خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3370 - 2011 / 5 / 19 - 15:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يزال الصدى الثقافي لموضوع انضمام الاردن لمجلس التعاون الخليجي يتردد على صورة حوار داخلي بين كتاب الصحافة الخليجيين وحوار داخلي بين كتاب الصحافة الاردنية, وفي هذا الاطار يبقى الحوار استفساريا على اسئلة لم يجب عنها بيان مجلس التعاون. وتقييميا لحسابات الربح والخسارة. اما في اطار الحوار بين كتاب الخليج وكتاب الاردن فهو يقع في اطار تباين التفاوت الحضاري والمعيشي والمثالية الاخلاقية, وفي هذا المجال يشوب الحوار الكثير من الشكوك المتبادلة التي يتم التعبير عنها باسفاف خطابي لا ادري ما الحاجة اليه,
في مقالات سابقة بينا وجهة نظرنا باعتبار الخطوة تاتي في سياق ترتيب المنطقة جيوسياسيا, وانها تعالج التموضع الوظيفي للمواقع القومية في اطار هذا الترتيب الجيوسياسي الاقليمي, بين المحاور اللوجستية شرق المتوسط والاقتصادية في منطقة الخليج. موضحين ان لا علاقة للخطوة بموضوع التضامن والتكافل القومي العربي ولا يشكل تجسيدا لشعاراته في الواقع, بل يبقى خاضعا لمنطق المناورة الاقليمية المنفردة التي لا تنفر من الدخول في تكتلات جيوسياسية اوسع حجما تعود عليها بالفائدة, ليس شرطا ان يحكم احتسابها تقدير المردود الاقتصادي المباشر للخطوة لكن ذلك لا يمنع وجود مردود سياسي اساسي غير مباشر لترتيبات اقتصادية اهميتها المبارة ثانوية القيمة.
فعلى الصعيد الاقتصادي المباشر, نجد ان تخوم العلاقة بين الطرفين ف غاية الوضوح, فمجلس التعاون الخليجي هو تكتل مالي ضخم استثماراته الرئيسية كانت لسنوات خلت تستثمر خارج المنطقة, ومن ثم ابدت حديثا اهتمامها بمجالات الاستثمار الاقليمية, وحتى في هذا الصدد فانها تعاملت مع مجال استثماري غير خطر ومردوده الربحي مضمون وسريع, لذلك كان الاستثمار في موضوع انشاء البنى التحتية, وخدماتها, اما المجالات الخطرة كتطوير البنية الصناعية ذات التكلفة والمخاطرة فقد تجنبتها وان دخلت مجال الصناعات التكميلية, فما الذي يتوفر في الاردن من مجالات اقتصادية استثمارية تخدم بصورة جانبية فائدة اصطفافه الجيوسياسي؟
من الواضح ان المجال الاقتصادي الذي يلي الاصطفاف الجيوسياسي اهمية بالنسبة لراس المال الخليجي يتعلق بما يلي:
1- الاردن كمعبر اقتصادي: من الواضح ان الاردن سياخذ موقع اخر تخوم مجلس التعاون الخليجي شمال المملكة العربية السعودية, المعزولة عن الاتصال برا بالبحر الابيض المتوسط بالكيان الصهيوني, والمقطوع اتصالها برا بسوريا ولبنان, لذلك فان الاردن بات ضرورة اتصال بري بهذه المواقع والتي هي ايضا موضوع اهتمام اقتصادي بالنسبة لمجلس التعاون بالاضافة للاهمية الجيوسياسية لها,
فالتطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني ستكون تكاليف جانبه الاقتصادي اعلى في حال وجود انقطاع اتصال بري وجوي. بين الخليج والكيان الصهيوني, كما هو الحال حتى الان, وهي ستكون اعلى ايضا في ان الاردن بقي خارج مجلس التعاون الخليجي, وخارج تشكيلة انظمته وقوانينه الجمركية, العالية التكلفة والمقيدة لعملية التطبيع, اما ومع ضمه للمجلس وبالتالي اعادة تشكيل انظمته وقوانينه بما يتوافق والمصالح الخليجية, فان الامور تصبح اكثر يسرا بما لا يقاس. وهذا سيكون اساسا لتوسيع احجام شركات خدمات المناولة والنقل البرية والبحرية وملحقاتها من مؤسسات خدماتية,
ان ضم الاردن يعني ان سوريا ايضا والمتوقع حدوث تغيير شامل في صيغة نظامها ستصبح على تماس مباشر بمجلس التعاون الخليجي, وهنا لا يجب ان ننسى ان تغيير صيغة النظام في سوريا يعني مباشرة انفتاحا اقتصاديا واسعا سيضع كل المقدرات الاقتصادية السورية في متناول استثمار راس المال الخليجي الذي سيطوي في اطاره وفي حركته راس المال الاردني ايضا,
2- الاردن الزراعي: من المعروف ان الانتاج الزراعي لا يزال يشغل موقعا رئيسيا في بنية الاقتصاد الاردني, غير ان هذا الانتاج الزراعي لا يزال على درجة كبيرة من التخلف عن سعة وربحية الانتاج الزراعي الراسمالي الحديث, يعود السبب في ذلك الى ضيق حجم راس المال المستثمر فيه, والذي يعود الى تفتت ملكيات الارض الزراعية بفعل تقسيم الارث, وقد لعب ذلك دورا في اجهاض تطور القدرة الانتاجية للملكية الزراعية , الى جانب وجود مناهج زراعية كسولة لا زالت تعتمد على الانتاج الموسمي لاشجار الزيتون واللوزيات والحمضيات, امر الذي يفتح مجالا استثماريا جيدا لراس المال الخليجي في مجال الزراعة, حيث ستتكون الشركات الكبيرة القادرة على الانتقال بالزراعة الاردنية من حالة التخلف الى حالة الانتاج الزراعي الراسمالي الكبير الذي يعتمد على الحداثة والشمولية فاحجام الملكية ستتضخم, وموسمية الانتاج ستتسارع, ومجالات الانتاج ستتنوع, وستتحدث الاساليب والوسائل...الخ, وكل ذلك يعني استثمار راس مال خليجي سيكون له مردود الربح الرئيسي, خاصة انه سيكون محمي سياسيا في مختلف المجالات.
3- الاردن كمصدر مواد اولية: وكما على الصعيد الزراعي فان راس المال الخليجي سيعمل على توسيع علمية انتاج وتسويق المواد الاولية الموجودة في الاردن, خاصة انه مجال تقاعص راس المال الاردني عن التوجه للاستثمار فيه, ولا يعود ذلك لغفلته عنه بل يعود لصغر احجام راس المال الاردني المستثمر,
4- الاردن السياحي: لا يقل اهمية عن المجالات السابقة, ان راس المال الخليجي سوف يتولى ايضا مجال صناعة السياحة, والتي تحتاج ايضا الى عملية تحديث وتوسيع مجالات تحتاج بذاتها الى راس مال ضخم لا يتوفر حجمه للمستثمر الاردني خاصة في ظل الارهاق الضرائبي الذي يمارس يقع على عاتق كل مجالات الاستثمار الاقتصادي في الاردن,
ان الصورة الاحتمالية السابقة ستعكس نفسها ولا شك على الاردن كسوق شرائية, والذي هو على اشد الارتباط بالاردن كيد عاملة, حيث لا يمكن للاردن ان يتطور كسوق شرائية الا اذا تلازم ذلك مع شرط تطور وضع فرص تشغيله كيد عاملة, تحد من توزيع الثروة الاردنية اجتماعيا عبر رفع مستوى الانتاجية المستقلة للفرد وتوسيع حجم تشغيل الافراد, والغاء منهجية اعتماده على الاسرة في اعالته طالما هو عاطل عن العمل.
ربما نكون في سياق الاستعراض السابق قدمنا صورة للفائدة الاقتصادية المتبادلة بين الاطراف في موضوع ضم الاردن لمجلس التعاون الخليجي, غير ان الفوائد المتبادلة ليست هي الوجه الوحيد للمسالة,
فمن الصحيح ان الاردن ومن الناحية الاقتصادية هو اشد حاجة لهذه الخطوة كونها تساعد في تفكيك ازمته الاقتصادية الدائمة, لكن ذلك لا يعني ان وجود مخاطر ذات طابع اقتصادي سياسي اجتماعي على الاردن تتبدل معه صورته الحالية,
فمن الواضح ان الهيمنة على الاقتصاد الاردني ستكون لراس المال الخليجي وذلك سيكون مقدمة لحالة هيمنة سياسية ترهن الموقف السياسي الاردني وحركته لتقديرات الرؤية السياسية الخليجية, ومقدار من التعارض مع احتياجات الخصوصية القومية الاردنية,
فالصورة السابقة قد تحمل الى الوضع الاردني تغيرات ديموغرافية اجتماعية واقتصادية ذات مضامين سياسية محلية وبعلاقتها بالطرف الفلسطيني بصورة كبيرة, فمن الواضح ان الصورة السابقة ستزيد طموحات التوطين والتجنيس, كما انها ستطرح مسالة انتقال مركز الثقل الاقتصادي الاجتماعي في الاردن خاصة مع وجود نهج سياسي يعمل فعلا على نقل هذا الثقل الاقتصادي في المجتمع الاردني من الحاضنة الاردنية ذات الاصل الفلسطيني الى الحاضنة الشرق اردنية اصلا, وذلك لا يعني مشكلة لو ان الخطاب الاجتماعي لا ينطوي على خلاف حول المواطنة والانتماء, صاغته تاريخيا مؤسسة الحكم حين قسمت العمل على اساس عرقي فكان القطاع الخاص نصيب الاصول الفلسطينية من المواطنة الاردنية اما القطاع العام فكان نصيب الاصول الشرق اردنية, فاصبحت العلاقة بينهما علاقة حاكم ومحكوم, ستتفاقم مشاكلها بصورة اكبر حين يتوسع هامش الاستفادة من تداخل راس المال الخليجي مع الوضع الاجتماعي الاردني وفي ظل استمرار توجه سياسي لمؤسسة الحكم يصر من الزاوية الرئيسية في معالجته للازمة الاقتصادية على حل المشاكل الاقتصادية للاصول الشرق اردنية,
ان المحاذير لا تقتصر على السابق عرضه هنا فهي اكثر عددا وتنوعا, ليس اقلها ان ما سبق عرضه انما يعني ان الاردن يسهم في تجسيد ملامح التسوية بصورة عملية على ارض الواقع تطوق نتائج عملية التفاوض الفلسطينية الصهيونية, وعلى وجه الخصوص في تقاطع مشكلة اللاجئين مع مقولة الوطن البديل, وهو نهج يتساوق تماما مع الرؤية الامريكية لما يجب ان تكون عليه صورة الوضع النهائي لتسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني, لذلك لم يكن غريبا ان تنال زيارة الملك لواشنطن رضا اوباما التام, ومكافأة المليار دولار,
اننا لا نقول ان النهج الاردني يتساوق مع النهج الصهيوني, بل نحدد انه يتساوق مع الرؤية الامريكية التي هي على تقارب نسبي مع الرؤية الصهيونية, غير انها تستهدف سحب ذرائع التعنت الصهيوني, واعادة اخضاعه, فالمنهجية الاردنية وهذه الحال تستجيب بصورة غير مباشرة لعدد من شروط مفهوم الامن الصهيوني ولكن عبر البوابة الامريكية وفي سياق اخضاعه للتسوية في نفس الوقت.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟