|
مقال فلسفة الاتجاهات
رحيم الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 3410 - 2011 / 6 / 28 - 16:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا ادري أهي كذلك أم ان الناس اخترعوها ،تلك الصورة التي تشير بحزن إلى ان الجنوب في كل بلدان العالم يعني الحزن والألم والفقر ،وتلك مسالة أتعاطف معها بشكل مزاجي ،وإلا فان معاني الشرق والغرب لا تعني شيئا من زاوية المكان ، فالأول يعني شيئا آخر بالنسبة إلى ما قبله وهكذا هو حال الغرب . وإذا وجد في القران الكريم ألفاظا ( الشرقية ، المشرق ، المغرب ...الخ ) أو الشمال وهي التي تقابل اليمين ، فذلك بلا ريب لا يعني تقديس الجهة والجهوية بقدر ما يشير إلى صفة معينة ، وربما تصدق هذه الملاحظة إذا ما تنبهنا إلى ان لفظ الجنوب لا يوجد في القران . وعلى أي حال فان عقد مقارنة بين الشمال في أي دولة والجنوب سوف يؤدي بنا إلى فهم اختلاف ما على مستوى المعيشة والبيئة والطبائع والناس والتلقي والتفكير . وإذا كان مثالنا العراق فلا اختلاف بين شماله وجنوبه من زوايا المجتمع والألم والحزن ، او غربه وشرقه ، والمختلف هنا هو اعتدال الجو ، فالبيئة (الأخرى) هي نفسها حتى ان الجنوب يتميز بتعدد موارده ، ولا يقال بان الشمال أكثر ترفا من الجنوب لوجود نوع من الحرية التي ساهمت ببناء مجتمعهم ،ولا معنى لما اسمعه من قياس خاطئ بكل الأحوال ينوه إلى ان الأنهار التي ترسم غالبا جروحا طويلة على اظهر بلدانها ، تتقيأ كل ما تلقفه في طريقها من أدران والآم لتلقيها في الجنوب فهي على هذا الحال تلقي بالذهب و الذكريات على حد سواء بل انها تعود إلى أعشاشها ونهايتها لتنام في البحر في نهاية الأمر . كما ان الانغماس في فهم ان الجو المعتدل في الشمال هو من ساعد على رسم الحضارة وتبديل الأجناس والأشكال يعارضه القول بان الحضارة الأولى في العراق استيقظت وتخمرت في الجنوب في ذلك الجو الحار نسبيا ، وكانت أولى الأفكار وأحلاها وأكثرها ديمومة تنتشر في أفق الماء والبردي . اما إذا نظرنا إلى خارطة العالم السياسية فسوف نجدها تشير إلى علاقة ( الغرب +الشرق ) في مفهوم السيطرة والخنوع ،السيد والعبد ، النفوذ والانكماش ،العلم والجهل ، الغنى والفقر والحاكم والمحكوم ، ولكن يجب ان لا يحدد خصوصية الشعوب في الحرية والاستقلال مفاهيم الشرق والغرب وان الغرب يتفوق دوما في حين ان الشرق يتراجع ، ولعل النظرية التي أخرجها احد المستشرقين والتي تصنف الناس إلى آري وسامي تمثل المصداق الأقوى على التمييز البائس للأفراد والشعوب ، فهي تحيلنا إلى حتمية صنعها رجل لا الخالق سبحانه . وقد نلحظ في العراق تمجيدا لجهة ما على حساب أخرى ، وهي تتفاوت مع وجود من يسند الجهة على حساب الأخرى ، وبالتالي فان كل جهة تتحمل أعباء المغامرين والطغاة من دون مبرر أحيانا .
من زاوية أخرى فان ما يخص البلد الواحد هو علاقة متنافرة أحيانا تتمثل ( بالشمال + الجنوب ) و( الشرق + الغرب ) وعلى أساس ابتعاد المحافظات من وسط الدولة ( العاصمة ) نلاحظ ان في هذه المحافظات تنخفض – وبشكل عام في العالم الثالث – الخدمات والمشاريع والثقافة والاهتمام الحكومي ، لان البلدان الشرقية تنظر إلى العاصمة نظرة التمييز بين الابن والبنت فتعطيه ( الابن +العاصمة ) أهم الأشياء ، وربما لأنها مركز الحكم فهي الأشهر إعلاميا وامنيا ...الخ . وفي سومر والحضارة الجنوبية ستلاحظ بان وسط العراق وغيره أصبح بعيدا عن الحضارة والعناية والتنمية وهي مسالة نسبية بكل الأحوال فوسط العراق بعد ذلك أصبح مركزا للحضارة . ولا ننسى ان طبيعة الجنوب في بعض البلدان جعلته المأوى الحقيقي لمحاربي الظلمة فهو يتبنى مشروع محاربة الظالمين – بحكم بيئته - وهكذا هو حال الشمال فالظلم ظلم أينما وجد في الشرق أم في الغرب . ولا يخفى ان وجود النفط ساهم في إفقار الجنوب والجنوبي فهو لم يحصل على نفطه الذي يعتبره الجميع أشبه بالعجب من الكعك الغالي في يد اليتيم ، بالإضافة إلى انه لم يستطع زراعة أرضه بسبب صراع الغزاة على النفط في كل زمان ، وكان الحكومات المتعاقبة تفهم لعبة ان إعطاء الفقراء أكثر من حقهم سيؤدي إلى جعلهم السادة في حين ان العبيد هم الجماعة التي تستطيع ان تصنع بهم كل ما تريد . من كل ما تقدم نفهم ان الاتجاهات بشكلها العام نسبية نوعا ما والأرض ترتبط بالإنسان أو يرتبط الإنسان بها على حد سواء ، وبإمكانه التكيف في كل مكان لأنه مخلوق من الأرض والماء والعذب وسوى ذلك ، وبالجانب الفكري يستطيع تبديد انطباع الاتجاه او الجهة او الجهوية التي ترتبط به بشكل سيئ او بشكل يؤدي الى التمجيد والسطوة ، ولكن علينا ان لا ننسى ان البيئة في كثير من الأحيان تترك أثرا على شخصية الفرد كما تترك العقائد والتربية أثرا وكما يقول خبير العلوم السسيولجية الامام علي (ع) وهم على قرب ارضهم يتقاربون .
#رحيم_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرجل الميساني وحقوق نظرية الفوضى الخلاقة
-
انتباه الضوء
-
قصيدة صوت اناث النخيل
-
على هامش الفلسفة
المزيد.....
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|