|
من أجل الحفاظ على الخصوصية المغربية :
عزيز العرباوي
الحوار المتمدن-العدد: 3318 - 2011 / 3 / 27 - 14:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أجل الحفاظ على الخصوصية المغربية :
عندما نتطلع إلى واقعنا السياسي والاجتماعي المغربي نرى علامات متفرقة تبدو وكأنها مراكز لقنابل موقوتة. كل قنبلة في انتظار دقة ساعة لتنفجر إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه دون المبادرة بإصلاحات سياسية واقتصادية واضحة المعالم. ربما يفكر البعض أننا نعيش منذ زمان على وقع هذه العلاقات المتفرقة وتعودنا عليها دون أن نحمل في عقولنا أفكارا تلغي فكرة الانفجار لأننا نظن أننا نتحكم في آلات إبطالها . لا أحد من عباقرة الفكر السياسي والاجتماعي المغربي أو من المحللين والمتتبعين فكر من قبل في هذه القنابل وحاول الاقتراب منها ومحاولة معالجتها قبل أن تستفحل المشاكل التي تقود إلى التفجير، لأن هؤلاء يعيشون وحدهم ويفكرون ضمن منطقة عاجية تتعالى على الشعب، وبالتالي الإحساس به وبمشاكله الاجتماعية والاقتصادية. بل إنهم لا يملكون القدرة على العيش داخل هذه المشاكل أو التسلل إلى أعماقها لإبطال مفعول هذه القنابل قبل أن تنفجر في النهاية وتؤدي إلى ما لا يحمد عقباه . المشكلة كلها هي أساسا في بعض الأطراف داخل الوطن يريدون أن تبقى دار لقمان على حالها، وأن لا تتغير الظروف وأن لا يأخذ الإصلاح حقه من الاهتمام داخل المجتمع المغربي سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. وبالتالي، فهؤلاء يعملون ليل نهار على وضع الحواجز أمام الإدارة الملكية والشعبية معا في التغيير والإصلاح . إننا عندما نردد تعبير الإصلاح فإننا لا نعني مجرد التفكير في إيجاد صيغة ملائمة للحكم مثل تبادل السلطة والملكية البرلمانية فقط، بل نعني بكل بساطة محاكمة المفسدين وإرجاع المال العام المنهوب، وهذا هو أهم قضية في مسألة الإصلاح داخل المغرب. وهذه القضية إذا ما تحقق الهدف منها فإننا سنكون قد قطعنا شوطا كبيرا في مسألة الإصلاح عموما، لأن النزيف الذي يتعرض له المغرب من خلال نهب الأموال العامة وصرفها في التفاهات والأمور الزائفة وغير المفيدة للمغاربة هو من يجعل مسألة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي يتعرض للقرصنة ويقف في طريقه دون أن يكملها . لقد كان الدافع الأساسي لخروج العديد من الأطراف داخل الشعب المغربي في مسيرة 20 فبراير إلى الشارع لإيصال مطالبها الاجتماعية والسياسية إلى السلطة المغربية هو الإصلاح وتغيير الواقع المغربي نحو الأفضل ضمن الحفاظ على المكتسبات والرموز الوطنية، التي تمثل وحدة الشعب المغربي. ورغم خروج العديد من الأصوات التي خوفت السلطة والشعب من هذه المبادرة الشبابية وربطها بأجندات خارجية وداخلية فإنهم لم يتحصلوا على دليل واحد قاطع على ادعاءاتهم، لأن الشعب المغربي في 20 فبراير كان في الموعد وأثبت حضاريته ضمن مسيرة سلمية . إن شباب 20 فبراير أثبت بالملموس وطنيته وخوفه على بلده من الانجرار إلى الهاوية، وذلك ما عبر عنه في مسيرته وحافظ عليه طيلة اليوم. أما تلك الأعمال التخريبية التي همت يعض المدن المغربية فقد كانت بعيدة كل البعد عن المسيرة ومنظميها لأنها وقعت بأيدي أشخاص لا حس وطني لهم. وقد كنت أتمنى أن لا تصل الأمور إلى ذلك الحد، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن . إن الأحزاب المغربية مدعوة اليوم –وخاصة بعد 20 فبراير- إلى حل نفسها أو مراجعة أجندتها ومؤسساتها على الأقل، لأنها أثبتت بالملموس عجزها عن إثبات وجودها في الشارع المغربي وعن التحكم فيه وفقدت شرعيتها عند الشعب المغربي. وهذا إن دل إنما يدل على أنها مجرد دكاكين حزبية تمارس عملية تجارية تحتكم إلى العرض والطلب، فأغلبها صارت مجرد أجهزة فارغة وأصوات نشاز ومواقف متخاذلة وغير ذات أهمية وفائدة، بل هي أقرب إلى الكباريهات التي تعرض منتوجاتها لمن يدفع، للحصول على التزكية وصك الاعتراف قصد ترويج سلعة بالية وهي المواقف والقرارات الغريبة على المجتمع وعلى القيم المغربية النبيلة . كل بلد عربي يخوض تجربة خاصة به وحده. قد تكون تجربة في نظام الحكم... وكلها تجارب يجب أن تستند على عقائد ثابتة ومكتسبات راسخة، وعلى تخطيط نهائي لطريق المستقبل البعيد... ولذلك نجد أن النظم الملكية أكثر ثباتا من النظم الجمهورية، لأن النظم الملكية اكتسبت الشرعية القانونية والتاريخية والتجربة، وأصبحت كيانا ثابتا مستقرا... وهذا ما نجد بوادره في المملكة المغربية التي تتميز بهذه المواصفات المذكورة تجعلها في مستوى الرمز الوطني الذي لا يمكن الاختلاف حوله . إن محاولة التفكير في ضرب هذه المكتسبات والركوب على هامش الحرية الموسع في مغرب اليوم لتحقيق أهداف غير مشروعة والبحث عن منفذ لتمرير مواقف غير مدروسة وغير مقبولة هو لعب بالنار لن يقبل به أي مغربي شريف. فالمطالب الاجتماعية والسياسية المشروعة والتي لا تخالف الإجماع الوطني عليها متفق حولها من الجميع سواء من الذين شاركوا في المسيرة أو الذين لما يشاركوا فيها، لأنها مطالب كل فئات الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة، ولا يحق لأي طرف أن يستأسد على طرف آخر لتمرير أجنداته السياسية واستغلال هذا الإجماع الوطني محاولا الضغط على سلطة الحكم باسم الشعب المغربي، لأنه عمل غير مقبول ولن يلقى إلا النكران والتنديد. إننا هنا لا نتهم أي أحد، بل نحذر فقط، وننصح الذين في قلوبهم مرض من الانجرار إلى استغلال مسيرة 20 فبراير لصالحه دون التفكير في المصلحة العامة للشعب المغربي بكل مكوناته . وهذا الرأي يؤمن بأن أنسب طريقة لتحقيق مطالب الشعب المغربي هي دخول ملك البلاد على الخط، لأنه أثبت بالملموس منذ جلوسه على العرش أنه يعمل جاهدا على إصلاح البلاد. فالمشكلة في لصوص المال العام وناهبي الثروات الوطنية وفي حكومة غير منسجمة ولا تمثل الشعب ولا تهتم به وبمطالبه واحتياجاته الخاصة . إن الأمل كل الأمل في اجتماع كل مكونات الشعب المغربي للنهوض بالإصلاح والتغيير الذي صار ضروريا اليوم أكثر من أي وقت مضى. والتحرك أصبح واجبا على الجميع لإيقاف الفساد ومحاربته والحد من النزيف الذي يحدثه في البلاد والعباد. فعجلة الإصلاح التي بدأت تدور منذ عشر سنوات تحتاج إلى تسريع الوتيرة التي تمشي بها اليوم وذلك بالمساهمة الفعالة من طرف كل مكونات الشعب المغربي دون استثناء، ولدحض كل المقولات والأفكار التي تروج داخل الأروقة السرية لبعض الأطراف- على قلتها- والتي تريد ضرب الإجماع الوطني واللعب بالمفاهيم لتمرير أفكارها إلى فئة عريضة من الشعب المغربي لا تحظى بمناعة فكرية وسياسية تقيها من الانجرار نحو تبني مواقف ضد الشرعية الوطنية والإجماع الوطني. ونحن اليوم أكثر حاجة من أي يوم آخر إلى هذا التفاعل السياسي والفكري الذي يولد نقاشا وحوارا يبني الأسس المغربية للحفاظ عليها في المستقبل من الضياع... فالأحداث العالمية والإقليمية أسرع وأوسع مما كان يقدر أي فكر وأي موقف، ولذلك فإننا ندعو إلى نقاش هادئ يجمع الكل للتوافق حول مشروع مجتمعي ديمقراطي يقود الوطن إلى مستقبل زاهر ومثمر ....
عزيز العرباوي كاتب وباحث
#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور المتعلم في الحياة المدرسية :
-
هل هي صخوة عربية فعلا؟
-
الحرية: رؤية نقدية :
-
قراءة في كتاب --- العراق في القلب--- للدكتور علي القاسمي
-
السينما المغربية والرداءة الفنية :
-
محاكمة غير منحازة للإعلام الحديث : عزيز العرباوي
-
التعليم طريق نحو تحقيق الشغل :
-
كتاب جديد للدكتور علي القاسمي--- لغة الطفل العربي ---
-
حوار مع المفكر والمبدع الدكتور علي القاسمي : أجراه عزيز العر
...
-
حكاية من خشب : قصة قصيرة
-
حرام عليهم ...: قصة قصيرة
-
اختطاف مصطفى ولد سلمى عملية مفضوحة :
-
أسرار الطقوس -- قصة قصيرة -- عزيز العرباوي
-
بساتين الصمت : قصة
-
وجوه الألم ....: قصة قصيرة
-
الحاقدون.....: قصة قصيرة
-
لقاء محزن ....: قصة قصيرة
-
الكتابة لعنة ونقمة...: ق.ق.ج
-
نفس القصة : قصة قصيرة
-
فشل.....: قصة) قصيرة جدا
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|