|
في حضرة الغياب، إنتاج هزيل وغير مدروس
خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3473 - 2011 / 8 / 31 - 01:01
المحور:
الادب والفن
حين بدأ بثُّ مسلسلِ في حضرةِ الغياب، كان ذلك وسط ضجيج هائل يطالبُ بمنع المسلسلِ من العرض، وكان موقفي واضحاً من فكرةِ رفضِ منع المسلسل، ولكني أكدتُ في حينِها أن هذا الموقف لا يعني أنني مع المسلسل وما يجيء فيه، أنا فقط كنت ـ وما زلت ـ ضد فكرة المنع.
أما وقد انتهى المسلسل الذي تابعتُهُ مع دفتر صغير بجواري أسجل فيه ملاحظاتي على المسلسل، فقد اخترت أن أتكلم عن جانب واحد في المسلسل، وهو جانب دراسة الأحداث في المسلسل، ودراسة العملية الدرامية من قبل الكاتب أولاً ومن قبل المخرج ثانياً ومن قبل بقية فريق العمل ثالثاً وأخيراً، بحيث أن مسألة دراسة العاملين على المسلسل للأشياء التي سأذكرها لا يمكن لهم أن يردّوا عليها نفياً لأنها في معظمها لا تتعلق برأيي الشخصي في العمل على قدر ما تتعلق بأخطاء فاضحة وواضحة.
في الحلقات الأربع الأولى من المسلسل، أي قبل أن يبدأ المسلسل عملياً بسرد حياة محمود درويش منذ طفولته، يتم التركيز على قصة حب عاشها محمود درويش في أواخر أيامه مع فتاة مصرية، أربع حلقات تمارس الفتاة جنونها ويجاريها محمود في هذا الجنون بشكل غير مبرر على الإطلاق، كما يخرج من هذه العلاقة تفرع يذهب إلى علاقة هذه الفتاة بطبيب مصري وتخرج أيضا هذه العلاقة إلى تفرع آخر بعلاقة هذا الطبيب المصري بصديقة لهذه الفتاة التي تحب محمود درويش، دائرة لا أعرف بالضبط أين تكمن الحكمة فيها، ففي الحلقة الثانية مثلا يركز المخرج على صدر هذه الفتاة شبه العاري 15 ثانية وهي تحاول أن تتصل بمحمود درويش بالتليفون، أنا لا أفهم في الإخراج ولكني أيضا لم أستطع فهم ما فعله نجدت أنزور في هذه اللقطة وإلى أين أراد أن يصل بنا، خصوصاً أنه يستمر في الحلقة الثالثة أيضا في التركيز على علاقة جمال ورهف، والتركيز على صدر رهف أيضا مرة أخرى.
وحين يأتي المصور من أمريكا لكي يأخذ صورا لأم محمود وهي تخبز، تظهر أم محمود في غاية السذاجة وهي تخبز أمام الكاميرا، وتأتي إبنة أخ محمود وتقول للمصور وهي تنظر إلى الكاميرا بدهشة: هاي كميرا والا دبابة، وبعد لحظات تطلب أم محمود من البنت أن تأخذ لها صورة مع المصور، فتبدأ الفتاة باستخدام الكاميرا بشكل محترف، إذ تحرك الزوم تضبط إعدادات الكاميرا كأنها محترفة تصوير.
في الحلقة الرابعة، يستمر طبعا التركيز على علاقة رهف ومحمود، وإلى جانب ذلك يذهب محمود لزيارة أمه، وأذهلني الفتور في اللقاء مع علمنا جميعا بطبيعة علاقة محمود مع أمه منذ الطفولة.
منذ الحلقة الخامسة يبدأ المسلسل في استعراض حياة درويش منذ الطفولة، وما أن يبدأ المشاهد بالانسجام مع الحدث، يعود المخرج إلى الطائرة ليرينا فراس إبراهيم نائما، ويتكرر هذا المشهد، ورأيت انتقاله من الطفولة إلى محمود في الطائرة غير ذي معنى على الإطلاق خصوصا أن الانتقال لا يحدث فيه أي حدث، مجرد انتقال أحيانا يكون فيه محمود درويش نائما.
في طفولة محمود وهو يلعب بالطائرة الورقية، هناك بحر في الخلفية، والبروة تبعد عن عكا 12 كيلو متر، فهل من الطبيعي أن يذهب ولد في السادسة ليلعب 12 كيلو متر بعيداً عن بيته؟
في الحلقة السادسة حين تجد أم محمود ابنها واقعاً عن الحصان ورأسه مجروحة وينزف، فتقول له بكل برود: يمة إصحى، وحين يأتي مشهد العرس يعرض مشهد مقزز لخروف يذبح أثناء العرس.
في الحلقة السابعة يرجع الناس إلى الضحك سريعا في نفس ليلة المذبحة، كما أن هناك مشهد حفر الفلسطينيين لقبورهم بأنفسهم قبل أن يقتلهم الإسرائيليون كل جوار قبره، مشهد في غاية السذاجة والاستسلام من قبل الفلسطينيين، وما زال وجه فراس إبراهيم يعود بعد كل لقطة وهو في الطائرة طبعا.
في الحلقة الثامنة يلقي درويش قصيدة لو يعلم الزيتون غارسه، وهي من قصيدة "صمود" من ديوانه أوراق الزيتون، وهو ديوانه الثاني [1964] بعد أن مزق ديوانه الأول عصافير بلا أجنحة، وهي قصيدة متطورة فنيا بالنسبة لولد في التاسعة، بدليل أن القصيدة التي ألقاها بعد ذلك أمام الحاكم العسكري كانت أقل بكثير لكنها متناسبة مع سن درويش في ذلك الوقت.
في أكثر من حلقة ظهر علم فلسطين معلقا وراء درويش في الأمسيات بشكل خاطئ، الأسود إلى اليسار والأحمر فوق والأخضر إلى اليمين، وهذا الخطأ حدث 5 مرات خلال المسلسل، والصواب أن يكون الأسود إلى اليمين لأن العلم الفلسطيني حين يكون أفقيا على الأحمر أن يكون إلى اليسار، وأي وضع غير هذا يكون خطأ، يستثنى من ذلك فقط العلم وهو يرفرف.
في الحلقة التاسعة يعتقل البوليس الإسرائيلي محمود درويش، وبعد أن يضعوا الأصفاد في يديه يقول محمود للضابط: شنطتي، فيقوم الضابط الإسرائيلي بحمل الحقيبة لمحمود درويش، ويبدو أن من كتب هذا المشهد لا يعرف كيف يقوم الإسرائيليون بالاعتقال.
بالطبع في كل الإلقاءات التي قام فيها فراس إبراهيم، كان إلقاؤه بشعا وهو يحاول تقليد محمود درويش شكلا لا روحا، أضف إلى ذلك الأخطاء النحوية الفاضحة، عدا عن أنه كان يلقي الشعر في الأمسية بنفس الطريقة التي يلقيه فيها لأحد يجلس في مقهى.
في الحلقة الحادية عشرة يلقي قصيدة يا وجه جدي 3 مرات، وهو يكتبها، وهو يزور أهله، وهو في السجن، وفي الحلقة الثانية عشرة حين يودع سميح القاسم إيميل حبيبي بكل تلك الحرارة لأنه سيترك العمل في الجريدة، لا يلتفت إلى توفيق زياد ولا يقول له كلمة واحدة.
هناك تركيز على قصائد عادية في حياة درويش وهذه ليست مشكلة، ولكنها تصبح مشكلة حين يتم تجاوز قصائد مفصلية في حياة درويش كتبت في نفس توقيت هذه القصائد كما حدث في الحلقة الرابعة عشرة.
وكما حدث مع رهف أيضا حدث مع تلك التي سنكتشف أنها أم رهف، تركيز بنفس الطريقة على علاقتها بمحمود وعلاقتها بشخص آخر وعلاقة الشخص الآخر بزوجته وعلاقة الصحفية بأمها وأختها، وكل هذا بمعزل عن درويش، والتركيز على علاقة محمود بنجلاء هذه أخذ أضعاف الوقت الذي تم فيه التركيز على استشهاد غسان كنفاني الذي حدث في نفس الفترة.
حين يقابل درويش أبا عمار للمرة الأولى هناك استخفاف واضح من درويش في طريقة رده على أبي عمار، كما أنه كررها لاحقا حين أتى بمحمود وهو يصحح لأبي عمار أخطاءه الإملائية في خطاب الأمم المتحدة بطريقة من يشعر بالقرف.
في الحلقة 19 يتكلم درويش عن موت أم كلثوم التي توفيت في 3 شباط 1975، وبعد أن تمر الأحداث إلى الأمام زمنيا، يجلس محمود على مكتبه ويستمع إلى أخبار عملية ميونخ التي حدثت عام 1972 في أيلول، واستشهاد وائل زعيتر الذي اغتيل في 16 تشرين أول 1972، وهذا خطأ في التسلسل الزمني، أو أن الكاتب لا يعرف متى حدث أحد الحدثين بالنسبة للآخر، وبالمناسبة لم يكن هناك فلاش باك في الحلقتين، أي أن هناك خربطة زمنية.
في الحلقة الثانية والعشرون، المفروض أننا في توقيت مذبحة تل الزعتر، يقف محمود بعيدا، ولا نعرف اسم المخيم، ولا من هم المحاصرون ولا من يحاصرهم ولا من يدعمهم ولم يذكر شيء عن 3000 شخص ذهبوا ضحية حصار اليمين المسيحي للمخيم، وخصوصا أن هذا الحدث أنتج واحدة من أهم قصائد محمود درويش وهي "أحمد العربي"، وكذلك لم يتطرق ليوم الأرض الذي كتب فيه محمود واحدة من أهم قصائده "قصيدة الأرض".
ومن الأخطاء الواضحة التي وردت في الحلقة 23 هو أداء مارسيل لأغنية جواز السفر بتوزيع جديد قام به مارسيل عام 1998 بينما الحدث في المسلسل يتكلم عن نهاية السبعينات حيث أصدر مارسيل الأغنية وقتها على العود فقط دون توزيع، وأعاد ذلك الخطأ نفسه في الحلقة السابعة والعشرون حين غنى مارسيل أحن إلى خبز أمي بتوزيعها الجديد.
في حرب بيروت لم تتم الإشارة إلى أحد أهم كتب محمود درويش على الإطلاق، والذي حاز بسببه على جائزة لينين وهي أرقى جائزة لأدب المقاومة في العالم، أقصد كتاب ذاكرة للنسيان، وبالطبع لم تتم الإشارة إلى الجائزة، ولم يتطرق المسلسل إلى دخول محمود درويش في حالة الموت السريري التي أنتجت الجدارية وغيرت موقف محمود درويش كليا من الموت والحياة.
شَعْرُ درويش يتدرج بين السواد والشيب ويعود إلى السواد بشكل غير مدروس، وهذا حدث مع إميل حبيبي حين كان في موسكو بشعر أشيب، وعاد بشعر أسود.
هناك مجموعة من الأحداث التي تجاوزها المسلسل، وهي ليست فقط مهمة فلسطينيا، بل وعالميا، وخصوصا لعلاقة هذه الأحداث بدرويش، مثل الإنتفاضة الأولى، وفاة أبي عمار، وفاة إيميل حبيبي، الإنقسام الفلسطيني، إعادة إصدار الكرمل في رام الله...إلخ
هناك الكثير من الشخصيات لم يوضح المسلسل من هي، ولن يعرفها إلا من يعرف حياة درويش وعلاقاته، أما المشاهد الذي يريد أن يعرف عن درويش ولا يعرفه، فلن يتعرف إلى تلك الشخصيات، حتى في التتر في مقدمة المسلسل، يتم كتابة الأدوار التي يؤديها ممثلون ولا يكتب أدوار يؤديها ممثلون آخرون، فما السبب.
وأخيراً سأختتم بموضوع الإنتاج الهزيل الذي قدمه المسلسل، وأقصد الإنتاج على المستوى المادي البحت، فمعظم المشاهد التي تحتاج إلى تكلفة، لم يقم المخرج ولا المنتج بتكليف خاطره وتصويرها، وسأذكر بعضها لا كلها: ـ استشهاد غسان كنفاني الذي يأتي به جالساً في السيارة ثم تنقلب الصورة قبل أن يحدث الانفجار. ـ انفجار مركز التخطيط حين أرسل طرد ملغوم للدكتور أنيس صايغ، تمت معالجته بنفس الطريقة. ـ اغتيال القادة الثلاثة عام 1973. ـ مجزرة تل الزعتر. ـ احتراق شقة راشد حسين. ـ حرب بيروت 1982.
في المحصلة أحسست أن حياة محمود درويش في المسلسل عبارة عن خطين متوازيين، أحدهما علاقات حب، والثاني أصدقاء يموتون ويقوم برثائهم، أما المسلسل بشكل عام، فأرى أنه إنتاج هزيل وغير مدروس.
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوقتُ في الثلاّجة
-
آتٍ لا يأتي
-
أَشْهَدُ
-
عليّْ قصة قصيرة
-
رجلٌ بفصولٍ لا تُعَدٌّ
-
لم يَعُدْ لي ما كانَ لي
-
وفي آخِرِ اللَّيْلْ
-
حينَ جَرَحْتَ السُّنْبُلَةْ
-
هكذا سيقولُ نايٌ لشهيقِ العازِفِ:
-
رفح... أو بعبارةٍ أخرى، عن حبيبتي عليها اللعنةُ
-
ساذجون ويحاولون استسذاج الآخرين
-
الأدب الفلسطيني بخير ردا على مقالة د. فيصل درّاج: لماذا لم
...
-
أولُ البيوتِ وأولُ الذاكرة قصة قصيرة
-
في مروري على الرمل
-
ويحدث أن
-
مجنون، أحب غزة ورقص في ساحاتها
-
قليلٌ مما ستقولُهُ غزة عما قليل
-
حكاياتٌ من بلادٍ ليستْ على الخارِطةْ
-
حليمةُ تُعِدُّ الشاي
-
أسرارٌ للمعْرِفَةْ أو مدينةٌ للتجربة
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|