تأملات / للاحتجاج ربيعه .. وللمحتجين مشاعلهم !
رضا الظاهر
2011 / 4 / 25 - 11:48
تأملات
للاحتجاج ربيعه ..
وللمحتجين مشاعلهم !
بعد أن اجتازت الحركة الاحتجاجية أسابيع من الممارسة في مرحلة جديدة تعد تجاوزاً لمرحلة سابقة يشعر محللون أنه آن الأوان لتقييم أولي لها.
ويرى هؤلاء المحللون أن مثل هذا التقييم لابد أن يستند الى عوامل أساسية عدة بينها الأسباب الرئيسية للاحتجاجات، وتفسير موقف المتنفذين منها، ومظاهر القمع التي رافقتها، والسمات الرئيسية لهذه الحركة ودور الشباب فيها، فضلاً عن طائفة من القضايا ذات الطابع الفكري ـ السياسي.
لقد بات جلياً أن السبب الرئيسي للاحتجاجات يتمثل في استمرار الأزمة الاجتماعية في البلاد على مختلف الصعد، وتفاقم معاناة الملايين من الوضاع الاستثنائية منذ سقوط الدكتاتورية بوسيلة الحرب وحتى الآن حيث يتواصل نهج المحاصصات وما يرتبط به من ظواهر تكشف عن المآسي المريرة والمعضلات المستعصية.
أما تفسير موقف المتنفذين من الاحتجاج السلمي فمرتبط، أساساً، بخشيتهم مما يهدد امتيازاتهم. وأما مظاهر قمع الاحتجاجات، التي أخفقت أمام عدالة الاحتجاج وسلمية وسلامة أساليبه ونزاهة قواه التي تخوض التحدي في إطار العملية السياسية لاصلاحها جذرياً، فقد تنوعت أشكالها. وكان آخرها تخصيص ملاعب كرة قدم للمتظاهرين، والغرض واضح بالطبع وهو تطويق ومحاصرة الاحتجاج وعزله.
ومن بين المبررات الغريبة والمفضوحة التي طرحتها الجهات المعنية منع "الشلل" الذي تسببه هذه التظاهرات لحركة الناس. وقد تساءل محللون عن حق: لماذا تسبب مظاهرات سلمية يشترك فيها آلاف هذا الشلل فيجري منعها لضمان عدم حدوثه، بينما يسمح لمسيرات مليونية تجري في أكثر من مناسبة دينية، وفيها يعبر الناس عن طقوسهم ومشاعرهم الدينية، ولا ينظر اليها باعتبارها سبباً للشلل ؟ جلي أن التسييس، الذي هو جزء من العقل الحاكم، يسود هنا أيضاً. فحتى "الشلل" لا يسلم من "تسييس" المتنفذين شأنه شأن أية ظاهرة في المجتع والحياة العراقية.
ويضاف تطويق الشلل هذا الى الاجراءات القمعية السابقة الهادفة الى حرمان الناس من حرية التعبير عن آرائهم عبر التظاهر، وهو حق كفله الدستور. وهذه الاجراءات، الممتدة من اعتقال شباب واعتداء على صحفيين وسوى ذلك من ممارسات تضليل وترهيب وتخويف، هي، في الواقع، جزء من ترسانة قديمة لأنظمة استبدادية.
ومما يثير السخط أن المتنفذين لم يكلفوا انفسهم عناء الاعتذار عما ارتكبته أجهزة أمنهم من انتهاكات صارخة، بل وقد تجاهلوا حتى موقف المراجع العظام الذين رفضوا، منذ البداية، توجيه تهم الى تظاهرات الاحتجاج أو الاستجابة لضغوط تحريمها.
وقد أثار موقف الحكام تساؤلات جدية حول امكانية استجابتهم لمطالب المحتجين الذين سئموا من الوعود المكرورة ومحاولات شراء سكوتهم عبر إجراءات ترقيعية.
لقد بات واضحاً اليوم أنه ما من بلد في المنطقة بمنأى عن حركة الاحتجاج ضد الاستبداد، وهو ما يكشف، من بين حقائق أخرى، عن المنعطف السياسي ـ الاجتماعي الاقتصادي الخطير الذي دخلت فيه المنطقة من ناحية، وعن ازدواجية الموقف الأميركي من ناحية ثانية.
ولعل من بين سمات الحركة الاحتجاجية، التي استوعبت، الى حد ما، دروس الأحداث التي هزت منطقتنا، أن الشباب، البعيدين عن تقديس العفوية والذين يستوعبون أهمية ودورالعوامل الفكرية، هم قوتها الحية الرئيسية، مما يمنحها القدرة على التحدي والمضي الى أمام في احتجاجات تتخذ منحىً تصاعدياً مفعماً بالدلالات العميقة، ومتخطياً الانقسامات الاجتماعية، ومجسداً القضايا المطلبية والاجتماعية المصاغة في شعارات واضحة، ومبشراً بفتح آفاق لتحويل الأزمات المعزولة الى طابع أشمل ينطوي على إمكانية خلق حركة شعبية جبارة قادرة على تحقيق المطامح العادلة.
ومن الهام الانتباه الى أن هذه الاحتجاجات كشفت عن توجيه ناخبين أصابع اتهام لمن منحوهم الثقة ليكونوا "ممثلي الشعب"، لتسجل بذلك انعطافة في تطور مستوى الوعي، خصوصاً في أوساط الشباب.
كما أن التظاهرات أفلحت في انتزاع مكاسب ملموسة وإرغام الحكومة على اتخاذ عدد من الاجراءات وتقديم مشاريع للاصلاح، وعلى نحو يعزز التوجه الى شكل جديد من أشكال الرقابة الشعبية. وهذا، في الواقع، تمرين كفاحي جديد، واختبار يؤكد، مجدداً، حقيقة أن الكفاح المطلبي يرتقي بكفاحهم السياسي ويعمق وعيهم.
وكشفت الحركة الاحتجاجية أن الأسباب الجوهرية التي أدت اليها تتمثل في أزمة المجتمع في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والروحية. ومن نافل القول إن هذه الأزمة، على اختلاف مستوياتها في هذا البلد أو ذاك، مرتبطة بأزمة عالمية تعتبر الأزمة المالية أحد أخطر تجلياتها. وفضحت هذه الأزمات خطل وصفات صندوق النقد الدولي التي برهن الواقع على أنها لن تؤدي إلا الى المزيد من تعميق التمايز الطبقي والاجتماعي.
* * *
أثبت شباب "الفيسبوك"، الذين اتهمهم حرس قديم بالميوعة، أنهم قادرون لا على الاحتجاج الواعي حسب، وإنما تقديم مثال ملهم في حركة يتطور نضجها وفكرها، ويتعمق إسهامها في عملية التغيير الاجتماعي .. وأنهم قادرون على تسلم الرايات من الجيل الثوري القديم والمضي بها حتى الضفاف الأخرى ..
أما ملاعب كرة القدم فستعجز عن منع الربيع من أن يمتد الى كل الساحات .. فللاحتجاج ربيعه وللمحتجين مشاعلهم !