|
فصل جديد من الدبلوماسية الأمريكية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3383 - 2011 / 6 / 1 - 18:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خطابه المثير توقّف الرئيس الأمريكي باراك أوباما عند الثورات والانتفاضات التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لاسيما بتنحي رئيسين عن الحكم مع احتمال أن يلحق بهما آخرون، كما ألمح لذلك .
وإذا كان حديث الرئيس الأمريكي يوم الخميس 19 مايو/ أيار 2011 قد بدا جديداً في شكله وصياغاته، لكنه من حيث الجوهر لا يختلف كثيراً عن خطابات الدبلوماسية الأمريكية خلال العقد ونصف العقد الماضي، اللهم إلا إذا استثنينا موضوع العودة إلى حدود عام 1967 والتأكيد على مبدأ حق تقرير المصير .
الملاحظ أن أوباما كان أشدّ وثوقاً من قبل، باستثناء خطابه في جامعة القاهرة (يونيو/ حزيران 2009) الذي أنعش بعض الآمال في إمكانية إحداث تغييرات في الدبلوماسية الأمريكية بعد انتهاء إدارة الرئيس بوش، وخصوصاً بشأن قضية الشرق الوسط، فقد جاء خطابه الأخير بعد اغتيال أسامة بن لادن بنجاح في العملية الخاصة التي نفذتها ال CIA في باكستان .
لقد كرر الرئيس أوباما مشروع الدولتين، على الرغم من أن ذكر حدود العام 1967 جاء ملتبساً بإشارته إلى تبادل أراض يتفق عليها الطرفان بغية إنشاء حدود آمنة ومعترف بها لكلتا الدولتين، مستدركاً أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون منزوعة السلاح، مكرّراً التزام واشنطن بأمن “إسرائيل”، الأمر الذي يُلقي بظلالٍ من الشك حول علاقة ذلك بالتغييرات التي حصلت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .
لقد انخفضت شعبية الرئيس أوباما في الشرق الأوسط إلى حدود كبيرة وتبددت صورته خلال السنتين الماضيتين، خصوصاً وقد ترافق ذلك مع الحرب على غزة التي استمرت منذ مطلع عام 2009 وحتى الآن، على نحو متقطع أو متواصل، ولكنه ضمن خطة للقضم التدريجي والعقاب الجماعي فضلاً عن الحصار الجائر، الذي تفرضه السلطات “الإسرائيلية”، والذي تجلّى في أعمال عنف ضد أية محاولة لكسره أو الالتفاف عليه، كما حصل لأسطول الحرية ومحاولات أخرى .
ولا شك في أن اتفاق حماس- فتح، وإن جاء متأخراً بإعادة لحمة الشعب الفلسطيني، واعتبار ممثله الشرعي والوحيد “منظمة التحرير الفلسطينية” إطاراً مرجعياً وقانونياً، قد أغضب السلطات “الإسرائيلية”، التي حاولت مدّ حصارها الذي يستمر منذ أربع سنوات إلى الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية أيضاً، بحجج واهية ومزاعم مفضوحة، بما فيها تعطيل دفع المستحقات من الضرائب .
لقد حاول الرئيس بيل كلينتون، ولاسيما في آخر عهده تنشيط المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية”، خصوصاً بعد وصول اتفاقيات أوسلو إلى طريق مسدود عام 1999 وتأجيل مفاوضات الحل النهائي، ولم تفلح مساعي الرئيس الأمريكي لجمع الفلسطينيين و”الإسرائيليين” للتوقيع على خريطة طريق في “واي ريفر” من إخراج اتفاقيات أوسلو من غرفة الإنعاش، لاسيما وقد أثبتت التجربة أنها تموت سريرياً وتتعرض إلى شللٍ أخذ يدب في جميع أعضائها ومفاصلها .
وفي عهد الرئيس جورج دبليو بوش الابن نامت القضية الفلسطينية في أدراج الدبلوماسية الأمريكية نحو ثماني سنوات، ولكنها استيقظت على نحو مفاجئ في مواجهة كوابيس ظن الرئيس الأمريكي أنها يمكن أن تكون أحلاماً وردية، فوعد بدولتين، ولكن الدولة الفلسطينية التي تحدث عنها ستكون منزوعة السلاح بعد قيامها وتأكيد حماية أمن “إسرائيل” .
لم يتحدث الرئيس أوباما مثل سلفيه بوش وكلينتون عن وقف الاستيطان وقفاً كاملاً، بل إنه عشية خطابه كان رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو الذي تقرر لقاءه بُعيد خطابه قد وقّع على بناء 1550 وحدة استيطانية في مدينة القدس، كما لم يتحدث عن مصير مدينة القدس في ظل محاولات التهويد وقضم الأراضي وإجلاء العديد من الفلسطينيين منها، بمن فيهم المسيحيون وإحلال مهاجرين يهود مكانهم .
كما لم يتحدث الرئيس أوباما عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، وعن قضية المياه والمستوطنات القائمة وغيرها، وهو ما أهمله أيضاً الرئيسان اللذان سبقاه، وهو ما أهملته أيضاً اتفاقيات أوسلو حين تركت هذه الأمور إلى مفاوضات الحل النهائي، الذي لم يتحقق منذ اثني عشر عاماً، وقد مضى على المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” أكثر من عقدين من الزمان من دون التوصل إلى أفق يساعد في الحل الذي يلبّي ولو جزءاً بسيطاً من حقوق الشعب العربي الفلسطيني، طبقاً للشرعية الدولية، وليس للحقوق العادلة والثابتة والتاريخية للشعب العربي الفلسطيني .
وإذا كان الرئيس أوباما قد تحدّث عن حق تقرير المصير، فإن هذا الحق متوفر ل “الإسرائيليين” من دون الفلسطينيين، بل الأكثر من ذلك تناول يهودية الدولة “الإسرائيلية” أي هويتها، وهو الأمر الذي ظلّت تعزف عليه “إسرائيل” منذ قيامها وحتى الآن، خصوصاً إصدارها قوانين تثبت ذلك، وهو يعني في ما يعنيه التنكر لحقوق المكوّن العربي الفلسطيني، الذي يؤلّف نحو 20 في المئة من السكان وهم أهل البلاد الأصليون، الأمر الذي يتعارض مع إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الأقليات، الصادر عن الجمعية العامة عام ،1992 ومع حقوق سكان البلاد الأصليين الصادر عن الأمم المتحدة عام 2007 . إن محاولة الحديث عن حق تقرير المصير ينبغي ألا تكون عمومية أو بالمطلق كمبادئ عامة، وإنما كانت تقتضي العودة إلى القرار 1514 الصادر في 14 ديسمبر/ كانون الأول عام 1960 والمعروف باسم إعلان تصفية الكولونيالية وحق تقرير المصير للشعوب المستعمَرة والتابعة، وذلك في إطار مسؤوليات الولايات المتحدة ودورها كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن، بما يحدّده ميثاق الأمم المتحدة بمبدأ حق تقرير المصير، إضافة إلى إعلان علاقات الصداقة والتعاون بين الدول والموسوم “إعلان التعايش السلمي” الصادر عام 1970 وإعلان تعريف ماهية العدوان الصادر عام ،1974 إضافة إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 والعهدان الدوليان لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهما اتفاقيتان دوليتان شارعتان، أي منشئتان لقواعد قانونية جديدة أو مثبتتان لها، واللتان تمّ التوقيع عليهما في عام 1966 ودخلتا حيّز التنفيذ في عام 1976 .
لقد أراد أوباما ذرّ الرماد في العيون، فلم يكن بإمكانه تجاهل موجة التغييرات في العالم العربي، ولعل ذلك إيجابي ، إلا أنه سعى للحاق بالموجة السريعة والمفاجئة التي تجاوزت الدبلوماسية الأمريكية التي ظلّت متردّدة وتقلّب أمرها بين “التأييد” الحذِر وإبداء النصح للفريقين بضبط النفس والدعوة لإجراء إصلاحات خوفاً من بديل مجهول لاسيما في ظل ارتفاع “فزّاعة الإسلام السياسي” .
إن قلق “إسرائيل” من التغييرات والانتفاضات الشعبية العربية، بدا واضحاً منذ الأيام الأولى، وقد أكّد ذلك ما حصل في يوم النكبة في 15 مايو/ أيار ،2011 حيث هرع مواطنون عرب يجمعهم المشترك الإنساني للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني، وإعادة النظر بإتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد، وهو ما تدرك أبعاده إدارة أوباما، لا على حليفتها “إسرائيل” حسب، بل على مستقبل استراتيجيتها ودبلوماسيتها في المنطقة أيضاً، بما فيها النفط وإمداداته وأسعاره، وهو ما حاولت الدبلوماسية الأمريكية وضعه في أولوياتها بعد تصدّع أركانها في العالم العربي .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب
-
إمبابة وأخواتها
-
التنمية وحقوق الطفل: المشاركة تعني الحماية
-
لغز الانسحاب الأميركي من العراق!
-
التعذيب والحوار العربي - الأوروبي
-
تحية لمظفر النواب: شاعر التجديد والتمرد والإبداع
-
مَنْ يعوّض مَنْ؟
-
الساسة العراقيون يتصرفون وكأنهم لا يزالون في المعارضة
-
أيهدم بيت الشعر في العراق!
-
بعد 50 عاماً على اعلان تصفية الكولونيالية
-
دور المجتمع المدني بعد انتفاضات الشباب
-
السمات العشر للانتفاضات العربية
-
المواطنة بضدها
-
الجنادرية والتويجري والأسئلة
-
جاذبية التغيير
-
الاستمرارية ميزت الجنادرية وهذه القضايا باتت ملحة
-
مفارقات غولدستون: لماذا تراجع وأين الحقيقة؟
-
روفائيل بطي.. إرهاص حداثي مبكّر!
-
دستور مصر ووصفة السنهوري
-
السياسة بوصفها علماً
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|