جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 10:19
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
كل الناس من أهل حارتي وأقربائي ينظرون لي اليوم بعين حزينة وتكادُ أن تدمع عليّ حزنا ويكاد قلبُ كل رجلٍ وكلُ امرأة أن ينقسمَ عليّ إلى قسمين أو جزئيين منفصلين من شدة الألم والأسى وكل ذلك لأن حرمي المصون قد أنجبت لي ولها طفلة أنثى يقولون لي عنها (عادي البنت مش عيب) حتى أنا ربيب اليسار والعلمانية وكافة نظريات المساواة والقضايا الحقوقية كدتُ أن أُصدق بالنهاية أن الذكر أفضل من الأنثى من كثرة ما قالوا لي (البنت مش عيب ومثلها مثل الولد) وكلما قال لي أحدٌ منهم هذه العبارة أقول في نفسي: لولا أنه مؤمن بأن الأنثى عيب لما قال لي هذه العبارة فهذا الكلام لا يصدر إلا عن شخص يعتقد بأن الأنثى عيب والمرأة عيب وبباله أنني مثله أعتقد بأن المرأة عيب لذلك يواسيني بكلماتٍ تصدر من فمه الأعوج بأن اصبر يا أبو علي ورابط وقاوم فالأنثى مثلها مثل الذكر, وهذا يشبه الذي كان يقول لي حين مات أبي (اللي خلف ما ماتش) وهذا معناه أنه مؤمن بأن أبي مات ولا رجعة له على الإطلاق , وأول شخص قدم لي التهاني والتبريكات القلبية بمناسبة المولودة الجديدة (البتول –وفاء) كان عمي الذي يبلغُ من العمر 80عاما قضاها كلها في أعمال السجود لله والتمييز بين البنات والأولاد حيث سلّم عليّ في الشارع وقال: يا أبو علي أنا والله إني مثلك ازعلت اكثير, فقلت: يا رجل مين قال أنني زعلان؟ انتوا ليش بدكم اياني أزعل غصب وأنا مش زعلان!! ثم تابع حديثه وكأني لم أقل شيئا: على كل حال ريتها كمان مبروكه عليك وهذا طبعا كله مكتوب من ألله وقضاء وقدر, فقلت له : عن شو ابتحكي يا عمي عن حادث سير!!, فقال وكأنه لم يفهم كلامي: كله واحد البنت في هذه الأيام مثلها مثل الولد, فقلت له: ليش هو أنا شكيتلك؟ يا جماعه إحنا وين والعالم وين!!, فيرد على كلامي بكلام آخر وكأنه لم يسمعن أو كأنه سمعني بالمقلوب: طبعا كلامك صحيح يا أبو علي والبنت في هذه الأيام لا تختلف عن الولد كله خير من ألله.فتنهدتُ أو تنفست الصُعداء وقلت: معناته يقصد بأن الأمر لا يوجد فيه خيرا من الله.
وحين ذهبت إلى السوبر ماركت لشراء الحلو قال لي الشباب: مبروك يا أبو علي شو أجاك؟ فأقول (عروس) فيقولون عادي يا زلمه البنت مش عيب خذ حلو وحلي الناس هذه الأيام البنت والولد كله واحد, وأما أول امرأة بشرتني وهي زعلانه وباركت لي فهي إحدى العاملات في مستشفى الولادة حيث نزلت لي في الطابق الأول في صالة الانتظار حيث كنت مشغولا بالرد على المكالمات الهاتفية من شقيقاتي وهن يواسين بي ويأمرنني بالصبر وباللجوء إلى الله في مثل هذه الشدائد, وكنتُ طبعا أنظر للعاملة وأنا أتحدث على الموبايل لعلمي أنها تريد أن تقول لي شيئا, وكنتُ أيضا أرد على المكالمات وأنا أقول: طبعاً..صحيح....كله واحد, وحين أغلقت الهاتف تقدمت العاملة وقالت سائلة وكلها حياء شديد: أنت أكم بنت عندك؟ فقلت: اثنتان , فإسود وجهها وقالت وهي مستحية فعلا من التكلم معي بعد أن تنحنحت احم احم: عادي هذا ألله وهذه حكمته؟.. أهم شيء صحة المرأة عال العال والعوض بالسلامة, فقلت مستعجباً: نعم! أنت ابتعرفيني!!, فقالت : لا بس على شان..., ففهمتُ من أنها تقصد الحلوان , فقلت لها ( الحلوان) تابعي كلامك , فاستأنفت حديثها بقولها: الناس بس يكون ولد بعطوني حلوان أما البنت ما حدى بعطيني وأنا أستحي أن أطلب: فابتسمت وقلت لها: بعرف انها بنت من قبل 4 شهور وبدي أعطيك حلوان ولا تزعليش وراح أعطيك نصف ما أملكه من أموال ومجوهرات, ففرحت فرحا كبيرا كاد أن يطير من عينيها : فمددتُ يدي إلى جيبي وأعطيتها دينارين , ولم تفهم تلك العاملة بأن هذا نصف ما أملكه من أموال واعتقدت فعلا أن البنت أو الولد أفضل فأشاحت بوجهها عني وهي تقول: والله يا رجل البنت والولد هذه الأيام زي بعضهم.
وفي غمرة كل ذلك كان شاب آخر يجلس إلى جواري في صالة الانتظار فتقدم مني وصافحني وقال: مبروك يا أخ, أهم شيء الصحة والعافية, أنا جابتلي مرتي (امرأتي) 5 بنات وصدقني كنت طوال الأعوام تلك صابر ومحتسب عن ألله, فقلت له رافعا يدي إلى ألله داعيا له بالخير على عادة الشيوخ: أللهم قوي أيمانك يا شيخ, فقال: وأنت يجب أن تحتسب عند ألله مثلي ويجب أن يكون إيمانك بالله قوي, فقلت: طبعا أنا مؤمن بالله وشكرا لك, فغادرني وهو يقول: وبعد طول صبر ألله أعطاني ولدين والآن الحمد لله والبنت والله ما هي عيب ومثلها مثل الولد.
وبعد ذلك نظر لي رجل آخر وقال: الحمد لله, والله أتمنى يا رجل أن يكون عندي بنت, البنت مش عيب, عندي 4 أولاد ذكور وأتمنى أن يعطيني ألله بنت على شان البنت مليحه تخدم أبوها وإخوانها, هذول أولادي بس يكبروا مين بده يخدمهم؟ ومين بده يخدمني أنا بس أكبر؟ الأولاد يا أخ-وهذا الكلام موجه لي- كل واحد فيهم بس يكبروا بحضن زوجته وما بسألش عن أبوه أو أمه, ‘نما البنت تختلف البنت تسأل عن أمها وعن أبوها, والله البنت ما هي عيب عادي يعني مثلها مثل الولد, فقلت له شكرا.
وحين أردت النهوض من مكاني قال لي شاب آخر إلى جواري: صدقني ولد بنت مش مشكله المهم أن يكون عندك أولاد, ويا ريت ألله يعطيني أولاد أنا ما عنديش نهائيا حتى لوكانت بنت معاقه عقليا أو حركياً أو ولد معاق حركياً أو عقلياً.
أما أول امرأة صادفتني على باب الدار وأنا داخل وبيدي (البتول) فهي جارتي أم عسجد فاستعجلت في مشيتها وزادت من خطواتها حتى وصلت باب الدار قبلي وهي تنظر في وجهي وتقول: أنت يا أبو علي مؤمن بالله وبالقضاء وبالقدر, فقلت مستغربا : شو في حدى من أقربائي مات؟ فقالت: لا يا رجل (فال ألله ولا فالك) فقلت: ما اللي بسمعك بصير عنده اعتقاد إنه في رجل من العلاونه مهم جدا قد مات, فردت وهي ضاحكة:بس البنت مش عيب وهذا قضاء من ألله ويجب أن تسلم أمرك لله , فقلت لها غاضبا: يا أختي هو أنا شكيتلك عن شيء؟ بنت ولد كله واحد, فردت على كلامي بكلام آخر ولم تفهم طبيعة موقفي وقالت: والله أنا عارفه انك مؤمن بالله ولا يمكن أنك تزعل المَره(المرأة) على شان جابتلك بنت, فقلت: أللهم جيبك يا طولة الروح.
ومنذ مساء البارحة والناس والجيران والأقارب يتوافدون على بيتي لتقديم التهاني والتبريكات بالمولودة الجديدة (بتول-وفاء) وكأنهم يقدمون لي العزاء, هذا ما شعرتُ به وقارنت بين كلامهم اليوم لي وبين كلامهم حين مات أبي فقد كان الجميع يقول لي وأنا شاب يافع: اللي خلف ما ماتش,وكل شخص يلقاني اليوم في منزلي ينظر لي وهو يقول: أهم شيء سلامة المَره(المرأة) يا أبو علي والبنت والولد كله واحد, فأقول يا جماعة الخير أنتوا بهذا الكلام تكونوا وكأنكم تقصدون أن الولد أفضل من البنت, هكذا أنا أفهم, فحين مثلا يلقاني شخص وهو يقول لي : الشغل مش عيب, إذا وجدني أكنس في الشوارع فكأنه يقول لي بأن الشغل عيب أو هذا الشغل الذي أشتغلُ فيه عيب أو إذا رآني أحد أبيع على البسطات في الشوارع يسلم عليّ ويقف معي دقيقة صمت ومن ثم يصافحني بيده اليمين قائلا: الشغل مش عيب, وحين أقول لهم ذلك الكلام يردون على كلامي بكلام آخر وبموضوع منفصل عن موضوعي الذي أتحدثُ عنه وكأني لم أقل شيئا ولم يفهموا ما أقوله , فمنهم مثلا من يقول لي: والله إنك صادق يا أبو علي..صدقني كله واحد البنت مش عيب مثلها مثل الولد, وكل من يدخل الدار يقبلني ويبارك لي ومن ثم يجلس وأول ما يقول: الحمد لله على سلامة المَره(المرأة) وكل شيء بالدنيا بتعوض والبنت في هذه الأيام مثلها مثل الولد, والمصيبة الكبرى أن هنالك بعض من الناس من يقول: حتى البنت في هذه الأيام صارت أحسن وأفضل من الولد في بعض الأولاد همل وبعض البنات أفضل من كل الأولاد , وهنالك من يعترض وكأنه يقول (12 بنت بسووا شب والشب ابيسوى دزينه) وبعض النساء حين يجلسن ويرتحن من التعب يقلن بين والولد والبنت هذه الأيام ما فيش فرق....نعم, بيناتهم في هذه الأيام ما فيش ولا شيء يفرق, فأقول يا جماعة الخير هو أنا شكيت لأي حدى فيكوا, فترد زوجتي وتقول: والله من زمان بعرف انها بنت بس هذا ألله وهذه حكمته ,وبعد ذلك تدخل امرأة أخرى من جاراتنا وقريباتنا فتسند ظهرها إلى الحائط بعد أن تجلس ممددة قدميها على الأرض أمام وجوهنا قائلة: شو يعني ما هذا احنا نسوان مالهن البنات! البنات مش عيب, ومن ثم ترد أمي على كل امرأة بجملة: أهم شيء الصحه يعني البنت صحتها مليحه وخاليه من الأمراض نحمد ألله على هذه النعمة, وترد عليها امرأة أخرى من بعيد قائلة: شو وين الحلوان؟ فتضحك عليها امرأة أخرى قائلة: شو الحلوان ..شو الحلوان..!! كل وحده تسأل عن الحلوان وكأنها أم علي جيبه ولد!! فأقول: مالكن هيك أقسم بالله هسع برجعها على المستشفى أو على ألله ما هو انتن نسوان ولازم تحترمن المرأة, فيقلن: صح يا أبو علي والله على اليوم يا ريت كل الزلم مثلك يعرفوا إنه البنت والولد كله قضاء من الله وقدر, أما أكبر مصيبة فهي حين دخل مثقف سطحي إلى منزلي من أقاربي وقال: هل تعلم يا أبو علي أن الرجل هو المسئول عن تحديد جنس المولود أنثى أو ذكر؟ فقلت: والله؟ عن جد؟ مرسيه شكرا لزيارتكم.
واليوم منذ الصباح الباكر أينما أذهب أسمع من الناس كلمة (مبروك) وبعدها اسطوانة (البنت مش عيب مثلها مثل الولد)وهي مثلها مثل اسطوانة (الشغل مش عيب ) ومثل اسطوانة (اللي خلف ما ماتش) وذاك معناه أن الشغل عيب وأن الميت مات وشبع موت وصارت عظامه مكاحل, وأن البنت عيب وعار على أهلها.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟