أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هويدا طه - مآخذ على التيارات السياسية المصرية في ظل نظام يحتضر















المزيد.....

مآخذ على التيارات السياسية المصرية في ظل نظام يحتضر


هويدا طه

الحوار المتمدن-العدد: 1035 - 2004 / 12 / 2 - 08:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يشك مراقب في أن النظام الحاكم المصري يعيش أيامه الأخيرة، أو بالأحرى.. يحتضر، القاصي والداني يتوقع ذلك، قدريا أو بفعل فاعل، بيد مصرية أو بيد أمريكية، بطريقة سلمية أو بقلب المائدة على الجميع، ولأن أهمية مصر إقليميا تتجاوز نظام الحكم فيها- بحكم قوانين الطبيعة جغرافيا وتاريخيا وسكانيا- فإن تساؤلات كثيرة تدور حول المرحلة القادمة، طبيعة النظام القادم.. وآثار التغيير- تبعا للطريقة التي يتم بها- مصرياً وعربياً ودولياً، أول الملاحظات أنك أمام خريطة ملتبسة للقوى السياسية المصرية، ينعكس هذا الالتباس ليس فقط على قوة ظهورها في الشارع المصري، وإنما حتى على المنطلقات الفكرية لمشروعها المطروح للتغيير، وهذا الالتباس ينعكس بدوره على المواطن المصري الطيب البسيط، التائه بين اتجاهات تتنازعه- أو تتنازع عليه- من جميع الجهات، معاناته الهائلة والمجهود المضني الذي يبذله يوميا..فقط للبقاء على قيد الحياة، والخوف من السلطة المتأصل في وجدانه، بفعل تاريخه الطويل مع قهرها له واستبدادها بحياته وحريته، والأمل الغائم الذي تطرحه تلك القوى الملتبسة العاجزة، والخوف التاريخي من- الغزو- (الكامن)في نفس المواطن المصري، وعواطفه الدينية التي تفسر مشاكله اليومية في إطار مفهوم(الجنة والنار)، وهي عوامل تجعل البعض يرتعد من فكرة سقوط مصر في قبضة حكم طالباني مصري!
باستعراض الخريطة السياسية المصرية في نهايات عهد أوصل مصر إلى حالة شلل حضاري، تظهر سلطة جائرة نخرها الفساد من داخلها وتوشك على التهاوي، وشعب منهك يبحث عن بصيص أمل، وثلاث تيارات سياسية رئيسية- أبرزها الإسلاميون- تتصارع لجذبه أو لحكمه أو ربما للنيل منه!
تيار الإسلام السياسي
أتراه التيار الأقوى في مصر؟! ربما لا يكون السؤال على هذا النحو دقيقا، إذ يكاد يكون بديهيا أن النزوع الديني متمكنٌ من المصريين حتى النخاع(بغض النظر عن علاقة ذلك بما يرتكبه الناس يوميا من أعمال لا ينص عليها أي دين، فهذه نقرة.. وتلك أخرى!)وذلك لأسباب تاريخية ليس مجال نقاشها الآن، نعم.. تيار الإسلام السياسي هو الأقوى في مصر، والسؤال ليس عن مدى قوته، ولكن عن إمكانية خروج مصر والمصريين من أسره، وفي ذلك هناك عدة ملاحظات على ذلك التيار في مصر:
أولا: السياسيون الإسلاميون يتلاعبون بتلك المشاعر الدينية الفياضة، فأرائهم السياسية تعنون وتذيل دائما بالأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة، وهي آيات مختارة بعناية حسب موضوع الحديث، ويصعب عليك إقناع أغلبية المواطنين المصريين أن ذلك الملتحي، الذي يقرأ بحماس الحديث النبوي والآية القرآنية ملوحا في الهواء بيدٍ قابضة على مسبحة الاستغفار والحمد والذكر، ليس إلا رجل سياسة يطرح رأيا قد يكون مخطئا! أو أنه رجل يطلب السلطة والنفوذ مثل الآخرين، وليس بالضرورة زاهدا صالحا كما يتراءى لهم حسب المخيال الشعبي عن(أولياء الله)! الإخوان المسلمون إذن- وهم الأهم بين الإسلاميين في مصر- هم تيار سياسي طالب للسلطة(يحق للجميع بالمناسبة أن يطلب السلطة، المسألة هي وسيلة طلبها أولا وماذا يريد أن يفعل بها ثانيا، وليس مشروعية السعي إليها)هذا التيار الذي يتخذ(الإسلام هو الحل)شعارا، يطلب السلطة من أجل تأسيس دولة دينية كما يتضح من شعاره، ويطلب سلطة على الناس في الأرض.. مستقويا.. بالسماء.
ثانيا: جميع القوى الأخرى المناوئة لإقامة دولة دينية في مصر، عجزت حتى الآن عن التصدي لتلك الفكرة العقيمة التي تجاوزتها أمم أخرى منذ زمن بعيد، بعد أن عانت منها الأمرين، ولا تتوفر الوسائل المناسبة لإقناع شعب متدين بأن تلك الأمم- بعد أن نجحت دوننا في إقامة دول مدنية- أثبتت أن الدولة المدنية الحديثة تتسع للجميع، بدء ً بالمتدينين أنفسهم وحتى الملحدين واللادينيين، بل وحتى المجانين لهم ولأرائهم احترام في تلك الدول! وأثبتوا بذلك أن الطريقة الوحيدة لازدهار وتقدم حياة البشر هي الاعتماد على أنفسهم في تنظيم حياتهم بما يضمن احترام الجميع، وليس الاعتماد على الأسلاف ومعارفهم الضيقة التي كانت تناسب عصرهم الذي عاشوه، وتلك الدولة المدنية تضمن بذلك أن سكانها بعد مئة عام مثلا يحق لهم نبذ ما شرعه سكانها الآن، فلهم عصرهم ولهؤلاء عصرُ! لا قداسة في الأمر، لا دخل للسماء في تنظيم المرور وتسعير السلع وسن قوانين العمل في المؤسسات وتنظيم العلاقة بين النساء والرجال! فهذه مظاهر الحياة على الأرض، الأرض التي نعيش عليها ونتصارع على مواردها، فنحن لا نعيش بين الغيوم الجميلة في السماء حتى نستعين بالملائكة ذات الأجنحة كي تنظم لنا أسلوب حياتنا! وإنما لنا عقول وهبها لنا الخالق في البدء لننطلق بها بعد ذلك، وتلك العقول تتكيف مع المعرفة المتراكمة كما وكيفا مع مرور الزمن. لا توجد وسيلة متوفرة في يد الرافضين لمفهوم الدولة الدينية لإقناع الناس بذلك، فالتليفزيون- الوسيلة الأنجع للوصول لشعب نحو نصفه.. أمي- تهيمن على خريطة برامجه برامج دينية تشجعها السلطة، إما إمعانا في تغييب الناس وتخويفهم من السماء لتناسي معاناتهم في الأرض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، أو لسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين المناوئين للحكم، بالإمعان في إبراز الوجه الديني للسلطة لتملق الناس. كذلك الصحف حتى المعارضة منها، تخشى خوض مغامرة مس هذا الجزء في أفكار المواطنين، فجريدة الأسبوع مثلا، تشنجت وصرخت اعتراضا على قرار حكومي بتقليص عدد المعاهد الدينية، التي انتشرت في القرى وزادت بدرجة كبيرة، بينما لم يصدر عنها- حتى همسا- اعتراض على انفراد عائلة بحكم دولة يفترض أنها جمهورية!
ثالثا: التيار السياسي الإسلامي في مصر يستغل التعاطف الديني معه من قبل البسطاء للهجوم على مناوئيه، فهو لا يناقش مبدأ رفض الدولة الدينية، وإنما يدينه بتشنج يرهب الناس متسلحا بأقوال السماء عن الجنة والنار والثواب والعقاب ووعود المتعة(بعد الموت)، ويتعنت في قبول أفكار البشر المختلفة عن أساليب تنظيم الحياة التي تناسب عصرهم، ويستخدم مصطلحات الأسلاف الذين ماتوا منذ زمن بعيد، ماتوا قبل أن تعرف البشرية صناديق الاقتراع والقنوات الفضائية والإنترنت والطائرات والسفن الفضائية وفنون السينما والمسرح وطرق الإنتاج ووسائله وشركاته(وهي كلها بالمناسبة من مبتكرات هؤلاء الذين نبذوا الدولة الدينية وتفرغوا لتحسين الحياة على الأرض!)، وبينما يقدم مشروعا ميتا- ميتا بحكم قوانين التطور الزمني والحضاري- يؤدي تشنجهم على رافضي مفهوم الدولة الدينية إلى تعرض هؤلاء لخطر الإيذاء البدني والنفسي، وهو أسلوب قديم استمر عبر قرون، تأليب الناس على المناوئين لطلاب السلطة الدينية، حتى أن حكاية طريفة- مازالت فاعلة حتى الآن وإن اختلف الأسلوب- تروى بهذا الشأن عن منافسة على الانتخابات بين مرشحّين، أحدهما أدرك مدى عداء الناس لمفهوم(الكفر)، فقال للناخبين عن المرشح الآخر أنه(ديمقراطي.. يعني كافر)! وفي مؤتمر عقده هذا المرشح الآخر البائس، سأله متخابثون:"هل أنت ديمقراطي؟" ففرح المسكين وأجاب بحماس أنه كذلك، فانطلق الناس يقذفونه بالحجارة متعوذين بالله من.. كفره!
رابعا: التيار الإسلامي السياسي في مصر لا يمثله فقط الإسلاميون المناوئون للنظام الحاكم، وإنما هناك تلك المؤسسة الدينية المدعومة من الدولة التي يأتي على رأسها الأزهر الشريف، وهو بدوره يتوغل في الحياة المدنية ويبسط نفوذه عليها بصورة خانقة، وتمالئه الدولة حتى أن وزير العدل منذ عدة أشهر منح الأزهر سلطة التفتيش على العقول بمنحه حق مصادرة الكتب التي لا يراها مناسبة! والكتب التي لا تناسب الأزهر هي كل كتاب يطالب بنبذ المشاريع الميتة الآتية إلينا من ظلمة التاريخ! ولا يخفى على أحد أن بعض المتنفذيين الأزهريين لهم مصالح متشابكة مع الدولة، فلا يأتي حماسهم إلا ضد المفكرين والكتاب والمبدعين، لكنك حتى الآن لم تسمع من أحدهم قولا فاصلا حول جواز توريث الحكم.. ليزيد بن معاوية!
هذه الملاحظات وغيرها على التيار الإسلامي السياسي في مصر، لا تعني أن كون أحدهم يرفض مفهوم الدولة الدينية، فإن إيمانه بالله واليوم الآخر مسه شك.. بل الإيمان بالله هو الذي يدفع الكثيرين إلى استخدام هبته لنا.. العقل، الذي منحه لنا.. ولهم، فاستخدموه.. وحنطناه!
التيار الليبرالي
من المؤكد أن شعار(العلمانية هي الحل)هو الشعار الذي يعتز به الليبراليون، لكن غيرهم أيضا يشاركهم فيه، وهو الشعار الذي على هديه أسست الأمم الناجحة دولها المدنية الحديثة، والتي نغار من تقدمها وازدهارها الآن، الليبراليون في مصر يوصفون تارة بأنهم(ميالون إلى الغرب)ويوصفون تارة أخرى بأنهم(رأسماليون)أو بأنهم فرعونيون أو معادون للقومية العربية أو غير ذلك من تصنيفات، لكن هذا التيار عليه عدة ملاحظات:
أولا: لا شك أن الليبراليين في مصر يأتون على رأس المتصدين لمشروع الدولة الدينية، الذي تطرحه قوى الإسلام السياسي المهيمنة على الساحة المصرية الشعبية، والذي إن نجح- لا قدر الله- لاحتجنا بعده لمعجزة كي ندخل من جديد في تيار الحركة البشرية نحو المستقبل! ومنهم من يدفع حياته ثمنا باهظا، ومنهم من يعاني نبذا اجتماعيا أو حصارا اقتصاديا أو تشويها بتهم الخيانة والعمالة وغيرها من تلك الحزمة المعروفة! ومنهم من يدفع الثمن هروبا من الوطن، أو يأسا وانعزالا ينتهي بالاكتئاب، لكن منهم أيضا من يأس من التوجه نحو شعبه، فلجأ- عن حسن نية أو سوء قصد- إلى دول غربية- والولايات المتحدة تحديدا- لجوء ً تاما، وهذا اللجوء التام لن يكون بغير ثمن بطبيعة الأمور، أول استحقاقات هذا الثمن هو نفور المصريين منهم ومن دعوتهم ومشروعهم، وثاني تلك الاستحقاقات هو ما يطلبه الداعم الأمريكي مقابل دعمه لهم!
ثانيا: بعض الليبراليين المصريين يظهرون شوفينية مصرية منفرة، في حديثهم الدائم عن مصر الفرعونية، وإظهار كراهيتهم لمصر العربية، وهم بذلك- بشكل أو بآخر- لا يختلفون كثيرا عن الإسلاميين في تعلقهم بتاريخ ميت، فالحضارة الفرعونية ليس ملموس منها الآن إلا ربما العائد المالي! الذي يأتينا من قدوم السياح الأجانب لمشاهدة الآثار المصرية القديمة! انتهى الفراعنة وانتهت لغتهم وانتهى دينهم، ومعظم المصريين الآن ما هم إلا أحفاد المستوطنين الذين سكنوا مصر بعد القضاء على الفراعنة دولة وثقافة ووجودا، ربما بقى منهم حيا حتى الآن- فقط- ما سماها جمال حمدان في كتابه عن وصف شخصية مصر(الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول)! ولا يعقل أن تظل أحداث تاريخية لا ذنب لنا بها عالقة في حلوقنا، وتثير سخطنا على(الكوارث التاريخية)! هذه الشوفينية التي يتمسك بها ليبراليو مصر ربما نبعت من فشل المشروع العربي الإقليمي، وفشل المنطقة العربية برمتها في الخروج من مستنقعها التاريخي الآسن، لكن الليبراليين الذين يريدون بالتأكيد إنقاذ مصر من تخلفها المشين، يتناسون بأن الفشل المؤكد سيلحق بمشروعهم إذا خصوا به مصر وحدها، فكيف ستسلم مصر من(كارثة تاريخية)أخرى إذا ظلت أفئدة المصريين معلقة بجيران تتقدم مصر دونهم؟!
ثالثا: كثير من الليبراليين المصريين يبدون وكأنهم في برج عاجي، نخبويون لا يحاولون النزول درجة عن مستواهم الرفيع! يتأفف(بعضهم)من التخلف والجهل المتفشي بين غالبية المصريين، متناسين أن الأمم التي ننبهر بها الآن عندما بدأت نهضتها كانت شعوبها ربما أكثر تخلفا منا الآن، وأن رواد التنوير والتحرر أو الليبرالية نزلوا إليهم ونجحوا في حشدهم ضد الكنيسة ومحاكم التفتيش والملك وحاشيته وبلاطه، فأنا مثلا- ومثلي كثيرون- لم أعرف عن الليبرالية شيئا إلا عندما التحقت بالجامعة وقرأت كتبهم، بينما تفتح وعيي في حارة بائسة في الإسكندرية لا تتسع لمرور سيارة واحدة، ومع ذلك كان الإسلاميون يبنون بجهود ذاتية جامع صغير على كل جانب منها!، فلا تمر سيارة ولا حتى دراجة! وإذا ضج الناس من هذا الضيق الذي جاءهم على ضيق، ترتفع أصوات تطالبهم بالاستغفار! ورغم ذلك يشكو الليبراليون من هيمنة الإسلاميين على الشارع المصري! ورغم توفر الفضائيات الآن وبعض مواقع الإنترنت فإن خللا ما لا يزال قائما في وصول الأفكار المتحررة إلى القاعدة العريضة من الناس.
رابعا: كثير من الليبراليين المصريين يعيشون ازدواجية ثقافية مروعة، يطالبون متحمسين بالتحررية السياسية، لكنهم ينكمشون عند الحاجة إلى المطالبة بتحررية اجتماعية وثقافية موازية، فبسبب العقلية الدينية والتقاليد المهترئة والعادات البالية السخيفة، ما زال الشعب المصري يتوحش على نفسه! فالمرأة تعاني من التخلف وتحتاج أيضا إلى كسر الطوق كما يحتاج الشعب برمته إلى حرية التعبير! والطفل يعاني من مساوئ تربية قهرية، يجترها عندما يكبر في حلقة مفرغة من التخلف الثقافي وليس فقط السياسي.
هذه الملاحظات وغيرها على التيار الليبرالي المصري لا تمنع الاعتراف بدورهم، في إخراج هذا البلد من الغيبوبة التي يعيشها.. حتى الثمالة!
التيار القومي
بمجرد الحديث عن تيار قومي، يتداعى إلى الذهن على الفور(الناصريون)، وتيارات أخرى أقل حجما وتأثيرا، كما يتداعى إلى الذهن(مشروع عربي وحدوي)وأفكار عن التصدي للغرب وعنته مع دول العالم الثالث، وغير ذلك من آثار التجربة الناصرية في منتصف القرن الماضي، لكن هذا التيار عليه بعض ملاحظات يلتبس بعضها مع تلك التجربة، وبعضها الآخر مع الواقع الراهن:
أولا: طرح القوميين المصريين لمشروع التكتل العربي ما زال طرحا عاطفيا غير علمي وغير عملي، فمشروعهم الإقليمي الشامل للمنطقة العربية برمتها، هو بلا شك مشروع حضاري مستقبلي، فلن تستطيع دولة عربية بمفردها الفرار من أسر الماضي، هذا ضد قدرتها منفردة، كما أن محاولة الإنفراد بحل هي توجه متأخر عن التوجه العالمي الآن إلى التكتل، فدول أمريكا اللاتينية أدركت قيمة التكتل بشكل أو آخر، ومثلها دول جنوب شرق آسيا، وهناك المثل الأوروبي الأبرز والأنجح(تجاوز الأوروبيون الأحقاد التافهة بسبب الحروب والشوفينية الوطنية وغيرها من رواسب التاريخ، في سبيل تحقيق غاية أنبل، تعود الآن بالنفع على المواطن الفرنسي والألماني والبلجيكي وغيرهم.. وها هم يحصدون نتائج تلك الفكرة الراقية، وها نحن نغار منهم، لكننا ما زلنا نتشبث بتفاهات تاريخية، ونبدي استعلاءً أهوج من بعضنا على البعض الآخر!)، قد لا يلام عبد الناصر- وإنما نحن الآن- على ذلك التشبث العاطفي- وليس العملي- بفكرة الوحدة العربية، فتلك كانت ملابسات حقبته التاريخية، التي انتهت منذ عقود.
ثانيا: التشبث بمشروع التنمية على شاكلة ما أنجزه عبد الناصر في حقبة تاريخية لها ملابساتها المختلفة عما يعيشه العالم الآن، هو حنين إلى الماضي، تماما كما تتعلق قلوب الإسلاميين بشعاب مكة وخيمة عمر بن الخطاب، وقلوب الليبراليين بأسطورة أوزوريس! فلن يمكن تأسيس اتحاد اشتراكي الآن، ولن يكون هناك اتحاد سوفيتي يدعمنا في مواجهة الغطرسة الأمريكية، لكن الناصريين لا يبذلون جهدا للخروج من أسر التجربة، ويعيشون على سرد إنجازاتها- التي كانت عظيمة بلا شك- ويستهلكون طاقاتهم في الدفاع عن سلبياتها، بدلا من طرح رؤية تحفظ روح(الانطلاق)التي تميزت بها الحقبة الناصرية، لكن بأساليب جديدة تناسب روح العصر.
ثالثا: كثير من القوميين المصريين تكاد تخلط بينهم وبين الإسلاميين في طرحهم الديني، ولا يختلفون عنهم إلا في(حب أو كراهية)عبد الناصر! وما زال موقفهم من العلمانية موقفا غائما مائعا، ولهذا السبب يضعهم بعض المراقبين في سلة واحدة مع الإسلاميين، رغم أن مشروعا عربيا إقليميا شاملا ربما لن ينجح إلا إذا نفض عن نفسه الصبغة الدينية، وذلك لأسباب موضوعية تتعلق بتعدد الأعراق والإثنيات والأديان في المنطقة العربية.
رابعا: ما زال موقف القوميين المصريين من إسرائيل موقفا غامضا، ففي نصوص كتبهم يبدو الموقف واضحا برفض إسرائيل ككيان صهيوني أعاق النهضة الشاملة في المنطقة، لكن الرفض ذاته لا يكفي، فمن منا بالله عليكم يطيق وجود إسرائيل هنا؟! لكنهم لم يضعوا حتى الآن برنامجا يوضح كيفية القضاء على إسرائيل وتخليص المنطقة منها.. وغالبا ما يتوجهون نحو مشاعر الناس وليس عقولهم بالحديث عاطفيا عن فلسطين والقضية الفلسطينية، وما زالت قضية فلسطين تطرح من قبلهم(أو من قبل بعضهم)كما يطرحها الإسلاميون: عداء لليهود من حيث كونهم يهودا، وهو ما يدفع ببعض المصريين البسطاء إلى التطوع في الكفاح الفلسطيني بمحض إرادتهم، ليس لأسباب موضوعية أو ضمن مقاومة واعية لقوة قهر موجودة في المنطقة.. وإنما طلبا للشهادة!
تخلص من هذه الملاحظات على التيارات السياسية المصرية بأن حالة ضبابية تخيم على مصر سياسيا وثقافيا واجتماعيا، ليست المعارضة المصرية إذن ضعيفة فقط حركيا وجماهيريا، وإنما هي حتى ضعيفة فكريا، تعاني من الاهتزاز وعدم الوضوح، والخوف من المخاطرة بمواجهة الناس بحقيقة صادمة، أن معتقداتهم الثقافية والاجتماعية والتاريخية هي سبب ضعفهم أمام السلطة الجائرة في تلك الدولة البوليسية، وهي طريقهم إلى الوقوع في قبضة الإسلاميين، وبناء نظام طالبان على الطريقة المصرية(التي تمتد لعشرات السنين.. كل مرة!)، وقبل اتهامنا بأننا نقلل من شأن الشعب المصري- الذي ننتمي إليه جسدا وجنسية وثقافة- ونظهره شعبا ساذجا، نقول إن بين المصريين واعون ومثقفون ورواد ومستنيرون كثر، وهم الأمل الوحيد للنهوض بمصر من جديد، لكن الحقيقة أن الإحصائيات لا تكذب غالبا، فحسب الأمم المتحدة فإن نسبة الأمية في مصر حوالي 44% ، وبالطبع الباقون ليسوا كلهم أساتذة باحثين موضوعيين مستنيرين، فبين أساتذة الجامعة المصريين من يدعو- الآن- إلى فصل الجنسين في الجامعة ويدافع عن ختان البنات ويطالب بالعودة إلى حكم الخلافة! وهو ما يدفع بعض اليائسين- من باب التشفي في شعب ليس ذنبه المباشر أنه عاطفي ومتدين- إلى تمني أن يحدث شيء ما في مصر.. يمكن الإسلاميين من خطف مصر.. فيكون الحكم الإسلامي لمصر هو الصدمة الكهربية التي يحتاجها الشعب المصري، ليكف مرة واحدة وإلى الأبد عن التشبث بمشروع ميت والحلم بطالبان المصرية، ويلتفت إلى حلول أخرى تناسب العصر... لكن السؤال يكون... ما هو الثمن الذي سيدفعه المصريون حينئذٍ، مقابل اقتناعهم بأنهم- بإرادتهم- مشوا بأقدامهم إلى فخ الهروب إلى الوراء.. وبإرادتهم اختاروا.. السقوط؟!



#هويدا_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل ماهر عبد الله الإخواني الحداثي
- عدوى الخوف من الغزو الثقافي تنتقل من العرب إلى الفرنسيين
- المسلسلات التاريخية فن زراعة الوهم في نخاع العرب
- الأعلانات التجارية على الفضائيات من الأسمدة الزراعية إلى الم ...
- بمناسبة الحملة البريطانية على القرضاوي لا يوجد تعريف دولي لل ...
- مبارك : أنا عايش ومش عايش
- فوضى الساعات الأخيرة في حكم آل مبارك
- أخبار مملكة الخوف الشعب السعودي بين الاستبداد والإرهاب
- استجابة الفضائيات للهوس الديني بين الواحد القهار وأبينا الذي ...
- مصر التائهة بين مبادرة أمريكية للهيمنة ومبادرة مباركية لمزيد ...
- مصر قوة هائلة كامنة فأين توارت؟ المقاومة العراقية هدية للشعب ...
- سوق الفتاوي وفتاوي السوق في دولة الأزهر!
- الحساسية تجاه مناقشة قضايانا دليل علي افلاس سياسي
- هل يفلح مشروع مستقبلي منفرد لدولة عربية بمعزل عن المحيط الجغ ...
- امريكا تهدد دول العالم بالعقوبات اذا لم تفتح اسواقها لها بين ...
- حول موقع مصر في المشروع الاميركي لدمقرطة العرب: المسألة القب ...
- المثقف المصري وأوان المواجهة الشاملة مع العائلة الحاكمة في م ...


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هويدا طه - مآخذ على التيارات السياسية المصرية في ظل نظام يحتضر