|
سايكولوجية الجماهير(قراءة علمية في النفس الجمهورية)
سيدة عشتار بن علي
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - 2011 / 9 / 4 - 19:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
o تعني لفظة جمهور لغة الرمل الكثير المتراكم الواسع ويقال جمهر التراب اذا جمع بعضه فوق بعض اما اصطلاحا فهي تعني الحشد من الناس يتجمع لمشاهدة شيء ما. وقد تطور مفهوم كلمة جمهور بتطور المجتمع الانساني والحياة السياسية حيث اصبحت الجماهير تلعب دورا هاما في التاريخ اذ انها اضحت المسؤول الاهم عما يجري من تغيرات سياسية واجتماعية سواء كان هذا الدور سلبيا عبر دعمها للانظمة الاستبدادية او كان ايجابيا من خلال ما تقدمه من تضحيات في سبيل قضايا وطنية واجتماعية.ولذلك فان الجماهير هي الركيزة التي اصبحت تستند عليها الاحزاب السياسية والنقابات في عملية التعبئة من اجل تحقيق مطالبها.ونظرا لاهميتها وتنامي هذه الاهمية عبر الزمن فان الدراسات قد توسعت وتعمقت في بحث ظاهرة الجماهير حتى ان علم النفس اولى اهمية لهذه الظاهرة فاصبح هناك علم قائم بذاته هو علم نفس الجماهير الذي تنصب اهتماماته على على دراسة نفسية الجماهير المجسدة في روح الجماعة ودراسة الظروف التي تجعل من الجماهير المسؤول الاساسي عن طبيعة الحكم في مجتمع ما سواء كان استبداديا او ديمقراطيا او اي شكل اخر من اشكال الحكم ويعتبر الفرنسي غوستاف لوبون(1841-1931)من اهم الذين اولوا عناية بدراسة هذا الجانب من خلال العديد من المؤلفات التي مثل كتابه(سيكولوجية الجماهير) حدثا فكريا وعلميا في عالم السياسة وقد صدر هذا الكتاب في اواخر القرن التاسع عشر لكنه مازال يعتبر مرجعا هاما لكل باحث في الميدان اولا يجب الا نغفل ان العناية بدراسة نفسية الجماهير من طرف (لوبون) مردها ولادة مفهوم جديد للجمهور على اثر التحولات التاريخية الهامة التي عرفتها فرنسا حيث اثبتت الجماهير انها الفاعل الاساسي في تغيير مجرى التاريخ فقد اصبح الجمهور حقيقة واقعة مما جعل غوستاف لوبون يتناولها بطريقة علمية وهذا يدفعنا الى التساؤل عن مدى اهمية الجماهير العربية بالمقارنة مع غيره من جماهير المجتمعات الاوروبية • o فماهي اهم الافكار التي طرحها لوبون في قراءته لعلم النفس الجماهيري??? واين تتجلى اهمية الجماهير في الفعل السياسي??? وهل حظيت الجماهير العربية بنفس الاهمية من طرف علمائها ومفكريها
كتاب لوبون (سيكولوجية الجماهير)هو عبارة عن قواعد مدروسة وفق المنهج العلمي التجريبي وفيه عرض صاحبه الخصائص المميزة للجمهور والتي يمكن تلخيصها كالاتي:ء 1) اهم هذه الخصائص هي ذوبان الشخصية الواعية للافراد وتوجيه المشاعر والافكار في اتجاه واحد مشترك بين الجماهير فايا كانت نوعية الافراد التي تشكل الجمهور النفسي وايا كانت اختلافاتهم في نمط الحياة والامزجة والذكاء فان امتزاجهم بالروح الجماعية تجعلهم يتحركون بطريقة مختلفة تماما عما كانت ستكون عليه لو انعزل كل فرد منهم عن الاخر.وهذا الامتزاج والانصهار يقضي على التمايزات الشخصية
2) الخاصية الثانية هي سرعة انفعال الجماهير.فالجماهير تتحرك بشكل لاواع عكس الفرد اذا انعزل عن الجمهور فان ما يحكمه هو الوعي وبالتالي فان ما ينتج عن حالة ذوبان الفرد في الجماعة هو تلاشي الشخصية الواعية وهيمنة الشخصية اللاواعية وهذا ما يجعل لوبون يقر بان(الجمهور دائما ادنى مرتبة من الانسان الفرد)فيما يخص الناحية العقلية والفكرية
3) ومن خصائص الجماهير ايضا حسب لوبون التعصب والاستبدادية والنزعة المحافظة والتطرف في العواطف فهي تقبل الافكار والعقائد او ترفضها دفعة واحدة وبما ان الجماهير تفتقد الى العقلانية والتبصر فانها بحاجة دائما الى محرك يحركها ويحدد اتجاهاتها وهنا خاصية اخرى للجمهور وهي o فالجماهير ايا كانت ثقافتها بحاجة الى ان تخضع لقائد يحركها وهذا القائد لا يقنعها بالحجج العقلية والمنطقية انما يفرض نفسه عليها بالقوة كم انه يجذبها ويسحرها بواسطة هيبته الشخصية وهي ما يطلق عليها عبارة الكاريزما .وقد حدد لوبون اهم النقاط المؤثرة في تاطير العلاقة بين الطرفين بقوله:ء(للكلمات الرنانة سطوتها وللاوهام حضورها الاسطوري)فالجماهير غير قابلة لاستيعاب الحجج العقلية ولا يجذبها الخطاب العقلاني ولذلك نجد محركي الجماهير من الخطباء لا يتوجهون الى عقلها بل الى عاطفتها.فالجمهور يحتاج دائما الى الانبهار الصادرة عن القادة وهؤلاء ليسو في الغالب من رجال الفكر كما خلص لوبون بل هم رجال ممارسة وانخراط يعززون حضورهم لدى الجمهور عبر ثلاثة محركات:التاكيد والتكرار والعدوى. ويدعم لوبون فرضيته بشان القيادة الكاريزمية ومدى تاثيرها على الجمهور با مثلة تاريخية فيذكر على سبيل المثال نابليون وجان دارك وبوذا والمسيح ونبي الاسلام.فبطولية هؤلاء حسب الكاتب تكمن في هيبتهم الشخصية وقدرتهم على الاقناع. وبما ان السلطة هي الطرف المقابل للجمهور فانها تعرف بفطرتها او عن طريق علمائها ومفكريها كل ما يتعلق بسيكولوجية الحشد اي الجمهور وهذا يقودنا بالضرورة للحديث عن دينامية العلاقة بين الجماهير والسلطة فكيف تتعامل السلطة مع الجمهور وكيف تستغل نقاط ضعفه لصالحها????ء حين تكون السلطة استبدادية او فاقدة للشرعية تسود ديناميات مرضية مثل الكذب والخداع والنفاق والعدوان السلبي واللامبالاة من جانب الجمهور بينما تتعامل السلطة معه بازدراء وشك وتوجس وترى انه غير جدير بالتحاور والتشاور ولا تنفع معه الا لغة الترهيب كما انها تعمد الى تزييف وعيه فتسعى الى تشكيل وعي للجمهور يتفق مع مصالحهاحتى انها تنجح في ابراز الاهداف الغير اخلاقية في صورة اهداف عظيمة ومشروعة وهذا يتطلب مهارات عالية لذلك تختار السلطة ذوي الكفاءات في الاعلام الموجه معتمدة التكرار والتاكيد للتاثير على حواس الجمهور كما انها كثيرا ما تلتجئ لاستقطاب ذوي الخطاب الديني لمساعدتها على قمع الجماهير ومغالطتها بالاوهام باعتبار ان للخطاب الديني قداسته التي يعتبر نقاشها او المساس بها كفرا وباعتبار هذا الخطاب ايضا يحظى بسيطرة كاملة على حواس الجمهور من الناحية العاطفية. رغم ان بعض الافكارالتي تطرق لها غوستاف لوبون باعتباره من اهم مؤسسي علم النفس الجموري قد تخطاها الزمن وما عادت تتوافق مع الجماعات البشرية الاوروبية التي تحولت من كتلة بشرية دهماوية الى مجموعة اكثر وعيا وعقلانية فان اطروحة لوبون وتخريجاته مازالت متوافقة مع جمهور العالم الثالث وتحديدا العالم العربي. ولمحاولة فهم سيكولوجية الجمهور العربي لابد من قراءة تاريخية ولو عابرة لفهم الكيفية التي بها تاسست هذه النفسية للجمهور العربي. كل مايعرف حاليا باسم الجماهير او المجتمع المدني او القوى الشعبية كان يحمل في التاريخ العربي معان غاية في السلبية والازدراء من قبيل (العامة...الدهماء...السوقة...الرعاع...السفلة....) وهذه المعاني السلبية نستشفها بسهولة من خلال التراث الادبي العربي.ويجدر بالذكر ان الاهتمام كله كان منصبا على تاريخ السلاطين والملوك والحكام في مقابل اهمال لتاريخ الشعوب حتى ان الخطاب السياسي في اغلب مراحل التاريخ العربي لم يكن يوجه للرعية باعتبارها كيانا محترما وانما كان يوجه للسلطان او الملك او الخليفة اما الرعية فلا يرد ذكرها الا في معرض الدعاء للسلطان بطول العمر والانتصار على الاعداء او في معرض الامتنان له على جزيل العطاء. اذ اذ ان اهمية الرعية تكمن في دعم الملك لانه هو الذي يقيم الحق والعدل والعمران ولنا امثلة عديدة على ذلك فابو بكر الطرطوشي يصور الرعية اي الجمهور على انها جسد ماله الموت لولا الروح السلطانية اما الماوردي فيعتبرها(يتيما تضيع حقوقه دون ولي)وينعتها الشيزري بالغنم السائبة ان تعذر راعيها ويصورها ابن عبد ربه ابلا تحتاج الى من يقودها.ويبدو ان هذه الاوصاف السلبية لما يسمى الان بالجمهور او الشعب او المجتمع المدني مازالت متجذرة في اللاوعي الجمعي للحكام والمحكومين على حد السواء وهي التي تشكل طبيعة العلاقة بين السلطة والشعب في كافة المراحل التاريخية. فلفظ الرعية مصدره البيئة العربية وخاصة الرعوية منها حيث يكثر مشهد الراعي يهش بعصاه على الغنم التي يقودها ويراقبها وهي تقتات الكلا وترد الماء ولا ترفع رؤوسها الا لتعبر بطريقة غريزية عن انتشاء الشبع.واذا ما شردت واحدة منها فان العصا كفيلة باعادتها الى مكانها بين القطيع. هذه هي حقيقة الجذور التاريخية لدينامية العلاقة بين الجمهور العربي والسلط التي تحكمه وهو ما عملت هذه الاخيرة على ترسيخه والابقاء عليه رغم التطور الفكري والتكنولوجي لتعزيز مكانتها في مواجهة غريمها الجمهور بل ان السلطة تستخدم هذا التطور التكنولوجي والفكري لتعزيز مكانتها في مواجهة غريمها الجمهور فتقوم باستقطاب الشخصيات الكارزمية والمثقفة وتغدق عليها العطاء لتكون ابواق دعاية وتعزيز لها كم انها تستخدم ااعلام الذي من خلاله يتم التركيز على التاكيد والتكرار والشعارات البراقة لتضمن سيطرتها المتواصلة على الابل مستعملة في ذلك تقنيات عديدة في سياسة هذه الجماهير واهمها طبعا سياسة الترهيب اذ هي تحيط نفسها بكل مظاهر القوة والعظمة لاحداث اكبر قدر من الهيبة لها وسط قلوب الجماهير كي تضمن خضوع اعناقها .وتستعين السلطة ايضا في سبيل ذلك باجهزة امنية جبارة وتجند العملاء وتمارس جميع فنون البطش والتعذيب لاحداث اكبر قدر ممكن من الرعب في نفوس الناس. وهي في ممارستها لهذه الاساليب في سياسة الجمهور او بمعنى اصح الرعية تعبر عن نظرتها الدونية له واحتقارها لهذه الكتلة الدهماوية وتراها غير جديرة بالتحاور على المستوى السياسي والثقافي ولا ينفع معها الا سياسة العصا وتزييف الوعي. ولا يعني هذا ان الجماهير العربية بريئة مما يسلط عليها من قمع ويمارس عليها من احتقار فالخصائص العامة لهذه الجماهير تجعل منها ارضية خصبة كي تمارس عليها السلطة الحاكمة كل جبروتها واحتقارها وهنا يمكن لنا ان نتساءل عن دور المثقف او النخبة في خضم هذه العلاقة الغير متكافئة بين الجمهور والسلطة.ما الذي قدمته النخب المثقفة للنهوض بهذه الجماهير ومساعدتها على التحرر من عبوديتها المختارة؟؟؟ ام انها هي نفسها لم تتحرر من سطوة الروح الجماعية؟؟؟ام انها تقف في صف الطرف الاقوى وتختار المصلحة الذاتية على حساب المصلحة الجماعية؟؟؟؟فطبيعة العلاقة بين المثقف والسلطة وبين المثقف والجمهور تمثل هي فيحد ذاتها اشكالا يحيط به الكثير من الغموض والتعقيد مما يجعله يكون في حد ذاته مبحثا جديرا بالتفكيك والدراسة.
#سيدة_عشتار_بن_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|