أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الخطاب التمجيدي الإسلامي















المزيد.....

الخطاب التمجيدي الإسلامي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 22:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعتبر الخطاب التمجيدي، مهما كان نوعه، أحد الأدوات المهمة في التسويق لأية أيديولوجية أو عقيدة أو منظومة سياسية يراد لها أن تهيمن على محيط محدد. فهو، أي الخطاب التمجيدي، يدور حول تسويق فكرة التفوق الشامل في المضمون الفكري أو المحتوى الإيماني أو التفوق الذاتي لمجموعة من الأشخاص (الرموز) بحيث تبدو "إنسانيتهم" متفوقة على إنسانية من يستمعون لهذا النوع من الخطاب. فالخطاب التمجيدي أحد أهم الوسائل لتوجيه العواطف نحو "فكرة" محددة يراد لها أن تطغى على العقل والضمير بواسطة تعمد إلغاء المقارنة الشاملة الناقدة العاقلة النزيهة إلا على المحاور التي يتناولها الخطاب التمجيدي. أما معيار النجاح لهذا الخطاب فهو قبول المستمعين الواعي لهذا الإلغاء المتعمد للنقد الشامل العاقل النزيه ليتصرفوا من خلال قناعة ذاتية تدور حول مضمون هذا الخطاب. وعندما أقول "تطغى على الضمير" فلأن الأنظمة السياسية الفردية السلطوية، على سبيل المثال، تعتمد بصورة أساسية على هذا النوع الخطاب لصالح تحوير الضمير الفردي والشعبي إلى نوع من أنواع الولاء المطلق الذي يرى في "الخطيئة" بمعناها الإنساني نوع من أنواع "الفضيلة" خصوصاً إذا كانت هذه الخطيئة تخدم "الفكرة" التي يراد لها أن تهيمن أو "الشخص" الذي يُراد له أن يسيطر. فعند هذا النوع من الضمير المُحوّر يتحول الكذب إلى "فضيلة" إذا كان يخدم "الفكرة" أو "الثورة" أو "النظام" أو "القائد"، وتتحول رذيلة التجسس وكتابة التقارير بكل من هبّ ودبّ إلى "فضيلة" إذا كانت تخدم "الفكرة" أو "الثورة" أو "النظام" أو "القائد"، بل حتى القتل وإزهاق الروح الإنسانية بدون وجه حق والتعذيب والحجر على الحريات سوف تتحول إلى "فضيلة" وربما نوع من أنواع التفاني في خدمة "الفكرة" أو "الثورة" أو "النظام" أو "القائد". هذا النوع من محاولة تحوير الضمير الإنساني للمجتمع بواسطة هذا النوع من الخطاب رأينا أمثلة متعددة له في تاريخ نشوء الأديان والعقائد، ورأيناه في الأنظمة العربية الشمولية الديكتاتورية خلال الستين سنة الماضية في دولنا العربية، رأيناه في كل الأيديولوجيات الشمولية المهيمنة أو التي تحاول أن تهيمن وتسيطر، ورأيناه في الجهاز السري للإخوان المسلمين في مصر، ورأيناه في الجماعات السلفية السياسية، ورأيناه في "ولاية الفقيه" في إيران، ورأيناه مع كل دولة ثورة وانقلاب في تاريخنا العربي، ورأيناه أيضاً في كل الدول بنوعيها العربية وغير العربية التي تحكم بـ "الشريعة الإسلامية".

الخطاب التمجيدي في أصله وأساسه هو خطاب خديعة سواء أكان يتعلق بنظام سياسي أو كان يتعلق بعقيدة. فهو نوع من أنواع خداع النفس والآخر في آن واحد، إذ هو يرفض بطبعه أن يُقر بأن هناك نقص أو خطأ إما في الفكرة أو الرمز (القائد، صاحب الفكرة أو العقيدة)، ولكنه يصر من جهة أخرى على افتراض الشمولية الفكرية المتميزة لموضوع الخطاب التمجيدي أو التفوق الإنساني للرمز أو القائد في أقصى صورهما تجلياً أو كليهما معاً، وهذا هو بالضبط نقطة ضعفه. فهو يبدو قوياً فقط لأنه خطاب أحادي فردي لا يسمح ضمن حدود خطابه بالرأي المخالف، ولكن هشاشته وضعفه تتبدى واضحة جلية مع أول طرح مخالف ناقد لـ "الفكرة" أو "العقيدة" أو "الشخص". الخطاب التمجيدي هو خطاب أحادي (Monologue)، لا يتحمل الثنائية والتعددية، إذ بمجرد بروز الثنائية التحاورية الناقدة المقارنة سوف تتكشف هشاشة البناء الفكري المفترض في هذا الخطاب ومدى مبالغته في ادعاء ما ليس فيه أو ليس له. ولهذا نرى أغلب الطرح الديني هو طرح أحادي، وأغلب الطرح السياسي الرسمي الشمولي هو طرح أحادي. وعند التمعن في التاريخ الديني نرى أن فكرة (المنبر) المتعالي على الجمهور والنهي الشديد عن الكلام خلال خطبة الخطيب في المساجد (يُسمى الكلام مهما كان موضوعه لغو) والنصوص المتفرقة التي نقرؤها عن نهي المسلمين الأوائل من سؤال النبي عن أي شيء كما جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك: "نُهينا أن نسأل رسول الله (ص) عن شيء" (هذه الجزئية مُغيّبة تماماً عن عمد في الخطاب الدعوي المعاصر) هذه النماذج ضمن أخرى في الوعي الديني الإسلامي هي أول أشكال الخطاب الأحادي الذي تبنته العقيدة الإسلامية لترسخه في الوعي العام الاجتماعي والسياسي الإسلامي خلال أجياله المتعاقبة. فلا غرابة إذن أن نرى حتى المثقفين العرب وعلمانييهم يضيقون ذرعاً بالخطاب الثنائي ليتحولوا إلى أنظمة ديكتاتورية متسلطة عندما يتولون سلطة ما في بلدانهم أو إلى جزء من أجهزة مساعدة لهذه الأنظمة.

يتبنى اليوم الكثير من الدعاة والأفراد هذا الخطاب التمجيدي المبالغ فيه للإسلام. فهم يرفضون مجرد التفكير في أن الإسلام كدين لم يتطرق إلى الكثير من القيم السياسية والاجتماعية والإنسانية بمعناها ومضمونها المعاصر الحديث، بل يعتبرون أية جهة صدر منها هذا الإيحاء وكأنها صدر منها نوع من أنواع الكفر. ففي هذا الخطاب يتحول الإسلام فجأة إلى إسلام ديموقراطي (!)، أتى بمفاهيم الدولة المدنية (!)، وهو أول من نادى بمرجعية الأمة (!)، وأيضاً هو نادى بفصل السلطات الثلاث كما نراه في الدساتير الحديثة (!!)، ونصوصه سبقت العالم في تقرير التسامح ومواد حقوق الإنسان (!!!). هذا، ضمن ادعاءات أخرى كثيرة سابقة ولاحقة مثل الإسلام الإشتراكي والإسلام التعددي وغيرهما، ما هو إلا مثال على الخطاب التمجيدي الذي يرى "الكذب" في سبيل العقيدة نوع من أنواع الفضيلة، والانتقائية التي تتعمد إخفاء أجزاء متعددة من الصورة الشاملة لصالح جزء لا يمثل الحقيقة كما هي نوع من أنواع "الجهاد" الذي سوف ينتهي ربما بالجنة. ولا عجب، فالمصادر الإسلامية كما هي عند الإمام الذهبي وابن بطة العكبري الحنبلي والإمام القرطبي، على سبيل المثال لا حصر، تنادي كلها بصراحة ووضوح بكتم الأخبار المتعلقة بما شجر بين صحابة النبي أو ما يُنسب فيها إليهم بخطأ واضح أدى فيما أدى إليه إلى أراقة دماء أمة المسلمين نفسها أنهاراً جارية، بل هذه المصادر تدعو إلى إتلاف تلك الأخبار واعدامها حتى "تصفو القلوب" وحتى "لا نذكرهم إلا بأحسن ذكر". فالخطاب هنا هو خطاب تمجيدي مخادع بامتياز يريد تشويه الحقيقة بتعتمد حتى يرفع أشخاص الإسلام الأول فوق مستوى النقد على حساب الحق والحقيقة وذلك بواسطة "إعدام" نصوص محددة وإبراز أخرى. وعلى منوال هذه "الثقافة" الإسلامية نسجت الجماعات الدينية السياسية الدعوية في خطابها المعاصر. ولكن الإسلام هو بالتأكيد ليس ديناً ديموقراطياً، تماماً كما هو الحال مع أي دين آخر على الأرض، كيف يكون ديموقراطياً و "الفتوحات" الإسلامية قامت على مبدأ (الإسلام أو الجزية وأنتم صاغرون أو السيف)؟ وكيف يؤمن بالتعددية وهو يدّعي امتلاك الحقيقة النهائية كما هي وكما يجب أن تكون ومَنْ يتمرد فهو على أحسن الأحوال (منافق)، وسلسلة قتلى ومشردي الرأي والتصوف والدين والعقيدة والمذهب في التاريخ الإسلامي طويلة لا تنتهي، وقوائم الكتب المحروقة في الساحات العامة لا نزال نشم رائحتها من خلال صفحات التاريخ؟ وكيف أتى بمفاهيم الدولة المدنية وهو، كما هو الحال مع أي دين، يقوم أساساً على رابطة العقيدة وليس المواطنة، فهو على النقيض تماماً مع الفكرة الأساسية للمجتمع المدني؟ وكيف تكون مرجعية الأمة فكرة أصيلة في الإسلام ولم يأتِ خليفة واحد بإجماع الأمة ورضاهم، على عكس ما يدّعيه الإسلاميون ويروجوا له، كما أن التشريع الإسلامي لا مكان فيه أصلاً للشعب إلا على معنى الاتِّباع للخليفة ولـ "أهل الحل والعقد"؟ وكيف تكون نصوص حقوق الإنسان فكرةأصيلة فيه وهو يقول مَنْ بدّلَ دينه فاقتلوه وأنه لا يحق للمرأة أن تمنع الرجل نفسها متى ما أرادها لفراشه بينما هو يعاقبها بضربها وهجرها في المضاجع؟

نرى ونسمع الكثير من أفراد الأحزاب الإسلامية على الخصوص ينادون ويتكلمون عن "الدولة المدنية"، ولا يبدو أن أي أحد من مستمعيهم يفهم أصلاً ما هو معنى هذه المطالبة، إذ لم نرى أو نسمع أي أحد منهم يقف في وجه هذا المتكلم أو الخطيب ليقول له: "مهلاً، الدولة المدنية هي دولة علمانية بالضرورة، تقوم على أساس المواطنة، الدولة فيها ليست لها دين أو مذهب، المواطنون فيها متساوون تماماً بغض النظر تماماً عن عقائدهم، والتشريع فيها للأمة وليست لنصوص مقدسة مهما كانت، ولا مكان فيها لـ "أهل حل وعقد" يُعيّنهم خليفة أتى من خلالهم أصلاً، هذا هو معناها، فهل هذا يعني أن الأحزاب الإسلامية ودعاتها تطالب بالعلمانية"؟ لم نسمع هذا السؤال ولن نسمع الإجابة عليه لأن الطرح هو طرح "تمجيدي" مخادع لأسباب متعددة يدّعي للإسلام ما ليس له، ولأن المُستمع لهم ممتنع عن السؤال أو التعليق أو الاعتراض لأسباب متعددة. إذ المطالبة بالدولة المدنية اليوم ضمن الخطاب العربي على الخصوص والإسلامي بوجه عام أصبح شيء يفرضه الواقع المعاش على المجتمعات العربية والإسلامية بسبب اختلاف ظروف المجتمعات جملةً وتفصيلاً عن الظروف الاجتماعية والسياسية للتجلي الأول للنصوص المقدسة، فأصبح مصطلح (الدولة المدنية) يحمل نوعاً من البريق الجاذب، ولذلك يتبناه بعض الطرح الإسلامي. ولكن هذه المطالبة بالدولة المدنية من جانب التوجهات الإسلامية هي تماماً من على وزن شعار الإخوان المسلمين الشهير: (الإسلام هو الحل)، لا يحمل أي مضمون حقيقي، ولا يحمل أي معنى، ولا يملك أية تطبيقات عملية أو حلول واقعية، ولكنهما، أي الشعار والمطالبة، وسيلة لخداع المستمع واستمالة عاطفته دون عقله. فكل هذه الشعارات والمطالبات ومعهما كل الجهد الدعوي الخطابي الذي يقوم به شيوخ الدين ودعاته هي ضمن الخطاب التمجيدي للإسلام الذي لا يَمُتّ للواقع والحقيقة بأية صلة، وكل القناعات التي يتبناها القطاع العريض من المسلمين اليوم في هذا الشأن هي قناعات قامت من دون أي مجهود ذاتي للتأكد من مصداقية هذا الخطاب الذي أدى لمثل تلك القناعات. ولولا أن الجمهور يقبل هذا الخطاب التمجيدي من دون أية محاولة منه للاستفسار أو السؤال أو ربما الاعتراض لما كان هذا النوع من الخطاب يملك أملاً بالنجاح، ولكن الجمهور يسكت إما جهلاً أو تورعاً أو خوفاً من عقاب إلهي أو ربما دنيوي على يد هؤلاء الدعاة أنفسهم قبل أجهزة الدولة. فهي مشكلة أتباع ومؤيدين قبل أن تكون مشكلة محتوى ومضمون. إذ كيف نفسر معضلة أنه في مجتمعات ديموقراطية لا يوجد بها حواجز على حرية الرأي والتعبير، يستمر هذا الطرح التمجيدي من دون أية محاولة لتحدي هذه الادعاءات غير الدقيقة والمخادعة؟

إنها الدعاية الإسلامية الموجهة ولكن بدلاً من أن يتبناها نظام سياسي قائم يسعى لترسيخ أهدافه ضمن ظروف محددة في الزمان والمكان، يتبناها هذه المرة الجمهور الذي ينتمي بعاطفته إلى عقيدته الدينية. ولهذا السبب بالذات فإن الحقيقة تبقى أنه لا يوجد خطاب مخادع، ولكن يوجد جمهور يريد أن ينخدع.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
- والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
- الحرية التي نريد


المزيد.....




- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الخطاب التمجيدي الإسلامي