أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الأمين السويد - نكسة العرب حزيران 1968















المزيد.....

نكسة العرب حزيران 1968


علي الأمين السويد

الحوار المتمدن-العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 17:05
المحور: كتابات ساخرة
    


"حـــب الوطــن ما أجمله"، كلمات طالما صدح بها صاحب الصوت الدافئ وديع الصافي رحمه الله، فتعيد شحذ محبة الوطن في القلب وتضفي على الشعور المنبثق قدسية تصفّي القلب من هنّات القهر والمعاناة "هنيهة" على الأقل.
فالكل يحب وطنه، فمن ذا الذي لا يتعلق قلبه بمسقط رأسه – وطنه، ومن ذا الذي لا يشعر بكمال كينونته حين ينظر يمنة فيرى أقرباءه، وينظر يسرة فيرى أحباءه من الجيران من الوجوه المألوفة وغير المألوفة التي يشعر بأنه يعرف أصحابها جميعهم، ويشعر بأنهم يعرفونه ، ويحبهم، بالرغم من كونهم على غير لهجته، أو مهنته، أو ديانته، أو مذهبه، فالمهم عنده هو هذا التشارك، الذي لا تستقيم الحياة بدونه، في الماء والهواء والأرض والجدران والأهم من هذا وذاك التشارك في المواطنة.
المواطنة لا تعني فقط العيش في نفس البقعة من مكان ما مع أناس آخرين، بقدر ما تكتمل معانيها بأن يفعل المواطن ما بوسعه لخير مواطنيه، فيرتد ذلك إيجاباً على المحيط القريب والبعيد من الوطن الكبير.

ومن أشكال هذا الحب الأسمى الذي لا يمكن الجدال حول صوابيته، هو الدفاع عن الوطن في ساحات الوغى حيث من الممكن جداً أن يفقد المواطن حياته، أثمن ما عنده، ثمناً لحبه لوطنه الذي يضم أهله وأقرباءه وجيرانه ذوي الوجوه المألوفة وغير المألوفة ولا أعتقد أن في هذه جدال أو استثناءات، فعظم التضحيات تساوي المضحى به.
وهذا مثال عن محبٍ لوطنه يجسد المعيار الأول لحب الوطن:
السيد محمد مجند التحق في الجيش قبل نكسة حزيران 1967 ليؤدي واجبه اتجاه أرضه، و ليظهر معدن مواطنته، و يترجم وطنيته. أتته الأوامر بالتحرك لنقل حمولة من الذخيرة من قلب الجبهة إلى خطوط المواجهة برفقة ثلاث شاحنات أخرى، فوصلوا أرضاً مكشوفة، فلاح في الأفق سربٌ من طائرات آل صهيون، فقضت إجراءات السلامة البديهية أن يتوقف السائقين لينجوا بأنفسهم، ومن ثم استكمال المهمة إذا نجوا من قصف الطيران، وفعلاً استطاع المجندون الثمانية الوصول إلى ساتر يقيهم من ضربات الطيران التي لم تبق ولم تذر شيئاً من الشاحنات الأربع اللواتي أصبحن أثراً بعد عين...
تتسارع الأحداث، ويكتشف الجنود الثمانية وغيرهم بأنهم في الأرض المعادية آنذاك بحكم الاحتلال الصهيوني الكاسح، وان أوامر القيادة بالانسحاب الكيفي قد صدرت وانتهى حلم تدمير إسرائيل باتضاح حجم مأساة العرب الصغرى في الخامس من حزيران 1967.


إلى الآن لا غبار على مفهوم حب المواطن لوطنه، أليس كذلك؟

غير أن مقالتي هذه ليست عن حب المواطن لوطنه، وإنما عن حب الوطن لمواطنيه. هل نفهم أن على الوطن أن يقدم شهادة محبة لمواطنيه، وما شكل هذه الشهادة إن وجدت؟ الجواب نعم، والشهادة تكون بان يبادل المواطن مواطنه المحبة والاهتمام، أن يبادل الجار جاره الاحترام، أن يبادر المدير موظفيه بتقدير الأكفاء ونصح المتقاعسين بمحبة، أن يرد القائد تحية مرؤوسيه بأفضل منها، أو على الأقل أن يعامل المرء على مبدأ: ابتسم في وجهي ولا تطعمني وهي ترجمة متواضعة للمثل"لاقيني ولا تطعميني."


فحب الوطن لبنيه يتبلور حين يبارك المدير عمل موظفيه ويشيد بهم و بإنجازاتهم وبشتى الوسائل حتى على سبيل المجاملة، و يتضح حب الوطن لبنيه إن أقام مهندس مشروعاً فنال شكر وتقدير من حوله، ويفهم شكل حب الوطن لأبنائه حين تتصل سفارة بلاده لتطمئن على أحواله إن حدث كرب ما في بلد الغربة.
فما ذُكر يعتبر مقدمات غير مكلفة من الخطوات البسيطة ولكنها تؤلف قلوب أبناء الوطن وتجعل كل مواطن يفكر في مصلحة غيره أكثر من مصلحته الخاصة، و ربما تدفعه هذه الخطوات البسيطة لبذل حياته عرفاناً وتقديراً...
وهنا سأتابع قصة السائق محمد الذي انضم إلى صفوف قوى الأمن الداخلي بعد النكسة بشهرين، وصار شرطياً يخدم وطنه بطريقة أخرى.
كان يتحدث عن بطولات رفاقه في الجيش، وعن تضحياتهم وكم اقسم انه يود زيارة فلان، وربما ذرف الدمع شوقاً إلى تلك الأيام، وعن قصصه الشخصية التي عاشها طوال أربع سنوات الخدمة في أحلك ظروف الأمة. كان يتحدث والفخر والقهر يملأ صدره، فقد قدم ورفاقه أفضل ما عندهم بما ملكت أيمانهم، فما نفع شيء و ما كان بالإمكان أفضل مما كان.

بقي يشعر بالحزن على ما آلت إليه أوضاع وطنه وجيشه عاماً كاملاً آنذاك إلى أن جاءته الزلزلة أو ربما الصاعقة يوم تسلم برقية مستعجلة من قيادة الجيش والقوات المسلحة في حزيران عام 1968 تطلب إليه دفع غرامة مالية ضخمة (180 ليرة سورية) لقاء ضياعه وإهماله للقناع الواقي وللخوذة اللتين كانتا في عهدته حين تركهما في الشاحنة التي دمرها الطيران الصهيوني.

صدمة ...
خازوق ...

هل يوازي شعور الشرطي محمد شعور المغدور به؟ وهو الذي بقي يتسلل ستة أيام بين اليهود مشياً على قدميه ليصل أرض "وطنه"؟
هل يوازي شعوره شعور محب خانته عشيقته، وهو الذي بقي فاقد السمع الجزئي لأكثر من شهرين بعد النكسة الأولى؟
عقدت الدهشة لسانه ولسان زملائه على اختلاف رتبهم، فدهشتهم كانت مملوءة بالتساؤلات والتي منها : ومن يعوض شاحنات الذخيرة، ومن يعوض من استشهد؟ ما قيمة قناع واق ممزق أصلا من مخلفات الحرب العامية الثانية، وخوذة تشبه طنجرة المجدرة المحترقة؟ ومن ....؟ ومن...؟ أسئلة أخرى لا تعد ولا تحصى.
أقسم الحاج محمد أن يوم استلامه لبرقية الغرامة أضحى اشد حزناً عليه من يوم هزيمة العرب كلهم يوم الخامس من حزيران، وقال أن ذلك اليوم هو يوم النكسة الحقيقي، يوم نكسة المواطن العربي.

ورقة حقيرة واحدة وبلحظة واحدة نسفت كل معاني البطولات التي سمع بها أو مارسها أو عرفها أو تحدث عنها وصار هو ومن تلقى برقيات مماثلة يقولون يا ليتنا كنا ترابا، فقد تحول المدافعون عن شرف الأمة مذنبون بالتقصير، والدليل ضياع "محمد" مثلاً لخوذة وقناع، وربما فقد محمد آخر أو جورج أو جاسم حذائه العسكري فُعد ذلك جريمة يحاكم عليها محاكمة عسكرية. أليس الخامس من حزيران هو يوم النكسة الصغرى قياساً بنكسة حب الوطن لجنوده وحماة دياره؟

فالمعقول أن تأتي برقية تهنئ المواطن محمد وزملائه بالسلامة على الأقل، أو أن تشكرهم على ما قدموه في ميدان المعركة، تشكرهم بالكلمات حيث لم نقل حفل تكريم أو ما شابه فمصاب الأمة كان في مزاج لا يسمح إلا بالحزن. و المعقول أيضاً أن تدفع لهم رواتب الأشهر الأخيرة من الحرب التي قُنصت منهم.
ومن المعقول أيضاً أن يقوم الوطن ممثلاً بأصحاب العلاقة بالعبير عن تقديرهم لعمل محمد و أمثاله، فكيف يفهم المجند محمد، أو غيره، بأن وطنه يحبه ويحترمه؟ كيف يتقبل معاني أغنية وديع الصافي: "حب الوطن ما أجمله (في الاتجاهين)"؟

فحب الوطن مثل حب المرأة، نحبها وتحبنا وتحب نوقها جمالنا، وفي اللحظة التي تتحول عنا عيونها، نحول عيوننا عنها بالرغم من حبنا المقيم في الأعماق والذي قد لا يتبدل ولكنه بالكاد يظهر.
المواطن محمد حي يرزق وقد قارب السبعين من العمر، أمد الله في عمره، وقد ذكر لي هذه القصة بحكم انه والدي حفظه الله زهاء الخمسين مرة، وفي كل مرة كانت تدمع عينيه حين يأتي للجزء الذي يخص استلامه برقية الغرامة. وفي آخر مرة رواها لي، قلت له بعد أن تثاقلت عينيه بالدمع مستدركاً: "احمد ربك أنهم غرموك بثمن الخوذة و القناع فقط! فرد والدهشة تملئ وجهه: "وبماذا كان يمكنهم أن يغرمونني غير ذلك؟ فقلت له: "احمد ربك أنهم لم يغرموك بأرض فلسطين كاملة و الجولان"، ضحك كثيراً يحسبني أمازحه، ولكنني، في أعماقي، كنت أفكر في "لماذا لم يفعلوا ذلك؟!!!".



#علي_الأمين_السويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القبور العربية
- المزربَّة القطرية
- مراجعة حيوية
- البداهة الحيوية الكونية
- قوانين إرهابية
- إعتلال بداهة القرآنيين (2)
- إعتلال بداهة القرآنيين (1)
- الشكل الحيوي، والشكل الحيوي في المنطق الحيوي
- العرب وشرف آخر زمن
- إشارات عابرة
- زيف المساواة بين الجنسين
- أمةُ دبِّر رأسك
- الله يلعنك يا إبليس!
- الخطاب المنكر
- الإنسحاب المصري
- القرضاوي الشيخ النووي
- الزهايمر الفكري عند الجلبي
- نظرة في -أضاحي منطق الجوهر*- للدكتور حمزة رستناوي
- رسائل وعناوين خاطئة (1)
- الإعجاز و الإفلاس


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الأمين السويد - نكسة العرب حزيران 1968