|
اتفاق فتح وحماس: اهم احداث المنطقة
فاتح شيخ
الحوار المتمدن-العدد: 3366 - 2011 / 5 / 15 - 13:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقابلة جريدة كمونيست الاسبوعية مع فاتح شيخ
كومونيست: بعد سنوات مديدة من النزاع بين فتح وحماس، تم اخيرا توقيع اتفاق سلام وطني بين كلا القوتين، وبوساطة الحكومة المصرية. ماهي برايكم اسباب انهاء هذا النزاع وتوصل القوتين الى اتفاق؟
فاتح شيخ: يعد هذا الحدث من اهم الاحداث التي جرت في الايام الاخيرة في المنطقة، وحتى في العالم. اضفى يوم الاربعاء، 4 من ايار، قادة فتح وحماس الطابع الرسمي في القاهرة على اتفاقية "التوافق الوطني" التي امضاها ممثلين عنهم قبل يوم واحد. حضر هذه المراسيم وزيرا المخابرات والخارجية المصرية، ممثلون عن المنظمات الفلسطينية الاخرى، امين عام الجامعة العربية، سفراء الدول العربية، ممثل بان كي مون، وزير خارجية تركيا وعدد من الشخصيات الفلسطينية القاطنة في فلسطين واسرائيل. ان تركيبة ومكان المراسيم تدلل على الاهمية الدولية والاقليمية لهذا الاتفاق. (ورغم انهماك اجواء الاعلام العالمي بخبر مقتل بن لادن)، بيد ان التغطية العالمية والاقليمية لهذا الحدث كانت واسعة ومهمة كذلك. بموازاة مراسيم القاهرة، في الضفة الغربية وغزة كذلك، احتشدت جموع عريضة من جماهير فلسطين لتقيم تظاهرات والافراح، تجلى امل تحقيق دولة فلسطين المستقلة والتحرر من مشاق الاحتلال والهجوم المستمر لدولة اسرائيل.
انهى هذا الاتفاق اربعة اعوام من تقسيم سلطة الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغزة. ان المحور الاساسي للاتفاق هو تشكيل الوزارة من شخصيات مستقلة لادارة الامور وعقد انتخابات الرئاسة، البرلمان ومجلس قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في غضون عام واحد. وتوضح خطابات محمود عباس وخالد مشعل ان مهلة عام واحد هذه هي، للوهلة الاولى، للدفع بعملية تشكيل دولة فلسطين عبر قناتين: الجمعية العامة للامم المتحدة والمفاوضات مع اسرائيل. ان الانتخابات في هذه الاتفاقية هي عملية فرعية، وعملها هو تطابق الترتيبات السياسية والادارية للسلطة الراهنة مع عملية الانتقال لدولة فلسطين مستقلة ذات افق قريب.
تعود خلفية الاتفاق الى مرحلة حسني مبارك والتي بلغت في حينها مراحلها الاخيرة، ولكن كانت حماس تعرقل كل مرحلة بحجج ما. لقد توقفت هذه العملية مع اندلاع ثورة مصر، ومع رحيل حسني مبارك وتشكيل وزارة عصام شرف، انطلقت هذه العملية مرة اخرى. يمكن تقييم اسباب هذا الاتفاق في خضم تغيير معادلات المنطقة، وبالاخص مع طلائع انتصار ثورة مصر وتوازن القوى الجديد على صعيد المنطقة والعالم. انه توازن قوى من قرّبَ عملياً وفعلياً من مسالة حل قضية فلسطين خارج ارادة اسرائيل وامريكا. في مثل هذه الاوضاع، يعد انهمار سيل جيل الشباب والجماهير المحرومة للشوارع وممارسة ضغطهم على طرفي السلطة في فلسطين من اجل انهاء التقسيم الذي يجري منذ اربعة سنوات، كان عاملاً محلياً مؤثراً دون شك. في 15 اذار، دعى شباب فلسطين في كلا المنطقتين، الضفة الغربية وغزة، الجماهير الى التظاهر. لقد حاكوا الشعار الشهير لميدان التحرير في القاهرة: "الجماهير تريد اسقاط النظام" الى صيغة "الجماهير تريد انهاء التقسيم". دعمت فتح هذه التظاهرات وشجعت عليها، وقبلت حماس ذلك على مضض ودون رغبة منها. ان سياسة الحكومة المصرية الجديدة تجاه حماس وفتح معبر رفح لتخفيف وطأة الحصار الاقتصادي على جماهير غزة، وفي الوقت ذاته، تسارع عملية الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة من قبل الدول، وهي العملية التي كانت من ابتكار منظمة فتح، اقنعت حماس بان تلبي نداء فتح للاتفاق بوساطة مصرية.
استناداً الى هذه الارضية المساعدة، فان كل الاطراف الثلاثة لهذا الحدث بحاجة لهذا الاتفاق. ان الحكومة المصرية الجديدة، بوصفها حكومة برجوازية في مرحلة ثورية، انصب جل اهتمامها في الداخل والخارج على "كسب المشروعية الثورية"، وفي خضم ذلك، وفي اوضاع تحول النضال المنظم للعمال الى قوة اساسية لاستمرار الثورة، ان تلجم مسار التقدم المتعاظم للثورة. فعّلَتْ من سياستها الاقليمية الخاصة باحياء النزعة القومية العربية التي تعد البرجوازية المصرية وجمال عبد الناصر تاريخياً حملة رايتها. ان دعم اقامة دولة فلسطين المستقلة والظهور بمظهر حامي وحارس توحيد الصف المنقسم لـ"الامة الفلسطينية" كي تلفت انتباه الجميع لهدف عبور هذه المرحلة الثورية بسلاسة وهدوء. فيما اجبرت حماس على الرضوخ للاتفاق لانها ترزح تحت ضغط السخط المتعاظم للجماهير جراء اوضاع التردي الاقتصادي والفقر وعجزها عن الرد على هذه الحاجة، وبالاخص في اوضاع ان جميع الرياح تصب في مصلحة شراع فتح. اما فتح، وللدفع بعملية الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة في الجمعية العامة للامم المتحدة، تحتاج في ايلول المقبل الى الظهور كممثل قسم غزة كذلك، وان هذا الامر يستحيل دون الاتفاق مع حماس. ان محمود عباس بحاجة لهذا الاتفاق كي لايكون بوسع اسرائيل والاخرون ان يستخفوا بامر انه ليس ممثل كل سلطة فلسطين، وان غزة وسلطة حماس لاتقف معه. ان الاتفاق الاخير هو نتيجة المعادلات الجديدة وتوازن القوى الجديد، حصيلة ضغط الجماهير وجيل الشباب الفلسطيني وحصيلة الحاجات الحقيقية للاطراف الثلاثة. حيث ان هذه الحاجات حقيقية وتلتقي على المدى والافق القريب، يمكن التفاؤل بتاثير وفعالية هذا الاتفاق وبالمرحلة المقبلة لسياسة فلسطين.
كومونيست: مامدى تاثير التحولات الاخيرة في البلدان العربية وبالاخص مصر، ومن اية جوانب، بتحقيق هاتين القوتين للاتفاق، برايكم؟
فاتح شيخ: كان للتحولات الاخيرة، وبالاخص ثورة مصر، دون شك تاثير على التوصل لهذا الاتفاق. يمكن تناول مسار الاحداث الاخيرة من عدة زوايا: زاوية دور جيل الشباب. بعد حرب الايام الستة التي جرت عام 1967، نظمت منظمة التحرير الفلسطينية مقاومة مسلحة واسعة نسبياً، وفي حرب اكتوبر أُلحِقَتْ هزيمة نكراء باسرائيل، ولكن، ولاسباب مختلفة، لم يمضي حل مسالة فلسطين قدماً. اعطت "انتفاضة" الشباب في 1987، لجيل ولد وترعرع بعد 1967 في اوضاع الاحتلال، حافز وزخم جديد ادى الى عقد اتفاق اوسلو واقامة سلطة محدودة لدولة فلسطين تحت قيادة ياسر عرفات. تعرضت هذه العملية الى التباطؤ والمعرقلات جراء رجم الجناح اليميني لدولة اسرائيل لها. حل للميدان اليوم جيل جديد ليس على استعداد للرضوخ للاحتلال الاسرائيلي ولا لسلطة فتح وحماس الاستبدادية والفاسدة. رات اعينه الدنيا وترعرع بعد اتفاقية اوسلو، دب فيه امل وثقة بالنفس وحماس ثوري ملتهب وجديد اثر التحولات الثورية في تونس ومصر، بحيث ترك ضغطاً جديداً على فتح وحماس لايستطيعان الافلات منه. من زاوية اخرى، اقتراب تحقيق اقامة دولة فلسطين عبر قناة الجمعية العامة للامم المتحدة. لقد غدا امراً واضحاً انه من بين 192 دولة، يصوت لحد الان 180 منهم بالايجاب على ذلك، وستة اعضاء بالامتناع، وفقط ستة دول بالرفض. كذلك عبرت فرنسا ايضاً الثلاثاء عن ميلاً ضمنياً للاعتراف بدولة فلسطين. انه تطور مهم. في الاسبوع المنصرم، اجرى محمود عباس لقاءاً مع ساركوزي عبر فيه عن ذلك. ويسافر نتنياهو الى فرنسا وبريطانيا وبعض البلدان الاخرى كي يثنيهم عن الاعتراف بدولة فلسطين. ولكن من المستبعد ان يثمر ذلك. في اوضاع مثل هذه، ان لم تاتي حماس مع فتح في اهم قضية سياسية للمجتمع الفلسطيني، سيكون مصيرها الانزواء والتهميش في وقت هي عاجزة عن ان ترد بصورة مؤثرة على مسالة اقتصاد غزة والاوضاع المعيشية الكارثية لجماهير غزة.
كومونيست: كيف ترى تاثير هذا الاتفاق على مكانة امريكا، اسرائيل وايران في المنطقة؟
فاتح شيخ: ان هذا الاتفاق اتعب الحكومة اليمينية لاسرائيل. ان تهديد نتنياهو لمحمود عباس باما السلام مع حماس او مع اسرائيل هو تخيير عديم القيمة والمعنى. بعد اربعة اشهر، سيجابه بدولة فلسطين المستقلة وعضو الامم المتحدة، وان هذا التحول يكبل ايادي نهجه الداعي للحرب. وينشد المجتمع الاسرائيلي، على نقيض الجناح اليميني الحاكم، وبحاجة الى انهاء التاريخ المظلم لاحتلال جماهير فلسطين. ان المهزلة تتمثل بان وجود اسرائيل بوصفها بلد وامانها مرتبط بقبول تشكيل دولة فلسطين. اي ان مالم تاتي معه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة هو الان سبيل خلاص مجتمع اسرائيل. ان هذا مالايفهمه نتنياهو، بيد ان الجماهير الناشدة للسلم في اسرائيل تفهمه جيداً.
ترسف امريكا ايضاً في وضعية صعبة. وعبر تعاملها الحذر مع هذه الاتفاقية، ابقت الابواب مفتوحة امامها للتناغم مع الحقائق الجديدة وتشكيل دولة فلسطين. لقد حدد اوباما قبل عامين موعداً لاقامة دولة فلسطين لايتعدى 2011. في هذه المدة، لم يقدر مبعوث اوباما على عمل شيء مع الحكومة اليمينية الاسرائيلية. وبهذا، اضاع اوباما فرصة مهمة. ان عدم تصويت امريكا على قرار مجلس الامن القاضي بادانة اقامة المستوطنات، وهي السياسة التي صوت عليها بالايجاب اربعة عشر عضو من الاعضاء الدائمين لمجلس الامن، هي وصمة سوداء على الممارسة السياسية لاوباما، وهو الامر الذي عليه ان يدفع ضريبته. أيعدل في الاشهر المقبلة دعمه الاحادي الجانب لاسرائيل لصالح الحقائق الجديدة فيما يخص فلسطين؟ هل تملي عليه التطورات الثورية في المنطقة والمكانة غير المناسبة لامريكا في العالم والمنطقة هذا الحكم عليه؟ لننتظر ونرى. فيما ترى الجمهورية الاسلامية في هذا الحدث ضرراً عليها. اذ انه يسحب بساط الاستفادة من مسالة فلسطين. ان التحولات الثورية للمنطقة، ومن بينها التي تجري في سوريا، صراعها مع دول الخليج، والتقدم المتعاظم لدولة تركيا في سياسة الشرق الاوسط، كلها تضع مكانة الجمهورية الاسلامية في المنطقة تحت ضغط متزايد. سيوجه استمرار هذه الاوضاع وبسرعة ضربة للمكانة الجيدة الراهنة للجمهورية الاسلامية في العراق، وبالتالي، اضعاف امكانتها الجيدة في المنطقة. ترجمة: فارس محمود
#فاتح_شيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهبة الجماهيرية في تونس ومصر، الآن بدأ العمل!
-
نهاية الريغانية والتاتشرية، مرحلة صعود وانبعاث الشيوعية
-
الازمة الاقتصادية الراهنة ضربة اخرى للصدارة الامريكية للعالم
-
عمال فرنسا: خطوة جديدة للامام
-
صعود حماس: الفاشية قبالة الفاشية
-
-لا- كبيرة هزت اوربا!
-
حول شعارين فيما يتعلق بالاستفتاء: استفتاء في كردستان قبل الا
...
-
خارطة اي طريق؟ الى متى ستبقى جماهير فلسطين ضحية طاحونة الدم
...
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|