الامبريالية الامريكية تفجر حربا عالمية رابعة
مفيد قطيش
2004 / 11 / 11 - 08:43
في البداية، اود ان اتوجه بالشكر لقيادة الحزب الشيوعي اليوناني الشقيق على هذه المثابرة في جمع ممثلي الاحزاب الشيوعية في العالم لتبادل الرأي والخبرة. واليوم تكتست هذه الدعوة اهمية خاصة في ضوء تزايد التوتر وعدم الاستقرار في العالم.
والتوتر ناجم ايها الرفاق عن العولمة الامبريالية التي تفاقم التفاوت والاختلالات الاقتصادية – الاجتماعية والجيوسياسية في العالم اجمع. ومع ذلك يبدو ان آليات العولمة لم تعد تكفي حاجات امبرياليي العالم – وبالتحديد الامبريالية الامريكية، اقصد بذلك آليات السوق وفرض نموذج المجتمع المفتوح امام الرأسمال المعولم وما يؤمنه من مصادرة لخيرات الشعوب ولجهدها لصالح المليار الذهبي.
لذلك لجأت الولايات المتحدة لتفجير حرب عالمية رابعة، يوم شنت الحرب على يوغسلافيا ثم على افغانستان والعراق، وهي حرب مرشحة لتطال بلدانا اخرى في العالم. وتتخذ هذه الحرب في منطقتنا شكل حرب ابادة ضد الشعب الفلسطيني ينفذها الارهابي شارون وبدعم مباشر من امريكا وحرب ابادة وتدمير ضد العراق وشعبه، ان العالم كله والشيوعيين بالدرجة الاولى، مدعوون لرفع الصوت وللقيام بمبادرات تجاه الامم المتحدة لايقاف هذه المجازر بحق الشعبين الفلسطيني والعراقي. ونقترح تحديد يوم معين للقيام بمبادرات مشتركة في هذا الصدد لتنظيم اعتصامات وارسال برقيات للامم المتحدة.
وفي هذه الايام يتعرض لبنان وسوريا لضغط دولي غير مبرر في مسألة لبنانية سيادية بحتة تتعلق بالتمديد لرئيس الجمهورية. هي مسألة داخلية، من حيث المبدأ كنا نحن الشيوعيين ضد هذا التمديد، وطالبنا السوريين تصحيح العلاقات مع لبنان. لتوطيد جبهة مقاومة الاحتلال الامريكي، لكن ليس هناك أي مبرر لهذا التدخل الدولي الذي لا هدف له الا فرض تنازلات على سوريا ولبنان لجهة ايقاف الدعم للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، اننا ندين هذا التدخل من قبل مجلس الامن الذي يغمض عينيه عما يجري في فلسطين والعراق، اذا لم نقل يتم ما يجري برعايته.
ولا علاقة ايها الرفاق لهذه الحرب بكل ما يعلن من اسباب:
أي مكافحة الارهاب وضمان حقوق الانسان، وتدمير اسلحة الدمار الشامل، هذه الحرب فجرت لعدة اسباب اهمها:
سبب ايديولوجي: هذه الحرب مطلب ملح لهذه الايديولوجيا الليبرالية العدوانية، التي تحلم بنهاية للتاريخ تجعل الرأسمالية خيارا وحيدا او نهائيا، مثل هذا الحلم يتطلب انجاز حرب اخيرة ضد بقايا المرحلة السابقة، انها حرب للثأر من كل التاريخ الثوري للشعوب على مدار القرن العشرين.
وهذه الحرب هي ثانيا، مطلب لنمط الاستهلاك الامريكي الفاحش، المهدد من جراء محدودية الموارد الطبيعية في العالم. هي مطلب لانقاذ نموذج النمو التوسعي بعد ان بلغ النموذج التكثيفي حدوده القصوى. وهذان المطلبان يتحققان عبر مصادرة الموارد الطبيعية من تلك الشعوب المعلنة غير جديرة بامتلاكها.
لكن هذه المصادرة تتطلب اعادة استعمار العالم (أي تصحيح الخطأ التاريخي كما يزعم الامريكيون) من هنا تجد امريكا في كل مرة اسما مستعارا لحربها: حرب ضد الارهاب، تدمير اسلحة الدمار الشامل والخ. لكن ليس مفهوما لماذا لا يترعرع هذا الارهاب ولا تخزّن اسلحة الدمار الشامل الا بالقرب من منابع النفط.
وثالثا: هذه الحرب مطلب استراتيجي امريكي – انها الوسيلة الرئيسية لتنفيذ استراتيجية الامن القومي الامريكي، المتمثلة بتصدير عدم الاستقرار والمشاكل الى خارج دائرة حدود الغرب لتحويل باقي مناطق العالم الى صحارى غير قابلة للاستثمارات ولتوظيف الادمغة.
تلك كانت اسباب الحرب على يوغسلافيا والعراق وافغانستان. وهي تكمن في اساس التهديدات ضد سوريا ولبنان وايران وكوريا وغيرها من البلدان والشعوب.
لتحقيق اهدافها تسعى الادارة الامريكية لضمان دعم شعوبها وشعوب الغرب كافة. ولذا تستخدم اسلوب الترهيب والترغيب: يهددون الشعوب بالارهاب واسلحة الدمار الشامل، ويعدون هذه الشعوب بالحماية من هذه المخاطر. وتسعى هذه الادارة لاستمالة النخب العميلة في العالم الثالث لتفتح ابواب اوطانها امام الرأسمال المعولم ولتخصخص هذه النخب موارد بلدانها وسيادتها وحدودها.
تسعى الامبريالية الامريكية الى تحقيق اهدافها باسلوبين:
- اسلوب سلمي حيث تجد النخب والقوى الجاهزة للتعاون معها في فتح الابواب امام الرأسمال المعولم.
- واسلوب عسكري قمعي حيث تواجه مقاومة امام تحقيق استراتيجيتها.
ايها الرفاق لم تعد امريكا بحاجة لرأسماليات متطورة في الاطراف، تذكروا ان اول هجوم شنته بعد الحرب الباردة كان على اقتصاديات شرق وجنوب شرق آسيا لافلاسها. ان ما تقوم به امريكا اليوم هو نزع اسلحة الحماية الذاتية للشعوب لكشفها في هذا الصراع العالمي.
واليوم يحملون لنا المبادرات لاصلاح بلداننا، واشاعة الدمقراطية والحريات فيها. مرة باسم الشرق الاوسط الكبير، ومرة باسم شراكة من اجل المستقبل، لقد فاجأونا بهذا النفس الانساني المشبوه، ندرك جيدا انهم يريدون بذلك صرف الانظار عن الفظاعات التي ترتكب في فلسطين والعراق، ويريدون اعادة ترتيب اوضاع المنطقة بالتناسب مع مصالحهم.
ولكي لا أطيل عليكم اقول: لا ينفي احد من القوى التقدمية في بلداننا وجود مشاكل ونواقص وحتى مأزق كامل في تطورنا، وتتحمل شعوبنا واحزابنا جزءًا من المسؤولية عن هذا الواقع، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الاستعمار، ولذا فقد رفضنا هذه المبادرات وليس الاصلاحات الضرورية في كافة المجالات. لماذا؟
- رفضناها لان امريكا لا تريد لنا دمقراطية وانظمة حكم صالحة، لان من شأن ذلك زيادة العداء من اوسع فئات الشعب لامريكا
- وامريكا لا تريد الاستقرار لبلداننا. لو ارادت ذلك لاسرعت في حل مأساة الشعب الفلسطيني وساعدته في اقامة دولته، ولساعدت الشعب العراقي بسحب الجيش الامريكي وتركه يقرر مصيره بنفسه.
- ولا تريد امريكا لنا اصلاحات اقتصادية حقيقية لبلداننا لان ذلك يفترض تغيير موقعها في التقسيم الدولي للعمل.
- ولا تريد لنا بناء مجتمع المعرفة كما تزعم، لان ذلك يتطلب ردم الهوة التكنولوجية التي تزداد اتساعا بين بلداننا والغرب.
كل ما تريده امريكا حدودا مفتوحة وليبرالية مفرطة والغاء دور الدولة في بلداننا واطلاق آليات الدارونية الاجتماعية – تريد للسوق ان تقرر من هو جدير بالحياة في بلداننا.
اما بصدد الشراكة من اجل المستقبل، التي جاءت مساومة في لقاء الثمانية الاخير لارضاء اوروبا، فاود التوجه الى رفاقنا من البلدان الاوروبية لاقول لهم:
- نعم نحن بحاجة لشراكة اورو – متوسطية، نحن بحاجة للامن والاستقرار وللتعاون والنمو والمشترك لنحول منطقتنا الى منطقة مزدهرة خالية من اسلحة الدمار الشامل.
لكن الشراكة التي فرضتها علينا اوروبا الرسمية هي شراكة لخدمة الرأسمال المعولم. هي شراكة غير متكافئة. هي شراكة على ما تملكه بلداننا من موارد طبيعية ولا تتضمن شراكة في مجال التكنولوجيا، وهو امر لا عدالة فيه. ومطلوب منا – نحن الشيوعيين تقديم بديل اكثر انسانية ودمقراطية ونحن قادرون على ذلك.
القوى الدمقراطية – والشيوعيون في طليعتهم – ناضلت من اجل الاصلاح والتغيير في بلداننا وكانت امريكا والاستعمار عائقا اساسيا امام انجاح هذه الجهود بدعمها للانظمة الرجعية.
اليوم يعرضون علينا الاحتلال بديلا للدكتاتورية. انها مقايضة بائسة. يعني اما ان نقبل بجورج بوش واما بصدام حسين. اما جورج بوش واما بن لادن والزرقاوي.
لا، نحن نرفض هذين الخيارين، نرفض الارهاب لانه موجه ضدنا كما هو موجه ضد الآخرين، ان العمليات الارهابية طبيعية وتغير موقع بلداننا في التقسيم الدولي للعمل.
- اعادة الاعتبار للوحدة العربية وما تفترضه من اشكال تكامل متدرجة بين بلداننا.
لكننا واثقون ايها الرفاق ان نجاحنا في هذا النضال لن يتحقق ما لم يتقاطع ويتفاعل مع نضال الشعوب الاخرى في القارات الخمس. فعدونا واحد وكلنا مستهدفون، ولذا نحن بحاجة لتوحيد كافة القوى المناهضة للعولمة الامبريالية في تيار موحد، وليس لتكون بعض الفصائل بديلا عنا. نحن القوى الحقيقية المناهضة لهذه العولمة ولحروبها.
ويضع ذلك على عاتقنا نحن الشوعيين مهمة بناء اممية جديدة بالمضمون وباشكال التعاون والعمل: بالتنسيق والتضامن واستنفار شعوبنا ورفع مستوى وعيها من اجل القضايا المحقة، وباستنتاج الاطر الجديدة لتعاوننا داخل كل بلد ومنطقة والعالم اجمع. وبرفع وتيرة العمل في هذا المجال، وهنا اود، ان انضم لدعوة الرفيقة الامين العام للحزب الشيوعي اليوناني في الدعوى لتطوير اشكال التعاون فيما بيننا على كافة المستويات.
(كلمة الرفيق الدكتور مفيد قطيش عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني – في لقاء اثينا للاحزاب الشيوعية والعمالية).