|
ليبيا وثورة التراويح: بالأحضان أيتها الإمبريالية المجيدة
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3468 - 2011 / 8 / 26 - 01:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
كم هو الشعور محبط حين يجب أن تختار بين امرين احلاهما مر، بين أن تكون مع إرادة الشعوب في التغيير، وأن ترى بام عينيك في أي اتجاه يسير التغيير، في ليبيا لم يكن التغيير الثوري بالأهمية القصوى على ما يبدو، بل كانت المهمة هو الإلتحاق الجميل بقافلة نمط حكم البداوة الخليجية، تغيير نظام الإستبداد للرجل المهووس بهستيريا الجماهير المليونية، الحاكم الديكتاتوري الوحيد، بنظام مجلس الصحابة أو مجلس المؤتمر الوطني، الذي سينتخب امير المؤمنين في ليبيا،كل شيء في ليبيا كان بإذن الله، فتح طرابلس قورن بالدقة الفائقة التخطيط بفتح مكة التاريخي (أقصد اليوم والشهر والساعة) الذي يؤسس عمليا لبناء نمط الإستبداد الإسلامي لكن بخلاف كبير، هو ان فتح مكة كان بقوة العرب الفاتحين وليس بقوة نسور الناتو الكفرة، ومع ذلك كان للنيتو الفضل الكبير بعد فضل الله تعالى، لقد كان الفتح إلهيا وسخر للأمور في ليبيا طيرا أبابيل، حتى الزمن في ليبيا تغير من زمن دقيق (يحسب بالساعات والدقائق) إلى زمن وهمي هو زمن مابعد الصلوات، كل شيء من الآن سيتم في ليبيا بعد الصلاة، إنه الفتح المبين. لا شك أن لا أحد يقصي أحد في حراكه الإجتماعي، لكن ان يكون الحراك الإجتماعي في ليبيا بهذا التعريف المدهش، حسب الإعلام العربي الرسمي: حراك مابعد الصلاة ومابعد التراويح،فهو شيء مدهش حقا وينبيء بالأسوأ كأن تكون ليبيا الجديدة، ليبيا على النمط الخليجي. ان يصبح الدين غطاء للتجاوزات السياسية، ومبررا لهضم الحقوق المدنية بشكل سافر. بل والغريب في الأمر، وعشية تأزم النظام الرأسمالي، تأتي الثورة الليبية لتعيد تكريس نمط قديم في ربيع الثورات العربية ذات الأفق الثوري الحقيقي:تغيير نظام الإستبداد الذي يتحقق آليا بتغيير علاقة السيطرة الإمبريالية على شعوبنا المهترئة التي اعياه الفشل والهزاة الأزمية والتخطيط الإقتصادي الذي يخدم المؤسسات الرأسمالية ويذل شعوبنا، بنظام استبداد يتحصن أخلاقيا بالفتح المبين، لقد جاءت كلمة السيد مصطفى عبد الجليل في ندوته الصحفية الأخيرة ردة على التاريخ، ليكرس ما لم تكرسه ليبيا في تاريخها بالواضح البين: هانحن اليوم قد التحقنا بركب الخدمات الجليلة وبالوضوح الجليل الذي لا لبس فيه، سنقيم علاقات متميزة مع حلفائنا طير أبابيل. وفي سابقة تاريخية يضرب عرض الحائط كل ما بجحه على مستوى بناء دولة المؤسسات، بمعنى ستكون هذه “العلاقات المتميزة بقوة واجب رد الجميل على حساب ما ستفرزه صناديق الإقتراع، فرد الجميل هذا او الواجب الأخلاقي يسبق حق ما ستفرزه صناديق الإقتراع التي يفترض أن تكون للبرامج فيها شيء غير هذا الواجب الأخلاقي نحو الإمبريالية، وما دام الوضوح الجليل بهذه القتامة المغرضة، لماذا لا يكون فاجرا بالمرة ومريحا لليبيا في المراة القادمة: سندفع لكم فاتورة الحرب التي شاركتمونا بها وتتركونا بسلام نخدم وطننا، هذا هو الواجب الأخلاقي لمجلس انتقالي، يفترض أن صناديق الإختراع هي من ستفرز برنامج الحكومة المنتخبة القادمة.لأننا هنا في إطار بناء دولة لم تكن موجودة اصلا، دولة مؤسساتها منتخبة وبالتالي هي من سيشرعن سياسة الدولة مع الخارج بشكل عام وليس دول الطير ابابيل فقط، فالنيتو جاء بقرار أممي لحماية المدنيين، هذا هو الظاهر الجلي، وليس لوضع علاقات متميزة تخضع ليبيا للعلاقة الإمبريالية، وما دامت الامور تمشي في اتجاه خلق دولة تحظى بالحقوق المدنية والسياسية بشكلها المكي حتى، لماذا يفترض أن يتوعد مصطفى عبد الجليل وهو رئيس مجلس انتقالي تنتهي مهمته قريبا، وهو لم تتم له البيعة بعد، بأن يلزم ليبيا بتعهدات هو في المرحلة الراهنة يعبر عن مرحلة تأسيس. بمعنى أن مهمته المرحلية هي خلق دولة المؤسسات، لقد حاول كل عناصر قيادات الثورة الليبية أن يتخلقوا بأخلاق الرسول في فتح مكة: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن...”، لكن في تصريح فج وملتبس، مصطفى عبد الجليل بتركيا يعلن أن كل من خدم مع النظام الليبي سيحظى بمحاكمة عادلة، وبالبراءة الوقحة يقدم نفسه كمثل أعلى: هو اول من سيحاكمون على الأربع سنوات التي قضاها في خدمة معمر القذافي، وفي تصريح قبل ندوة تركيا قال: سأستقيل من عملي إذا الظروف خرجت عن سياقها في إشارة إلى الفلتان الأمني، وطبيعي أن الامر صعب للغاية، لكن وليس هذا سياق ما أريد قوله، بل السؤال الذي يفرض نفسه هو ما مصداقية امتثال مصطفى عبد الجليل امام محكمة لم تتأسس بعد، وعودة إلى الأمر فالخطاب الفاروقي المكي هذا له دلالته الخاصة فدار ابي سفيان غير آمنة كما يوحي الخطاب، ودليلي على هذا هو هذا التصريح البليد لشخص هو اول من يوثر امتثاله للقضاء،فهل حقا ستكون محاكمة عبد الجليل عادلة للغاية؟؟ دليلي أيضا لما يتنافى مع الفتح المكي المبين موقف محمد القذافي الذي طلب رحابة دار أبي سفيان، وباعتراف أحد قياديي المجلس الإنتقالي فهو أعني محمد القذافي،لا يعرف عنه تورطه في قضايا دموية كما الأبناء الآخرون، وعبد الجليل لم يكن في مستوى تقدير هذا الطلب الذي في مناسبات صحفية كثيرة قال بأنه لم يؤمنه، بل على مصطفى عبد الجليل أن يعلن صراحة بالمصالحة الوطنية عوض تقديم نفسه فاروق زمانه، فأدبيات الثورة الخلاقة هي أن يعترف المرء، بحق مقاومة الآخر النقيض على مصالحه الطبقية، وهو ند الثورة التي لامعنى لها بدون وجوده، وحين يهزمه ويخضعه من خلال بناء عهد جديد، عليه أن يسامح الآخرين على عهدهم القديم الذي تعلبوا فيه، هذا هو منطق الإنسانية الذي يبني لعلاقات سلمية،وليس منطق التفوق، والمصالحة الوطنية هي السبيل لتحقيق السلم الإجتماعي، وليس إقامة محاكمات إعدامية كالتي يلوح بها مصطفى عبد الجليل،ليبيا دولة كبيرة بثرواتها وجغرافيتها، صغيرة بعدد سكانها، فمعركة البناء هي نفسها الحفاظ على الموارد البشرية الليبية، أن تحتضن كل مواطنيها بمختلف مشاربهم شيء آخر مثير في تصريحات مصطفى عبد الجليل، وبدون الدخول في مسألة أخلاقية بحتة تجلت في قمع الصحفيين في ندوته ببن غازي، ببسالته الإخوانية على مايبدوا، وبيقين المتمكن من خلال أجوبته المختصرة جدا والمحدودة على الطريقة اللندنية أو الأمريكية سيان، هي مسألة الأقليات، وربما الأقلية الوحيدة في ليبيا هم الأمازيغ، ذكرني مصطفى عبد الجليل في رده عندما تناولهم بالتعميم المغرض، وبفجاجة الحقوق الدولية: لهم الحق في عاداتهم وممارسة ثقافاتهم ولغتهم لكن طبعا عليهم واجبات، وبالتعميم المدهش يثير الأمر تساؤلا من قبيل: واجبات مثل ماذا؟ إن تناولهم بهذا الإستثناء الغريب الذي يشكك في مواطنتهم وفي دينهم أيضا، فهم بهذا الإستثناء “عليهم واجبات” ، هي ماذا؟ الجباية مثلا؟ إذا كان الأمر بهذا الإستثناء في المواطنة فمالفرق بين القومجي المكروه عند الامازيغ الذي هو الديكتاتور القذافي، ونظام الإستبداد الإسلامي؟ هل مثلا سيدفع الأمازيغ الليبيون جباية للدولة الجديدة لأنهم يتكلمون لغتهم ولهم عاداتهم؟ قد تكون تساؤلاتي خاطئة من منطلق أني لا أعرف بوجود اقلية أخرى، وحتى إن وجدت، فحضور هذا الإستثناء في خطاب رئيس المجلس الإنتقالي يتنافى ومبدئه العام حول تأسيس ليبيا جديدة هي لكل مواطنيها. لقد كنت في السابق أستغرب لشعب يقبل حاكما مهلوسا كالقذافي صاحب العبارات العابرة للقارات: ملك الملوك، إسراطين، ليبيا بربر العرب العاربة،وأشياء كثيرة.. وجاءت الثورة بما لم تشتهيه السفن حسب القول المأثور: عبر الشعب الليبي بكل جرأة أنه ليس الشعب الخنوع بالمرة، بل له حقه في الإستراحة والتخطيط، وكان له الأمر بشكل يدعونا أن نقول: ياويل من يحتقر شعبه. لكن ونحن من الشعوب المغاربية نتوخى من النظام الجديد في ليبيا أن يعيد الإعتبار للتاريخ، ويعتبر الأمازيغ، شعب مملكة نوميديا، شعبا متأصلا في أرضه ولا نريد ان يعامل بمنطق الجبايات. فهم مواطنون أصحاب الأرض، لقد اعدم القذافي الكثير منهم ونتمنى ان تتخذ ليبيا الجديدة موقفا آخر من الإعدام، هو موقف اللامصادرة لحق عيش الآخرين.لهذا على الفتح المبين والجديد ان يكون متفاوتا بتفاوت الزمن بين فتح مكة وفتح طرابلس، عروس البحر يجب أن تكون ليبيا وطنا لمواطنيها بدون فرزيات من قبيل فرض واجبات على أقلية، يجب الإلتزام بواجب حق المواطنة لكل الشعب الليبي بكل تمشكلاته واحترام كل حقوقه الثقافية: كل قبيلة مهما كانت لها عاداتها وتقاليدها وطقوسها و لن يغفر لمصطفى عبد الجليل زلاته السياسية، وعليه يجب أن يوضح الأمور، ماذا يقصد ب”عليهم واجبات”؟؟ فالواجبات هي واجب كل المواطنين، أي مواطن، لكن هذا الإستثناء في تناول الأقليات يفرز نية مغرضة تمس بحقوق المواطنة، وتعيد غلى الأذهان نفس المخاوف التي كانت في سدة العقيد المجنون.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات مغارة الموت (4): تحية لروح الشهيد أوجديد قسو
-
20 فبراير هي الضمير الوطني لجميع المغاربة
-
القديس آمو
-
الماركسية في تفكيك أمير الغندور، الغندور منتحلا شخثص الفاهم
...
-
الماركسية في تفكيك امير الغندور: عودة إلى القياس الفقهي
-
الماركسية في تفكيك الأستاذ أمير الغندور: في غياب السؤال المع
...
-
الماركسية في تفكيك ألأستاذ امير الغندور: النزعة التلفيقية
-
الماركسية في فقه الأستاذ أمير الغندور
-
من حكايا العبور: سعيد الميركرودي
-
عودة إلى الصراع الطبقي والماركسية
-
لقاء مع بيكاسو: حي الجيتو
-
حول الصراع الطبقي والماركسية
-
حول الصراع الطبقي، رد على الزميلة مكارم
-
مغرب الإجماع البليد
-
نحو آلية عالمية للتنسيق بين ثورات الشباب في كل العالم
-
حول الدستور المغربي الجديد.. لتستمر الثورة
-
كلمة حق في استشهاد مهدي عامل
-
مارك فلوباييه:إعادة تأسيس المساواة هي في نفس الوقت استحالة ت
...
-
صلاة لأجل المرأة
-
الماركسية في توجسات مارك فلورباييه
المزيد.....
-
RT ترصد التوغل الإسرائيلي في القنيطرة
-
بوتين: نسعى للريادة في الذكاء الاصطناعي
-
فرنسا تسحب مقاتلتين ميراج من تشاد إيذانًا بانسحابها العسكري
...
-
منظمة ألمانية تنتقد تمويل أوروبا لتونس وليبيا لإدارة الهجرة
...
-
الجيش الروسي في سيفاستوبول يسقط 5 مسيرات أوكرانية ويصد اثنتي
...
-
هل هناك تواصل مباشر بين طهران وإدارة العمليات العسكرية في سو
...
-
وكالة الطيران الروسية تمدد القيود على الرحلات إلى إسرائيل
-
أوربان: زيلينسكي يرفض مقترحا قدمته هنغاريا بإعلان هدنة مع رو
...
-
الحرس الثوري الإيراني: طورنا مع وزارة الدفاع طائرة مسيّرة -ف
...
-
مسيّرات غامضة على الساحل الأمريكي وعضو في الكونغرس يقول: على
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|