلس وطني , ورأي عام عراقي لم يعد يسمح بتكرار المهازل السياسية , ولا الإنفراد بالقرار أو السلطة تحت أي أسم أو يافطة كانت , نعم كان على السيد علاوي أن يفصح عن فحوى رحلتهِ , و عن لقاءاتهِ المقررة في الأردن مع الوجوه المشبوهة برعاية ملكها من وراء ظهر الشعب العراقي المكتوي بنار وجحيم الدكتاتورية , وأذنابها في الأردن أو في غيرها من دول الجوار والمنطقة , فهل يستجيب رئيس الحكومة الحالية الى مطالبنا في الشفافية والأفصاح عن خطط حكومتهِ ومسارها السياسي رغم قصر الفترة المتبقية لها أم يستمر بسياسة طمطمة الحقائق والكسب الحزبي الضيق ؟؟؟
السويد 2-12-2004
#حازم_الحسوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟