|
سؤال الجواب
نجاة زعيتر
الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 21:38
المحور:
الادب والفن
هل تحبينه؟من هو؟
لماذا لم تسألني قبل الآن إذا كنت أحب أبي؟و لماذا قلت لي أن أبي رجل عظيم لأنه رباني على الخضوع و الطاعة؟ و تسألني اللحظة:هل تحبينه؟من هو؟
فتجرفني أولى رغباتي بأن أرمي جميع نباتاتي المنتقاة،و أعود أفك ربطة عنقك،أقطف ياقات قمصانك،وأحاول التنفس من جلدك،أعارك سؤالك و أتسلل منه إلى ذلك اليوم ...أذكر أنني لم أرتد أجمل فساتيني و لم أتزين،ربما إعتقدت أنك عقاب جديد إختاره لي أبي لا يستدعي الفرح
تحدثت كثيرا عن طباع العجوز التركي التي تتقمصك،عن عملك و أهميتك،عن أسفارك و إناثك و مذاق قهوتك،عن سحر شاربك و مجموعة مسدساتك النادرة.و عن جدار العبث المائل الذي لا يصح الإتكاء عليه.
و إنتظرت أن تسألني عن عملي؟ عن المدن التي لم أزرها،و عن مجموعة قصصي التي لم أنشرها و التي لم أكتبها ؟
و عن نباتاتي و سر إخضرارها؟
هل تحبينه ؟من هو؟ يتناسل العويل في رأسي،لو أخرج الآن أرمي بجميع نباتاتي المنتقاة،أفسح لها إلى فضاء أكثر اتساعا و أعود أتفرج على عراء روحه و هشاشتها و هي تتجول أمامي تقترب مني تمد أصابعها نحوي،تستنجد بي..لو أقبض بعضا من شعاعها الآن؟أغزل منه فوانيسا تلهب ياقات قمصانه،تحرق أقنعته الكثيفة،و تذيب مجموعة مسدساته النادرة.
من هو؟هل...؟
تناحرت بداخلي جمل لم أقو على البوح بها،تراكظت حولي اللحظات،دون أن ألحظها أو أحس بطعم مرارتها أو حلاوتها،لم يعد للمكابرة جدار أتكئ عليه:والدك رجل عظيم لأنه رباك على الإنضباط و الطاعة
الآن تصر أن ترمي بعناقيد هزء في صدر انضباطك،و تقرأ من جوف اختناقي و تنفسي و تكرر سؤالك:هل تحبينه؟من..؟ في الركن تقترب نباتاتي من معانقة ترابها من جديد،لماذا لا أرمي بها خارجا،ربما تروي الحياة جفاف عروقها؟
أفتح جميع نوافذي،أفسح للضوء و الهواء و بعض الزقزقات...فتزهر نباتاتي و تتعملق،تزاحم رغباتي،تسبقها و تتكتل حولي،تتسلقني،تتموضع حول نحافة عنقي،عقدا أخضرا يضغطني،يهدهدني،يعابث صدغي،يتخلل خصلات شعري.بداخلي تنمو ورقاته..تسقيني أو ربما تبحث عن الحياة في عروقي فتغريني بالصراخ في وجهه بسأمي من اصفرار العبث السائح في عينيه،من انفراج شفتيه المتشهية،و ألوان أحمر الشفاه المزروع على ياقات قمصانه.
لم تمهلني قهقهتي تجولت في رأسي تدق خلاياه تتحزم بأعصابي و تعلنها رقصة إفريقية مفضوحة العراء،تتسلح بمجموعة مسدساته ، تغير على جميع عاداته،تتفقده تجالسه،يتابعان نشرة الأخبار معا،و على المقعد الهزاز ذاته يضعان رجلا على رجل،يدخنان من ذات الغليون ،يمسكان بفنجان القهوة الذي يعده لنفسه بالمذاق ذاته منذ سنين...و يصفع خد فرحتي المرتعشة بكيد جمله و نميمتها..يبادرني بوصلة التباكي من تعب الشغل و عدم الأمان،يحدثني عن تعفن الإدارات و لا ينسى فيض بطولاته و جدار العبث المائل الذي لا خير من الإتكاء عليه
يسأل عن نوع العشاء ثم يتجشأ و ينام.
والدي رجل عظيم لأنه رباني على الخوف و الخضوع
أتضاءل ثم أرتفع و أحلق ملكة نحل شرهة تملأ بيتها طنينا
تستدرجني كتل أمان تتحفز للتشفي،تحاصرني أذرع الفراغ،تقبض عنقي ،تحملني إلى السرير..ويتحول كل شيئ إلى نوع غريب من التكرار الجديد.
تتفتح العرفة خلية نحل تتواطئ بتحفز لتهيئ جنازة يعسوبها المحتضر.لا أدري إذا كنت تخلصت تماما من ذلك الإحساس بالعزلة عن ذاتي المسجاة على السرير،بدا لي أن كل شيئ كان منسجما تماما و أن الصورة التي مرت أمامي جميلة بحق،
أصوات غير منتظمة تزاحمت إلى فضاء الغرفة،صرير بوابة العمارة ،كعب حذاء ،دمدمة محرك دراجة نارية،سعال جارنا العجوز،بكاء نباتاتي المحتضرة في الركن...كيف تسربت كل هذه الأصوات إلى رأسي في ذات الوقت؟
كلها أصوات واضحة تدل على ذاتها لا تندمج و لا تتداخل،ثم تحولت إلى فوضى لم أجرب القفز داخلها لكنني تكورت على نفسي مجربة القفز ثم الإختباء داخل أعمق عزلتي،لكن إنسحابي بدا صعبا هذه المرة،جزء ما مني ظل يعاني في قبضته،جزء غريب عنه ظننته لن يتعرف عليه،خفت أن يبادره بالسؤال،حاولت إسترجاعه منه،استمات في الدفاع فاحتميت بجداول العبث التي أغرقت توسل صمته
هدن صراع الأشياء بداخلي،لا أسئلة تتلكأ في داخلي :عن رائحة تبغه التي تقرفني؟و لما لا أنشر مجموعة قصصي؟
و هل الأمان حصيلة قوة و تفوق أم حصاد رضوخ و تراجع؟
و هل تختنق نباتاتي؟و عن سر شعوري بأنني شاة تسلخ حية مفتوحة العينين أمام ياقات قمصانه؟
في الركن تموت نباتاتي المنتقاة، هل أكثرت سقيها أم نسيت أن أفعل..لم أعد أذكر؟
لكنني لن أنكر إحساسي بهشاشة روحه و دفئ عرائها و هي تدثرني،تتوحد بدمي،تتمرغ في تراب نباتاتي،تغتسل بتعرقها،تحاول أن تتنفس من جلدي،تفتح أضلاعه لرؤوس أصابعي فتعيدها له كاملة الترتيب،تتجلى صرخة إنتشائه الأولى و من خيط أمعائه ينسج شالا لظهري و مشبك شعر،و حين لا يحضره الجواب يعود ينتفض أرقا و يغتالني بسؤال الجواب:
من هو؟ هل تحبينه؟
#نجاة_زعيتر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلة إنسانية
-
المفقود
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|