مرة أخرى حول التحالفات: الأسس و المضامين رد على يونس عبير حول تحالف -النهج الديمقراطي- و -العدل و الإحسان-


خالد المهدي
2011 / 8 / 30 - 21:38     

"وواجبنا ...إذا شئنا أن نظل اشتراكيين، هو النزول إلى أدنى، إلى أعمق، نحو الجماهير الحقيقية: هنا تكمن كل أهمية النضال ضد الانتهازية و كل محتوى هذا النضال"(لينين: الامبريالية و الانشقاق في الاشتراكية)

1
قبل البداية

لقد أثارت حركة 20 فبراير العديد من الإشكالات وسط مناضلي و مناضلات الشعب المغربي، إشكالات تنوعت مابين ما هو فكري نظري و سياسي عملي، ومع مرور الزمن و تطور الحركة و ما جابهته من تحديات أمامها سواء ضد قمع النظام و مناوراته أو وسط الصراع بين التيارات الفاعلة داخلها، بدأت الإشكالات تتعمق أكثر فأكثر، وتنبثق أخرى مع كل خطوة تخطوها الحركة إلى الأمام أوإلى الوراء.
و بالنظر إلى طبيعة الحركة، و بالنظر إلى مختلف الطبقات المتواجدة سياسيا وسطها و التناقضات التي تحكم علاقة بعضها ببعض كان لابد من إن تعبر هذه التناقضات الطبقية عن نفسها سياسيا. وهكذا و في سياق تبلورالاصطفافات السياسية داخل الحركة بدأ سؤال التحالفات يلقي بضلاله على الجميع بدون استثناء.
إن ما عجل من اشتداد الصراع السياسي داخل الحركة على أرضية هذا السؤال هو تحالف حزب النهج الديمقراطي مع جماعة العدل و الإحسان من جهة، و تشبث العديد من مناضلاته و مناضليه، لفترة طويلة، بنفي هذا التحالف و إنكاره، و عدم القدرة على الدفاع عنه منذ اللحظة الأولى التي تبلور فيها. إن كل ذلك قد خلق نوع من الضبابية و الارتباك في أداء قاعدة واسعة من المناضلات و المناضلين بمن فيهم أعضاء و قواعد حزب النهج نفسه. و الحق يقال، فما كان لمثل هذه الأوضاع أن تمر بدون ان تخلق هذه الظروف المؤسفة، فمن كان ينتظر أن يعرج حزب "النهج الديمقراطي" الذي يدعي الانتماء لليسار و للماركسية نحو "العدل و الإحسان" ذات التصور الظلامي و الطبيعة الفاشية بهذه السرعة الكبيرة، خصوصا و ان حزب النهج كان إلى حد قريب يتبنى، على الأقل قولا، موقف الصراع ضد "الإسلام السياسي" و يدعوا إلى الانخراط ضد مشروعه بل و حتى ضد الذين يغازلونه !!!!
لكن الأحداث جاءت سريعة بأكثر من ما قد يتوقعه المرء. إن هذا التحالف الذي تشكل وسط حركة "20 فبراير" قد كانت له نتائج جد سلبية خصوصا على أداء الشباب التقدمي، و عوض أن يتجه النضال داخل الحركة من أجل التحالف مع من يؤمن بالديمقراطية و التقدمية، أصبح هؤلاء أكثر ضغطا و أكثر ارتباكا و تشتتا. تلك كانت أولى نتائج هذا التحالف، فليتمعن جيدا الرفاق في النهج الديمقراطي في ما هم فاعلون و كيف يساهمون عمليا في تشتيت الحركة و زرع الاضطرابات و البلبلة في صفوف مناضلاتها و مناضليها.
إننا طبعا لا نعتقد بان مناضلي هذا الحزب، أو على الأقل ليس جميعهم، يريدون إضعاف اليسار أو تقوية "العدل و الإحسان" أو هم مجموعة من الأشرار يتآمرون على الحركة، أو أنهم غير مخلصين فيما يعتقدون انه خير للشعب المغربي، لا إطلاقا، فكما قال لينين ذات مرة في حق بعض الانتهازيين: "ليس نفاقهم الشخصي، بل زيف موقفهم السياسي هو الذي حملهم على الترويج للشعارات البرجوازية"(لينين: بصدد كتلة الفبريديين ).
نحن طبعا، عكس ما يروج له السيد "يونس عبير" الذي يتهمنا بالعداء و بالحقد على النهج، نحن ربما قد نشفق عليه، و لكننا لا نظن أبدا أن المسألة متعلقة بنفاق هذا المناضل أو تلك المناضلة، فتلك نظرة وحيدة الجانب و لا تقدم أي خبرة للحركة سوى المزيد من الضياع و الأضرار، إن المسألة كما نتصورها، تجد تفسيرها في عاملين اثنين، أولا، طبيعة حركة "20 فبراير" نفسها و ما خلقته من حراك شعبي، و ثانيا في المضمون الطبقي للخط السياسي لحزب النهج "الديمقراطي".
إن النمو الذي عرفته حركة "20 فبراير" و ما اجتذبته من فئات شعبية جديدة لحلبة النضال الجماهيري ضد سياسة النظام الرجعي ببلادنا هو وحده كفيل بخلق الترددات و الاضطرابات السياسية و الفكرية، في تفسيره لأحد أسباب الخلافات داخل الحركة العمالية يوضح لنا لينين هذا البعد بقوله: "من أعمق الأسباب التي تولد خلافات دورية بصدد التكتيك، واقع نمو الحركة العمالية بالذات. فإذا اعتبرنا هذه الحركة حركة عملية يقوم بها أناس عاديون، بدلا من أن نقيسها بمقياس ما لا يعلم من مثل عليا غريبة، تبين لنا بوضوح أن اجتذاب منتسبين جدد أبدا، أن اشتراك فئات جديدة من الجماهير الكادحة، لا بد أن تصحبه حتما ترددات في ميدان النظرية و التكتيك، و تكرار للأخطاء السابقة، و عودة مؤقتة إلى المفاهيم و الأساليب البائدة..."(لينين: الخلافات في الحركة العمالية الأوروبية)
إن هذا البعد هو مسالة أساسية في فهم هذا الارتداد الذي يعبر عنه حزب النهج "الديمقراطي"، لكنه يظل غير كافيا و يستدعي توضيح هذا الانتقال الذي يقوم به حزب النهج نحو اليمين الرجعي.
إن أساس هذا الانتقال و هذا الانعطاف الحاد إنما نجده في طبيعة الخط السياسي للنهج أي في الموقع الطبقي الذي يعبر عنه و يمثل مصالحه، إن أساس هذا الانعطاف إنما نجد تفسيره في السمات و المميزات الطبقية للبرجوازية الصغيرة التي يعبر عنها حزب النهج: التذبذب و ضيق الأفق و عدم الثقة في الجماهير.
إن ما دفع هذا الحزب إلى أحضان جماعة "العدل و الإحسان" الظلامية إنما هو ثلاث أمور أساسية:
أولها، يعبر عنه حزب النهج ومناضليه أنفسهم الذين يعتقدون في "قوة" "العدل و الإحسان" و قدرتها على إنجاح المسيرات كما و تنظيما...الخ. الانحياز إلى "الأقوى" (وهذه القوة على كل حال هي في نظر حزب النهج) هو سمة للبرجوازية الصغيرة.
أما الأمر الثاني فإنما هو ضعف اليسار الثوري، المعبر عن مصالح البروليتاريا، وسط الصراع الطبقي بشكل عام و داخل حركة "20 فبراير" بشكل خاص.
أما الأمر الثالث فيكمن في غياب الثقة في الجماهير الشعبية و غياب الفهم الصحيح لدورها في الصراع الطبقي و في التاريخ كله, و هذه أيضا إحدى سمات البرجوازية الصغيرة.
إن هذا الانعطاف الحاد نحو اليمين الذي يقوم به حزب النهج وسط حركة "20 فبراير" هو خوفه من استفراد النظام به و عزله سياسيا، خصوصا و انه يفقد لسند شعبي و جماهيري قوي و نظرا أيضا في أنه يرى في رفاقه على اليسار أضعف من أن يحموه و يحصنونه.
إنه خوف صاحب الدكان الصغير من جبروت الأسواق الممتازة التي تأخد منه زبنائه كل يوم دون أن يكون قادرا على فعل شيء سوى أن يصبح هو الأخر زبونا لها و لو على مضض. إنه خوف الفلاح الصغير من جشع الملاك العقاري الكبير الذي يتحين الفرصة لنزع ملكية قطعته الصغيرة، فلا يجد بدا من أجل الحفاظ عليها سوى أن يصبح عاملا مياوما لدى عدوه.
من هذه الزوايا ننظر نحن لحزب النهج "الديمقراطي" في تحالفه اليوم مع "العدل و الإحسان"، فعن أي "حقد أعمى" و عن أي "عداء" تتكلم أيها السيد عبير؟
لقد قلناها مرارا و تكرارا، إن هذا التحالف لن تكون عواقبه على حركة "20 فبراير" وحدها بل على الحركة الجماهيرية كلها. فهو يفتح الباب للظلاميين الفاشيين من أجل استغلال نضالات الجماهير الشعبية، و غدا إذا ما برزت تنسيقيات مناهضة الغلاء مجددا فسوف نجد السادة بحزب النهج يمدون الأيادي "للعدل و الإحسان" للانضمام إليها، ما دام أن هذه الجماعة تناضل ضد الفساد و الاستبداد" كما يتوهم حزب النهج و يروج وسط المناضلات و المناضلين، و ربما سوف يقوم "فصيل" حزب النهج داخل الجامعة بنفس الشيء، و ماذا سوف يمنعهم من ذلك بعدما "كسروا" كل "الحواجز الفكرية و السياسية وحتى النفسية".
إن هذا ليس إلا وجه من أوجه خطورة الموقف، وهو بالضبط ما حدا بنا نحن لشن الهجوم، ليس على عبير أو الحريف أو أي شخص آخر داخل النهج، بل على تكتيك سياسي انتهازي يحاول أن يسلم الحركة للقوى الظلامية سواء أدرك أصحابه ذلك أم لم يعوا، فليس لذلك أهمية.
و إذا كانت هناك بعض القوى الليبرالية داخل حركة "20 فبراير" هي الأخرى تشن هجومها على تحالف النهج و "العدل و الإحسان" فإننا نرسم معها مسافة واضحة في هذه المسألة. قد نتحالف معها ضد القوى الظلامية، بما معناه، حتى لا يقولني احد ما لم اقل، أن نكثف الدعاية ضد المشروع الظلامي وسط الجماهير، أن نكثف الدعاية حول المساواة الكلية بين النساء و الرجال، أن نرفع شعار العلمانية و نوضحه و ندافع عنه، لكن لم و لن نضع أيدينا في أيديهم لتصفيه حساباتهم مع النهج الديمقراطي، إذ نحن مقتنعين أن نضالنا وسط الحركة و تقوية اليسار الحقيقي وسطها و اكتساب سند شعبي قوي لمشروع اليسار الحقيقي سوف يعرج بالنهج و أمثاله من جديد نحو اليسار مرة أخرى.

2

سوف أحاول من خلال هذا الرد التركيز على النقطة الأهم ، النقطة المفصلية في النقاش و التي كانت بالنسبة لي المحفز الأساسي ( و ليس الوحيد) في كتابة ذلك المقال حول التحالفات .إنها مسألة شكل و مضمون التعاطي مع القوى الظلامية أو لنقل بالتحديد جماعة "العدل والإحسان ".
لكن قبل ذلك لابد من تسجيل العديد من الملاحظات الجوهرية في هذا النقاش خصوصا تلك التي أثارها رد السيد "يونس عبير".
ملاحظة رقم 1 : أعتقد أن السيد "يونس عبير" و أنا، نتحدث بلغات مختلفة حول "اليسار" و "اليسار الجذري" و "الديمقراطية " و "التغيير" بل و حتى "الماركسية". عندما يتحدث هو عن اليسار يقصد حزب الطليعة و حزب الاشتراكي الموحد والمؤتمر الاتحادي..الخ. أما أنا عندما أتحدث عن اليسار فإنني اعتبر أن هذه التيارات لا علاقة لها باليسار، اللهم أصولها التاريخية وليس الطبقية و لا البرنامجية.
قد أكون في هذا التحديد غير موفق لكن لا بأس فلا زال هناك مجال للتصحيح و التدقيق. إن ما يسميه السيد يونس يسارا جديدا أو "يسارا ديمقراطيا" و الذي يعتبر أن التحالف معه " سيساهم في تطوير نضال شعبنا من أجل الديمقراطية والتحرر من الهيمنة الامبريالية و في تقرير مصيره" هو لا يعدو أن يكون أي ذلك " اليسار" تعبيرا عن الشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة و المتوسطة، البرجوازية الليبرالية. إنه "يسار" برجوازي في مضمونه الطبقي و في برنامجه السياسي.
2- إن النقد الذي وجهه المقال (و مقالات سابقة) لحزب النهج الديمقراطي (وغيره من التيارات السياسية) قد اعتبره السيد يونس أنه "مدفوع بحقد أعمى على النهج الديمقراطي" و " تسيطر عليه الحلقية و الأحقاد" و " صراع عدائي" ...الخ.
هذا توصيف غير ناضج إطلاقا وعيب على مناضل بتلك التجربة أن يصدر منه مثل هذا الكلام .إن النقد الذي وجهته لبعض أفكار و مواقف و ممارسات حزب النهج ينبع من إيمان عميق بأهمية نقد الخطوط الانتهازية ، و ينطلق من خلفيات ابتعد عنها الرفيق وحزبه منذ عشرات السنين ، نقد أفكار ومواقف و ممارسات حزب النهج أو غيره هو بالنسبة لنا واجب سياسي يتعدى المجاملات المنمقة ويبتعد عن الصراعات خلف الكواليس و وراء الظهر. النقد هو بدوره تحديد أو كما يقول سبينوزا " كل سلب هو تحديد"، ينطلق من الرغبة والمساهمة في تطوير النقاش الفكري والسياسي وسط المناضلات والمناضلين و وسط الجماهير.
" الحقد الأعمى " و " العداء مع النهج" ؟ لكن لماذا أحقد على النهج ؟ ماذا يملك النهج لكي نحقد عليه؟ لا داع لمثل هذا الانحطاط في النقاش أيها " المناضل الماركسي" .
3 – السيد يونس يتحدث عن " اليسار الجذري" واضعا داخله التروتسكيين و حزب النهج طبعا ومناضلين من هنا و هناك . هذا اليسار الجذري هو توصيفك أنت أيها المناضل الجذري ، فلا داع لأن تحاسبني من خلاله .
4 – السيد يونس أيضا يتحدث عن الماركسية و "الماركسيين" بصبغة و مضمون جد بعيد عن الصيغة أو المضمون الذي أتحدث عنه أنا ( دون الخوض أين الصواب على الأقل هنا) هو يرى في الماركسيين المغاربة "بمختلف اجتهاداتهم" معنيون "ببناء التنظيم السياسي للطبقة العاملة و عموم الكادحين"، أي معنيون بتحقيق إحدى شعارات حزب النهج الديمقراطي. أما أنا فلا أرى أي إمكانية لنقاش مسائل الحزب الثوري وخطه وبرنامجه مع أي تيار شرعي أو تيار لا يرى في نظرية البروليتاريا سوى "مرحلة الماركسية " .
5- الأستاذ يونس يتهمني بأنني أريد " بناء شرعية على أنقاض الآخر" و " طعن في شرعية الآخر حتى اثبت شرعيتي أنا". هذا أيضا أسلوب في النقاش يفتقد النضج الذي دعانا إليه " يونس عبير ". و هو بالإضافة لكونه غير ناضج هو أسلوب رخيص في النقد اعتدناه ما من مرة من مناضلي النهج الديمقراطي سرا و علانية .
6 – أما فيما يتعلق بمساهمة حزب النهج الديمقراطي في إقبار تجربة التنسيقيات فلم تنطلق مع انعقاد الملتقى الوطني الرابع بل قبل ذلك، و بالضبط بعد انتفاضة الجماهير الشعبية بصفرو . أما الملتقى الوطني الرابع فقد كان النتيجة الختامية لمسلسل قاده تيار داخل الحزب الاشتراكي الموحد للسيطرة على التنسيقيات وكان موقف حزب النهج واضحا حينها إبان الجمع العام ومدعما ميدانيا لهذا الاتجاه. و إذا كان السيد يونس غير مطلع على أشغال و حيثيات الملتقى الوطني الرابع فإن اللقاء الأول لما سمي بالمجلس الوطني قد يعطيه فكرة واضحة و هو مسجل على قرص قد يحصل عليه لتتضح له خلفيات تيد و جميع فصائله بما فيها مداخلات رفاقه في الحزب.
7 – إننا كمناضلين (ات) يطمحون إلى التغيير الجذري ليس كما يفهمه السيد يونس بل كما عبرنا عنه في مقالات و أرضيات سابقة، نؤمن أن النضال السياسي ضد استبداد و اضطهاد النظام القائم بغض الطرف عن الفئة التي يوجه إليها ، شرط عدم السقوط في تدعيم الطبقات الرجعية هو واجب سياسي قبل أن يكون نضالي. من هذا المنطلق قد خضنا صراعا مريرا كلفنا الكثير ضد القمع الذي تعرض له بعض مناضلي النهج بالجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب ، وضد مصادرة حق مناضلي حزبكم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم داخل الجامعات و ضد الحملة المسعورة التي خيضت ضدكم بعد المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، لأننا اعتبرنا القضايا التي أثيرت هي من الناحية السياسية قضايا مرتبطة بالمسألة الديمقراطية وجب الدفاع عنها. ناضلنا حتى ضد من تصفونهم " أسود علي و في الحروب نعامات"، لكن من يعتقد أننا " نحقد" و "نعادي "لا يمكن أن يرى إلا ما يغذي نزعته الصبيانية هذه.
لا زالت هناك عشرات الملاحظات حول ما كتبه " يونس عبير" لكن سوف اكتفي بهذا القدر حتى نتمكن من تناول صلب الموضوع : أية علاقة مع القوى الظلامية وسط الحركة الجماهيرية بشكل عام و وسط حركة20 فبراير بشكل خاص . هذا هو الموضوع الجوهري و الأساسي.

3
"هكذا، وهكذا فقط و بدراسة التاريخ، و التأمل في المعنى الفكري لدعوة معينة، و التثبت بالأفعال من صحة الأقوال، يجب على الناس الجديين أن يقيموا التيارات و الشرادم الحالية. فالأقوال لا يصدقها غير الحمقى" (لينين)

الأستاذ يونس ينفي بشكل مطلق تحالف النهج مع "العدل و الإحسان"، ويعتبر أن كل ما في الأمر لا يعدو أن يكون "تنسيقا ميدانيا". وعندما قلت بأن حزب النهج هو في تحالف غير رسمي مع "العدل والإحسان"، سخر من كلامي السيد يونس قائلا: "ماذا تعني غير رسمي ؟ هل تقصد سري .أنت الذي تعلم ما في الصدور ؟ أليس هذا كلام الصحافة المسخرة انطلى عليك وتمكن منك وتسلل لنفسك التي تسيطر عليها الحلقية والأحقاد ؟ ما هي أرضية هذا التحالف ؟ ما هو برنامجه أيها المؤرخ العارف بدواخل الأمور ؟". بهذه الكلمات الصبيانية و المملة حاول السيد يونس التهرب من النقاش .
أولا صيغة التحالف غير الرسمي ، ليست صيغتي أنا ، بل هي للينين و لو انتبه السيد يونس لتلك المقولات التي أوردتها عن لينين والتي اعتبرها "منهجية لا تخلو من دغمائية و أصولية ..." ، لأنتبه إلى تحديد لينين للتحالفات الرسمية و غير الرسمية. مسألة تحالف رسمي أو غير رسمي لا علاقة لها بالسرية يا أستاذ يونس، لا تجعل من الشرعية التي اخترتموها بملء إرادتكم تفقدكم التمييز بين الأشياء. أنا لم أقل تحالف غير علني، أنا تحدثت عن تحالف غير رسمي بمعنى أنه لم يصدر عن مؤسسات الحزب، بل تم في الميدان بهذا الشكل أو ذاك، هذا أولا.
ثانيا: السيد يونس ينفي قطعا تحالف حزبه مع "العدل و الإحسان" الظلامية بل وصلت به الجرأة إلى رفع التحدي ويصرخ ضد كلامي قائلا " تقول بأن "بعض مناضلي (ات) حزب النهج الديمقراطي أصبحوا يدافعون عنه بشكل سافر وعلني" نور القراء ونورنا بإعطاء دليل ملموس عما تدعي"، لكن هل نسي السيد يونس ما قاله الكاتب الوطني لحزبه نفسه حول الموضوع، أم أن صاحبنا غير متبع حتى لما يصدر عن قيادات حزبه؟
لنذكر السيد يونس و سوف نستجيب لدعوته و ننوره، ففي الوقت الذي كان بعض مناضلات و مناضلي حزب النهج يعملون جاهدين و بكل ما أوتوا من قوة لنفي تحالف حزبهم مع "العدل و الإحسان" أو إخفائه، جاء تصريح السيد الحريف الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي لمجلة "العليا بريس" كالصاعقة عليهم جميعهم ، فقد كسر لهم كل تكتيكهم و فضح ما حاولوا التستر عليه، فلينظر السيد يونس عبير إلى هذا الكلام الواضح:
"تحالفنا مع العدل و الإحسان يأتي انطلاقا من عدونا المشترك ،الذي هو النظام المخزني ، وهو تحالف ضد هدا العدو ، وفي هده الصيرورة يمكن فعلا أن تحدث تغيرات مستقبلا، و لكن عندما ستحدث ستكون لنا مواقف أخرى سنعلن عليها. لأننا الآن لا نناقش التناقضات الثانوية، و قد آن الأوان لكي تطرح الحركة الحلول ، وعلى أن لا تبقى مجرد جهة تطرح الرفض للاستبداد ، علينا أن نفكر جميعا اليوم وقبل غدا مادا نريد ؟ لدينا مشروع يجب أن نناقشه داخل الحركة قريبا مع جميع المكونات لنتوافق على المغرب الذي نريد لأننا اتفقنا على المغرب الذي لا نريده و اليوم علينا أن نتفق على المغرب الذي نريده جماعيا"(عبد الله الحريف)
أنا شخصيا سوف أظل انتظر ما قد يقوله السيد يونس عبير في حق هذا الإعلان الواضح و الفاضح أيضا، لقد قالها لينين ذات مرة في نقده للتحريفية "لو كانت البديهيات تقف أمام مصالح الناس لسعوا إلى دحضها" و هذا ما حاول أن يفعله السيد يونس عبير لكنه لم يتوفق حتى في ذلك.
ثالثا : السيد يونس يتهمني بالافتراء و الكذب حيث يكتب : "و يواصل خالد المهدي توغله في الافتراء مدفوعا بحقده الأعمى على النهج الديمقراطي ليصل قمة الكذب عند اتهامنا بالتحالف مع العدل و الإحسان بل مع القوى الظلامية برمتها دليله في ذلك هو إصدار فرع تاهلة للنهج الديمقراطي بيانا سياسيا مشتركا مع العدل و الإحسان".
السيد يونس لا يرى حرجا في إصدار فرع حزبه لبيان سياسي مشترك مع إحدى فصائل القوى الظلامية، بل قد يعتبره مسألة حسنة. جيد، سنعود إلى ذلك لاحقا. لكن هل بالفعل الدليل الوحيد لتحالف النهج مع العدل والإحسان هو "بيان تاهلة"؟
ألا يرى السيد يونس ماذا يقع بطنجة ؟ و بالقصر الكبير و بفاس ؟ فاس، ربما كانت أكثر دلالة من غيرها، خصوصا و أن أصحابنا داخل النهج الديمقراطي يشنون هجوما على مناضليها و مناضلاتها بدعوى أنهم انشقاقيون "ومخربون لوحدة الحركة" وغيرها من الادعاءات المقيتة .
ماذا حدث بفاس؟ هو السؤال الذي يجب أن نطرحه حتى نضع النقط على الحروف.
بعد الانفجارات التي تعرض لها مقهى اركانة بمراكش ظهرت وسط حركة 20 فبراير بفاس بل على المستوى الوطني، رؤيتان للتعاطي مع الحدث .رأي يحاول أن ينسب ما حث لأجهزة المخابرات لإيقاف تقدم الحركة، و كان من بين هؤلاء جماعة " العدل و الإحسان" و هي بذلك تحاول مأزقة النظام من جهة، و تقديم دعم غير مباشر لحلفائها الحقيقيين من السلفيين ذوي التوجه الإرهابي. ورأي آخر كان يقول بأنه لا يجب أن نستثني القوى الظلامية من هذه العملية، وبغض النظر عن من نفذها يجب إدانتها بحزم و قوة مع التأكيد على ضرورة استمرار النضال على المطالب التي سطرتها حركة 20 فبراير. و على ضوء هذا التمايز في المواقف استجابت تنسيقية 20 فبراير بفاس للدعوة التي وجهتها حركة 20 فبراير بمراكش للمسيرة الوطنية بالرغم من معارضة "العدل والإحسان". و في الوقت الذي كان مناضلو و مناضلات حركة 20 فبراير فاس يشاركون في المسيرة الوطنية بمراكش لإدانة الأحداث و التأكيد على استمرار نضال الحركة، سوف يقدم أعضاء " العدل و الإحسان" بالحركة على عقد جمع عام وقرروا داخله تغيير جميع اللجان وتغيير المقر من مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى مقر حزبكم أيها السيد يونس .نعم إن حزبكم هو من احتضن هاته القوى الظلامية و تواطؤ معها سياسيا من أجل عزل المناضلات و المناضلين اليساريين، ويمكن الرجوع هنا إلى الندوة الصحفية التي نظمتها حركة 20 فبراير بفاس. من إذن قسم الحركة هل انتم و " العدل و الإحسان" أم مناضلات ومناضلي حركة 20 فبراير بفاس؟
ماذا يعني ذلك هل هو تنسيق ميداني كما تدعي ؟ فبئس التنسيق.
و عندما نقول نحن بضرورة نقد المشروع الظلامي لجماعة العدل و الإحسان ، يقول صاحبنا يونس بأنه يتفق على ذلك. لكنه يضيف بأن الصراع يجب أن يكون " بالقدر الذي يحافظ ما أمكن على وحدة الحركة لأن أشكال الصراع هي أيضا غاية في الأهمية ".
هنا إحدى النقاط الخلافية الجوهرية مع النهج الديمقراطي. و سوف نحاول التفصيل فيها على قدر الإمكان.
إن الصيغة التي نبهنا بها السيد يونس عبير هي بالضبط الترجمة العملية لتلك المقولة التحريفية التي تدعي بأن "الحركة هي كل شيء أما الهدف النهائي فلا شيء". بالنسبة للنهج الديمقراطي و غيره مثل "تيار المناضلة " فإنه يرى أن الاهتمام باستمرار الحركة و تناميها هو المهمة الأكثر إلحاحا و هو يرى أن استمرار الحركة وتناميها مرتبط أشد الارتباط "بوحدة" هذه الحركة، و هي وحدة تعني له أساسا وحدة الفاعلين داخلها. نسيان الهدف الذي نناضل من أجله هو أكبر خدمة يمكن أن يقدمها المرء للرجعية.
حركة 20 فبراير هي حركة انبثقت من تراكمات نضال شعبنا و من ما أحدثته نضالات شعوب المنطقة و هي حركة انبثقت بشكل عفوي بامتياز. لقد استطاعت هذه الحركة أن تجلب طبقات و فئات جديدة من الشعب المغربي للنضال الجماهيري السافر و أحدثت تغيرات قوية في المزاج النضالي للشعب المغربي. اجتذبت اهتمام الجماهير بالعديد من القضايا السياسية (عندما كنا نحن "وغيرنا أيضا" نحاول إثارة اهتمام الجماهير بالنضال السياسي كان حزب النهج و باقي التيارات الانتهازية يتهموننا بالتسيس الفج). إن المهمة الأساسية في مثل هذه الظروف هي الدعاية للمشروع الثوري ، هي تكثيف النضال وسط الجماهير لإعادة الثقة في تصوراتنا و أحلامنا التي شوهتها الامبريالية والرجعية ، المهمة الأكثر إلحاحا ليست هي النضال " ضد المخزن" و " ضد الفساد" و " ضد الاستبداد" و إنما المهمة الأكثر إلحاحا إنما هي توضيح " أي مستقبل نريد "، إقناع الجماهير بأهدافنا. إن طرح مسألة ضد من نناضل ستظل صيغة مشوهة إذا لم ترفق بمسألة " من أجل ماذا نناضل " .
الإخوة في النهج الديمقراطي هم أكثر من يتجنب طرح هذه المسألة وسط حركة 20 فبراير حتى لا تتصدع وحدتها أوقل وحدتهم مع "العدل و الإحسان"، سوف يجيبنا السيد يونس ببيانات النهج التي صدرت و تصريحات قيادييه. لكن مسألة توضيح " من أجل ماذا نناضل" ليست كلمات و بيانات و إنما عمل دعائي متواصل وسط الجماهير الشعبية ، عمل تعبوي و دعائي وسط الحركة.
الأستاذ يونس يدعونا إلى اختيار أشكال الصراع القادرة على الحفاظ على وحدة الحركة ، حتى أصبحت هذه الوحدة " كما يفهمها هو" مطلقة و لازمة لاستمرار الحركة و تطورها. لكن لنذكر السيد يونس بما قاله لينين حول مسألة الوحدة .
" إن الوحدة مسألة مشروطة، نسبية، مؤقتة ...في حين أن الصراع مطلق" ، مسألة الوحدة ليست رغبة ذاتية ، الوحدة شيء نسبي و مؤقت تفرضها شروط معينة و تلغيها أخرى. الوحدة قد تلعب دورا في تطوير الحركة ، لكن التشبث بها في كل الظروف قد يهدد أساس الحركة و مضمونها و بالتالي مستقبلها.
التجربة التاريخية العالمية تؤكد هذا الاتجاه، عندما بدأ تأثير الانتهازية يتزايد وسط الجماهير إبان الحرب العالمية الأولى كان لينين أول من رفع شعار الانفصال و الانشقاق عنها، و إعلان إفلاس الأممية الثانية. حينما برز وسط الشيوعيين الروس خط تصفوي ينادي بالتخلي عن الحزب السري ( مثلما فعلتم انتم إبان التجميع) وبالثورة أعلن لينين أن ضمان نجاح المعركة الشيوعية يتطلب الانفصال عن هذا الخط والقطع معه في كل ما يتعلق بشؤون البناء الحزبي والبرنامج الثوري. و هكذا فالوحدة ليست هي ضمان تطور الحركة و إنما الصراع ، مع الأخذ بعين الاعتبار لأشكاله في كل مرحلة مرحلة و في كل ظرف .
السيد يونس يتحدث عن وحدة الحركة، لكن ماذا يعني بوحدة الحركة ، كل كلامه و كلام حزبه لا يرى في وحدة الحركة سوى وحدة المكونات الفاعلة وسط هذه الحركة، و هذه نظرة بعيدة عن الماركسية و عن الاشتراكية ككل .
السيد يونس يدعونا إلى اختيار أشكال الصراع "التي تحافظ ما أمكن على وحدة الحركة" ما هي هذه الأشكال ؟ السماح للقوى الظلامية بتلاوة الفاتحة قبل انطلاق التظاهرات كما يحدث بطنجة، السماح بعزل النساء عن الرجال وسط التظاهرات كما يحدث في العديد من المواقع. عدم فضح المشروع الفاشي "لجماعة العدل و الإحسان" بدعوى الحفاظ على وحدة الحركة و السكوت أمام جهر العدل والإحسان وبشكل واضح داخل الجموع العامة بأن المغرب دولة إسلامية شاء من شاء وأبى من أبى، أمام أعضاء النهج الديمقراطي بمن فيهم قياديون داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي خاضت صراعا ضاريا حول العلمانية منذ سنتين ضد من كانوا "يتشبثون بالخصوصية المغربية"، وكنتم على أتم الاستعداد ليس فقط لانسحاب حزبي الطليعة والحزب الاشتراكي الموحد من الأجهزة، وهو ما تم بالفعل، بل إلى إمكانية الانشقاق داخل الجمعية دفاعا عن هذا الموقف ومواقف أخرى،. ونحن كنا نرى أن موقفكم هذا كان موقفا سليما تقتضيه مصلحة الحركة الحقوقية رغم اختلافنا مع هذه المرجعية فكريا. لكن هذه هي سياسة الكيل بمكيالين، و تلك الأحداث وحدها تجعل من صراخ النهج اليوم "حول الوحدة" مجرد كذب و قناع لإخفاء موقف سياسي جديد و واضح من القوى الظلامية بدأ يتبلور وسط حزب "النهج الديمقراطي".
لو انتبه السيد يونس مرة أخرى للمقاطع التي أوردتها عن لينين ، لانتبه إلى أن هذا الأخير يقول و يؤكد على أنه عندما كان يعقد الحزب تحالفات معينة "...لم نوقف ، بل لم نفتر أبدا نضالنا الفكري و السياسي...." ضد من نتحالف معهم و عندما تحالف الشيوعيون مع البرجوازية الليبرالية أكد لينين على أن الحزب ".....شن على البرجوازية الليبرالية، و على أضأل نفوذ يظهر لها وسط حركة العمال، نضالا فكريا و سياسيا لا وقفة فيه و لا هوادة"، و عندما تحالف الشيوعيون مع الاشتراكيين الثوريين...... ".
لم يوقفوا-أي البلاشفة- نضالهم الفكري والسياسي الذي لا يعرف المسالمة ضد حزب الفلاحين البرجوازي الثوري ....."....الخ.
هناك عشرات بل مئات الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في هذا الاتجاه لنؤكد على أن لينين و أن الماركسية بشكل عام لم تفتر نضالها الفكري و السياسي ضد البرجوازيين وغيرهم إبان التحالف معهم ، بدعوى الحفاظ على الوحدة .
إن هذه الصيغة التي يملء بها السيد يونس الدنيا ضجيجا، هي صيغة التستر على الذيلية، صيغة لا تخدم سوى أعداء الشعب المغربي .
و عندما نسأل السيد يونس ماذا قدمتم؟ وماذا فعلتم للصراع ضد نفوذ القوى الظلامية وسط الجماهير من خلال حركة 20 فبراير، يقول لنا بملء الفم : " لقد ساهم رفاقنا في تطوير مطالب الحركة " عبر المجلس الوطني لدعم الحركة"، " الذي نادى بالمساواة التامة بين المرأة و الرجل في كافة الحقوق بما في ذلك الحقوق المدنية و العدل والإحسان قبلت بذلك و هذا أمر إيجابي ". أهذه هي أشكال الصراع التي تحافظ على وحدة الحركة؟
لكن أين هو فضح المشروع الفاشي " لجماعة العدل و الإحسان" ؟ أين هي الدعاية ضد النظرة الحقيقية "للعدل والإحسان" لقضية المرأة ؟ لا شيء، تحت مبرر الحفاظ على وحدة الحركة، فأي ذيلية هذه وأي زحف على البطون هذا أمام الظلاميين.
"العدل و الإحسان" وافقت عبر مجلس الدعم الوطني* على المساواة في الحقوق بين الرجال و النساء .هل تعرف أيها المناضل ماذا يجري على أرض الواقع وكيف يتصرف أعضاء "العدل و الإحسان" حول هذه المسألة ؟ في التظاهرات و في الجموع العامة للحركة حيث تتواجد مناضلات و مناضلون يناضلون فعلا وليس قولا على هذه الجبهة ؟ لا أعتقد أنك مدرك لذلك . و أنت حقا فقير حتى في هذا الباب.
السيد " يونس عبير" كما هو شأن حزبه ، يطنب آذاننا بضرورة التمييز بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي ، وهي على كل حال الصيغة المفضلة لدى هؤلاء السادة لنهي المناضلات والمناضلين للنضال ضد الانتهازية ( و اليوم لنهيهم على النضال ضد الرجعية ) بدعوى الحفاظ على وحدة الحركة و عدم السقوط في مساعدة "المخزن".......الخ.
لكن أيها المفكر العظيم ، مسألة التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي لا تناقش في الهواء بل على الأرض، و لا نتحدث عن التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي بشكل مجرد، بل داخل صيرورة معينة، إن مسألة التناقض هي مسألة مرتبطة بصيرورة بعينها و ليست مسألة مجردة، أنها مسألة ملموسة .
أصحابنا في النهج و منهم السيد " يونس عبير" لا يفوتون أية فرصة للصراخ في وجهنا بضرورة التمييز بين التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي، بالنسبة لهم التناقض الرئيسي هو" المخزن" وغيره، هو تناقضات ثانوية ، لكن طرح هذه المسألة بهذا الشكل هو جهل بالماركسية بل حتى بالهيغيلية، طرح المسألة على هذا النحو يعني انك تسخر من الماركسية.عندما نتحدث عن التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي فهو موجود في كل صيرورة تاريخية اجتماعية، أو طبيعية أو صيرورة وعي .و وسط كل صيرورة قد يتحول الثانوي إلى رئيسي و العكس بالعكس.
و عندما نريد الحديث عن التناقض الرئيسي و الثانوي يجب أن نطرح السؤال عن أية صيرورة نتحدث؟ وسط هذه الصيرورة يوجد تناقض رئيسي و في صيرورة أخرى نجد تناقضا رئيسيا أخر، أما الحديث عن التناقض الرئيسي و الثانوي بشكل مجرد إنما هو الاستهزاء بالماركسية.هذا بالإضافة إلى أن السادة بالنهج الديمقراطي يفهمون التناقض الثانوي على انه تناقض غير ذي شأن و غير مهم، في حين أن إهمال التناقض الثانوي و عدم النضال من أجل حله قد يعصف بكل شيء.
عندما يخوض العمال معركة نضالية ضد أحد الرأسماليين فإن التناقض الرئيسي هو ذاك الذي بينهم و بين صاحب المعمل أو الإدارة. ما يجعل هذا التناقض تناقضا رئيسيا ليس أنهم عمال و الإدارة ممثلة الرأسماليين، بل ما يجعل هذا التناقض رئيسيا هو أن حله يغير جوهر تلك الصيرورة ( أي المعركة يقدمها آو يوقفها ). التناقض الرئيسي يفهمه أصحابنا بمعنى العدو الرئيسي الذي هو دائما و أبدا "المخزن". لكن مفهوم التناقض الرئيسي هو أبعد من ذلك ، هو مفهوم جدلي متحرك و دينامي.
و لنعد للمثال السابق لنوضح المسألة أكثر. قلنا أنه في الوقت الذي تنطلق صيرورة معركة معينة ضد الباطرونا فان التناقض الرئيسي الذي يعني تحديدا أن حله يغير نوعيا تلك الصيرورة هو بين العمال و الإدارة . لكن هذا التناقض قد يتهاوى إلى تناقض ثانوي مثلا عندما تتشكل مجموعات من كاسري الإضراب و تضغط من أجل إيقاف المعركة و إفشالها. حينها يصبح التناقض بين العمال المضربين وكاسري الإضراب هو التناقض الرئيسي، بمعنى أن حله هو الذي يطور المعركة ويغير موقع التناقضات الأخرى. و بدون إفشال عمل كاسري الإضراب قد تنتهي المعركة و تتحول تلك الصيرورة نوعيا.
لكن السادة بالنهج يحاولون ما من مرة ان يخفوا لامبدئيتهم تحت ستار ضرورة التمييز بين التناقضات الثانوية و التناقض الرئيسي، و هكذا نجد عبد الله الحريف في نفس التصريح الذي اشرنا له آنفا يقول: "التناقضات الموجودة داخل الشعب هي تناقضات ثانوية ، لأن الأساس هو أن نحافظ على وحدة نظرتنا للعدو ، وهو عدو الحركة الذي هو المخزن، أساس الاستبداد والفساد، و الذي يجسد هذه الظواهر. فجاءت حركة 20 فبراير لتحافظ على الوحدة أساسا حول هذا الشعار ، و يمكن أن تعالج تناقضاتها الثانوية بشكل ديمقراطي سليم داخل الحركة ، عبر تنازلات من طرف الكل من أجل وحدة الحركة التي تتجاوب بالأساس مع شعاراتها " الحرية ، الكرامة الديمقراطية و العدالة الاجتماعية " ، وهي القاسم المشترك بين الجميع ، والتي هي فعلا شعارات المرحلة الحالية للشعب المغربي. هكذا أصبحت "العدل و الإحسان" ذات التوجه الظلامي و ذات المشروع الفاشي في نظر النهج قوة من قوى الشعب المغربي بل و تناضل من أجل "الحرية، الكرامة و العدالة الاجتماعية"، و التناقض معها تناقضا ثانويا. هل هناك اوضح من هذا الكلام أيها السيد عبير؟
و على نفس الخطى نجد علي فقير يكتب في نهاية تقييمه للتحالفات إبان تجربة الثورة الصينية مايلي:
"الخلاصة:التحالفات مرتبطة بالواقع الملموس، بالتناقض الرئيسي...هل هي إستراتيجية أم ظرفية؟ هل هو تحالف جبهوي أم التقاء ميداني؟ ما هي أرضية الحركة؟ الطبيعة الطبقية للعدو الرئيسي؟....بطبيعة الحال تبقى موازين القوة هي المحدد الرئيسي لآفاق الحركة، و تبنى/تتحول موازين القوة من خلال التأثير الميداني، و التواجد الفعلي في قلب المقاومة، وسط الجماهير الشعبية ك "السمكة وسط الماء"...على أساس برنامج متوافق عليه ( و لكل طرف إستراتيجيتة الخاصة انطلاقا من مرجعيته الخاصة و أهدافه البعيدة ألمدي...).واقع الحراك السياسي الراهن.- العدو الرئيسي النظام المخزني- حركة 20 فبراير حركة جماهيرية مناهضة للاستبداد المخزني- من بين مكونات هذه الحركة تنظيمات و تيارات تلتقي ميدانيا على أساس أرضية الحركة (أنظر الأرضية).- ليس هناك أي تحالف أو جبهة داخل الحركة ( إذا استثنينا تحالف اليسار الديمقراطي الذي تشكل قبل نشوء الحركة)- غير صحيح أن يمنع طرف معين من المساهمة في الحركة شريطة أن يلتزم ميدانيا بالأرضية- و للجم مكون ما لن يتم إلا بالانخراط الميداني و "تشييد موازن القوة" لصالح اليسار"
هذه أيضا عبارات أخرى دالة جدا، ليس على محاولات مناضلي النهج إخفاء تحالفهم مع العدل و الإحسان،بل لنظرتهم للتناقضات، إنها نظرة أقل ما يقال عنها أنها صورية حتى النخاع.
إن حديث أصحابنا بالنهج و منهم السيد "يونس عبير" حول عدم الخلط بين التناقض الرئيسي و الثانوي هي دعوة متسترة بكلمات ماركسية للود و الوئام مع القوى الظلامية أو بالتحديد "جماعة العدل و الإحسان" و عدم الصراع ضدها و تركيز الصراع ضد "المخزن"، هذا هو مضمون هذا الكلام ولاشيء غيره. و كما يقول لينين "يمكن دائما الإعراب عن الانتهازية بمصطلحات ماركسية".
إلى هذا الحد، حاولت أن أوضح أخطاء و هفوات السيد " يونس عبير" وكشف ما لا يقال بين أسطر كلامه.
بقيت مسألتان جوهريتان في هذا النقاش .
أولا : توضيح مسألة التحالف غير الرسمي لحزب النهج مع القوى الظلامية و بالتحديد جماعة العدل و الإحسان، وتقديم الأدلة على ذلك .
ثانيا : يجب أن نوضح أيضا هل هذا التحالف هو مسألة في صالح نضال الشعب المغربي كما يدعي حزب "النهج الديمقراطي"، و هل هذا التحالف مع هذه القوى هو مشروع من وجهة نظر الماركسية. وللإجابة على هذا السؤال يتطلب الأمر توضيح من هي " العدل و الإحسان " بمعنى على أي موقع طبقي تعبر و على مصالح أية طبقة أو فئة تقاتل و تناضل، و هذا ما سنحاول تناوله في الصفحات القادمة.

4
"علينا أن نسأل كل من يتحدث عن الوحدة : مع من تريد الوحدة" لينين

لقد أوضحت سابقا المعنى الذي يتناول به الماركسيون مسألة التحالف غير الرسمي باعتباره تحالفا لا يصدر عن المؤسسات الحزبية و إنما يتم انجازه عمليا وسط الممارسة، السيد يونس بعد سلسلة من الاتهامات المجانية في حق خالد المهدي يخلص أن علاقة حزب النهج بالعدل و الإحسان لا تعدو أن تكون مسألة تنسيق ميداني كما يفعل الجميع وسط حركة 20 فبراير، و يطالب السيد يونس في نفس الوقت أن أوضح له برنامج هذا التحالف و أرضيته و أهدافه..الخ. و السيد يونس يقول بان النقد الذي توجهت به للاتجاهات اليسراوية سديد و صحيح لكنه في نظره غير كاف لأنني لا أريد "تحمل عناء دراسة الإطار الملموس لأي تناقض و سمته الخاصة التي تشكل جوهره الخاص ".
حسن ، ولنبدأ بما قاله السيد يونس بنفسه. فلتبرير علاقة النهج "بالعدل والإحسان" ساق لنا السيد يونس حيثيات التحاق "العدل و الإحسان" بالمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، مذكرا بان جميع المكونات وافقت على هذا الالتحاق باستثناء عضوين (وليس مكونين ) ليوضح أن ذلك : " كان قرار سليما لأنه يحشد أكبر قوة ممكنة في وجه النظام ( و لا ينبغي الاستهانة بالجانب الكمي ) و في نفس الوقت بالمحاسبة و الرقابة المتبادلة بين مكونات الحركة . أما لو بقيت العدل و الإحسان خارج الحركة فلا أحد من حقه حرمانها من التظاهر في الشارع و لا حق له في التدخل في شعاراتها ".
هكذا طرح السيد يونس عبير المسألة، والغريب في الأمر أنه طرحها بهذا الوضوح لكي ينفي مسألة تحالف النهج مع "العدل و الإحسان"، في حين أن هذا الكلام هو أكبر دليل على هذا التحالف.
ما هو التحالف إذا لم يكن هو العمل المشترك " لحشد أكبر قوة ممكنة ضد" خصم أو عدو مشترك و في نفس الوقت يؤسس " للمحاسبة و المراقبة المتبادلة ".
الإخوة في النهج يبررون علاقتهم " بالعدل و الإحسان" وتحالفهم معها بدعوى حشد أكبر قوة ضد النظام والسيد يونس يطالبنا بعدم " الاستهانة بالجانب الكمي" و يضيف أن ذلك يحقق أيضا تلجيم هذه القوى عبر محاسبتها و الرقابة عليها ، لأن تواجدها خارج الحركة سوف يعطيها المشروعية لرفع شعاراتها و الدعاية لمشروعها في الشارع . هذا هو التحليل الملموس الذي يطالبنا السيد يونس باعتماده لكن هل " للعدل والإحسان" القدرة على فعل ذلك خارج الحركة ؟
هل الظروف السياسية التي تعرفها البلاد و الوضع الذي تعيشه جماعة لعدل و الإحسان يسمح لها بذلك. إن "العدل و الإحسان" ناضلت بقوة و عملت كل ما بوسعها حتى لا يتم عزلها عن الحركة و ناورت بشكل جيد حتى تكتسب "الشرعية" للنزول إلى الشارع من داخل الحركة و أنتم أيها الإخوان في حزب النهج من بين من قدم لها هذا الغطاء وأمدها بهذه الشرعية.
إن "العدل والإحسان" كانت تبحث عن" الشرعية "خصوصا من طرف مكونات محسوبة على " اليسار"، وضعها كان ضعيفا من الناحية السياسية خارج الحركة و كانت مستعدة للتنازل اللفظي ليس على موقفها الظلامي من مسألة النساء و فقط، بل حتى على مسائل أخرى ، من أجل الانخراط في الحركة و اكتساب شرعية النزول والتظاهر والتعبئة وسط الشارع.
"العدل و الإحسان" أيها "الماركسي " كانت أضعف من أن تحاول مجرد المحاولة الخروج إلى الشارع بمعزل عن الحركة. يؤكد هذا الكلام تصريحات بعض قادتها ، و العديد من التقارير الصحافية و وضعها الخاص قبل 20 فبراير . فقد حاولت "العدل و الإحسان" في بداية انطلاق الحركة, الخروج بشكل منفرد في محاولتين في مجموعة من المدن ايام الجمعة, لتحويل يوم الاحتجاج إلى يوم الجمعة على غرار بعض الدول العربية , و بالتالي إعطاء النضال مضمون ديني, لكنها فشلت في ذالك:اولا لغياب الغطاء التنظيمي, مما غيب الجماهير عن هاته الخطوات, خاصة أن غالبية الجماهير كانت لهم ثقة كبيرة في الحركة في بداياتها الأولى, في مقابل غياب الثقة في كافة الأحزاب و التنظيمات الأخرى التي تعتبرها أنها لم تقدم شيئا للمواطن البسيط. ثانيا لقمع النظام لتلك المحاولات, في بدايتها. يوم 21 فبراير بعد أن انتهى شباب الحركة بوجدة من تجسيد وقفة أمام الولاية, حاول أعضاء العدل و الإحسان تحويل الشكل النضالي, إلى معركة من اجل إعادة البيوت المشمعة من طرف النظام، نفس الشيء وقع في مدينة الناظور لكن جميع خطواتها باءت بالفشل
"عدم الاستهانة بالجانب الكمي" هو حق أريد به باطل، لنتذكر تجربة التنسيقيات و كيف استطاع "اليسار" أن يلعب دورا بارزا و أن يحشد قوى شعبية هائلة عندما ارتبط بالجماهير و بالأحياء الشعبية.
إن من يرى ويربط الجانب الكمي ( الذي هو مهم جدا ) بجماعة " العدل و الإحسان" فإنه أعمى البصر والبصيرة. الجانب الكمي يتطور عبر العمل والنضال و عبر الدعاية وسط الجماهير الشعبية في الأحياء الشعبية و الاهتمام بمشاكلها و قضاياها المباشرة .إن هذه النظرة التي يقدمها السيد يونس عبير هي النظرة السوداوية عن "اليسار" وهي النظرة التي تبخس من نضال مناضلاته ومناضليه وقدرتهم على استنهاض الجماهير.
تجربة التنسيقيات أكبر مثال على ذلك كما ونوعا و لم يكن للعدل والإحسان أو أية قوة ظلامية وجود داخلها، و استطاعت أن تساهم في استنهاض الجماهير في أكثر من 100 مدينة و قرية بالمغرب هذا هو الواقع الملموس أيها " الماركسي" .
السيد يونس ينفي تحالف " العدل و الإحسان" ويطالب بأرضية و برنامج هذا التحالف .
ما هي أرضية و برنامج هذا التحالف ؟ العدد 149 من جريدة النهج الديمقراطي لسان حال حزبه تجيب بوضوح على هذا السؤال ، حيث نجد في كلمة العدد أن "حركة 20 فبراير أفرزت ثلاث اتجاهات تتبنى مواقف متباينة من هذه الحركة و دورها و أهدافها و أساليب نضالها".
و تتحدث كلمة العدد عن الاتجاه الأول الذي " يتكون من المخزن والقوى الملتفة حوله" وطبعا تقدير الإخوة في النهج لا يدخل جماعة العدل والإحسان في هذا الاتجاه.
أما الاتجاه الثاني حسب كلمة العدد دائما هو اتجاه " ديمقراطي يريد التغيير لكنه يخشى أن تتجاوزه الجماهير " و هو اتجاه" ... يعبر عن مصالح فئات و شرائح تنتمي للطبقات الوسطى و تتذبذب بين الالتحاق بحركة الجماهير أو الخوف منها و اللجوء إلى أحضان النظام " ، و هو الاتجاه الذي " أبدى حسن النية للنظام عبر اعتبار قضية الملكية البرلمانية و واجه انتقال الحركة إلى الأحياء الشعبية ....."، و هنا طبعا لا تدخل حسب تقديرات الإخوة في النهج جماعة العدل و الإحسان في هذا الاتجاه.
يبقى طبعا الاتجاه الثالث و هو الاتجاه الذي يضم في تقدير حزب النهج إلى جانبهم جماعة " العدل والإحسان" و آخرين.
لنرى التحليل الملموس كيف يكون ؟ ولنرى تقييم رفاق السيد عبير يونس " للعدل و الإحسان" ، و لينظر الرفاق والرفيقات بالنهج ماذا تقول قيادتهم في حق "العدل و الإحسان".
" الاتجاه الثالث يتشكل من القوى الجذرية التي ناضلت لسنوات طويلة و لا تزال ضد الاستبداد و الاستغلال و الاضطهاد و قدمت في ذلك تضحيات جسام ". لينظر الجميع أين يؤطر حزب النهج القوى الظلامية أو جماعة العدل و الإحسان ( لأن حتى السلفيين هم وسط حركة 20 فبراير) قوى جذرية ، بل ناضلت ولا تزال ضد الاستبداد و الاستغلال و الاضطهاد. هكذا إذن أصبحت " العدل و الإحسان" بنظر الإخوة بالنهج الديمقراطي، هكذا يكون التحليل الملموس وتحليل الجوهر الخاص للتناقض أيها "الماركسي" المزيف.
أن تكون " العدل و الإحسان" تناضل ضد الاستبداد " المخزني" فذلك ممكن، لكنها "تناضل" من أجل أن تحل مكان استبداد النظام الملكي القائم ، نظام أبشع استبدادا ، وهذا ما يحاول النهج إخفائه ، لكن أن تكون "العدل و الإحسان" تناضل ضد الاستغلال فهذا وحل وتزييف للحقائق لا يمكن أن يصدر إلا ممن أصبح ذيلا لها.
ما هذه النظرة المقززة لتحليل الأشياء، ما هذا الكذب والبهتان. لينظر الرفاق و الرفيقات بالنهج الديمقراطي ما يروج له حزبهم و إخوة "العدل و الإحسان" داخل حزبهم .
ألا يكفيك أيها السيد يونس عبير هذا الكلام لكي تتضح لك أرضية تحالف حزبكم مع " العدل و الإحسان"؟ هكذا بجرة قلم أصبحت "العدل و الإحسان" ضمن اتجاه جذري " يناضل ضد الاستبداد والاستغلال والاضطهاد".
نحن هنا لم نعد نناقش مسألة الصراع داخل التحالف، فالمسألة أصبحت أبعد بكثير من ذلك ، لكن السيد يونس عبير لا يخجل بوصفه عضوا داخل هذا الحزب من أن يعلن إتفاقه معي حول ضرورة الصراع ضد الظلاميين وسط حركة 20 فبراير، هذا ما سماه لينين ذات مرة بأسلوب الاحتيال . ويسألنا السيد يونس على أرضية هذا التحالف ، لنرد عليه انظر إلى كلمة العدد 149 من الجريدة الناطقة باسم حزبكم لتعلم .
هؤلاء "اليساريين " المزيفين ( و نحن لازلنا مقتنعين بوجود مخلصات ومخلصين لقضية الجماهير وسط هذا الحزب مع كامل الأسف) ، لا يخجلون من تحديد جماعة العدل و الإحسان داخل اتجاه " يعتبر أن التغيير الديمقراطي الحقيقي ليس ممكنا في ظل استمرار النظام المخزني، و أن المدخل لهذا التغيير هو تفكيك الأجهزة المخزنية، خاصة عبر النضال من أجل عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية. و أن ذلك يتطلب الانخراط الواسع والقوي للطبقات ذات المصلحة في التغيير، و في مقدمتها الطبقة العاملة وعموم الكادحين. لذلك طرح ضرورة توطين الحركة في الأحياء الشعبية و بناء اللجان الشعبية و توحيدها مع كل التنظيمات التي أفرزتها نضالات الجماهير خلال العقود الأخيرة لتشكيل نواة سلطة بديلة ".
أليس هذا برنامج واضح أيها السيد عبير؟ بماذا قد تبررون هذا الكلام ؟ ألا تعتبرون " العدل و الإحسان" من داخل هذا الاتجاه ، هل سقطت منكم سهوا و نسيتم أن تتحدثوا عن اتجاه رابع ربما؟ لكن كلمة العدد نفسها لم تنسى أن تسلط نيرانها و تطالب " اليسار المناضل "بأن " يواجه بصرامة محاولات النظام و من يلف لفه تقسيم الحركة بمبرر أن العدل و الإحسان يسعى إلى السيطرة على الحركة ".
إن كلمة العدد 149 وحدها ،حتى لا نعرج إلى حقائق أخرى ، تؤكد بهتان و أضاليل و كذب السيد يونس عابر فيما يخص علاقة النهج بالعدل و الإحسان.
إن الخطير في الأمر هو أن هذا التعاطي الانتهازي للإخوة في النهج الديمقراطي لا يستفز اليساريات واليساريين الذين لا زالوا تحت مظلة هذا الحزب، والأخطر من ذلك هو تداعيات هذا التحالف ليس على حركة 20 فبراير و فقط، بل على الحركة الجماهيرية بشكل عام. فغدا قد يطلع علينا السادة بضرورة "التنسيق الميداني" مع "العدل و الإحسان" داخل الحركة الطلابية، و لماذا لا يفعلون ذلك ؟ أليست إحدى أهدافهم بناء أوطم وإحقاق وحدة الحركة الطلابية ؟ إن العدل و الإحسان هي الأخرى تقول بالمبادئ الأربعة لأوطم فلماذا إذن لا تمدوا الأيادي لبعضكم البعض ؟ ما المانع ؟
5
" من هم أصدقاؤنا ؟ من هم أعداؤنا ؟ هذه مسألة في الدرجة الأولى من الأهمية بالنسبة للثورة ........إن الحزب الثوري هو مرشد الجماهير، فإذا قادها في الثورة إلى طريق خاطئ فلابد أن تفشل الثورة. ولكي نضمن عدم قيادة الجماهير في الثورة إلى طريق خاطئ و لنكفل النصر للثورة ، ينبغي لنا أن نهتم بالاتحاد مع أصدقائنا الحقيقيين لنهاجم أعدائنا الحقيقيين .و علينا لكي نميز بين هؤلاء و أولئك ، أن نقوم بتحليل عام للمركز الاقتصادي لمختلف الطبقات في المجتمع الصيني و لموقف كل منا تجاه الثورة" ( ماو تسي تونغ ).

لنترك كل ذلك جانبا ولنحاول تناول النقطة الأهم. هل بالفعل التحالف مع "العدل و الإحسان" مسألة مشروعة من وجهة نظر ماركسية كما يدعي النهج ؟ هل بالفعل أن " العدل و الإحسان" يناضل ضد "الاستبداد والاستغلال و الاضطهاد "؟ و هل بالفعل أن التناقض مع "العدل و الإحسان" هو تناقض ثانوي يندرج ضمن التناقضات بين الشعب كما يروج حزب النهج؟ من هي العدل و الإحسان ؟ على من تعبر طبقيا ؟
سوف نحاول تقديم رؤوس أقلام حول هذا السؤال، لأن المجال لا يسمح بأكثر من ذلك، و لن نخوض هنا في نقاش العدل والإحسان من الناحية الفكرية العامة و لا نحتاج لنذكر الإخوة بالنهج الديمقراطي عن تصورها الظلامي ومواقفها في هذا الاتجاه، بل سوف نحاول أن نتناول المسألة من ناحية برنامجها الاقتصادي وتصورها للإنتاج والتوزيع والتبادل . حتى تتضح أسس موقع هذه الجماعة طبقيا ، مع التذكير بأن تناولنا هذا يظل أيضا قاصرا و يستدعي المزيد من البحث والتنقيب و الجهد.
"أوروبا تزحف على العالم " عنوان فصل من كتاب " في الاقتصاد" يتناول فيه عبد السلام ياسين مسألة اندحار الولايات المتحدة الأمريكية ويتنبأ بصعود أوروبا تحت قيادة ألمانيا، و هو يأمل في ذلك لأنه قد يعود بالخير على " دولة الإسلام".
في هذا الفصل يدعو عبد السلام ياسين إلى نبذ كل ما جاء وما سوف يأتي من " الأجنبي":
" الرفض الجذري والتقليد و الولاء للأجنبي الجاهلي مطلب عزيز و أعز منه نصر الشخصية الاسلامية الأصلية ، و نصبها مكان الصدارة في ميادين الحكم والتدبير و الإدارة و الاقتصاد. رفض حضارتهم و معاييرها و أخلاقها و نظرياتها و أساليبها هدف شريف، و أشرف منه أن لا ننتقل من مذهب جاهلي إلى مذهب جاهلي، من الرأسمالية إلى الاشتراكية. بل أن نستقل بالنظر و العمل بالمنهاج و التطبيق ، بتحديد الأهداف واستصلاح الوسائل ، وليس سوى شرع الله القويم وصراطه المستقيم لنا مذهب " (1).
إن هذا الرفض " للأجنبي " الذي يعني كل ما هو غير مسلم، لا ينم عن نزعة تعصب ديني و فقط بل إنه سمة للثقافة الفاشية تحت غطاء الإسلام. وهو رفض جذري عند ياسين، و الجذرية هنا بالنسبة له هي رفض للحضارة وللمعايير وللأخلاق ولنظريات وكذا الأساليب " الأجنبية "، الأجنبية عن الإسلام سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية، بل إنه يجعل من العداء للاشتراكية أشرف من العداء للرأسمالية.
إن هذا الرفض للحضارة الأجنبية هو في حقيقة الأمر، رفض لكامل الحضارة الإنسانية بما فيه جزء من الحضارة الاسلامية نفسها ، تلك التي انهالت من " الأجانب" وهذا وجه آخر من أوجه الظلامية و الفاشية. عبد السلام ياسين و أتباعه يرون في "الشخصية الاسلامية" مثل ما كان يرى هتلر و حزبه في"الشخصية الجرمانية "، متعالية فوق الجميع و أحسن من الجميع و هي ملاذ الإنسانية .
و ما من مخرج بالنسبة لعبد السلام ياسين سوى " شرع الله القويم و صراطه المستقيم "حتى تخرج "الأمة" من الظلمات و الجاهلية إلى النور ، هذا هو تصور "العدل و الإحسان " للمستقبل .
لكن ما هو " شرع الله القويم و صراطه المستقيم "؟ أو كيف تفهم " العدل و الإحسان " هذا الشرع ؟ ليس من الجانب الأخلاقي بل من الجانب الاقتصادي، أي الإنتاج والتبادل و بالتالي التوزيع، ولأن خطاب الأخلاق لم يعد قادرا لوحده (رغم أهمية تأثيره) على احتواء الجماهير وتدجينها فإن عبد السلام ياسين يقر بأن :
"الدولة الإسلامية تحتاج لنظرية اقتصادية متكاملة واضحة المعالم تستند عليها في الاختيارات و القرارات " بل إنه يذهب أبعد من ذلك حيث يؤكد : " أن السياسية هي اتخاد القرار باختيار هذا الحل على ذلك نظرا للأهداف التي تفضلها على غيرها، ونظرا للوسائل التي معك . ونظرا لما تتوقعه من رضى الناس بقرارك لما يأتيهم به من خير. و لب الاختيارات والقرارات التي تتخذها الدولة الحديثة لها مساس مباشر وثيق بالاقتصاد ، بل جلها اقتصادية ، بل كلها . فيحق القول أن الاقتصاد هو زمام السياسة و جسمها و حواسها" (2) .
و حاجة " الدولة الإسلامية" في نظر عبد السلام ياسين " لنظرية اقتصادية واضحة المعالم" هي "حاجة لكي نبني نموذجا طبقا لروح ديننا ، استجابة و تحقيقا لعقيدتنا و طموحنا في الكفالة الذاتية و في الرخاء و القوة ". ما هو إذن تصور عبد السلام ياسين لهذه النظرية الاقتصادية الواضحة؟
ما هو أسلوب الإنتاج والتبادل المطابق "لروح الدين الإسلامي" ؟ و كيف يتم توزيع الثروات ؟ ما هي مداخل هذه الدولة و مواردها ؟ و ما هي علاقة الدولة بالاقتصاد ؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة المحورية، يعطينا فكرة جيدة عن النظام السياسي الذي سوف تقام عليه؟ ويمدنا بالعديد المعطيات لنحدد ( و لو بشكل تقريبي ، مادام الأمر يحتاج المزيد البحث )الموقع الطبقي الذي تعبر عنه وتدافع عنه جماعة عبد السلام ياسين.
بالنسبة لشيخ الجماعة و منظرها كلا النظامين الرأسمالي و الاشتراكي نظامين جاهلين يجب الابتعاد عنهما و رفضهما لكنه مع ذلك يرى أن اقتصاد "دولة القرآن " كما يسميها ، يجب أن يكون "اقتصادا حرا" و "الاقتصاد الحر نعني به اقتصاد العبد السائر على قانون ربه الذي حدد الحلال و الحرام، و الواجب والحق، و نظام الملكية و الميراث وحقوق الأجير والشريك و حق اهدد في المال ومعرفة للبائس و السائل و المحروم ،و حث على السعي و النشاط في الكسب ، و حذر من الاغترار بالحياة الدنيا و المتعة الدوابية " و " الاقتصاد الإسلامي حر بمعاني الحرية الغائية المقيدة هنا في الدنيا بقيود الشرع" و بهذا حسب عبد السلام ياسين دائما، حلت معضلة تمييز " الاقتصاد الإسلامي" عن نظيره الرأسمالي و الاشتراكي و بهذا " يكون النظام الإسلامي السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الحضاري نقيضا لنظامين الجاهليين ، لا من حيث التطبيقات العملية الجزئية و فقط بل من أساسه و من غايته"(3).
و بغض النظر عن هذا الجهل النابع كالنور من كلام ياسين، حول الرأسمالية والاشتراكية، و بغض النظر عن النفحة الدينية المتشددة في هذا الخطاب، بغض النظر عن كل ذلك لنسأل ما هو إذن هذا "الاقتصاد الإسلامي" المتميز عن النظامين الجاهليين الرأسمالي والاشتراكي ؟ للإجابة على هذا السؤال يطرح عبد السلام ياسين السؤال التالي : "هل يكون اقتصادنا اقتصاد سوق ؟ "هو يطرح هذا السؤال بشكل استنكاري ، ليبعد التهمة عنه بأنه اقتصاد رأسمالي قح ، لنرى كيف إذن يتم ذلك .
في البداية يؤكد عبد السلام ياسين على أن الاسلام " لا ينكر غريزة التنافس ، ولا يكبتها و لا يقمعها ". و " المبادرة الحرة مؤسسة يعترف بها الاسلام ، بل يجعلها أساسا منه ، تستثنى الحالات التي يقع فيها الضرر على المصلحة العامة من سوء تصرف الملاك " و يضيف : " و رفض الرأسمالية لا يعني وجود رؤوس أموال حرة ، بل يعني رفض الأمراض الإنسانية التي تطرأ على الفطر فتجمع بها " ، بل " إن إلغاء المبادرة الحرة يهدد الاقتصاد بالشلل لتعطيل الغريزة التي جعلها الله فينا محركا للتدافع الذي يكون به العمران " .
لا أدل من هذا الكلام لكي يتضح أن ما تنادي به " العدل والإحسان" هو الرأسمالية نفسها ، و بالرغم من أن ياسين يقول بان رفض الرأسمالية يعني رفض الأمراض الإنسانية "فإنه يشرع هذه الأمراض و يجعل من بعضها غريزة "جعلها الله فينا محركا " للتنافس الذي به حسب عبد السلام ياسين يكون العمران أي التقدم و التطور الحضاري و الثقافي ....الخ.
محاولة الهروب من أن ما يطالب به الإسلام بشكل عام، و جماعة " العدل و الإحسان" بشكل خاص هو الرأسمالية بعينها لم تستطع أن تخفيه تلك الجمل حول التضامن ومراعاة " حقوق الأجير و الشريك" و غيرها من الأقنعة.
و إذا كانت " العدل و الإحسان " تدافع عن الرأسمالية تحت غطاء الدين، متسترة بالخطب الديماغوجية حول العدل و حول الإحسان ......الخ ، فهي بكل تأكيد جماعة تعبر و تدافع عن مصلحة طبقة أو فئة برجوازية .
من هي هذه الطبقة أو الفئة ؟ هل تدخل ضمن الشعب أم تحسب في عداد أعدائه؟
عبد السلام ياسين يؤكد على " أن رفض الرأسمالية لا يعني رفض المبادرة الحرة الشخصية أو الجماعية في شركات ، و إنما يعني إبعاد التضامنات الاحتكارية و رفع الأسعار التعسفي، و طلب الربح المادي على حساب المصلحة الاجتماعية و استبعاد العامل الأجير واستغلاله". لكن كيف يمكن القبول بالرأسمالية و بالمبادرة الحرة و في نفس الوقت إبعاد "التضامنات الاحتكارية" في حين أن هذه الأخيرة هي نتاج موضوعي للأولى؟ خصوصا و أن عبد السلام ياسين يقر ويؤكد على أنه في اقتصاد " دولة القرآن" " .....تكون المبادرة الحرة هي الأساس و تدخل الدولة طارئا ، و يكون التخطيط محدودا " ، بل إنه يصرخ بأن كل تخطيط يجعل من التأميم هو القاعدة و المبادرة الحرة هي الاستثناء فإنه يعرض الاقتصاد للخطر، و بالنسبة له " من خطط للتوزيع الاجتماعي ، مع خراب آليات الإنتاج و شلل محرِكِه الفطري و هو المبادرة الحرة، فإنما يخطط لتوزيع البؤس و الفاقة " (4).
أعتقد أن ما يطرحه عبد السلام ياسين هو بكل تأكيد بعيد كل البعد عن تصور و مطامح البرجوازية الصغرى ، للإنتاج و لعلاقة الدولة بالاقتصاد أو لنظرتها للرأسمال.
أن نفسح المجال للمبادرة الحرة و للتنافس الذي هو "غريزة لا يجب أن تكبت أو تقمع" و أن " تكون المبادرة الحرة هي الأساس و تدخل الدولة طارئا " و في نفس الوقت يجب " إبعاد التضامنات الاحتكارية". ليس ذلك من حماقات عبد السلام ياسين و هلوساته، بل إن في ذلك مغزى طبقي معين سوف نعالجه لاحقا، غير أنه قبل ذلك نود أن نوضح كيف يتصور عبد السلام ياسين نجاح هذه النظرية .
إن ما يضمن نجاعة ونجاح هذا "الاقتصاد الإسلامي" ليس قوانينه الموضوعية و ليس إبداع العقل بل العكس من ذلك فعبد السلام ياسين يطالب بنبذ العقلانية وعدم السماح لها بالتحكم " فينا"، إن هذا البعد الظلامي في تصور الأشياء صاغه شيخ " العدل و الإحسان" على النحو التالي :نجاعة " الاقتصاد الإسلامي" تكمن في أنه "....يشكل نظاما مستنبطا من الأحكام السماوية، ففي مصدره السماوي ضمان لنجاحه، لا يدخله الخلل إلا من قلة فهمنا عن الله، وقلة فهمنا لروح الشريعة و مقاصدها" (5) . فإذا أصيب هذا الاقتصاد بالانهيار و إذا ما طفت الأزمة واضحة أمام أعين الجميع فإن ذلك ليس في طبيعة هذا الاقتصاد و لا في قوانينه بل انه نقص في فهمنا للشريعة والقرآن وعوضا أن نبحث في شؤون الاقتصاد سوف نعرج للبحث في ملكوت السماء. إن هذه النظرة ليست مجرد مثالية ممسوخة بل ظلامية واضحة يوضحها أكثر قوله هو بالذات إذ أنه يعتقد أن "...الله ....الضامن للنجاح والفلاح لمن اتبع هداه لا هدى النفس، واتبع الفهم عنه لا تحكم العقلانية، و وظف العقل فيما خلق له من استماع أمر الله و آياته المنزلة ثم تكييف الواقع لها لا العكس "(6).
إن هذا البعد الظلامي في فكر جماعة "العدل و الإحسان " هو الغطاء الإيديولوجي للتستر عن الاستغلال و القهر و الاضطهاد و الاستبداد فإذا كانت اليوم "العدل و الإحسان" هي الأخرى ترفه شعار "ليسقط الاستبداد " فليتمعن الجميع بماذا تريد أن تعوضه. لندع جانبا هذا الجانب الفكري و لنواصل توضيح رؤية الجماعة للمسائل الاقتصادية.
ما هي موارد " دولة القرآن " ؟ كيف يمكن لهذه الدولة أن تغطي حاجياتها ؟
يعترف عبد السلام ياسين بقصور الزكاة التي تشكل فرضا من فروض الاسلام على تغطية نفقات الدولة. ففريضة الزكاة جاءت لتحل مشكل التفاوت ما بين الطبقات في عصر بداية الإسلام، لكن مع مرور الزمن و توسع "الدولة الاسلامية" و تزايد حاجاتها و نفقاتها الداخلية و الخارجية كان لابد من موارد أخرى، التبرير الديني لذلك بصيغة عبد السلام ياسين على النحو التالي :
" فلمواجهة الضرورات واقتناء وسائل الطموح المالية، يضاف إلى الحق المعلوم و هو الزكاة، الحقوق الأخرى في المال، المتفرعة عن قاعدة بدل الفضول و هي قاعدة صاغها فقهائنا في قولهم: "إذا احتاج المسلمون فلا مال لأحد " ."(7).
من سوف يحدد هل المسلمون محتاجون أم لا ؟ و كيف يتم تحديد ذلك ؟ و ماذا نقصد بهذه الحاجة ؟ أليست حاجة جوهرها اقتصادي أي هي نفسها حاجة اقتصاد "دولة القرآن" ، حاجته للتطور و النمو و التراكم و الخروج من الأزمات والانكماش و......الخ. حينها "لا مال لأحد"، و ها هو الرأسمال ينبعث شامخا مسيطرا تحت غطاء الله ، فهو لـ لله و كل ما لـ لله يجب أن يصان و يحصن.
لقد قدس هنا الرأسمال تحت غطاء ديني، و أزيلت عنه كل سيطرة ممكنة فأخذ مرتبة الإله في "دولة القرآن" ومن يعارضه و يقف في وجهه كما أنه عارض الله و وجب في حقه ما وجب في حق أعداء الله.
يوضح عبد السلام ياسين هذا البعد بصيغ أكثر دلالة حيث يقول : " و بالرجوع إلى الشريعة ، و محاربة ما أحدثه العرف والقانون الوضعي " فإن المال هو " مال الله أساسا ، و مال الأمة استخلافا ، و مال زيد أو عمرو انتفاعا مؤقتا مشروطا بألا يضر امتلاك الفرد منافع الأمة " ( نفس المرجع) .
إن المال لله، ولا أحد يمتلك و يسيطر على رأس المال في "دولة القرآن ، و نظريتها الاقتصادية تحرر الرأسمال من كل سيطرة تحت إسم الشريعة و تحت إسم الله . المال لله في الأصل، و هو في ملكية الأمة استخلافا، فالأمة هي خليفة الله على الأرض، لكن الأمة بدورها يمثلها الإمام. أما ملكية "زيد أو عمرو" فلا تعدو أن تكون انتفاعا مشروطا، فإذا ما كانت ملكية هذا الرأسمالي أو ذاك تقف في وجه تطور الرأسمال وتراكمه، حق شرعا نزعها منه. و ما هذه الصيغة في الحقيقة إلا لتفويض "الإمام" لفض الصراعات بين "فصائل" الرأسمال (الرأسمال الصناعي و المالي والتجاري،..الخ) بما يخدم نموه وتراكمه و دوام سيطرته.
إن النظرية الاقتصادية "الإسلامية" التي تعلنها جماعة "العدل و الإحسان" هي التبرير الديني لسيطرت الرأسمال و الحد من الصراعات بين "أقسامه" لما يخدم مصلحته و تراكمه و نموه، إنها الغطاء الإيديولوجي لسيطرة البرجوازية الكبيرة و الملاكين العقاريين، و هي أساسا الغطاء الإيديولوجي للبرجوازية البيروقراطية المتسترة تحت جلباب الإمام ممثل الأمة و المعبر عن حكم الله و سيطرته على الأرض، هذا هو مضمون هذا الخطاب، فهل هذا التصور الذي تحمله "العدل و الإحسان" يعبر عن طبقة من طبقات الشعب المغربي، أم هو تعبير عن الأزمة التي أصبحت تدب في أساس التحالف الطبقي المسيطر، أليس هذا التصور هو تعبير عن مصالح الرأسمال و بقايا الإقطاع؟
أليست هذه هي " الصورة الاسلامية " لما كانت تقوله " الاشتراكية الوطنية " بألمانيا و غيرها، أي الفاشية ؟
إذا احتاجت " دولة القرآن" إلى المال فعبد السلام ياسين يوصي بأن " للإمام أن يفرض ضرائب على قدر الحاجة و لو استغرق ذلك كل الفضول الخاصة " ، نعم في "دولة القرآن" إذا رأى الإمام الحاجة يمكنه أن ينزع كل الأرباح ، جميعها. و يوضح عبد السلام ياسين المسألة أكثر بقوله: " إن اعتبار قيام دولة الاسلام و نجاحها جهادا واجبا يلحق النفقة من أجل قيامها و نجاحها بالنفقة إذا داهم العدو و تعرضت ديار الاسلام للخطر" . و " إقامة دولة الاسلام تقتضي تضحيات يشارك فيها الجميع ، فعلى الإمام أن يوزع التضحيات على كل أصناف الأمة ، و أن يعدل في الأخذ كما يعدل في العطاء".
لكن الخطر على " دولة الاسلام " كما هو بالنسبة لكل دولة لا يأتي من الخارج دائما بل من الداخل أيضا، بفعل الأزمات و الصراع الطبقي و يسري عليه نفس ما يسري على الآخر.
" اقتصاد الاسلام " يعترف بالتفاوت بين الطبقات . و عبد السلام ياسين يقدم حلا و علاجا لذلك بالرجوع إلى عمر بن الخطاب .
" ما هو علاج التفاوت الفاحش بين الطبقات ؟ " هكذا يطرح ياسين السؤال . والإجابة لا تكمن في طبيعة هذا الاقتصاد بل في أصول الدين لذلك يجب البحث عن "......القوانين التي يمكن استنباطها من أصولنا لإيقاف جنون النمو غير المتوازن الذي بمقتضاه يزداد الأغنياء غنى و الفقراء فقرا "( نفس المرجع) ولحل المعضلات الاقتصادية و الرقي و تطوير النظريات الاقتصادية لا داع لتكوين مدارس و معاهد متخصصة، بل يكفي إيجاد فروع داخل كليات الشريعة . إن هذا التصور يعطينا نموذجا حتى عن مدارسنا المستقبلية في ظل "دولة القرآن".
لكن "....... هل هناك إجراء أخير نهائي يمكن للإمام أن يتخذه لضرب استغلال النفوذ و غيره من الجرائم الاقتصادية ؟ هل يجوز للإمام ، أي للدولة الاسلامية ، أن تأخذ من الأغنياء و تعطي للفقراء لإقامة ميزان العدل عندما لا تؤدي آليات توزيع الثروة الأساسية و طينتها مثل آليات الزكاة و الضرائب والصدقات و النفقات الجهادية الواجبة عندما يداهم العدو ؟ " بالنسبة لعبد السلام ياسين " لا ينبغي للإمام أن يقف مكتوف اليدين أمام تفاحش الميزان " ، " لديه أصل تشريعي في إنفاق الفضول ثابت بالسنة ، و أصل تشريعي مقرر في القرآن ف يشأن الحجر على السفهاء " ( نفس المرجع).
هنا أيضا لا نجد سلطة تعلو فوق سلطة رأس المال، لقد تحرر في "دولة القرآن" من جميع القيود بما فيها قيود الملكية. فإذا ازدادت الهوة بين الغني و الفقير، بين الرأسمالي و العامل واحتد الصراع الطبقي و تطور ليخلق أوضاعا ضد تطور الرأسمال أو اشتد التناقض بين أقسامه، فللإمام الحق في نزع ملكية هذا أو ذاك ليفتح المجال لتطور الرأسمال. إن الإمام في ظل "دولة القرآن" ليس عبد الله و إنما هو عبد رأس المال.
تلك كانت بإيجاز موارد الدولة في"دولة القرآن " كما يتصورها شيخ " العدل و الإحسان" فكيف يرى إذن عملية توزيع هذه الموارد؟ يكتب ياسين قائلا و مجيبا عن هذا السؤال : "....أهم المصارف ......" المقاتلة الذين بهم النصرة و الجهاد" ثم " ذوو المال جمعا و حفظا و قسمة. ونحو ذلك حتى أئمة الصلاة و المؤذنين " ثم الإنفاق على ما يعم نفعه من سداد الثغور بالكراع ( أي تعبئة الجيش في وجه العدو بالمركوب) و السلاح، و عمارة ما يحتاج إلى عمارته من طرقات الناس كالجسور، والقناطر وطرقات المياه كالأنهار" ثم ذوو الحاجات الذين كان يقدمهم رسول الله (ص) في العطاء".
هذه صورة واضحة حول التراتب الاجتماعي الذي يحلم به عبد السلام ياسين في ظل " دولة القرآن ". فاين هي مصالح البرجوازية الوطنية في كل ذلك؟ أليس هذا تصور واضح عن الفاشية؟
نكتفي هنا بهذا القدر في تناول رؤية "العدل و الإحسان" لبعض القضايا الاقتصادية،لقد أوضحنا في كل ما سبق تصور الجماعة لما تسميه اقتصاد " دولة القرآن"، و ما تقترحه من حلول للمشاكل الاقتصادية . لقد بات واضحا أن ما تدعو إليه هذه النظرية لا يعدو أن يكون صيغة دينية و ستار تحت اسم " الإسلام " لشرعنة السيطرة المطلقة لرأس المال و تقديسه و جعله في مرتبة الله، لا يعلو عليه شيء.

6
في نهاية هذا الرد

إن هذا الخطأ السياسي الفادح الذي يرتكبه النهج الديمقراطي اليوم بتحالفه مع القوى الظلامية سيظل يذكره التاريخ باعتباره بصمة سوداء في تاريخه وضرب لمصالح للشعب المغربي. لكن التاريخ سوف يذكر أيضا أولئك المتقاعسين، الذين ينتظرون سقوط الحركة أو تحولها نحو خدمة الظلامية و الفاشية للنيل من حزب النهج و الإجهاز عليه و تحميله مسؤولية ذلك، سوف يذكرهم التاريخ على أنهم اشد انتهازية منه و لا يقلون ضررا منه أو أكثر على مصلحة شعبنا.
إن الشعب المغربي اليوم يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تضافر الجهود و بذل التضحيات و التحلي بأكبر قدر من الوعي من أجل تطوير نضالاته نحو الأمام و فتح الطريق نحو مستقبل حيث السيادة له. فتح الطريق نحو إنشاء نظام ضد الاستبداد البرجوازي كيفما كان شكله، نظام ضد الفساد الناتج عنه، نظام يضمن الحرية الحقيقية للشعب، نظام يقطع مع التبعية و السيطرة الامبريالية، نظام يحقق بالفعل الكرامة لأبناء و بنات الشعب المغربي، و بكلمة نظام وطني ديمقراطي شعبي.
إن ذلك لن يتأتى بنقد النهج الديمقراطي و باقي الاتجاهات الرجعية و الانتهازية، بالرغم من أهمية ذلك، بل عبر الانخراط الواعي في نضال شعبنا و الارتباط ببناته و أبنائه الكادحين لقطع الطريق على الرجعية التي تحاول تحريف مسيرته و عرقلة تحرره، و من يتخلف عن هذا النضال هو مساهم ربما أكثر من النهج نفسه في ضرب مصلحة الشعب المغربي.
إن الظرف جد دقيق و الإشكالات و التحديات أكبر منا جميعا في الوقت الراهن بكل تأكيد، لكن ثقتنا بأبناء و بنات شعبنا و تسلحنا برؤية ثورية سديدة و قدرتنا على تحديد الأهداف المباشرة في كل لحظة لحظة، سوف يمكننا من كسب الرهان و التقدم بخطوات جبارة نحو الأمام.
إن الارتباط بالجماهير الشعبية، و هي مسألة لازالت على كل حال مطروحة حتى لدى النهج الديمقراطي، هي من بين المهام المباشرة اليوم أمام الحركة بل إنها صمام الآمان لها ضد الرجعية و الانتهازية إذا ما نحن استطعنا أن نعطيها مضمونها و أبعادها الطبقية. أن نوضح للجماهير ضد من تناضل فذلك مهم، لكن الأهم منه أن نوضح لها أيضا و أساسا من أجل ماذا تناضل.
إن أمام اليسار الثوري بشكل خاص فرصة تاريخية عظيمة، إن هو أدرك مضمون هذه الظرفية الراهنة، من أجل الدعاية لمشروعه وسط الجماهير و من أجل اكتساب مواقع جديدة للمواجهة الطبقية ضد النظام و ضد الرجعية، و من أجل تطوير ذاته أيضا إن تخلى بعض "الثوريين" عن حلقيتهم و إن نفض البعض الآخر الغبار الذي أصبح يغطيه من كثرة الإنتظارية.
يجب أن نتذكر أن كلمات و أسطر الحاضر اليوم ما هي إلا صفحات التاريخ غدا،
وسوف تكتب اسم من باع
و اسم من تقاعس و استسلم
و اسم من ناضل حتى لا يكتب اسمه إلى جانب الاثنين.

خالد المهدي

__________________________

* نحن هنا لن نتناول على الأقل مسألة مجلس الدعم و لا مضمونها و أهدافها السياسية ، فتلك قضية أخرى سوف نعرج عليها لاحقا في مقال آخر.
1- عبد السلام ياسين : " في الاقتصاد" .
2 – عبد السلام ياسين : نفس المرجع السابق.
3- عبد السلام ياسين : نفس المرجع السابق.
4- عبد السلام ياسين : نفس المرجع السابق.
5- عبد السلام ياسين : نفس المرجع السابق.
6- عبد السلام ياسين : نفس المرجع السابق.
7- عبد السلام ياسين : نفس المرجع السابق