أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - العقيدة الدينية ومنهج الشك















المزيد.....

العقيدة الدينية ومنهج الشك


واثق غازي عبدالنبي

الحوار المتمدن-العدد: 3344 - 2011 / 4 / 22 - 08:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تمهيد:

في هذه المقالة سوف نناقش معنى كل من العقيدة والشك وكذلك العلاقة بينهما. فضلاً عن ذكر وجهتي نظر مختلفتين حول علاقة الشك بالأيمان الديني، الأولى: ترى أن الشك ضروري للأيمان الصحيح، والثانية ترى أن الشك يتعارض مع الأيمان الصحيح. والخلاصة النهائية التي نود الوصول اليها تتمثل بالتأكيد على أن الخطوة الأولى التي ينبغي للفرد أن يخطوها للخروج من سجن العقيدة تتمثل في: أولاً، اتخاذه منهج الشك وسيلة للبحث والتقصي. وثانياَ، وسيلة لبناء عقل متفتح يتقبل الآخر ولا يدعي لنفسه احتكار الحقيقة.

تعريف العقيدة:

العقيدة في اللغة العربية مشتقة من (العَقد) وهو الربط، والإبرام، والإحكام، والتماسك، والشد بقوة، ومنه جاء اليقين والجزم في العقيدة. والعقيدة في الدين هي كل ما عقد الإنسان عليه قلبه جازماً به، سواء كان حقاً أو باطلاً، فالعقيدة هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده. أما العقيدة في الاصطلاح العام فهي الأمور التي يجب أن يصدق بها القلب، وتطمئن إليها النفس، حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك.

ديكارت ومنهج الشك:

يعد ديكارت (1096-1650) في نظر الكثيرين المؤسس الأول لمنهج الشك في الفلسفة. وينقسم الشك لدى ديكارت من حيث الهدف إلى نوعين هما: الشك المذهبي، وهو الشك حباً فى الشك وسعياً وراء هدم أي حقيقة ممكنة، وهو مذهبي لانه يصبح مذهباً يتبناه المرأ في كل عقائده. والشك المنهجي، وهو شكك مؤقت، وهو فى الحقيقة تمهيد للتوصل إلى الحقائق اليقينية الثابتة. وما ندعوا اليه هو الشك المنهجي وليس المذهبي، اي الشك الذي يقود الى اليقين، الشك الذي يدفع بصاحبه الى السعي الدائم لطلب الحقيقة، فاذا وجدها امن بها، واعطى فرصة البحث عنها للاخرين، لا يكرههم على ما توصل هو اليه واعتقده حقيقة، بل يطلب منهم ان يحذو حذوه في الشك المنهجي الذي يقودهم الى الحقيقة.

منهج الشك بين الرفض والقبول:

من التعريف السابق للعقيدة نفهم أن العقيدة هي مجموعة الأفكار والقيم والمبادئ التي يعتنقها الإنسان ويؤمن بصوابها ويطمئن أليها ولا يقبل الشك فيها، فهي تعد في نظر معتنقها يقيناً ثابتاً لا يخالطها شك أو ريب. وهذا التعريف للعقيدة يتعارض مع من يعتقد بأن الشك هو أحد مقدمات الأيمان، وأن الايمان بلا شك يعني ايمان بدون بحث وتقصي، وبالتالي فهو ايمان ساذج قائم على التسليم الاعمى بما يقوله الاباء والاجداد وما تمليه البيئة الاجتماعية على ابنائها. ويحتج اصحاب هذا الرأي بالقول ان الشك مقدمات الايمان، لأنه، مثلاً، لولا الشك الذي انتاب ابراهيم حول معتقدات عصره لما استطاع ان يصل الى التوحيد. ولولا الشك الذي اعترى نفوس المشركين في زمن محمد، لما اعتنق احد منهم الاسلام. وهكذا الحال مع كل الاتباع الجدد في العقائد والاديان الاخرة سواء يهودية أو مسيحية أو بوذية أو زرادشتية أو هندوسية أو غير ذلك.
الشك المنهجي في حقيقته هو الشك الذي اتبعه كل الأنبياء والمصلحين في العالم، وهو المنهج الذي نرى من المناسب ان ينتهجه كل اتباع الانبياء والمصلحين في العالم اليوم. وهو أيضاً المنهج الذي دعا المسلمين الى القول بعدم جواز التقليد والاتباع في الاصول أو العقائد، اي عدم جواز اتباع اي شخص أو الأخذ باي رأي في مسائل التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، ويضاف اليها الإمامة لدى المذهب الشيعي. ولكن الغريب في الأمر ان العديد من رجال الدين الإسلامي يرفضون هذا المنهج ويتنكرون له، وحجتهم في ذلك ان الإيمان اساسه الغيب، والادلة النقلية وليس العقلية، فهم يرفعون شعار (لا اجتهاد مقابل النص)، أي لا شك، ولا بحث، ولا تسائل، ما دام هناك نص! وهذا في نظر الكثير من الباحثين نوع من الغباء الديني الذي ينتهجه عدد كبير من رجال الدين مع الأسف الشديد.
يقول احد رجال الدين، بعد ان اثنى على ديكارت ومبدأ الشك الذي اسسه وكان السبب في انتشار المنهج العلمي في أوربا، اقول بعد ان فعل هذا، ذكر أن الشك المنهجي لا ينفع في دراسة الدين لأن الدين قائم على التسليم الغيبي، فهو يقول: (والذي فهمته من مطالعتي لأفكار ديكارت: أنه لا يوجد عنده حقائق يقينية مسلّمة، قبل البحث والتدقيق، والتمحيص فيها، لكنه في الوقت نفسه لا ينكر وجود هذه الحقائق مطلقاً. هو يشك في كل شيء، وبعد البحث يوصله هذا الشك إلى النفي أو إلى الإثبات، فالشك هو الأصل عنده. ولعل هذا المنهج يصلح في البحث في الأمور العلمية البحتة، ويمكن الاستفادة من هذا المنهج في بحوثنا العلمية، لكننا لا نستطيع الاعتماد عليه وحده في البحوث المتعلقة بالشريعة، والأحكام، والعقائد، لأن الإيمان بالغيب، هو ركن أساسي من أركان الإيمان، بل إن أركان الإيمان كلها قائمة على الإيمان بالغيب، ومستندها: الأدلة النقلية، لا العقلية).

ديكارت وسلة التفاح:

لا يتفق ديكارت مع رجل الدين هذا، فديكارت يرى أن العقل البشرى يشبه (سلة التفاح) بها تفاح سليم وتفاح فاسد، ومن الضرورى أن نفرغ كل ما فى السلة من تفاح، ونستبعد الفاسد منه ونبقى على السليم، كذلك يجب أن نلقى جانباً كل ما فى عقولنا من أفكار، ونقوم بفحصها فكرة فكرة ثم نقبل الصحيح منها ونرفض الخاطئ. لعلي لا اغالي اذا قلت ان الكثير من التفاح الذي يملأ سلال عقول رجال الدين والمتدينين هو من نوع التفاح الفاسد، ومع ذلك فانهم لا يريدون أن يفحصوا هذا التفاح ليرموا بالفاسد منه ويبقوا على الصالح. انهم لا يريدون أن يقولوا ربما توجد في عقولنا أفكار فاسدة، فيعملون على تفحصها ورمي الفاسد منها والإبقاء على الصالح منها. ضني انهم لو قالوا ربما لا اصبحت عقولهم أنظف.

الأيمان وأحتكار الحقيقة:

يرى الكثير من رجال المؤسسة الدينية ومن تبعهم من المتدينيين ان الايمان بدون احتكار يعد ناقصاً، فالايمان الحقيقي في نظرهم هو ان تعتقد جازماً بصدق وصلاح عقيدتك وكذب وفساد عقيدة الآخرين. هذا المفهوم عن معنى الايمان هو الذي يدفعهم إلى رفض اي احتمالية لأن تكون عقيدة الآخرين صادقة وصالحة أيضاً. وهذا ما يجعلهم يرفضون قول (ربما) ان يكون الاخرون على حق ايضاً. ولكن جائت فكرة التعديدة الدينية لتناقض وتخالف المفهوم التقليدي للايمان وتجعله امتلاكاً للحقيقة وليس احتكاراً لها، فقالت: انك تملك الايمان، وايمانك صالح وصادق، ولكن ربما يكون ايمان واعتقاد الاخرين صادق وصالح ايضاً. وهذا ما دفع بانصار الايمان التقليدي الى شن حملة معارضة لفكرة التعددية الدينية.
الايمان في نظر العديد من الباحثين والدارسين وحتى الانبياء، لا يعني الاحتكار بل يعني الامتلاك، والسعي الدائم والمستمر الى الوصول الى ما هو افضل واسمى واصح في الافكار والاراء والمعتقدات والتصرفات وجميع العلاقات الانسانية الاخرى. الايمان قلق دائم على حد تعبير سلامة موسى، وليس تصديق مطلق واعتقاد جازم على حد تعبير اغلبية رجال الدين في جميع ديانات العالم.
الايمان يعني البحث المستمر والدؤوب في كل ركن من اركان الحياة وفي كل فكرة ومبدأ وعقيدة، والمقارنة بينها، والترجيح بينها، وقبول بعضها ورفض بعضها الآخر، فالايمان مسؤولية شخصية، وليس مسؤولية اي شخص اخر يقرر لنا ما هو ايماننا كما هو الحاصل اليوم من إتباع اغلبنا لعقائد اباءنا ومجتمعاتنا. لذلك فالايمان لا يعني الاحتكار بل يعني الامتلاك، فبعد ان تدرس قضية ما بجدية وتبحث في جميع جوانبها وترجح بين المتعارض فيها، فتقبل بعض الافكار وترفض غيرها، عندئذ يحق لك ان تقول انا املك الحقيقة في هذه المسئلة، وعليك ايضاً ان تقول وربما يملكها غيري ايضاً. هذا هو الايمان، وهذه هي متعة البحث والتقصي التي ارى انه من واجب اي انسان ان يعمل بها، واذا لم يستطع لاي سبب كان فلا يدعي لنفسه احتكار الحقيقة، ولا بأس ان يقول أنا املك الحقيقة التي وجدها لي ابائي او ابناء مجتمعي الذين سبقوني في الحياة.

رأيي صواب يحتمل الخطأ:

ونتيجة لذلك نرى أن العقيدة لا يشترط فيها اليقين الاعمى بل الايمان الذي يكون مصدره البحث والتقصي والتأمل. وهذا لا يعني ابداً الاحتكار بل يعني الامتلاك. والفرق بينهما كبير جداً. لذلك نجد أن مقولة: (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخرين خطأ يحتمل الصواب)، تحفظ لصاحبها الايمان ولا تمنعه عن الآخرين، وتجعله يتقبل الآخر وينبذ التعصب والتطرف والعنف. وهذه المقولة هي التي ندعو اصحاب العقائد الدينية إلى تبنيها والايمان بها، لأنها سبيلنا الوحيد إلى تقبل الآخر والتعايش معه بمحبة وسلام. وهي الغاية التي ينبغي للبشرية جمعاء أن تسعى لتحقيقها.

الخلاصة:

وخلاصة القول أن العقيدة القوية والايمان الثابت لا يتعارضان مع مبدأ الشك المنهجي الذي قدمه ديكارت، بل على العكس من ذلك تماماً، فالشك المنهجي يدفع بصاحبه إلى التأمل والبحث والتقصي، وبالتالي الايمان والاعتقاد. وهذا يجعل المرأ أكثر ايماناً واكثر أعتقاداً بما يؤمن، ولكنه في نفس الوقت يجعل صاحبه أكثر تقبلاً للآخر وأحتراماً له، لأنه يعلم أن من حق الآخرين أن يشكوا ويتأملوا ويتقصوا الحقائق، لأنهم ايضاً يودون ان يسيروا في درب الشك هذا، كما سار هو من قبل، لأن الأيمان والاعتقاد مسؤولية شخصية، ومهمة فردية، بمعنى أن كل فرد من واجبه ان يبحث عن عقيدته بنفسه، وأن عليه أن لا يتبع ما توصل اليه الاخرون مهما علت مكانتهم. لذلك فأن مقولة: (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخرين خطأ يحتمل الصواب)، هي مقولة تحمل في طياتها أحتمالية الخطأ والصواب وبالتالي تدفع بقائلاها إلى البحث والتقصي وإلى أحترام المخالف له في الرأي والعقيدة. إن الايمان بلا شك هو ايمان ساذج واعمى وضعيف، وفوق ذلك كله هو ايمان يحتكر الحقيقة ويشكل خطراً على صاحبه وعلى الآخرين ايضاً، لأنه يمهد للتعصب والتطرف والعنف، وبالتالي الجريمة العقائدية التي يرتكبها صاحبها وهو مرتاح الضمير ضاناً انه يتقرب إلى الله بها.



#واثق_غازي_عبدالنبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معنى الدين والتدين
- مجرمون ولكن لا يشعرون
- أزمة الطاقة الكهربائية في العراق .. لا تنمية ولا استقرار بدو ...


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - العقيدة الدينية ومنهج الشك