تأملات / ومن نهب لا يشبعون !
رضا الظاهر
2011 / 8 / 8 - 17:51
تأملات
ومن نهب لا يشبعون !
في سجل الفساد العراقي دائماً تتكشف صفحات جديدة. وهناك الكثير مما يمكن أن نراه من حقائق ودلالات، غير أننا سنكتفي بقراءة بعض الصفحات.
نبدأ بفضيحة وزارة الكهرباء الأخيرة بتوقيع عقود وهمية بقيمة مليار و700 مليون دولار مع شركتين وهميتين كندية وألمانية. وهي فضيحة بدأت عناصرها تتفاعل وأسرارها تتكشف، وبينها عمليات تواطؤ بين جهات مختلفة.
ونشير الى ما أورده نائب عن التحالف الوطني الخميس الماضي في جلسة الاستضافة النيابية لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير الكهرباء بقوله: "جلبتم سفينتين لانتاج وتوليد الكهرباء في البصرة على أن تنتج الواحدة منها 125 ميغاوات غير أنها أنتجت الـ 25 وتبخرت المائة". وفي الجلسة نفسها تساءل عضو في لجنة النزاهة عن الحاويات التي وصلت الى ميناء البصرة والتي من المفترض أن تحتوي على رؤوس توليد للكهرباء، ولكن عندما تم الكشف عنها وجدوا فيها ألعاباً للأطفال.
وتتعرض كميات كبيرة من الوقود المخصص لمحطات الكهرباء الى السرقات اليومية من جانب شركات النقل بالتواطؤ مع مسؤولين كبار في وزارة الكهرباء.
وكانت لجنة النزاهة البرلمانية قد أعلنت، مؤخراً، عن إحالة ملفات فساد مالي في وزارة الدفاع تخص عقود تسليح الجيش الى هيئة النزاهة لرفعها الى القضاء، وخصوصاً تلك العقود المبرمة مع كوريا الجنوبية.
ومن ناحية أخرى أكدت النزاهة البرلمانية أن أكثر ملفات الفساد لديها تعود الى وزارة التجارة، منتقدة إخلال الحكومة بوعودها لتحسين البطاقة التموينية التي يرصد لها ما لا يقل عن 6 مليارات دولار، بينما يفلت وزيرا التجارة السابقان، اللذان تلاحقهما دعاوى قضائية، من قبضة العدالة، وكل ذلك بسبب تواطؤ المتنفذين في الحكم في سياق التسييس الناجم عن منهجية المحاصصات.
وكانت هيئة النزاهة قد أعلنت أواسط حزيران الماضي أن 479 شخصاً أدينوا بالفساد خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، بينهم 47 مداناً بدرجة مدير عام فما فوق بما في ذلك ثلاثة بدرجة وزير. وفي غضون ذلك كشف المفتش العام لوزارة العمل، في الشهر ذاته، عن أن حجم الفساد في شبكة الحماية الاجتماعية بلغ 50 في المائة. وقد ضبطت أفعال تزوير ضخمة، وكان وراء هذا الفساد مسؤولون كبار مدعومون من جهات نافذة منعت فرق التفتيش من أداء مهامها.
أما عن غسيل الأموال في بلاد الرافدين فقد نقلت أنباء عن جورج مكناب، الخبير الأميركي في شؤون غسيل الأموال الذي تابع الشأن العراقي منذ عام 2008 وفضح ملفات الغسيل العراقية الهائلة ووضعها أمام السلطة المالية في واشنطن، نقلت عنه قوله أواسط حزيران الماضي، إن "مفاهيم غسيل الأموال شاعت وترسخت بقوة في العراق في ظل سلطة الادارة الأميركية المؤقتة برئاسة السفير بول بريمر".
هذا غيض من فيض الفساد العراقي الذي ينتمي الى دولة تعتبر من بين الأكثر فساداً في العالم. فماذا عن فساد العم سام ؟ لعل المقام الوجيز هنا لا يسمح بالدخول في تفاصيل هذا السجل الأسود، ابتداء من مبلغ ضائع يزيد على ستة مليارات ونصف المليار دولار من أموال العراق المجمدة في الولايات المتحدة لانفاقها في مشاريع إعادة الاعمار المفترضة في أعقاب الحرب، مرورا بتورط شخصيات وشركات أميركية ابتلعت مليارات الدولارات في إساءة استخدام لأموال دافعي الضرائب الأميركان، وتبخر الموارد المالية الهائلة بسرعة قياسية تحت ذريعة "تجاوز البيروقراطية" العسكرية والادارية، وهي المظلة التي سرقت تحتها مليارات الدولارات في غضون سنوات قليلة، وتحت شعارات "تحقيق السلام" و"بناء الديمقراطية" وسواها الكثير من الأضاليل. ولا ينتهي الفساد الأميركي عند حدود المشاريع الوهمية أو الفاشلة، واللصوص الهاربين دون ملاحقة قضائية، وصرف أموال لصحفيين مأجورين ومحطات فضائية مدّاحة، وأشباح "رجال مخبرين"، ودبابات دمرت بنى تحتية وأصابت مواقع أثرية بأوخم العواقب.
وعلى أية حال فان جذور الفساد، الذي اتخذ، بفضل "المحررين" والمتنفذين، صيغة "مؤسساتية"، تعود الى عهد الدكتاتورية الفاشية التي أشاعت الخراب المادي والروحي، وهو ما تفاقم بعد "التحرير".
ولفساد "مابعد التحرير"، المسيس شأن كل ظاهرة في المشهد السياسي العراقي، والمرتبط، من بين أمور أخرى، بالارهاب والبؤس الاجتماعي، أساليب في النهب مبتكرة، حيث استثمارات وهمية، ورشوات مقدمة الى "متنفذين" للحصول على صفقات وعقود إعادة إعمار فاشلة، وعمليات شراء ضمائر، وابتزاز قضاء وضغط عليه، وغياب دور رقابي للبرلمان، في ظل مأساة انحدار في الروح العراقية.
* * *
المتنفذون، مثل شياطين خرس، ساكتون عن الحق والحقيقة .. وشراء السكوت المتبادل خوفاً من الفضائح وحفاظاً على المغانم، مستمر تحت خيمة المحاصصات ومعه يستمر صراع الامتيازات في ظل فوضى "التحرير" وأوهام "الديمقراطية" والأزمات المستعصية، حيث تستحيل مكافحة الفساد بعقل فاسد وإجراءات ترقيعية ..
المتنفذون مشغولون بتجهيز سيارات الاسعاف لاعتقال الشباب المحتجين حقاً وسلماً، ويفعلون ما يفعلون مما بات مفضوحاً للقاصين والدانين، بينما تتفاقم معاناة الملايين ..
من نهب لا يشبعون .. وانقطاع كهرباء لا يعرفون .. وأما بنعمة القصور الخضراء فحدّث !