أمل جمعة
(Amal Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 16:05
المحور:
الادب والفن
قالت- في ليلة صيف حارة وهي تستند على الحائط الخشن:"لو أن الدنيا فارغة تماماً، لا شيء بها لاشيء لا شيء...
أتابع صوتها في الظلام الدامس، وأحترم حكمة السنوات الثلاث التي تكبرني بها، أقول مستهجنة:"لا شيء؟؟ لا جبال ولا وديان ولا سماء ولا أرض ولا حيوان ولا حجارة ولا ماء ؟؟"
تكمل عبارتها بذات الرتابة والصدق الغريب الذي لوّن ملامحها وأضاء وجهها قليلاً، لم ألمح أثراً لدمعة، ولا بقايا ابتسامة ساخرة، ولا بعض الخوف المتواري في ارتجاف شفتيها، لا شيء سوى هذا الوجه الواضح بنواياه الجلية، وهو يطلب الخلاص والفراغ التام، ولكن أقول لها :"إذا أظلمت الدنيا وغاب الضوء كيف نرى هذا اللاشيء؟ تضحك لطفولة السنوات الثلاث التي لم اجتازها بعد لأصل لحكمتها وتقول :"أغمضي عينيك، ماذا ترين الآن؟؟
أرى نافذة مقلوبة، أرى نقاطاً صفراء، صارت ألان سوداء، اختفت تماماً.
تقول بذات الرتابة وبعد ماذا ترين؟
أهابها للحظة وأخاف أن يسرقني الظلام، أقول مبررة:"ولكن من المحال أن تصير الدنيا بلا شيء، وإحساس بالعجز ينتابني وكأنني افشل بموازاة خياليها المتعالي الآن والمسيطر عليها والذي يمنحها هذا السكون الغريب والقلب الجريء.
لا نحن يا صغيرتي سنزيح الأشياء جانباً (تتجاوز بغطرسة طفولتها متمسكة بثلاث سنوات زائدة لها) وترميني ثانية في دائرتها العدمية:"لا شيء لا شيء لا شيء تكرر بلا انقطاع.
واكرر بسطوة صوتها :"لا شيء لا جبال ولا بشر ولا وديان ولا شيء" بحزم تقول "ببساطة لا شيء".
تنفتح الدنيا في عيوني المغلقة على عدمٍ تام وبياض مطلق مصفر قليلاً، اهتف بحماس خالص: "الآن لا شيء لا شيء، أفشل في إذابة الصورة الخاطفة التي بقيت لحجارة لامعة تومض في غمر ماء خفيف وترتج قليلاً بجمال أخاذ، احتفظ بالمشهد (أخفي حجارتي اللامعة على نحو ما) أتابع لعبتي مع شقيقتي الكبرى ونحن نستعد للنوم في صيف حار على سطح بيتنا بينما يغط الجميع بالنوم، تنسحب هي وتميل للجانب الآخر نائمة باطمئنان وقد كسبت اللعبة. استيقظ بعدها طوال عمري.
لا زلت أبحث عن حجارتي اللامعة التي تومض بسحر غريب.تلك الليلة ولدت هواجسي جميعاً دفعة واحدة وافترقت وشقيقتي للأبد!
#أمل_جمعة (هاشتاغ)
Amal_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟