|
الحرية الشخصية و التدخلات المختلفة فيها
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 14:27
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لابد ان اشير في بداية الامر الى ان الحرية الشخصية لاي كان مهما كان موقعه الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي شان خاص و ليس لاحد التدخل فيها وفق ابسط المباديء العامة لحرية الفرد و المباديء الاساسية لحقوق الانسان و العصرنة و التقدم الاجتماعي و التنويرية في المعيشة. فهناك اراء مختلفة حول حدود ومساحة و اطر الحرية الشخصية و فاصلها و مكان انتهائها، و لكن هناك من المحددات التي تضع هذا المفهوم في المكان المعين لها و يختلف شكلها ومساحتها من مكان لاخر، و الفارق بين المساحتين يحدد هو نسبة التضيق في الحرية و مستوى التدخل الموجود، و باختلاف النسبة من مكان لاخر و من بقعة لاخرى و من مجتمع لاخر تتوضح لدينا الخصائص و الثقافة العامة لتلك المجتمعات و الاوساط التي يعيش فيها الفرد، و تتبين لنا المحددات من حيث الثقافة العامة و العادات و التقاليد و الاعراف الاجتماعية و التاريخ و الموروثات و الاعتبارات الفكرية و الروحية و الرموز و المقدسات و العقليات المسيطرة و المرحلة المعاشة و نظرة المجتمع الى الحياة و ما فيها . و هنا يمكن ان نشير الى ان الحرية الشخصية تتناسب طرديا مع وجود العوامل المحفزة لبقائها و بوجود الفرصة السانحة لاعتماد الفرد على نفسه و عكسيا مع ما يشجع على التدخل فيها، و من ثم يعتمد على وجود النسبة العالية من التقدم الاجتماعي المطلوب مع توفر الحاجات الضرورية الخاصة بالشخص ذاته دون الاتكال على الاخر، و يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار، ان تغيير المعادلة هذه واردة مع اختلاف نمط المعيشة من مكان لاخر. لهذا نلمس الفرق الشاسع بين معيشة المواطن في المجتمعات المتقدمة مع ما هو الموجود في الدول النامية و المتخلفة ايضا، و لا يمكن ان ننسى دور الاقتصاد الفعال و تاثيره المباشر على العلاقة بين مدى توفرالحرية الشخصية و نسبة تدخل الاخرين فيها. يجب ان نفرق دائما بين المساعدة و التعاون بين الناس مع التدخلات الشخصية غير المرغوبة بها، لان المساعدة تكون باسترضاء الطرفين و تفعل ما لصالح الطرف المحتاج و تخرجه من الازمة و الوضع الذي يحتاج فيه الى المساعدة، بينما التدخل يعقٌد الامر اكثر و يؤدي في اكثر الاحيان الى التخريب و التدهور و التشدد في المواضيع المطروحة و المشاكل الموجودة، و في النتيجة سيبقى الفرد على حاله و يدور في دائرة مغلقة و في النتيجة سيظل حائرا، و الاحتمال الاكبر بانه سيفقد الحلول المتاحة امامه و سيضل الطريق الاصح و يحرم من التنوير المراد والذي يحتاجه في جميع امور حياته، و ربما يفقد التركيز في تفكيره و عمله و يبتعد عن العقلانية في تصرفاته و هذا ما يحذر منه العالم كانت في توصياته و كتاباته و يعتقد انه في حال تدخل الاخرين في شؤون الفرد الحر ربما يفقدهذا الفرد العقلانية في التفكير و يتصرف و كأنه المراهق في الحياة بشكل دائم. من المؤكد ان التدخلات تُبرر بحجج عديدة و مختلفة منها ما تسمى بالارشادات العفوية غير المطلوبة من احد او الاخلاص الى الاخر او الحب او ما ترتبط به من العلاقات و الروابط العائلية و القبلية و الصداقة، بينما الخصوصية شان لا يمكن لاي احد معرفتها و تحليلها والتدخل فيها، وايضا ايجاد الحلول المناسبة لما يقع فيها من الشوائب او المشاكل و لما يعتريها من التعقيدات الا الفرد بذاته قبل غيره، و ان التزم الامر و لم يتمكن من ايجاد الطريق للخروج من النفق فيفكر هو قبل غيره في طلب المساعدة، و لهذا نجد في المجتمعات الشرقية بالذات احلال صفة المراهقة الدائمة محل العقلانية و العقل الجماعي و العشائري و القبلي محل الفكر والتدابير الجماعية محل التوجهات الخاصة بالفرد في كل صغيرة و كبيرة في حياته . و هذا يعني ان التدخلات تحصل في المجتمعات التي لم يتوفر فيها جوا ملائما و ارضية مناسبة للحرية الشخصية التي يجب ان تكون متاحة لكل فرد، و ليس بمقدوره اقرار ما يخصه، و انما العكس خصبت الارضية و الفضاء الملائم لتسهيل التدخل في شؤون الاخرين، و هذا يفرض على الفرد في اكثر الاحيان المساومة على حرياته الشخصية و هذا ما يجبره على ترك احلامه و امنياته . هناك انواع متعددة من التدخلات ،انما نشاهده في اكثر الاحيان تدخل الرجل في شؤون المراة اكثر من غيره وفق الثقافة العامة المنتشرة في منطقتنا بالاضافة الى سيطرة و تدخل الكبار بشكل مطلق في شؤون الصغار، و الاخطر ما في الامر في منطقتنا هو تدخل الشخصيات الاجتماعية و اصحاب القرارات و الاغنياء في شؤون غيرهم ممن يعتبرونهم ادنى شانا منهم، و يعتبرون انفسهم معصومين (وهم الاكثر الخطائين) و الاخرين خطائين نتيجة النرجسية و حب الذات الذي يتمتعون به. اي الاسباب و العوامل المؤثرة على هذه العملية اضافة الى الصفات العامة في المجتمع ،هي الموقع الاجتماعي و الاقتصادي و العمر و الجنس للمتدخل، و هذا ما يفرض نفسه على تفكير و عقلية المجتمع الشرقي بشكل أعم . الامر المستجد و الموجود في العالم بشكل عام و خاصة في الدول التي تكون حاضنة للمهاجرين هو تدخل المواطن الاصلي للبلدان في شؤون المهجرين و المهاجرين بشكل فضيح، على اعتبار انهم اصحاب الارض و الوطن و غيرهم دخلاء(و هذا نسبي) و هذا فيه نظرة استعلاء و الاحتساب للتدرج في سلٌم نسبة المواطنة . بهذا نتاكد من وجود ثقافة التدخل و جهات التدخل و عوامل التدخل متعاونة مع البعض لخلق الوسط الملائم و الدوافع العديدة لاستمرار هذه العملية، و المهم ان نذكر هنا بان النظام السياسي و مستوى الوعي العام و ثقافة الفرد اضافة الى الثقافة العامة و التربية و التعليم من العوامل المهمة لقطع دابر هذه الصفات المبتذلة ، و بالاخص في مجتمعاتنا المتداخلة مع بعضها و قريبة من حيث الصفات و الخصائص .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما جوهر الثورات المندلعة في المنطقة
-
هل تتحقق حلم انبثاق دولة كوردستان المستقلة؟
-
التغييرات الجارية في المنطقة و العراق مابعد الدكتاتورية
-
سوريا الى اين ؟
-
حقا كلما ضاقت فُرجت
-
لا تستغربوا من مواقف الموالين للنظام السوري مهما كانت نسبة ث
...
-
ما بين المثقف السياسي و السياسي المثقف
-
لماذا لم يتعض بشار ممن سبقوه
-
ما التيار الغالب بعد موجة الثورات في المنطقة؟
-
لماذا يتشبثون بالحكم مهما حصل ؟
-
سكت بشار دهرا فنطق كفرا
-
الحفاظ على استقلالية التظاهرات على عاتق المثقفين
-
تجسيد نظام سياسي جديد هو الحل
-
مؤتمر وطني لحل ما يحدث في اقليم كوردستان
-
الدروس المستخلصة من تظاهرات الشعب العراقي
-
استخدام القوة المفرطة سينعكس على اصحابها حتما
-
العولمة و الصراع السياسي في كوردستان
-
فسقط الصنم الثالث و اما بعد........!!
-
عزيمة الشباب لن تدع التاريخ ان يعيد نفسه
-
ثورة الشباب بين الاندفاع الجامح و الخوف الكابح
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|