|
صفحات في ذاگرة التراث
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 02:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دعنا نقلب معاً صفحات في ذاكرة التراث، نطالع حكاياه ورواياته، تأخذنا بالتشويق والإثارة "أحاديث منتصف الليل" عند دكتور حسين مؤنس وتتوقف بنا مرة ومرات عند مكائد التاريخ التي مافتأ يتلاعب به نفر من الولاة والوزراء والمماليك، يكيدون لأهل العلم والفقة وأصحاب الفكر والنابهين، يترصدونهم بالتآمر والمكيدة ويحسبون أن في الخلاص منهم تأمينا لمراكزهم ومصالحهم وأطماعهم، غير عابئين بصالح الأمة وأحوال البلاد.
بينما كانت الرعية في كد واجتهاد يكابدون شظف العيش وتكاليف الحياة ويبحثون في جد ومثابرة عن صالح الأعمال وسواء السبيل، كان الوزراء والمماليك في غيهم يعمهون، لا يشغلهم غير تحقيق مآربهم وإرضاء نوازعهم وإشباع غرائزهم غير مبالين بمسئولية ماولوه وكلفوا به، وتفرغوا لمكائد الليل وأسماره. وفي ذلك يحكي حسين مؤنس عن بعض مؤرخينا من أمثال تقي الدين المقريزي وأبوحيان التوحيدي وابن حزم الأندلسي وجمال الدين العيني وشمس الدين السخاوي وابن حجر العسقلاني وغيرهم حكايا كثيرة، أتخير لكم منها اليوم واحدة أو اثنتين.
كنا ولا نزال في الأندلس، وعلي التحديد في قرطبة التي ما أستقر لها مقام ولا هدأ لها سر منذ أن تلاعب بها الحكم بن هشام فثارت عليه، ودخلت الأندلس في دوامة خطرة لم يستقر لها بعدها حال، وتعاقب عليها الولاة والوزراء من بني أمية يدفع الواحد منهم الآخر، كأنهم ممثلون هزليون، علي حد قول حسين مؤنس، يبقي الواحد منهم تحت الأضواء لحظات ثم يحل غيره. وتوالت الحروب والمكائد والصراعات وخربت قرطبة شيئاً فشيئاً حتي أصبح ذلك البلد الزاهر أطلالاً بالية، كما يقول ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة"، وفي خضم أحداث الفتنة ولي علي قرطبة هشام بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر وكان رجلاً خاملاً مجهولاً قبل ولايته لم يعرف له أحد فضلاً، وفي ذي الحجة 420 هجرية الموافق ديسمبر 1029م دخل إلي قرطبة في غير هندام واتخذ لنفسة لقب المعتد بالله، وسرعان ما تبين أهل قرطبة أن ملكاته ليست بأحسن حالاً من لباسه، وأن الله لم يهبه أي ملكة من ملكات الوزارة والولاية والحكم. وسرعان ما ألتفت حوله عصابة من شرار الخلق بزعم أنها تساعده وتعينه بينما هي تجره إلي حتفه وفشله ونهايته، وظل يجاريهم في المكيدة والكيد، وسرعان ماصدقت النبوءة وثار الناس عليه وتقلب عليه من حاشيته أمير أموي آخر هو أمية بن عبد الرحمن بن هشام بن سليمان وأخذ ينافسه وحاصره في قصره ومعه دائرة من أهل قرطبة الذين أعلنوه بخلعه حيث انقطع رجاؤهم في بني أمية الأندلسيين. عزلوا المعتد بالله وألغوا ارتباطهم بدولة الأندلس، وأخرجوه من قرطبة بليل وكانت هذة نهايته البائسة، نهاية كل وزير يركب رأسه ويعاند الحق ويظلم المجتهدين ويوالي رفقاء السوء وينتصر للمتآمرين ويرفعهم عنده درجات، وبذا يعادي نفسه وكأنه لا يعلم أن الله يري وماهو بغافل عما يعمل الظالمون. وهكذا لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ولكن هل من مدكر؟!
إن في التراث عظة وعبرة ونحن من أسف لا نتعظ ولا نعتبر، فنحن لا نقرأ وإذا ما قرأنا لا نتدبر وإذا تدبرنا تدبرنا بضمير الغائب وضمير المخاطب (بفتح الطاء) لا ضمير المتكلم، وكأننا نستثني أنفسنا من كل نقيصة ولا نري الإ ذواتنا ورغباتنا وأطماعنا، ومهما كانت كلفة الأمر فهي ممكنة ومحتملة مادامت ليست علي حسابنا وإنما علي حساب الذين آمنوا بحق الله وحق الوطن وضمير الأمة ومستقبل أجيالها. لا مانع من دفع ضريبة النزق والترف والتسلط مادامت ليست من جيوبنا وننسي أننا حتماً دافعيها من مستقبل أجيال قادمة.
وهكذا هو شأن كل من عمت بصيرتهم من المتسلطين الذين تأخذهم العزة بالإثم فلا يعترفون بما اقترفوه من أخطاء وخطايا، وإنما يحاولون إلباس الحق بالباطل فيكيدون بليل ويحيكون المكائد وفي كل مرة يتقولون بما يكشف كذبهم في المرة السابقة، يعللون أخطاءهم بتوافه الأشياء ويرسمون في خيالاتهم أكاذيب لا يصدقها أحد، ويركنون إلي حجج واهية يهيلون بها التراب علي أمجاد في الطريق، ولكن هيهات أن تسد عين الشمس إدعاءاتهم وترهاتهم، وحتماً سيكشفون وإن لم يحاسبهم رؤساؤهم فسوف يحاسبهم التاريخ والشعب في يوم من الأيام وحتماً سيحاسبهم الله يوماً كان شره مستطيراً.
لم يستوعب المعتد بالله درس التاريخ ولم يأبه له ولم يتعلم من زلات سابقيه، فلو كان ذكياً حتي ولو بقدر لقرأ وفهم واستوعب درس سابقيه من بني العباسي، وأقرأوا معي ما أورده حسين مؤنس عن المتوكل جعفر بن المعتصم إذ تولي الحكم خلفاً لأخيه الواثق آخر الأقوياء من بني العباس، وهو حفيد أبي جعفرالمنصور وكان ذلك في 232 هجرية،847 ميلادية.
أحس المتوكل لأول ولايته بثقل وطأة الأتراك والموالي علي الخلافة والدولة ووجد أنه يملك ولا يحكم، فالأمر كله بيد الأتراك المماليك الذين يعتزون ويتطاولون بما تحت إيديهم من الجند والعتاد والتنفذ في دواوين الدولة. وكيف يستقيم أمر الدولة وقد صار إلي مواليهم وعبيدهم الأتراك الذين اشتروهم بأموالهم ليكونوا صنائع لهم، فإذا بهم يصبحون أولي الأمر والنهي ليس في الدولة وحسب وإنما في سادتهم ووزرائهم وولاتهم أيضاً. وهنا بدأ المتوكل علي الله يتقرب بعمله إلي قلوب الناس ويوقف البدع والضلالات ويحثهم علي العمل والإجتهاد وترك الجدل الفارغ، وإظهار السنة وتأييد الجماعة، فرضي الناس عنه وأحبوه وامتدحه أهل الفقه والدين لما رأوه علي يديه من استقرار حال الدولة وقوتها وغناها وقالوا عنه، الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق يوم الردة، وعمر بن عبد العزيز في رده للمظالم والمتوكل في إحياء السنة.
اشتاط لذلك الأتراك ودبروا لقتله والتخلص منه، ذلك أنه بقوته وفكره ونشاطه وحب الناس له قد أوقفهم عند حدودهم وباعد بينهم وبين التحكم والتسلط والنفوذ، فكادوا له وحاكوا ضده بليل، ودبروا له المكائد ونجحوا في أن يقلبوا عليه واحد من أعز أبنائه إليه وهو أكبرهم محمد الذي لقبه بالمنتصر بالله وقربه إليه مع أخويه عبد الله ولقبه بالمعتز، وإبراهيم ولقبه بالمؤيد.
ومن أسف فقد استمال المماليك الأتراك المنتصر وأوغروا صدره علي أبيه وإخوته وداخله الشيطان، فتعجل خلافة أبيه رغم أنها لامحالة آيلة إليه، فإذا به يتآمر بليل مع اثنين من كبار قادة الأتراك عند أبيه ومع وزيره وكاتبه المدلل سر المصائب وصاحب السجل الحافل بالحيل والأكاذيب والمداهنة والحائز علي كره الجميع. أحكم المتآمرون أمرهم وانتظروا المتوكل حتي آوي إلي فراشه، دخلوا عليه بالسيوف وتعاوروه بالضربات حتي تناثر دمه ووقعت هيعة ( هرج ومرج، هيصة) في القصر، وتعالي الصراخ بينما قاتله ابنه من صلبه المنتصر يبتسم مع أصحابه الخونة ووزيرهم المتآمر وينصب نفسه واليا عليهم بليل، فلما كان الصباح أخذت له البيعة من العامة وهم مغلوبين علي أمرهم، وكان ذلك في 247 هجرية 861 ميلادية كما أورده حسين مؤنس في أحاديث منتصف الليل. وطالعوا التاريخ لتروا ماذا كان مآل المنتصر بالله؟! وكيف دالت دولته، اقرأوا وفتشوا وقارنوا وافهموا واعتبروا، لعلكم واجدون ضالتكم ماثلة أمامكم صفحات في ذاكرة التراث
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذهنية -خراسان- وأصولية السياسة
-
أقروا الماجنا كارتا وخذوا كل المقاعد
-
إنتاج وإدارة المعرفة
-
»فصل المقال فيما يكتب عن الدستور أو يقال
-
ضرورات الثورة ومحاذير الفوضي
-
الكومبرادور يحاول إغتيال الثوره
-
إستراتيچيات المشروع العلمي للثورة
-
الزمن ما بين نيوتن وجويدة
-
عن الثورة وجمال عبد الناصر
-
من الثورة إلى النهضة..كيف؟
-
إنتروبيا العلم والسياسة
-
التعليم واقتصاد المعرفة
-
العلم شفرة النهضة ورهانها
-
براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط
...
-
ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته
...
-
-جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة-..
...
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|