|
الحركة الميثاقية
جمال البنا
الحوار المتمدن-العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 07:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كـُتبت الميثاقية في الستينات باعتبارها الفصل السادس من كتاب كبير عن تاريخ الحركة النقابية في بريطانيا ، في هذه الفترة كنت مستغرقاً تمامًا في تلال من المراجع والأصول العديدة التي كتبت بالإنجليزية عن هذا الموضوع . وإنه لمن المؤسف إني لم أعن بتجميع المادة الغزيرة التي كنت أكتبها في مسودات في أكثر من خمسمائة صفحة ، وكانت النتيجة إني بعد أن هاجمتني المشاغل ، وضاق الوقت عجزت عن لم شمل هذه المسودات لتكون كتابًا ، ومن حسن الحظ إني عنيت عناية خاصة بالفصل السادس من الكتاب وهو عن الحركة الميثاقية أو الــ Chartism فكتبته وبيضته لاحتمال الإفادة به مستقبلاً ، وهكذا حفظ هذا الفصل . وأعترف إني الآن لا أجد الوقت ولا الصبر لتحقيقه أو للعودة إلى المراجع التي كانت تحت يدي في الستينات والتي قرأتها مثنى وثلاث ، فأبقيت كل شيء كما وجدته . إن الحركة الميثاقية تبرز لنا كيف أن الحركة النقابية البريطانية كانت هي الأولى التي عدلت في نظام الانتخاب والترشيح ، وأن ما نادت سنة 1848م تحقق ، وكان آخر مطلب من المطالب الستة تحقيقاً هو منح النواب مكافآت وتم هذا سنة 1913م عندما انتخب العمال نوابًا وتعين منحهم أجورًا وكان المطلب الوحيد الذي يتحقق هو أن تكون الانتخابات سنوية . وأعتقد أن معظم أساتذة القانون الدستوري ليس لديهم فكرة عن هذه التجربة الفذة التي قام بها العمال في وقت مبكر ، ودون أن تنتشر بينهم الثقافة والمعرفة ، إن خبرتهم وإيمانهم كانا أهدى سبيلاً من المبادئ النظرية التي وضعها بعد ذلك فقهاء الدستور . وهي صفحة جديرة بالمعرفة ويحق لعمال بريطانيا الفخر بها ، كما تقدم مثلاً لبقية الحركات العمالية عن دورها القومي . أما الكتاب الأصلي عن تاريخ الحركة النقابية في بريطانيا فظل مدشوتاً في مسودات غير مرقمة ، ومن ثم فليس من المستبعد أن يكون قد ضاع بعضها ، ويعسر علىَّ الآن مراجعتها ، فليس لدي الوقت أو الصبر ، والمفارقة أن من قد يكون لديه الوقت لا يكون لديه الخبرة بالموضوع ، وهكذا فيغلب أن هذه المسودات لن تظهر إلى الوجود ، شأنها شأن كثير من المسودات التي تركها مشاهير الكتاب ، ولم تظهر حتى الآن . * * * هوت «الأوينيـة» من عليائها ، وانطوت صفحة الاتحاد الأعظـــم في عامه الأول ، بعد أن تعلقت به الآمال الجســام(1) ، وخدع العمـــال في معركة الإصلاح الانتخــابي ، وعادوا منها بصفقة المغبون ، وانطفأت الأنوار ، وسكنت سكون المقــابر التي طالما توهجت فيها الأضــواء ، وتعالت فيها الصجات وأدفأتها الحماسة ، والعقيدة ، والأمل المنشود . ولم يكن من الطبيعي أن يظل المسرح خواءً ، كانت الحركة العمالية المشتتة ، التائهة ، تتلمس الهداية والقيادة والعقيدة التي تملأ فراغ نفوسها ، كانت تنشد العزاء عن فشلها في الأوينية في عقيدة أخرى تثبت إنسانيتها التي جحدها الحكام واصحاب الأعمال ، ولم يكن التنظيم النقابي وقتئذ شعبيًا ، بحيث يطوق تلك الكتل ، ويقدم إليها فكرة مقنعة تملأ نفوسها المتعطشة ، وتمسح جراحها المثخنة ، كما لم تتحسن الأحوال الاقتصادية بحيث تدع للعمال فتاتاً يتبلغون به ، ويتعزون عن الأحلام الوردية للسيطرة على الجهاز الاقتصادي والسياسي ، بل زادت الأحوال سوءًا على سوء ، وجَّـد عامل جديد أعاد ثورة العمال جذعة وألهب الشعور ووجه الكفاح العمالي وجهة جديدة . قانون الفقير حتى 1834م : ذلك العامل الجديد هو تعديل قانون الفقير الذي ما أن تقلدت حكومة الهويج(1) أزمة الحكم في ظل الإصلاح الانتخابي الجديد حتى انكبت على وضعه . وقد كان المجتمع الإنجليزي من أقدم العصور يرى على نفسه التزامًا نحو الفقراء ، وفي القرون الوسطى كانت الطوائف ، وإدارة التفاتيش والدوار Manor ، والكنيسة بمستشفياتها وأديارها هي الهيئات التي تعني بالفقراء وتقدم إليهم المساعدات المختلفة ، ولما وليت اليزابيث الحكم جمعت شتات الأوضاع والقوانين المتعلقة بذلك وأعادت صياغتها في قانونها الشهير عام 1601م الذي ظل لقرابة قرنين ملاذ الفقراء ، وتعود الفقراء أن ينظروا إلى إاعانتهم الأسبوعية كحق مشروع لا كإحسان أو إعانة ، وكان القانون على تعميماته الكثيرة يضع تفرقة قيمية بين القادرين على العمل ولا يجدونه ، والعاجزين عنه للمرض أو الشيخوخة ، فبالنسبة للأول حاول القانون أن يوفر لهم العمل ، وإن لم يكن من السهل دائمًا تحقيق ذلك ، فبدأت صورة أولية لدور العمل وبذلت المحاولات لإلحاقهم بها أو تشغيلهم في بعض الأعمال العمومية ، كما فرض العقاب على الذين يرفضون ذلك ، مع مقدرتهم على العمل ، أما بالنسبة للعاجزين فإنه كفل لهم إعانة مناسبة . ولكن كان هناك عوامل عديدة من شأنها أن تزيد في عدد الفقراء ، مثل تحلل الطوائف والهيئات التي كانت تساعد في إعالة الفقراء ، وانتشار حركة الأسيجة(1) التي بلغت دورتها في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ، وجعلت من الكثيرين من الملاك الريفيين عمالاً زراعيين يطلبون العمل فلا يجدونه(2) ، واصطحبت حركة التحرير وعتق الأقنان ورقيق الأرض ، كما لاحظ الأستاذ تويني ظاهرة عدم استقرار هؤلاء المحررين بعد أن فقدوا إعالة سادتهم لهم ، فكان ذلك نوعًا من الفصل الجماعي اضطر إلى البحث عن العمل ، والاعتماد(3) على أنفسهم ، من أجل هذا تعرض القانون إلى سلسلة من التغييرات البطيئة التي كانت تدور مع دوران الأحوال بحيث تتلاءم معها ، ففي سنة 1662م سن "قانون الإقامة" Act of Settlement الذي أعاد الطبقة إلى مستوى الأقنان نتيجة استقرار كل الفقراء في أبرشياتهم حتى وإن لم يطلبوا الإعانة ، فحال ذلك دون أن يحاول العامل الفقير تحسين حاله بهجرته إلى بلد يتبع أبرشية أخرى . وفي سنة 1691م أخذت إدارة القانون من الأبرشيات ووضعت في أيدي قضاة الصلح ، كما سن في سنة 1722م قانون يسمح للأبراشيات بأن تتجمع في اتحادات لتبني دورًا للعمل تستقبل المعوزين ، وقضت بحرمان كل فقير لا يقبل الاستقرار في هذه الدور من الإعانة وهو ما سموه Workhouse Test "شرط دار العمل" ، وبهذا الشرط أصبحت الإعانة داخلية Indoor . على أن عاملاً جديدًا قلب الأمور ، وغير الأوضاع ، ذلك هو ارتفاع الأسعار ارتفاعًا فاحشًا ، وكان الحل الذي يجب الالتجاء إليه طبقاً للنظام القديم هو أن يأمر القضاة الذين وكل إليهم تحديد الأجور سنة بعد أخرى بما يتناسب مع الأسعار ، بزيادة الأجور بحيث تساير الأسعار ، ولكن هذا النظام كان يهرم ويشيخ بقدر ظهور طلائع الميثاق الجديد حتى «نسى نفسه ونساه المجتمع» ، إلا العمال الذين كانوا ضحية الميثاق الجديد كما رأينا ، وعلت طبقات من الغبار بحيث لم يعد القضاة يجلسون لتحديد الأجور ، وفي سنة 1795م نشر نبأ اجتماع للقضاة في سنة 1725م كإحدى الطرائف التاريخية ! وكانت هناك اجتماعات للقضاة في شروبشير Shropshire سنة 1739م ، ولكننا لا نعلم عنها شيئاً(1) ، وكانت أن تأزمت الحالة وتطلبت حلاً ، وقد تم ذلك بقانون جلبرت سنة 1782م الذي ألغى شرط دار العمل ، وافترض إيجاد العمل للعامل في الأبرشية التي يتبعها ، وأن يكمل أجره من قانون الفقير ، وكانت هذه الفكرة مقدمة لما حدث بعد ذلك بثلاثة عشر عامًا ، فقد اجتمع سنة 1795م بعض قضاة الجلسات السريعة Quarter sessions لبركشير في سبينهاملاند Speenfamland ، وأعلنوا أنه «لما كانت حالة الفقراء تستدعي مزيدًا من المساعدة ، وأن تحديد الأجور أصبح عقيمًا بالنسبة للتقلبات العتيقة للأسعار ، فإنهم يرون تقرير أجور «علاوة» العمل الفقراء وتحدد على أساس ثمن الخبز وحجم العائلة ، وما لبث هذا القرار أن انتشر عبر البلاد حتى استحق اللقب الذي أضفى عليه «القانون البرلماني لسبينهاملاند» . آثار تعديلات جيلبرت وسبينهاملاند : وقد كان يظن أن تعديل جيلبيرت وسبينهاملاند سيرضيان الفقراء ويغضبان الأغنياء ، ولكن الواقع أنهما أغضبا الفقراء والأغنياء ما ، وأجمعت وجهتا نظر الطائفتين على أن أثر التعديلين كان سيئاً ، وهو دليل على أن الإعانة ، في كل صورها ، ليست علاجًا ، وأنه إذا أريد العلاج ، فلابد من دراسة المشكلة الدراسة الدقيقة ومعرفة أصل الداء ، ومعالجته نفسه ، لا تركه ، ومحاولة تلطيف آثاره . أما الأغنياء فقد رأوا أن تعديل جيلبرت الذي قضي باستبعاد شرط دار العمل جعل الإعانة تمنح للعامل والعاطل على حد سواء ، وأصبح العامل يجد غضاضة في أن يكد ويشقى ثم لا يظفر بأكثر مما يظفر به العاطل أو الكسول الذي كان يضمن مهما كان كسله تكملة أجرة ، كما أن تعديل سبينهاملاند بمراعاته عدد أفراد الأسرة محى معنى المسئولية من الزواج والإنجاب ، بل وجعل ذلك مرغوبًا فيه لأنه يزيد العلاوة ، وأوجد مفارقة هي أن الفقراء وحدهم هم الذين يستطيعون الزواج وإنجاب الأطفال دون مشقة أو خوف . وأهم من هذا كله ، من وجهة نظر الأغنياء التي نحن بصددها أنه قد أدى إلى ارتفاع ميزانية القانون ارتفاعًا جنونيًا بلغ 801ر870ر7 سنة 1817م لسكان عددهم 11 مليوناً(1) ، وأصبح عبئاً ثقيلاً على الملاك حتى فكروا في اعتزال الزراعة ، وفي شولسبري Cholesbury من أعمال بكنجهايشر Buckinghashire ارتفع المطلوب للقانون من 11ر10 (عشرة جنيهات وإحدى عشر شلناً) سنة 1801م إلى 367 جنيهًا سنة 1832 ، «وفي هذه المرحلة عرضت الأرض على الفقراء ولكنهم رفضوها مفضلين أن تزرع لحسابهم !!»(1) ، وكانت هذه حالة استثنائية بالطبع ، ولكن الاستمرار في تنفيذ القانون كان كفيلاً بمد هذه الحالة الفريدة إلى بلاد عديدة . وخير ما يمثل رأي الطبقة الحاكمة في قانون الفقير هو ما جاء بتقرير لجنة القوميسيرين الذين أوكل إليهم دراسته ، ونشر سنة 1834م وجاء به إن هذا القانون «عدوان على الصناعة ، مشجع للزواج التعس ، باعث على زيادة السكان ، وعامل يضاد آثار زيادة السكان على الأجور ووسيلة لتثبيط الأمين النشيط وحماية الكسول الشرير ، ومعوق ــ بصفة منهجية ــ لتراكم رؤوس الأموال ، وبعثرة ما تراكم منها بالفعل ، وفضلاً عن هذا يقرر علاوة للأطفال غير الشرعيين»(2) . هذه هي بعض أسباب كره الأغنياء للقانون ، فلننظر الآن إلى أسباب عدم رضا الفقراء أنفسهم ، فقد علمنا أن ارتفاع الأسعار كان أبرز سبب لظهور فكرة استكمال الأجور ، ولكن كان هناك إلى جانب ارتفاع الأسعار كل سوءات الميثاق الجديد التي كانت قد عاثت فسادًا في المدن وبدأت آثارها السيئة تصل إلى الريف ، فتقطعت الوشائج القديمة التي كانت تربط بين الأغنياء والفقراء ، العامل وصاحب العمل ، وبدأ "المزارع Farmer ينظر إلى العامل نظرته إلى حيوان أعجم يأكل كسرته كالكلب ، ويضرب بسوط الخيل ، وتستخدم زوجة المزارع زوجة العامل بالطريقة نفسها التي يستخدم بها الزوج ، ثم بدأت الآلات الزراعية في شكل بدائي في الظهور ، في الوقت الذي كادت منافسة الآلات الصناعية تخفض أجور الصناعات اليدوية التي لاذت بالريف وتمسكت بحريتها مثل النسيج اليدوي والشرابات والدانتيلا إلى ما تحت مسـتوى المجاعة(1) ، وعندما ظهرت بوادر البطالة في القــرى لم تقم فيها ، كما قامت في المدن المصانع لتستوعب ، ولو قدرًا من هؤلاء ، ولم يأبه المزارعون لذلك ، لأنهم يعلمون أنهم إن عملوا أو تبطلوا فإنهم يمكن أن يلوذوا بقانون الفقير وإعانته . وليس من العسير أن ندرك أن المعدلات التي افترض قضاة بركشير في سبينهاملاند أنها ستكون متناسبة مع الأسعار لم تحقق ابدًا هذا الافتراض ، فقد كان ارتفاع الأسعار في بدايته ، وجاءت بعد ذلك الحروب النابلونية التي رفعت الأسعار أكثر .. وأكثر ، وتلى الحرب الكساد والانكماش ، فانحطت الإعانة التي حسد عليها المعوزون إلى أقل من مستوى الكفاف ، فضلاً عن أن الأغنياء أنفسهم طالبوا بتخفيضها فخفضت وعين ملاحظون جعلوا همهم التنغيص عليهم وتعويق وصول الإعانات على ضآلتها ووضعوا في سبيل المنتفعين به كل العقبات والمضابقات التي تلحق عادة بالخدمات المجانية ، فضلاً عن الإعانات الصريحة بحيث لم يعد الفقير يعتمد عليه إلا عند أشد أنواع الاضطرار ، وقد وضح مشاعر حالة الفقراء النائب الراديكالي أ. ج. ويكفيلد E. G. Wakefield التي تحدث سنة 1830م في مجلس العموم فقال «إن عاملاً زراعيًا .. ورجلاً معوزًا هما لفظان لمدلول واحد ، فقد كان أبوه معوزًا ، ولم يجد في ثدي أمه غذاءًا ، ومنذ طفولته لا يجد سوى غذاءً سيئاً وضئيلاً بحيث لا يشبع جوعًا يعذبه طيلة الوقت الذي لا ينام فيه ، وهو نصف عار ، وليس لديه من تدفئة سوى تلك التي يطهي عليها طعامه الردئ ، وهو متزوج ، ولكنه لا يعرف شيئاً عن مسرات الزواج والأبوة وأطفاله وزوجته ، وهم على ما هم عليه من الجوع والعري ضعاف ، أنانيون ، مزعجون ، فهو يكره منظرهم ، ولا يدخل منزله إلا لأن فيه دفئاً أفضل ــ ولو قليلاً ــ من من العراء حيث المطر والريح ، وعليه أن يعيل هذه الأسرة دون أن يعلم كيف يستطيع ذلك ، ومن هنا تأتي الشحاذة والتحايل ، بحيث تنتهي بأن تكون مهنته ، ومع ذلك فليس لديه من الهمة ما يجعل العناصر النشيطة من طبقته لصوصًا ومهربين ، فهو يختلس عندما تحين الفرصة ، ويعلم أطفاله أن يكذبوا ويسرقوا ، وتبرر ضعته ومهانته أمام جيرانه الأغنياء ، إن هؤلاء يعاملونه بخشونه وشك ، ومن هنا فهو يخافهم ويبغضهم ، ولكنه لا يسيئهم بعنف ، فقد حرم شيئاً فشيئاً حتى فقد قوة اليأس ، وأخيرًا ينتهي إلى أحد دور العمل ، حيث يلفظ أنفاسه الأخيرة دون ذكرى واحدة سعيدة ، ويخلي مكاناً لتعس آخر ليعيش ويموت ، كما عاش ومات"(1) . إن هذا الوصف الدقيق الحقيقي لم يخطئ إلا في نقطة واحدة تلك هي أنه صور حالة الأفراد دون الجماعات ، فهيأ الأذهان لكي تعتقد ــ خطأ ــ إن ما ينطبق على الفرد ينطبق على المجموعة بأسرها ، إذ الواقع أن المجموعة تستمد من تجمعها حياة جديدة مختلفة عن انعكاسات الأفراد فقد يستسلم الأفراد ، ولكن الجماعات تنساق إلى صنوف من العمل ، قد تكون حكيمة طويلة راسخة ، كما في «الدعوات» ، وقد تكون سريعة طائشة طارئة ، كما في «القومات» ، كقومة اللوديت(2) وغيرها ، وقد كان تجاوب المجموعة الريفية أمام هذا الوضع المجحف الظالم ، قومة تشبه قومة اللوديت في كثير من ملامحها ، وأستعير لها بطل مجهــول هو الكابتن ســـوينج Captain Swing ، كما أستعير الملك لـــودKing Lode للحركة اللودية ، وعمد الفلاحون في هذه الحركات إلى حرق المحاصيل وتحطيم آلات الحصاد وإرهاب العمال الإيرلنديين الذين حاول المزارعون استقدامهم ، وهاجموا ملاحظي قانون الفقــر المكروهين ، وألقوا بواحد أو اثنين إلى البرك واستطاعوا بإرهاب المزارعين الحصول على أجور أعلى ، ورفضوا دفع «العشور» Title التي كانت تجبيها الكنيسة أو أرغموا المحصلين على الرضا ببعض النسبة فحسب ، وقنعوا بسلب بعض بيوت كبار الملاك . حدث ذلك في غضون المدة من 1830م حتى 1834م ، وقد تسامحت وزارة التوري التي كانت في الحكم حتى نوفمبر من عام 1839 ، ولكن ما أن تولت وزارة الهويج التي توقع الشعب من ورائها خيرًا كثيرًا حتى شمرت عن ساعد الجد ، وأظهرت أنها أسوأ من التوري ولبس لورد ملبورن الخليع العذار جلدة النمر ، وأقدم على ما لم يقدم عليه الدوق الحديدي ولينجتن الذي كان رئيس الوزارة السابقة ، فأرسل المنشورات إلى الحكمدارية والمحافظين وقضاة الصلح بالقبض على الأمور بقبضة من حديد ، فقبض على تسعمائة في شهر ديسمبر ، وانقلب القضاة الذين كانوا قد برأوا ثمانية من العمال من تهمة تحطيم الآلات في أكتوبر ، فقرروا محاكمتهم أمام الجلسات الجنائية ، ولكي يتفادوا الانتظار حتى ميعاد الجلسات مُنحت قوميسيرية خاصة Special Commission سلطات محاكمتهم ، وقبل نهاية ديسمبر بدأت إصدار أحكام الإعدام ــ التي كانت في العادة تخفف ــ وعلى كل فقد أعدم بالفعل ثلاثة(1) ، كان من بينهم هنري كوك من ميشيلديفير Michel Dever ، وهو فتى في التاسعة عشرة من عمره كل تهمته أنه ضرب المالي بنجهام بارنج Bingham Baring بعصا ، وأفسد قبعته . وهكذا كبتت الحكومة آخر «ثورات العمل» ، وأثار هذا القمع الوحشي ثائرة الشعب وسجن الصحفي الراديكالي ريتشارد كارليل وحاولت محاكمة كوبت الذي دافع عن نفسه دفاعًا مجيدًا بحيث اعتبرت محاكمته إدانة للحكومة ، فلما اختلف المحلفون أسرعت الحكومة وأسقطت الدعوى . قانون الفقير الجديد : وفي فبراير سنة 1832م عينت الوزارة قومسيرية ملكية للنظر في «إدارة وتنفيذ قوانين الفقير» ، وضمت اللجنة أساقفة ، وقانونيين ، واقتصاديين ، وسياسيين ، كانت دراسة اللجنة دقيقة وشاملة ، وبعد عامين أصدرت تقريرها ، وأسرعت الحكومة لتنفيذ توصياته ، ففي 17 أبريل أعد لورد الثورب Lord Althorp لائحة اختارت المراحل المختلفة بسرعة ، وفي 13 أغسطس ، قرأت القراءة الثالثة في مجلس اللوردات ، وبذلك لم يتطلب الأمر ــ رغم أزمة وزارية أوقفت المناقشة لأسبوعين ــ سوى أربعة أشهر لإقرار ما اعتبر «أعظم مآثر الهويج منذ توليهم السلطة» ، و «القانون الإصلاحي الحقيقي» ، كما ذكر أحد المعقبين(1) . ولكي نفهم الروح التي أملت هذا التقرير يجب أن نعرف أن الوزارة التي قررته كانت تمثل عودة الهويج إلى الحكم منذ خمسين عامًا وفي خلال هذه الخمسين عامًا تميزت قسمات الحزب وأصبح ممثل الطبقة الوسطى الجديدة ، بدمائها الفائرة ونشاطها العارم وطموحها وتطلعها إلى المستقبل ، فكانت في حقيقتها وزارة طبقية بمعنى الكلمة تستهدف أولاً وآخرًا إفساح المجال للراسمالية الناهضة ، والطبقة الوسطى ، وعندما أرادت الإصلاح البرلماني رسمته بحيث يتيح لهذه الطبقة ، ولهذه الطبقة وحدها ، المشاركة في الحكم ، وكانت ميزته في عيون كثير من الواضعين والمؤيدين له إنه «دعوة للطبقة الوسطى لتأخذ بنصيبها في حراسة الملكية» (1) . وقد رأينا عند إشارتنا إلى آدم سميث ومالتوس كيف استغل أصحاب الأعمال فكرتيهما ، وعندما وضعت اللجنة تقريرها كان مستشارها الاقتصادي هو «ناساو سنيور»(2) ، أحد العلماء المدرسيين للاقتصاد الرأسمالي ، وأحد المبشرين بنظرية «بند الأجور» التي سنشير إليها في حينها والتي تبدأ بخطأ كبير ، هو أن بنـد الأجور يحدد قبل العمل ، وكان مستشارها الاجتماعي هو بنتام الذي مثل تلاميذه أكبر كتلة من بين أعضائها ، وبنتام هو صاحب المدرسة النفعية والشعار المشهور «أكبر نفع لأكبر عدد» ، وهو شعار جميل ، ولكنه خادع ، فهو يبيع بفكرة النفع فكرة المساواة ، ولا يتقبله إلا فرد يطرح أو لا يؤيد من أعماق نفسه فكرة المساوة ؛ لأن أكبر عدد أقل قطعًا من كل «العدد» ، وسيظل في النهاية عدد لا ينالهم من خير النفعيين «الكثير» شيء ، والنفعية بعد ليست إلا المظهر الاجتماعي للرأسمالية الاقتصادية ، وقد كان أبرز شيء فيهم تمسكهم بالحرية التي رأينا بعض الويلات التي أصابت العمـال باسمها ، وفي الوقت الذي كان بتام يصلح القانون الجنائي ، كان يضع تصميمات سجن لا يفلت المسجون فيه من رقابة سجانه . على أن الأثر المباشر على اللجنة كان يعود إلى مالتس ؛ لأنه هو الذي عالج هذه المشكلة الاجتماعية من ناحيتها الاقتصادية بطريقة ظنت وقتئذ أنها علمية ، وكان من رأي مالتس «إن الفاقة هي دواء الطبيعة للفقراء ، وأن كل المساعدات وضروب الإحسان .. الخ ، ليست فحسب لا تفيد ، بل هي ضارة لأنها تفسد عمل الطبيعة ودوائها» ، «وتشجع الفقراء على التكاثر والتواكل» ، وكان أمام اللجنة مثل حي في قانون الفقير القديم ، فالعلاج إذن ، في هذه الحالة الفريدة هو أن لا يقدم علاج ، وأن يترك الفقير يتلقى جزاءه من الطبيعة : من الجوع ، ومن المرض ، ومن العري ، ومن الأمطار المنهمرة ، والرياح العاصفة ، والأجواء القارصة ، فإذا قضت هذه العوامل أولاً بأول على «زيادة العدد» انتهى المشكل ! وعلى هذا تجري الوسائل لإصلاح قانون الفقير ، هي إلغاؤه كلية ! وقد كان هذا رأي ناسا وسنيور وبرديهام وهاريت مارتينو . ولكن اللجنة دعيت لإصلاح القانون لا لإلغائه ، ولم يكن إلغاؤه ممكناً من الناحية السياسية والعملية ، وإذن فلتضع اللجنة أضيق الحدود وأقسى الشروط . وهكذا أوضحت اللجنة للسلطات المحلية أن عليها أن تقلع عن فكرة أجر قياسي ، وأن تعلم أن الإعانة ليست علاجًا للفاقة ، ولكنها تفريج لضيق وقتي ، ورسمت المبادئ الثلاثة التي نهض عليها القانون الجديد ، وهي : أولاً : أن لا تمنح أية إعانة خارجية ، وأن تقتصر الإعانة على الذين يعملون في دور العمل . ثانيًا : يجب أن تكون الحياة في دور العمل أقسى وطأة من ناحية الأكل والعمل والمعاملة من الحياة التي يمكن أن يحياها العامل العادي حتى يعمل العمال على تجنب الإقبال عليها ما أمكنهم ذلك . ثالثاً : يجب الفصل بين الرجال والنساء حتى يحال بينهم وبين التناسل ، إذ ماداموا قد رضوا بدخول دور العمل ، فإنهم أعلنوا عجزهم عن الكسب ، ولا يكون من حقهم أن يوجدوا أفواهًا تطلب الطعام وتكون عبئاً على المجتمع ! أما الأطفال الموجودون فلا يمنحون إعانات ما لم تدخل أمهاتهم دور العمل . ونص القانون الجديد على أن «توكل إدارة إعانة الفقير في كل أنحاء إنجلترا وويلز إلى إدارة ورقابة هيئة من ثلاثة من القوميسيريين ، ومن حقهم أن يصدروا كل القواعد والأوامر بإدارة الفقراء ونظم العمل في دور العمل ، وإدارتها وبنائها وتأجيرها وتغييرها أو توسيعها» ، ولم تعرف سلطة مثل هذه في النظم الإنجليزية حتى لقد اعتبرها كثير من النواب غير دستورية . وإلى جانب وسائل التنفير التي قررتها اللجنة من تشديد في منح الإعانة وتضييق دائرتها وإساءة للمعاملة داخل دور العمل فإنها أخذت تعمل على حركة «تهجير» للفقراء من المناطق المزدحمة إلى المناطق الخاوية ، بل وبدأت ، في صورة ضيقة ، في تنظيم الهجرة إلى المستعمرات . وقسمت البلاد إلى وحدات إدارية أوسع مما كانت تتكون من اتحادات للأبرشيات ، يشرف عليها «مجالس من الأوصياء» ينتخبهم دافعــو الضرائب بنسبة ما يدفعون ، وتخضـع هذه المجالس لإدارة القوميسريين . وعكف القوميسرون على العمل بهمة ونشاط وشدة وحزم ، ونـَحُّوا بلا رحمة ، أية عقبة عملية أو عاطفية ، تقف في طريقهم فكرههم الفقراء أشد الكراهية وسموهم الباشوات الثلاثة لدار سومرست Three Bashes of Somerset House ، كما كرهوا دور العمل كرهًا عميقاً وسموها «الباستيل» ، وقد كانت في الواقع سجوناً يعامل نزلاؤها أصرم معاملة ، ويحال بينهم وبين الخروج حتى يوم الأحد المقدس ! كان يأتي إليهم قس يلقي بموعظته ، وحرم التدخين ، كما فرض زي خاص ، وفصل بين الزوج والزوجة حتى يحال دون تناسلهما ، كما وضع الأطفال في ناحية ثانية ، ولم يسمح لهم باللقاء إلا في فترات معلومة ، كما لم يسمح باستقبال الزوار إلا في فترات معلومة كذلك وتحت رقابة المختصين . أما عن المعاملة فهذه صور خاطفة سريعة منها : · في دار عمل جرينوثس ، عوقب طفل في صيف 1843م يبلغ الخامسة بحبسه في غرفة الموتى حيث كان عليه أن ينام وسط التوابيت . · وطبق في دار عمل هيرن Herne هذا العقاب على فتاة صغيرة لتبولها على ذاتها بالليل . · وفي يوليو سنة 1844م حوكم في ستوكبورت رجل يبلغ الثانية والسبعين من عمره لرفضه تحطيم الأحجار ، ولم يشفع له ضعفه ولا سنه ، فحكم عليه بأسبوعين في الطاحونة Treadmill . · وفي لندن اكتشف أن أحد الشيالين قد اعتدى على أربعة بنات بالزهري ، وأن آخر قد أخفى فتاة صماء بكماء تحت سريره لمدة أربعة أيام كاملة . · وفي سنة 1843م اكتشف أحد المفتشين في دار عمل برمنجهام طرقاً رهيبة لتعذيب الأطفال ووضعهم في زنزانات رطبة مظلمة عدة أسابيع . · وأظهرت ابحاث أخرى أن المرضى الذين كانوا يعملون أو يحاولون القيام من الأسرة كانوا يربطون إليها بالليل حتى لا تتجشم الممرضة عناء القيام بالليل أو حراستهم ، ووجد أحدهم ميتاً بهذه الطريقة . · وجرح أحد الرجال في كتفه في دار عمل كوفنتري فأمر بأن يستمر في العمل باليد الأخرى ، ولما ساءت حالته حاولت زوجته أن تحمل إليه بعض الشراب فحيل بينها وبينه وأكرهتها الحارسة على أن تشرب «البيرة» أمامها ، وأخيرًا سمح بخروجهما ومات الرجل بعد يومين . واختلفت الآراء في تقدير نتيجة هذا القانون فمعظم المؤرخين البورجوازيين يرون أن القانون قد نجح في أداء رسالته ، ويرى توينبي «أن إصلاح قانون الفقير عام 1834 قد يكون أعظم عمل حققه البرلمان منذ الإصلاح البرلماني» ، وهو يستدل بهذا على أن ميزانية القانون التي كانت قد صعدت في إنجلترا ووليز سنة 1818 إلى ثمانية ملايين جنيه انخفضت إلى 4 مليون سنة 1937 ، ولكن الأرقام هنا صماء «عاجزة» عن الإبانة أو الدلالة ، ولو كانت المسألة مسألة توفير لوفر إلغاءه المبلغ كله . ويرى أنجلز إن أثر القانون ينحصر في أنه بينما كان هناك ثلاثة أو أربعة ملايين معوز نصف عوز قبل القانون أصبح مليون من هؤلاء معوزين عوزًا تامًا ، وظل الباقون على حالتهم القديمة تقريبًا ، وقد قال الشعب البريطاني رأيه في القانون إذ أنه نقم عليه نقمة كبرى أخذت مظهرين : المظهر الأول : القومة الجماعية والثورية ، وقد كانت شوكة العمل العمل الزراعيين قد خضدت تمامًا بعد القمع الوحشي لثورتهم الأخيرة ، ومع هذا فإنهم قد ثاروا في كثير من المناطق وأجبروا القوميسريين رغم حزمهم وقسوتهم وإصرارهم على تعديل المعدلات ورفعها . والمظهر الثاني : وهو الأهم أن النقمة الشعبية التي تملكت الجموع دون أن تصل من القوة إلى حد الثورة قد أخذت طريقها سربًا في أعماق الشعب بحيث أوجدت جيش الساخطين ، فلما رفع لهم علم الميثاقية كانوا هم جيشه المتطوع ، وأدخلوا في رسالة الميثاقية إلغاء قانون الفقير ، قدر ما ناصروا بقوة وإيمان النقط الست للميثاق ، وأصبح زعماء الدعاية ضد القانون هم زعماء الدعاية في الحركة الميثاقية ، ومن هنا جاء هذا الحديث الطويل عن قانون الفقير ، ونحن بصدد الحديث عن الميثاقية . المعسكرات تتقطب : كان من أثر الخيبات المتوالية التي لحقت العمال .. خيبة الاتحاد الأعظم .. وخيبــة الإصلاح البرلماني ، وصدمة قانون الفقــير ، أن أخذت فلول العمال تتجمع بعد أن ثابت من دهشة هذه الصدمات لتحاول لم شملها واتصل بها بعض الراديكاليين الذين شــاركوا العمال بدرجات ونسب مختلفــة الآلام والآمال وأخذت هذه التجمعات والاتصالات تتبلور شيئاً فشيئاً وتأخذ شــكلاً محدودًا بحيث انتظمتها ثلاث مجموعات رئيسـية : المجموعة الأولى : في لندن وتمثلها جمعية عمال لندن London Workingman s Assoc(1) التي أسسها وليم لوفتWilliam Lovett صانع الكابينات ، التعاوني الأسبق ، وسكرتير لجنة دورشستر التي كانت تعمل للإفراج عن عمال قرية تولبدل وهمفري هيثرونجتون Hetherington ناشر صحيفة راعي الرجل الفقير Floor man s Gradient ، وجون كليف بائع الكتب وجيمس واطسون العامل الذي اكتسب شهرة لمعاونته خلال الأعوام الخمسة أو الستة الماضية الراديكالية في معركة إلغاء التمغة على المطبوعات(1) ، وهنري فنسنت صفاف الحروف وجون جاست الزعيم النقابي القديم . وكانت اللائحة الأساسية لجمعية عمال لندن تعود إلى 16 يونيه سنة 1836م توضح هدفاً مبهمًا وعائمًا عن عمد هو أن الجمعية تستهدف «بكل الطرق المشروعة أن تجعل الشعب يتملك حقوقه السياسية والاجتماعية المتساوية» . أما نزعتها العامة فقد كانت مزيجًا من الأوينية والراديكالية ، وقد كان أوين عضوًا شرفيًا فيها ، كما كان بليس بطل معركة إلغاء قانون التكتلات(1) وأحد البارزين من الراديكاليين وهو الآن صديقاً ومشيرًا Monitor ، وانحصر نشاطها الأول في المطالعة والمناقشة ونشر الوعي الثقافي . وفي 15 فبراير سنة 1837م تلاقى لوفت وأصدقاءه بالراديكاليين وأنصارهم في حفل أقامه الناخبون الراديكاليون احتفالاً بمرشحهم وايكلي Waikly في دائرة فنسبري Finsbury ، فاقترع هيوم ودانيل هويتل هارفي Daniel Whittle Harvey ، ضم الجهود الموزعة في لائحة كوحدة تشمل كل الاقتراحات الخاصة بالإصلاح البرلماني التي ظهرت منذ فجيعة العمال في إصلاح 32 من توسيع حق الانتخاب ، وإجرائه بالاقتراع السري ، وتقصير أمد البرلمان ، ومنح النواب مهايا ووافق لوفت وأصحابه بعد أن حولوا من توسيع حق الانتخاب إلى تعميم حق الانتخاب ، كما وافق روبيك وأوكونيل اللذان كانا حاضرين بعد تردد قصير على أن يجلسا في مجلس مشترك من أعضاء جمعية عمال لندن ، ونواب البرلمان بوضع لائحة في هذه الحدود ، أما روبيك وهو أحد الراديكاليين ومن تلامذة بنتام فقد كان يطمح إلى تكوين حزب راديكالي مستقل من الجناح اليساري للهويج ، وأما أوكونل ، زعيم النواب الأيرلنديين الذي كان وقتئذ على وفاق من الحكومة ، فقد استهدف تحويل الدعاية الثورية ضد قانون الفقير إلى مسالك أشد أمناً ، ألا وهي المطالبة بالإصلاح البرلماني(2) . ونشطت جمعية عمال لندن للعمل في هدوء وسكون وأوفدت البعثات لتؤسس في البلاد فروعًا لها ، واسس مائة فرع قبل نهاية العام ، وفي سنة 1838م أسس مائة وخمسون ، وأهم من هذا ملاقاتها للمجموعة الثانية والاتفاق على خطة العمل معها . المجموعة الثانية : وكانت تلك المجموعة في برمنجهام التي كان فيها اتحاد سياسي منذ سنة 1832م ، ولكن لم تقم بنشاط منذ معركة الإصلاح البرلماني الأولى ، وكان الشخص البارز فيه هو توماس أتوود وهو مصرفي وعضو برلماني راديكالي وصاحب فكرة إصدار عملة ورقية تتجاوب مع الإنتاج ، وكان أتوود محبوبًا وعمل مع كوبت في البرلمان ، وفي هذه المجموعة كان القسم العمالي بقيادة جون كولنز . أما المجموعة الثالثة : فقد كانت تشمل مناطق الشمال والوسط التي كان القلق والسخط فيها مركزًا على قانون الفقير ، وإن كان السبب الأساسي هو البطالة وكان زعيمًا هذه الاستثارة هما جوزيف رينر سيفنسن وهو أحد القسس من ذوي النزعات الحرة وريتشارد أوستلر ، وكيل الأراضي وكان معًا ينتميان إلى «التوري» ، وكل منهما خطيب شعبي مفوه . وحدث في يونيه من عام 1838م أن قام إضراب بين عمال مصانع القطن في جلاسجو ، واتهم العمال بقتل رجل يدعى «جون سميث» ، فقبض على ثمانية عشر عاملاً واتهموا بالتخريب والقتل ، ولكن التهمة ما لبثت أن عدلت إلى التآمر لتخويف زملائهم للاتحاد معهم لرفع الأجور ، وأدانهم المحلفون فحكم عليهم بالرحيل لمدة سبع سنوات ، وقامت قيامة النقابات وأرسلت عريضة تحمل عشرين ألف توقيعًا إلى البرلمان ، وأعيدت مرة أخرى الاستثارة التي أعقبت محاكمة عمال دورشتسر . وفي هذا الوقت كان الزعيم الإيرلندي أوكونيل يعارض سياسة النقابات ، لأن النقابات في أيرلندا اتخذت خطة حرب الطبقات بدلاً من خطة التحرير القومي ، كما كان له أنصار كثيرون من اصحاب الأعمال فحمل بشدة على جرائم النقابات وشكا من أن الفوضوية التي تبثها في أيرلندا كادت أن تجعل من المستحيل إدانة الجناة والقصاص منهم . ووجدت جمعية عمال لندن نفسها في مأزق حرج ، فهي تريد مناصرة النقابات والعمال في محنتها ، ولكنها لا تستطيع ذلك إلا إذا قبلت خسارة أعظم أنصارها في البرلمان فارتأت لكي تتفادى الحرج أن تطلب من البرلمان أن لا يسامح المخربين ، ولكن أن يجري تحقيقاً دقيقاً في تصرفات النقابات والعمل بما تظهره نتيجة التحقيق ، ولكن الأقلية اليسارية في الجمعية ، عارضت الاقتراح ، ورفضت مقدمًا نتيجة يمليها تحقيق يقوم به برلمان الأغنياء ، وهاجم أحد الأعضاء البارزين ويدعي «هارفي» تصرفات أوكونيل ، فاتهم لوفت وأصدقاءه هارفي بمخالفته للنظام واللياقة في مهاجمته لرجل يعمل لمناصرتهم في قضية الانتخاب العام ، وبعد جلسة عاصفة انسحب هارفي وأسس جمعية منافسة باسم «الجمعية الديمقراطية» واكتسب تأييد زعيم ديماجوجي اقوى منه هو فيراجوس أوكونور ، النائب الأيرلندي الذي كان من حزب أوكونيل وانشق عنه ، وقد اتخذ مراكز دعايته في مناطق الشمال حيث أسس المجلة الأسبوعية «النجم الشمالي» التي لم تلبث أن أصبحت أقوى الصحف التي تتحدث باسم الحركة ، وكانت توزع نيفاً وثلاثين ألف كل أسبوع يشتري معظمها المحلات العامة لعرضها لكي بقرأ أكبر عدد ممكن ، وأخذ يشن معركة في سبيل الانتخاب العام . وكان أوكونور قد اتصل بجمعية عمال لندن من قبل ، ومنحته هذه العضوية الشرفية(1) ، ولكن لوفت لم يكن يثق فيه ، ولم تكن طرائقه وأساليبه بالتي تتسق مع مسلك الجمعية ، فلم يكن فحسب ديماجوجيًا ، ولكنه كان ينتمي إلى الشطر الزراعي الذي كان يتقلص بسرعة بقدر ازدياد الشطر الصناعي ، وكانت أهداف الشطرين تختلف ، كان كوبت وأوكونور وسيتفنس وأوستلر يحنون جميعًَا إلى العهد الزراعي القديم ، وإلى إنجلترا السعيدة الراضية التي تكفي نفسها بنفسها وتربط طبقات الشعب وشائج من العادات والتقاليد والآداب المتبادلة ، بينما كان أوين والنقابات وجمعيات الإصلاح السياسي والعمال يرون أن الصناعة قد اصبحت ضرب لازب ، وأن من الممكن بالإصلاح تحويل سيئاتها إلى حسنات ، وأن العودة إلى العهد القديم مسألة لا يمكن تحقيقها . وكان أوكونور والراديكاليون ــ كما رأينا ــ يناصرون جمعية عمال لنــدن على تحويــل هذه الاستثارة الشــعبية من الثــورة ضد قانـون الفقيــر الذي وضعه للحكومة الراديكاليون إلى المســلك الآمن : المطالبة بالإصلاح البرلماني ، وكان هذا نفسـه هو ما يعارض فيه بشــدة أوكونور الذي لم يقبــل قط التضحية بالثـورة على قانون الفقيــر في سبيل الإصلاح الانتخابي وعندما أعلن ســير وليم مولس Sir William Moles Worth تأييده للانتخاب العام ولقانون الفقير هاجمته جريدة النجم الشمالي بقسوة بينما افتتحت اكتتابًا لمساعدة أوستلر خصم قانون الفقير اللدود ، مع أنه كان قد أعلن أنه يعارض الانتخاب العام ، بينما أخذ زميله في معارضة قانون الفقير ستيفنز في حضور الاجتماعات الميثاقية والخطابة فيها دون أن يعلن صراحة قبوله للنقط الست(1) . وأسوأ من هذا كله أن الطابع الديماجوجي الذي يصبح دائمًا سيدًا لمن يصطنعه ، وليس عبدًا له ، لم يلبث أن أوصل أوكونور إلى النهاية المنتظرة «التهور» والدعوة الصريحة السافرة إلى تقلد السلاح والثورة ، وبذلك أوجد الانقسام في تكتيك الجماعة كما في أهدافها ، وأدخل تلك الوسيلة التي حملت اسم القوة العضلية Physical Force . وكأنما لم يكف هذا ، إذ ما لبثت دعوة جديدة أن ظهرت في الميدان هي الدعوة إلى إلغاء قوانين الغلال . وكان لدي الطبقة الوسطى من رأسماليين ومصنعين ومفكرين وراديكاليين أسباب عديدة تجعلها تشن معركة حرية التجارة ، ذلك لأن حرية التجارة كانت ستفيد إنجلترا سيدة العالم الصناعي وقتئذ في الاستيراد والتصدير ، فإذا رفعت الحواجز الجمركية وأبيح للتجارة أن تمر دخولاً وخروجًا عبر الحدود ، فإن إنجلترا ستتمكن من شراء المواد الخام ، كالقطن الذي كان يمثل نصف صادراتها ، بأثمان منخفضة معفاة من الضرائب ، كما ستتمكن من أن تصدر صادرات تحتكر هي وحدها سر صناعتها ، ويمكنها بالتالي أن تحدد السعر الذي يروق لها دون أن تخشى منافسة ، وبذلك نكسب من حرية التجارة في الاستيراد ، ولا تضار في التصدير ، أما المفكرون والراديكاليون والبنتاميون فإنهم نظرًا وفكريًا يؤمنون بالحرية كقاعدة عامة ويفضلونها دائمًا ، وما من شك أن حرية التجارة جزء من الحرية العامة وما أجمل أن تتفق المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة ، النظرية والتطبيق . وأخذت حرية التجارة من إلغاء قوانين الغلال شعارًا لها ، دون أن يعني هذا الكثير في الحقيقة للذين قاموا بالدعوة وكانوا من أصحاب الأعمال ، وقد زعم هؤلاء أن ارتفاع سعر الغلال في إنجلترا ، الذي يعود إلى الضرائب الجمركية التي تحول دون استيراد الغلال وتجعل كبار الملاك والإقطاعيين من التوري يملون إرادتهم على سعر القمح ، هذا العامل له أثره في ارتفاع أثمان المنتجات الصناعية البريطانية باعتباره أحد تكاليف الإنتاج ؛ لأنه يمثل البند الرئيسي في الأجور ، فإذا ارتفع ثمنه ارتفعت الأجور ، وبالتالي زادت تكاليف الإنتاج وزاد ثمن السلعة . وما من شك في أن هذا التصوير لا يمثل إلا جزءًا ضئيلاً جدًا من الحقيقة ؛ لأن أصحاب الأعمال لم يلقوا بالاً قط إلى العمال ولم يحاولوا زيادة الأجور أو تقدير ارتفاع أثمان القمح ، ولأنهم كانوا يؤمنون بأمشاج من الفلسفات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الدينية تجمع على أن الفقر ضربة لازب ، وتخضع الأجور لعوامل المنافسة التي ننزل بها إلى مستوى الكفاف ، فإذا انخفضت أثمان القمح فستنخفض الأجور أيضًا تبعًا لهذا القانون ولقانون الأجور الحديدي ، وبعد كل هذا فإن استغلال الأطفال والنساء والآلات جعل الأجور بأسرها بندًا صغيرًا في تكاليف الإنتاج . أما الحقيقة فهي أن الطبقة الوسطى كانت تعلم حق العلم أن العالم لا يستطيع أن يشتري السلع الإنجليزية ما لم تشتري منه إنجلترا أي شيء ليعوض مدفوعاته ، كما كانت تعلم أن دول العالم تتململ من مسلك إنجلترا الأناني التي حرمها من الأسواق الإنجليزية في حين تفتح هي أسواقها للسلع الإنجليزية وأخذت تفكر في المقابلة للمثل ، وكان الحل الوحيد لإرضائها ولجعلها تقلع عن هذه السياسة الخطرة هو السماح لها بتصدير منتاجاتها دون ضرائب ، ولما كانت إنجلترا تستورد بالفعل القطن والمواد الأولية فلم يكن هناك سوى القمح ، وأصبح على الإقطاعيين أن يقدموا أنفسهم على مذبح الفداء لكي ينقذوا الصناعة البريطانية ، ولما كانت وطنيتهم محل شك (على الأقل من وجهة نظر الرأسماليين) فقد تعين كسب تأييد الشعب ، وكان لابد لهذا من طرح كلمة حرية التجارة التي تصطحب في أذهان العمل بأسوأ الذكريات واصطناع «الرغيف الرخيص» ، الذي كان دائمًا أحد مطلب العمال بالنسب لتأرجح أسعار القمح ولارتفاعها في كثير من الأحيان ارتفاعًا جنونيًا ، ومن قبل حمل ثوار براندون Brandon Rioters علمًا نقش عليه : الخبز أو الدم Bread or Blood . ووجدت الدعوة في كونبرن زعيمًا قديرًا ، وفي برايت نصيرًا قويًا في مجلس العموم ولم تلبث أن تأسست سنة 1838م فروع عدة ، وإن لم تتكون الهيئة المركزية لها في مانشستر إلا في السنة الثالثة ، وأوفدت الدعاة في كل ناحية ، حتى في النواحي الزراعية ليحملوا دعوتها التي آمن بها الكثير من ثقة وإخلاص لا عن نفع أو كسب ؛ لأن المستفيدين الوحيدين كانوا هم كبار الملاك وأصحاب الأراضي . وهكذا قامت في عام 1838م هذه الدعوات كلها ، وبدأت كل واحدة تعمل لتحقيق هدفها . قصة الميثاق : والآن وقد صورنا المسرح السياسي والاجتماعي وبعض أبطاله فلنعد إلى سياقنا الأساسي الخاص بالميثاق ، فقد كانت الخطوات الأساسية التي اتخذت هي اتفاق جمعية عمال لندن مع الراديكاليين وعلى رأسهم روبيك ، ومع اتحاد برمنجهام وعلى رئاسة أتوود ، ولم يلبث هذا الاتفاق أن أسفر عن إصدار «الميثاق» أو ميثاق الشعب . وقد وضع صيغته الأولى لوفت وراجعه بليس وروبيك وأجازته لجنة مشتركة من جمعية عمال لندن والنواب الراديكاليين ونشر في مايو سنة 1838م وتلقته النجم الشمالي كما لو كان بلورة لبرنامجها السياسي وكان ذلك خطوة في سبيل نوع من التقارب بين أوكوتور وأتباعه وبين فريقي لندن وبرمنجهام واتفق فيه على إقامة مؤتمر Convention وصدرت التسمية بالفرنسية لأنها توحي لا بمجرد مؤتمر ، ولكن جمعية لها حق التشريع الشعبي ، فكأنها برلمان آخر أكثر شعبية من ذلك الذي يقوم في وستمنسر ، في فبراير موعد انعقاد البرلمان للنظر في عريضة إلى البرلمان تؤيد النقط الست . وشمل الميثاق المطالبة بنقط ست هي : أولاً : منح حق الانتخاب لكل رجل بالغ رشيد غير محكوم عليه في جناية . ثانيًـــا : جعل الانتخاب بالاقتراع السري لمنع الرشوة والترهيب والترغيب ثالثـًـــا : برلمان سنوي ينتخب أعضاؤه عامًا بعام(1) . رابعًــا : إلغاء اشتراط الملكية في المرشحين . خامسًا : منح مهايا لأعضاء البرلمان حتى يمكن للفقراء ترشيح أنفسهم(2) سادسًا : جعل الدوائر متساوية وتعديلها بعد كل إحصاء . ونوقشت فكرة السماح للمرأة بحق الانتخاب ، وكان الاقتراع محل الموافقة من حيث المبدأ ، ولكن ارتؤي استبعاده حتى لا يكون مغمزًا في الميثاق أو وسيلة للتنديد به والسخرية منه . وبدأت دور الدعاية وانتخاب المندوبين ، وقام مندوبو برمنجهام وعلى رأسهم أتوود نفسه ، وقد كان أقل الراديكاليين بورجوازية بتنظيمات اجتماعات شعبية صاخبة كان يحضرها 000ر100 أو 000ر200 عقدت أولاها في جلاسجو ثم توالت في مختلف المدن الإسكتلندية ، كما عقدت في نيوكاسل ومدن يوركشاير وثورثامبتون ، وقام أوكونور بزيارة المناطق الصناعية وألقى القس ستيفنز خطاباته الملتهبة التي أدت إلى محاكمته والحكم عليه بالحبس مدة وجيزة . وكان الغرض من هذه الاجتماعات التي كانت تعقد ليلاً ، في العراء ، أو الحدائق العمومية أو الميادين وتضاء بأنوار المشاعل التي يختلط نارها بنورها وتصل فيها الحماسة بالمجتمعين والخطباء إلى غايتها ، وهو التوقيع على عريضة تأييد للميثاق واختيار المندوبين اختيارًا شعبيًا(1) . وفي هذا الوقت أيضًا كانت عصبة مقاومة الغلال تعقد اجتماعاتها لتقديم عريضة إلى البرلمان تتضمن إلغاء قوانين الغلال ، وكان من المألوف أن يحدث تعارض أو تقارب أو تنافس ، وكثيرًا ما اقتحم دعاة الميثاق اجتماعات عصبة الغلال طالبين تأييد الميثاق بجانب المطالبة بإلغاء الغلال أو فصل دعاة عصبة الغلال ذلك في اجتماعات الميثاقيين . وفي 4 فبراير اجتمع المؤتمر الميثاقي الذي كان يتكون من ثلاث وخمسين مندوبًا أغلبيتهم من الطبقة العاملة(2) ، كما ضموا ثلاثة من القضاة وستة من الصحفيين واثنان من رجال الدين وعدد من التجار ، ولوحظ إن لم يكن هناك من يمثل العمال الزراعيين رغم أن جورج بليس وهو أحد رجال دورشستر انتخب عن دوست Dosset لأنه لم يشــغل مقعـده ، وانتخب لوفت سـكرتيرًا عامًا ، ولم يلبث أن أصبح المندوبون العمال يمثلون الجناح اليساري والمندوبون "البورجوازيون" يمثلون الجناح اليميني ، ووجد لوفت عناءًا كبيرًا في السيطرة على المؤتمر ، على أن مندوبي لنـــدن كانوا يمثلون الاتزان والتوسط ، وكانوا مع الجناح اليميني يستطيعون ــ إلى حد ما ــ غلبة التيارات اليسارية . ومع ذلك فلم تكن مهمة هؤلاء المندوبين الذين جاءوا من بلادهم القصية واضحة ، فهل كانوا مجرد "حملة" للعريضة ، عليهم أن يسلموها للمجلس ويعودوا من حيث أتوا ؟ كانت تلك هي وجهة نظر حيمس كويت ابن الزعيم كوبت وأحد مندوبين اثنين يمثلان مانشستر ، ولكن هذه الفكرة نبذت ، وحتى لو قبلت فقد كان على المؤتمر أن ينتظر حتى يقرر البرلمان ، في الوقت الذي يروق له ، مناقشة العريضة ، فضلاً عن أنه اكتشف أن التوقيعات التي انتظر أن تصل إلى مليون ومائتي ألف لم تصل إلا إلى ستمائة ألف ، فتقرر إرسال بعثات أخرى ، وأن يظل المؤتمر منعقدًا إلى مايو . في خلال هذه الفترة كان المؤتمر يخضع شيئاً فشيئاً للجناح اليساري الذي رأى أعضاؤه أنهم ، وقد انتخبوا انتخابًا حرًا من عدد من الشعب يفوق العدد الذي انتخب نواب وستمنسر ، فليس لهم والحالة هذه أن يكونوا تحت رحمتهم فإذا قرر البرلمان رفض الميثاق فإن عليهم أن يقفوا موقفاً إيجابيًا ، ومع أنهم لم يمثلوا الأغلبية من أعضاء المؤتمر ، إلا أن فكرة كون الأعضاء هم النواب الشعبيون الحقيقيون لمست بعض الأوتار الحساسة في معظم الأعضاء وداعبت زهوهم ، رغم أن تقبلها يعني تورطهم في القيام بواجبات واتخاذ مواقف لم يكن لديهم أي استعداد لاتخاذها ، وكان الوقت يمر طويلاً دون عمل ، فانفسح المجال أمام الآراء المتعارضة والمناقشات وانطبق على المؤتمر المثل التالي الذي يجعل من "الفاضي .. قاضي" ، كما أخذ النجاح اليساري يعقد اجتماعات مستقلة لينظم بها خططه . أمام هذا التحول البطئ الثابت استقال بعض الأعضاء الذين لم يوافقوا على هذه السياسة فاشتد أزر الغلاة وزادت نسبتهم العددية ، وعاد كثير من المندوبين بأخبار مثيرة ، ففي نورويش وزعت الأسلحة ، وفي مانشستر كان القس الثائر ستيفنس يخطب في جماهير العمال قائلاً "ليس لكم أن تخافوا من الحكومة ، والبنادق ، والمدافع التي في يد الطغاة ، إن في أيديكم سلاحًا تقف أمامه البنادق والمدافع عاجزة ، ويمكن لطفل في العاشرة من عمره استخدامه ، وليس عليكم إلا أن تأخذوا بضعة أعواد من الكبريت وكومة من القش ، وسوف ترون ماذا تستطيع الحكومة ، ومئات الألوف من جنودها تفعل أمام هذا السلاح الوحيد إذا استخدم بجرأة(1) ، وفي ميلتون كانت الطلقات النارية تدوي كل ليلة في المظاهرات ، وفي روشرين قررت الجمعية الراديكالية أن تزود أعضائها بالأسلحة النارية والذخيرة ، وقيل أن هناك أربعة آلاف رجل مسلح في روشديل وستة آلاف في أولدهام وثلاثين ألفاً في هيد Hyde وآشنون ونيوتن مور Newton Moore و Stalylridepe ، وكان هنري فنسنت يطوف في الأقاليم الغربية الجنوبية في ويلز أثارت زيارته الشغب ، وفي 3 مايو وصلت بعض الأنباء إلى لندن تفيد أن مدينة لانيدولز Landless قد وقعت في أيدي بعض الثوريين المسلحين(2) ، وبالجملة فقد حدث هنا ما يحدث في مثل هذه الأحوال عادة أن تتوارى الحقيقة المتواضعة خجلاً أمام الإشاعات التي كانت تتضخم بقدر تناقل الأفواه والألسنة لها ، وبقدر قربها من القلوب والأفئدة ، وبعد أن كان المؤتمر قد عارض في 7 مارس هارفي "وكل المحاولات التي تبذل للسير على غرار اليعقوبية الفرنسية" ، إلا إنه بعد شهر ، أي في 9 أبريل أعلن حق كل مواطن في حمل السلاح . ماذا كان موقف الحكومة إزاء كل ذلك ؟ الحقيقة أن الحكومة كانت في أزمات داخلية متصلة ، وكان الجناح الراديكالي للهويج نفسه يناصر بعض مطالب الميثاقيين ، ولكن لورد ملبورن ــ الخليع العذار ــ كان يلعب دوره كرئيس وزارة كمقامر بارع ، على قدر كبير من الدهاء والذكاء ، والبرود والهدوء ، ولم تكن مثل هذه المواقف جديدة عليه ، فأخذ في تحقيق عدة خطوات خفيت دلالتها وقتئذ ، ولكنها جردت الميثاقية من القوة وجعلته سيد الموقف ، فعندما حصلت قلاقل عمال الغزل في جلاسجو ، وسطر ناساو سنيور تقريرًا رهيبًا ، لم يأخذ ملبورن به ، حتى لا يثير سخط النقابات ويقرب بينهم وبين الميثاقيين ، وأسقط الصفة العامة للموضوع ، واكتفى بمحاكمة من ثبتت إدانتهم سنة 1837م ، وحتى هؤلاء ، لم يتموا مدة عقوبتهم ، وبهذه السياسة استطاع أن يفرق ما بين الميثاقية وما بين النقابات التي لزمت الحذر ، وصدت عن كل إجراء ثوري ، وأعارت الميثاقيين إذناً صماء . وعمد ملبورن إلى راديكالية حزبه ، فألان معارضتهم ، وكانت مطالب هؤلاء الراديكاليين كما أعلنتها المورننج كرونيكل(1) ، الاقتراع السري ، الانتخاب لكل شاغلي البيوت ، وجعل مدة البرلمان ثلاث سنوات ، فوافق ملبورن على أن يكون موضوع الاقتراع السري "موضوعًا مفتوحًا" An open question ، أي أن يكون لكل عضو في الوزارة الحرية في تقرير الرأي الذي يراه بصدده . وفي موضوع قانون الفقير أيضًا ، الذي كان جزء كبير من شغب الميثاقية وثورتها يعود إلى قسوته وتضحيته بمصلحة الفقراء على مذبح المبادئ المالتوسية والاعتبارات المالية ، سنحت للوزارة فرصة إصلاح الوضع ، إذ كانت الفترة الأولى لتطبيقه ولسلطة القوميسيرية الغشيمة ينتهي سنة 1838م ، ولكن الوزارة بموافقة دوق ولنجتون وبيل "رفضت فكرة التخلص من القانون البغيض ، أو تعديله ، ورأت في الوقت نفسه أن لا تجدد سلطة القوميسريين إلا لسنة واحدة ، وليس لثلاثة كما كان يقضي المشروع الأصلي ، ومع أن سلطتهم لم تنقص إلا أن تطبيقه قد تراخى بعض الشيء في المناطق الثائرة ولا سيما لانكشر ووست ريدنج ويوركشير ، وتريثت هنيهة قبل تطبيق "دور العمل" التي تبلور حولها سخط الجماهير ، فأصبح على مجالس الأوصياء أن تعود إلى نظام الإعانة الخارجية Outdoor ، وأن أصروا هنا على نوع من التشغيل في الطرق أو المنافع العامة . بهذه الطرق وأمثالها كان لورد مليورن يجرد الميثاقية من حلفائها ويخسرها أوراقاً رابحة ، ويدعم مركزه ، في الوقت الذي كانت التفرقة والمغالاة تمزق الميثاقية من الداخل ، وتحجب الآمال المسرفة والتوقعات العاطفية ، الحقيقة والوقائع عن عيون معسكر الغلاة الذي أصبح يهيمن على المؤتمر . ولما اطمئن إلى موقعه عمد إلى الطرق التي مارسها عندما كان وزيرًا للداخلية في وزارة الإصلاح الأولى ، وقمع بها آخر ثورات الفلاحين ، ففي أبريل أعطى قيادة المناطق الشمالية إلى سير شارل نابير وهو أحد القواد المشهورين بالشجاعة والنجدة ، ووضع تحت قيادته ستة آلاف جندي ، وأصدر بياناً يحرم فيه كل أنواع التدريب على حمل الأسلحة واستخدامها ، وأرسل تعليماته إلى القضاة لكي يأخذوا بالشدة هذه الاجتماعات غير القانونية ، وأمر في 3 مايو بتكوين قوات مدنية لحماية الأنفس والملاك ، وتكفل تقديم السلاح للذين يقبلون التطوع لذلك بشروط خاصة ، واعتبر ذلك تحديًا للميثاقية ، وكان هنري فنسنت قد قبض عليه في العاشر من مارس لدعاياته التورية ، فحوكم ، ورأى المحلفون أن المؤتمر يعد هيئة غير قانونية . في هذه الملابسات استكملت العريضة الإمضاءات ، وسار المندوبون في موكب إلى مقر توماس أتوود حيث سلموه اسطوانة ضخمة هي العريضة الأهلية التي وقع عليها 000ر200ر1 مواطن ، وكان أتوود قد فزع بتطور الأحوال ، فرفض أن يعد بتقديم لائحة قانونية ودعى المندوبين لإصدار بيان يستنكرون فيه استخدام القوة البدنية . تلت ذلك أزمة وزارية استقال فيها ملبورن ، وعرضت الوزارة على بيل ، وأزعج ذلك الميثاقيين ، واهُتبل أوكونور الفرصة فقدم في 13 مايو اقتراحًا كان قد اقترحه من 13 أبريل بنقل مقر المؤتمر إلى برمنجهام وهي أقوى مراكز الميثاقية وقتئذ ، وقبل الاقتراح هذه المرة ، أما الجناح المعتدل فقد قبله لأنهم رأوا أنهم إذا ظلوا في لندن فسيقبض عليهم جميعًا ، ولاسيما إذا ولي التوري الحكم ، وأما الغلاة وأنصار العنف فقد أملوا التخلص من نفوذ الجناح المعتدل الذي كان يتركز في لندن ويتزعمه لوفت . وقد تم ذلك وفي 13 مايو أصدر المؤتمر ، وقد تقمصته الروح الجديد مانيفستوه . وفي الوقت نفسه بدأت اجتماعات الجلسات التي تقرر فيها عرض الإجراءات المضادة في حالة رفض البرلمان العريضة ، وصدفت الجماهير الواعية عن أولى صور المطالبة بالمشاركة العملية ، فأخذت تنفض فلم يعد الأمر كلامًا ، ولكنه أصبح عملاً وعملاً ثوريًا ، وأخذت النقابات التي كانت قد وافقت على أن يكون العمل السياسي من منهجها تهجر معسكرات الميثاقية وأبطلت مواكبها التي أظهرت فيها تأييدها الميثاقية واتضح لكثير من المنظمين تلك الحقيقة الأولية من صفات السيكولوجية الجماعية ، وهي إنه بقدر ما يكون الاستماع للخطابات الثورية ممتعًا ، ولذيذًا ، وبقدر ما يوجد تجاوبًا عاطفاً ، فإن من الصعب دائمًا المطالبة بالتضحيات ، أو تنفيذ أمور تتطلب برود الأعصاب وضبط النفس ، وتقدير الحقائق والوقائع تقديرًا سليمًا ، على أن زعماء آخرين وجدوا في ازدياد عدد المنظمين من بؤساء الطبقة العامة ما يعوض انتقاص "أرستقراطيتها" وتنظيماتها الرسمية ، وقد وجدت الحركة في عمال الصوف الجياع ، والنسيج اليدوي وعمال الحرير المنبوذين من العالم الصناعي الجديد جيشاً متحمسًا لأي شيء ، أفضل من الموت جوعًا ، ولم تكن الميثاقية بالنسبة إليهم عقيدة ، ولكنها رمز .. رمز للثورة والخلاص . ومع هذا فقد اتضحت الطبيعة السلمية لهذه الثورة من أيامها الأولى فعندما حرمت الاجتماعات التي تضاء بالمشاعل ، أصبح الميثاقيون يجتمعون في ظلام ، وعندما حرمت هذه أيضًا زحفوا على الكنائس يوم الأحد ، وقنعوا بأن يعرضوا مظاهر بؤسهم وفاقتهم على الجمهور المكتسي في ثياب يوم الأحد ، والذي جاء ليحمد الله ويسأله الزيادة من فضله ! ولما كان البرلمان قد قرر مناقشة العريضة في 12 يولية فقد اجتمع المؤتمر في اليوم الأول من الشهر لتتبع الحالة ، وكان القرار الذي تمخضت عنه الاجتماعات الشعبية تفضيل فكرة الشهر المقدس ، على أنهم أرجأوا إعلان ذلك حتى إتمام المناقشة التي تمت في ميعادها (12 يوليه) وألقى أتوود خطابًا متحفظاً في تأييدها ، كما أيدها بالطبع فيلدن ، وعارضتها الأغلبية الساحقة في شيء من الاستنكار والسخرية ، وقال جون راسل إن الميثاق يعني مصادرة كل الملكية ، واشترك دزرائيلي في معارضتها ، واتضح أخيرًا أن 237 يعارضونها في مواجهة 48 يؤيدونها ، وجوبه المؤتمر الذي كان ينعقد في جو صاخب ، بالحقيقة ، واصبح عليه أن يتحرك بعد طول انتظار وبعد مناقشة يومية تقرر أن يدعو إلى إجازة قومية تستمر لمدة شهر مقدس ، وذلك ابتداء من 12 أغسطس . لم تكن الأغلبية التي قررت ذلك ساحقة ، ولم يكن مفهومًا هل المقصود بالإجازة إجبار البرلمان على الموافقة على الميثاق فحسب ، أو أنها إشارة لقومة عامة ؟ علمًا بأن المؤتمر لم يكن قد استعد بمال أو تنظيم لإضراب عادي فضلاً عن إضراب قومي ، كما لم يكن لدي النقابات استعداد للمشاركة فيه . ورأت الحكومة من ناحيتها أن البرلمان ، وقد أصدر حكمه على العريضة ، فليس هناك معنى لبقاء هذه التنظيمات ، وكانت الاضطرابات والقلاقل ونهب المحلات قد بدأ في برمنجهام فبدأت حركة الاعتقالات فحشدت قوات كبيرة من الجيش في المناطق الصناعية ، ووضعت على رأسها قائدًا قديرًا هو شارل نابير الذي كان يعطف على الميثاقيين ، واستطاع أن يوضح لبعضهم بصراحة مدى القوة التي تحت يده ، وأنه سيضطر لاستخدامها ، فمن الخير أن يقلعوا عن تحرشاتهم ، وفي الوقت نفسه يماطل رؤساءه حتى لا يحدث الاحتكاك ، وبهذه الطريقة أمكن تجنب مذبحة دموية ، واكتفت الحكومة بالقبض على لوفت وكولنز وبينو وستيفنس ومعظم قادة الميثاقية وحكم على كل واحد بالسجن بسنة أو سنتين ، وبدلاً من أن تكون هذه الاعتقالات سببًا في استثارة جديدة أو تجعل الميثاقيين يردون على الحكومة فإنها أخذت تقضي على الحركة . وانهالت التقارير على المؤتمر بأنباء الضعف والتخاذل وعدم استطاعة تحقيق قرار الإضراب العام ، فأعلن في 16 يولية إنه "لايستطيع تحمل مسـئولية إملاء الوقت أو الظروف الخاصة بالإضراب" ، وعين لجنة من خمسة لدراسة الموضوع وتبرير هذا الانسحاب ، وأصدرت اللجنة تقريرها في 6 أغسطس ووضحت فيه أن الإضراب يستحيل دون مساعدة النقابات وأن هذه رفضت "أن تساعد إخوانهم الأكثر بؤسًا منهم" ، ومر 12 أغسطس "ميعاد الإضراب" دون قلاقل تذكر ، وفي 6 سبتمبر أعلن المؤتمر أنه يحل نفسه . وهكذا انتهت هذه الجولة الأولى بهزيمة الميثاقية واستطاع بعض زعماء الأصرار أن يفخروا أنهم قهروا الميثاقية بمحض التقدير السليم للبلاد ، وأنها تلاشت كما يتلاشى الدخان . ولا شك أن فشل المؤتمر يعود ــ أساسًا ــ إلى أن موضوع الإجراء الذي يتخذ في حالة رفض البرلمان للميثاق ، أقحم على البرنامج الأساسي دون دراسة ، أو استعداد ، فكل المجموعات كانت تؤمن بالنقاط الستة ، وكلها كانت تسلم بتقديمها للبرلمان ، أما افتراض أن يقوم المؤتمر بعمل في حالة الرفض ، الذي كان احتماله أقوى من احتمال القبول ، فمسألة أقحمتها على برنامج الميثاقية فكرة إن المندوبين هم النواب الشرعيون ، وهي مسألة حتى لو كانت صحيحة لا قيمة لها أمام قوة الحكومة المهيمنة على الموارد المالية ، والجيش والبوليس ، وكان يجب إما أن نترك هذه المسألة نهائياً بحيث تستمر الميثاقية كحركة دعاية للنقط الست عامًا بعد عام حتى تؤمن الأكثرية ويحن الوقت المناسب للانتصار الدستوري والبرلماني ، أو أن تدرس بعناية يلحظ فيها الإمكانيات العملية ، ويكون الإيمان بها كالإيمان بالنقط الست ، لا أن تعد إجراءً إضافيًا . وخير ما قيل في تبرير مسلك المؤتمر هو أنه كان يهدف إلى أن "يهوش" الوزارة ، التي كانت كما رأينا في موقف صعب ، وتنتاشها أزمات داخلية ، وأنها ستحقق ، ولو جزءًا من المطالب ، فيسهل الوصول إلى مهادنة ، ولكن الواقع أن البرلمان الذي كان يهيمن على الأمور ، كان يتفق ، حتى عندما يختلف فيها الوزارات ، في ضرورة القضاء على الحركات الشعبية ، لأنه كان يمثل الطبقة الوسطى الجديدة العارمة ، طبقة المصنعيين والتجار والرأسماليين الذين كانوا يعارضون أي توسع في حق الانتخاب مادامت القوانين الحالية تمكنهم من دخول المجلس ، وكانوا في معارضتهم تلك أكثر قسوة من الأرستقراطيين القدامي . قومة نيوبورت : في الوقت الذي اعتقدت فيه الحكومة أن الميثاقية قد أصبحت أمرًا منتهيًا ترامت إلى لندن أنباء غريبة عن ثورة نشبت في بلدة نيو بورت على الحدود الجنوبية لويلز ، وإن جماعة من الميثاقيين حاصروا البلدة وحدثت معركة ، وقبل أن مؤامرة تبدأ في ويلز ويوركشير ، وتكون الإشارة لبرمنجهام عدم وصول عربة البريد(1) . واتضح بعد ذلك أن الأمر كان من أبسط من ذلك ففي الرابع من نوفمبر سـار بضعة ألـوف من المعدمين نحو نيوبورت ، وكانوا قد اجتمعوا ليلاً في مونموتشير Moumoqthalire بنية مباغتة البلدة والاستيلاء عليها والسير إلى مونموت حيث كان الزعيم الميثاقي هنري فنسنت مسجوناً ، وكانت الخطة تقضي بأن تسير ثلاث مجموعات من جهات مختلفة للهجوم في وقت واحد ، ولكن كان من الصعب تدبير الأمر ليلاً ، فتأخر تقدم مجموعتين ، وأمكن إعطاؤهما التحذير في الوقت المناسب فتنفضت ، أما المجموعة الأولى السابقة فوصلت إلى مشارف القديمة حيث اصطدمت بفصيلة صغيرة من الجنود كانت تعسكر في أحد الفنادق ويقودها ملازم ، وكان المهاجمون يظنون أن الجنود سينضمون إليهم ، ولكنهم قاتلوهم فقتل عدد من المدنيين وجرح عدد آخر وفر الباقون إلى التلال واختفوا فيها وهكذا انتهت قومة نيوبورت ولما تبدأ .. وبقي القبض على الزعماء ، لا زعماء هذه الثورة فحسب ، ولكن كل زعماء الحركة وإصدار الأحكام الرادعة عليهم . وكان زعيم قومة نيوبورت هو جون فروست عمدة البلدة السابق وأحد قضاة الصلح السابقين بها وزعيم من زعماء الجناح المتطرف في الميثاقية ، وقد قبض عليه كما قبض على وليم جونز وزمانيا وليمز ، وبعض الميثاقيين المحليين ، وحاول دكتور جون تايلور وبعض زعماء القوة العضلية القيام بهجوم لإنقاذ المسجونين ففشل ، وضم إليهم ، كما كانت هناك حركات أخرى يظن أن مخبري الحكومة هم المدبرين لها للإيقاع بالميثاقيين . كيف يمكن أن نبرر هذه الحركة ؟ كان المؤتمر قد حل ، وسجن الزعماء ، وانتقل مركز الثقل إلى الفروع الميثاقية المحلية وأصبح عليها أن تقرر ماذا تفعل ؟ ومن السهل أن نتصور مدى الحيرة التي تملكت هذه الفروع أمام المأزق الحرج الذي وقعت فيه ، وكان الخروج منه بالنسبة للمعتدين لا يتطلب أكثر من الانتظار والتربص ، أما الغلاة فقد رأوا غير ذلك ، كان الموقف بالنسبة للمرمنين منهم بالثورة امتحاناً عسيرًا لمدى إيمانهم ، وكان بالنسبة لغير المؤمنين امتحاناً لكرامتهم وشجاعتهم . وفي مثل هذه الحالة يدفع الإنسان دفعًا إلى القيام بأعمال ليس من السهل أن تعلل على ضوء العقل أو المنطق ، ولا يكون الانتصار هو الهدف ، إذ لو كان الانتصار هو الهدف الوحيد لما ثار الذين ثاروا في نيوبورت ، ولكن الثورة كانت بالنسبة إليهم ضريبة غيمان أو كرامة ، تؤدي دون نظر إلى العواقب ، إذا حتى لو باغتوا نيوبورت واستولوا عليها فماذا بعد ؟ وماذا تؤثر بلدة في وسط مملكة ؟ كما كانت للبعض الآخر استشهاد في سبيل قضية عظمى نبيلة . وليس أدل على ذلك من هذا الخطاب الذي تركه شاب بالغ في الثامنة عشرة من عمره ، هو جورج شل في مساء اليوم السابق للهجوم لأبويه وجاء فيه : يونيتبول ، الأحد مساء 3 نوفنبر سنة 1839 : والدَّي العزيز .. أرجو لأن يخبركما هذا الخطاب بخبر ، كما أجد نفسي في هذه اللحظة ، فسأرتبط هذا المساء بمعركة مجيدة في سبيل الحرية ، وإذا أراد الله تعالى استبقاء حياتي ، فسأراكما قريباً ، وإذا لم يشأ فلا تحزنا علىَّ ، فسأسقط في سبيل قضية نبيلة ، عدوي الآتي لدي مستر سيسل ، وكذلك فلانس(1) . وداعًا .. وقد كان جورج شل من بين العشرة الذين قتلوا أمام فندق وست جيت . ومع أن تاريخ هذه الفترة غامض تمامًا بحيث لا يمكن الجزم فيه بشيء ، إلا أنه يبدو أن لجنة ثورية قد خلفت المؤتمر تتكون من جون فروست (نيوبورت) بيتر بوسي Peter Bussay من برادفورد ، ويحتمل أن يكون قد اشترك فيها أيضًا روبرت لوري Robert Lowery ، ودكتور جون تيلور John Taylor ، وأن هذه اللجنة عقدت عدة جلسات سرية رسمت فيها خطة للثورة في مختلف المناطق ، وكانت علامة الثورة هي الاستيلاء على نيوبورت . ويزأن نبأ هذه المؤامرة تطرق إلى أوكوتور ، وأنه حاول ثني المتآمرين عن هذه الفكرة الحمقاء ، وأرسل إلى جون قروش الذي أجاب فيما قيل بأنه يفضل أن يلهب رأسه بالرصاص على أن يطرح فكرته . وعلى كل حال فأينما نظرنا في تاك الحركة فلن نجد فيها أكثر من مظاهرة عاطفية دموية تحدث عندما تترك شئون الدعوات للأفراد أو العواطف . وتولى الدفاع عن المسجونين محام من كبار المحافظين وقام دفاعه على أسس واضحة ، فإن كل الخطابات والاجتماعات بل وحتى الأفعال التي قام بها ثوار نيوبورت لا تزيد عما قام به الشعب قبيل الإصلاح ، بتأييد الهويج الذين يلون الحكم الآن ، وقد كان من بين الميثاقيين المعتقلين قضاة وكل إليهم عند الإصلاح تهدئة الأمور ، كما كان فروست قاضيًا حتى عارضت السلطات نشاطه في تأييد الهويج . ومع هذا فقد صدر الحكم على فروست وتيلور بالإعدام وخفف على غير إرادة لورد ملبورن إلى الترحيل مدى الحياة . نهاية الميثاقية : جاء دور الدعوة الثانية المعاصرة للميثاقية ــ دعــوة حرية التجارة ــ بعد أن انتهت الجولة الأولى للميثاقية ، وأظهر مجلس العموم بعد مظاهر تأييد خادعة لفكرة حرية التجارة تشددًا لم يكن منتظرًا ، ورزقت العصبة زعيمًا متراخيًا في مناصرتها في المجلس هو G. W. Wood(1) ، كما رزقت الميثاقية من قبل زعيمها البرلماني المتثاقل "أنوود" فلم يحسن كل منهما الدفاع عن دعوته ، ورأى زعماء حرية التجارة ضرورة الإلتجاء إلى الشعب والاستعانة باستشارته على كسب تأييد المجلس ، وكانت في تنظيماتها الشعبية موفقة أكثر من الميثاقية ، وهو أمر يبدو عجيبًا للوهــلة الأولى ولكنه بعد تفكير قصير لا يبـدو كذلك ، فإذا كان قد باع حق "البكورية" العظيم بطبق من العدس ، فكيف لا يناصر العمل الجياع دعوة تؤكد لهم أن جهودها منصبة على إرخاص الرغيف ، ولا ترى غضاضة في أن تسير أعوانها يحملون أرغفة تمثل نماذج من أرغفة الدول الأخرى التي لا تفرض ضرائب ، وكلها أكبر من الرغيف الإنجليزي وأرخص ثمناً(2) ؟ فلم يكن الميثاقيون ليستطيعون "تجسيم" مبادئهم السياسية الكبيرة هذا التجسيم الذي يسيل اللعاب ، دون تفكير أو دراسة أو مناقشة . من أجل هذا نرى العصبة تنتقل من نجاح إلى نجاح في الوقت الذي كانت الميثاقية تعاني تخصص الفشل ، وكان من سخرية الأقدار أن تقيم العصبة قصرها مانشستر في المكان نفسه الذي وقعت فيه سنة 1819م مذبحة بترلوا(3) .. وهكذا بدلاً من أن يوجد نصب يمجـد الضحايا .. قام نصب يمثل قوة الصناعة والرأسمالية .. وحرية التجارة . وبذلت جهود لضم أشلاء ومجموعات الميثاقيين المتناثرة إلى عصبة الغلال ، وكان مالتس قد بذل من قبل جهدًا لإقناع لوفت وبقية الميثاقيين بإضافة إلغاء قوانين الغلال إلى برنامجهم في مقابل تأييد الطبقة الوسطى لمطالبهم ، ولم ينجح تمامًا لأن خديعة الطبقة الوسطى للعمال في الانتخابات ، وقسوة وزارة الهويج ونظريات مالتس ومدرسة >>>> والحر كلها ، كانت تجعلهم يمتنعون عنها ، وتجعل غرائزهم تنفر من تعاون مشترك ، فضلاً عن أن العمال الزراعيين رأوا في إلغاء قوانين الغلال إلغاء آخر رابطة تربطهم بالماضي وقطع الصلة تمامًا بتلك الأيام السعيدة الغابرة وإخضاع الريف لسيطرة الصناعة ونظمها الصارمة القاسية . أسس الميثاقيـــون "الجمعية الأهليـــــة للميثاق"(1)National Charter Consecration ، ورغــم أن التنظيمـــــات الأهليــــة كانت محرمة ، ووصل أعضاؤها في آخر السنة إلى 13 ألف ، ولكنهم في آخر السنة التالية بلغوا 48 ألفاً ، وإن لم يكن من العسـير التأكد من هذه الأرقام ، لأنه لم يكن يقابلها اشتراكات مادية ، بينما انصرف دكتور بيتر ماكدويل Dr. Peter McDougall ، وهو أحد التوريين ، إلى تأسيس الجمعيات الميثاقية . وفي سنة 1841م شكل المحافظون الوزارة برئاسة بيل الذي قاوم إلغاء قوانين الغلال من قبل في مجلس العموم ، فكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت العصبة تحاول مرة أخرى التعاون مع الميثاقيين ، ببعض النجاح ، ففي اجتماع في 15 فبراير سنة 1842م(2) حررت عريضة تقترح الجمع بين إلغاء قوانين الغلال وتبني الميثاق ، وفي اليوم التالي وافق على ذلك من الحزبيين ، وانقضى الربيع والصيف في حماسة واستثارة مشتركة . وكان أوكونور قد أفرج عنه في سبتمبر سنة 1941م من السجن لثمانية عشر شهرًا الذي حكم عليه به في مايو 1840م ، وبمجرد ظهوره تملك القيادة ، وفرض زعامته على الحركة الجديدة ، دون أن يكون له صفة رسمية في الجمعية الأهلية للميثاق(1) ، وأخذ يعد العدة لتقديم عريضة أكبر من العريضة الأولى . في هذا الوقت ظهر بعض الراديكاليين المؤمنين بفكرة التصويت دون الإيمان بفكرة العنف والتف حولهم مجموعة من البورجوازية الصغيرة التي حرمت من التصويت في الإصلاح الماضي وأسسو بزعامة جوزيف ستورج Joseph Sturge أحد رجال طائفة "الكويكر" في "برمنجهام" اتحاد الانتخاب العام Complete Suffrage Union وأصدر نداء تحت عنوان "التراضي بين الطبقات الوسطى والعاملة" Reconciliation between the Middle and Carousing Classes ، وجذبت الفكرة انتباه لوفت وفريق العمال المهرة ، وكان لوفت قد أمضى مدة عقوبته في السجن يكتب "رسالة يجدد بها أسلوب الميثاقية" ، على ضوء التجارب الماضية بحيث تعتمد على التعليم أكثر من الاستثارة الجماهيرية . وكان أوكونور يطوف داعيًا لعريضته حتى حصل على عريضة طولها ستة أميال وتحمل توقيع(2) 702ر317ر3 ، وكانت من الضخامة بحيث قطعت ليمكن إدخالها من باب مجلس العموم ! وفي مايو سنة 1942م قدمها إلى المجلس النائب سلنجسبي نكومب الذي سيصير صديقاً حميمًا للعمال والحركة النقابية ، وانعقد مؤتمر جديد ليساندها ، ولكنها هزمت مرة ثانية في المجلس وألقى ماكولي خطبة مشهورة في معارضتها ، وكان على الميثاقيين مرة ثانية أن يقرروا ماذا يفعلون ، ومن حسـن حظهم هذه المرة أن ســاءت الأحوال الاقتصادية في أغسطس ، فخفضت الأجور ، ونشبت الاضرابات وعم الاستياء جمهور العمـال ، واسـتغل الميثاقيون هذا السخط لاكتساب تأييـــد العمال وتحويل إضراباتهم الاقتصادية إلى مظاهرة سياسية لتأييــد الأمر ونجحوا في ذلك ولاسيما في مانشستر حيث خمدت كل مداخن المصانع التي كانت تشق عنان السماء ، وتملأ الأجواء بدخانها ، وأغرى هذا النجاح الميثاقيين على التفكير في مد نطاق الاضرابات بحيث يأخذ شكلاً أهليًا وعقد مؤتمر للمندوبين في لانكشير لتحقيق ذلك ، ولكن أوكونور لدهشة الجميع عارض الإضراب وأكد أن عصبة الغلال هي التي تفتعل هذه الإضرابات لتتخلص من العمال وصاح "إنهم يدفعون العمال خارجًا .. فكيف نستطيع أن ندفعهم داخلاً" ؟ وملأ أعمدة "النجم" بدعاية ضد الإضراب فعجل ذلك بفشله ، إن لم يكن قد تسبب فيه . وحركت الحكومة الجنود ، وسيق العمال الجياع إلى العمل في المصانع بالشروط التي أملاها أصحابها ، وقبض على 1500 عامل ، ورحل 79 إلى أستراليا(1) ، وهزمت الميثاقية في الجولة الثانية ، وإن كانت هزيمة مقنعة . وفي ديسمبر من عام 1842م عقد في برمنجهام مؤتمر أهلي National Comment ion ضم كل المعسكرات التي كانت تعمل للميثاق : ستورج ومعه لفيف من الراديكاليين والطبقة البورجوازية الصغيرة ، لوفت والميثاقيون الأول من العمال المهرة الذين يقفون موقفاً وسطاً متزناً ، أوكونور الذي كان يحاول السيطرة على المؤتمر بديماجوجية كما سيطر على التكتلات السابقة ، وعرض ستورج في هذا المؤتمر تحرير "لائحة حقوق" "Bill of Rights" التي تشمل على صلب نقط الميثاق ، ولكنها تتجرد من اسمه المثير ، وما يصطحب به في الأذهان من عنف ، وديماجوجية ، ولكنه لم يكد يعلن هذا الاقتراح حتى تعالت الأصوات "الميثاق .. الميثاق" ، فبالنسبة لأنصار لوفيت ، كما هو لأنصار أوكونور أصبح الميثاق رمزاً يبلور كفاحهم ويمثل أمانيهم ويحرك عواطفهم ، وقطعة من تاريخ كفاحهم ، بينما لا تمثل لائحة الحقوق شيئاً من ذلك ، وكانت النتيجة أن انسحب ستورج وأنصاره . تعرضت الحركة لانحراف عجيب ، فإن أوكونور بعد الفشل المزدوج وانقضاض المؤتمر الأهلي ، ارتأى فجأة فكرة جديدة أخذ يدعو إليها من أبريل سنة 1843م تلك هي أنه لا شيء يخلص الطبقة العاملة من بؤسها إلا العودة مرة أخرى إلى الأرض وتكوين قرى كبرى تعاهدية تعاونية يتحررون فيها من نظم الصناعة الصارمة ، ويسيرون حاجاتهم بطرق الصناعات الريفية والمنزلية ، وعندما عقد مؤتمر للجمعية الأهلية للميثاق استطاع اوكونور أن يحمل الجمعية على تبني الفكرة والأخذ بها بحيث ارتؤي استمرار الدعوة للميثاق وافتتاح باب التبرعات والاكتتابات للنهضة بمشروع الأراضي . وقد كان مما ساعد العمال على تقبل هذا الانحراف أن نذكر أن الصلة لم تكن قد أنبتت بعد بين الجيل الزراعي والجيل الصناعي ، وأن الذين نبذتهم الصناعة وأصطلوا بتارها وعذابها من ما بين بطالة مجيعة أو نظام قاس رهيب أصبحوا ينظرون إلى فكرة أن يجد كل واحد منهم بيتاً وأرضًا وأن يستريح تحت شجرة تيتية ، لا يزعجه هدير الآلات ، ولا قسوة النظام ، ولا إملاء الملاحظين ، كأقصى الآمال التي تبعث السكينة والراحة ، وكان المشروع بعد يقدم حلاً وعملاً جاهزًا بالفعل إن لم يكن للجميع ، فإن أمام الجميع فرصة "الحظ" ؛ إذ كانت البيوت ستوزع على المساهمين بالقرعة(1) . وتحمس الناس للمشروع تحمسًا يقرب من التعصب ، وانسال تيار غير متقطع من اشتراكات وتبرعات العمال ، بمعدل مائتي جنيه في الأسبوع حتى وصل إلى مائة ألف ، وعندما أزعج هذا التيار بعض المتزنين الذين وجدوا فيه مغامرة اقتصادية ، قام أنصار أوكونور قومة رجل واحد يعلنون تمسكهم بالفكرة ويرمون المعارضين بأقذع الألقاب والصفات وفصل "كوبر" Cooper من المؤتمر الميثاقي ، وزاد هذا التأييد من غرور أوكونور ووقعه في نفسه وطاغية "أبنائه الأعزاء" Dear Children له . وسجل المشــروع أخيــرًا سنة 1846م ، وبعد تقليب كل الوجــوه القانونية كالجمعيـــة التعاونية الميثاقيـــة للأراضي Chartist Cooperative Land Soc. ، وإن كان الاسم الذي شاع عنها هو الشركة الأهلية للأراضي National Land Company ، وفي سنة 1847م اشترت أحد الضياع وافتتحت في احتفال جليل ألف فيه أرنست جونز إحدى قصائده ، وأخذ سلفة عليها لشراء أخرى ، وبهذه الطريقة افتتحت خمس ضياع تعاهدية ، وقد ازدهر بعض هذه القرى ، وفشل البعض الآخر ، ولكن لم يكن لسكانها جميعًا أي نشاط سياسي ، فما أن استقروا تحت شجيرات تينهم ، حتى انطوى تاريخهم وانتهى كفاحهم . على أن أوكونور لم يغفل النشاط السياسي ، فقد انتخب سنة 1847م نائبًا عن توتنجهام ، وكانت السنة التالية سنة 1848م سنة الثورات والانقلابات والمنشور الشيوعي ، وحركت هذه الظروف كلها الجهد الميثاقي الأخير ، إذ قرر الميثاقيون تقديم عريضة ثالثة لتأييد الميثاق ، ودعوة مؤتمر جديد وإعداد العدة لمظاهرة ضخمة تقدم فيها العريضة إلى البرلمان ، فإذا رفضها قوبل ذلك بانتخاب جمعية أهلية تعاهدية ، لا تنفض حتى يصبح الميثاق قانوناً للبلاد ، ووضع أوكونور تسويدة دستور الجمهورية البريطانية British Republic ، جاعلاً نفسه رئيسًا(1) . وفي هذه المرة أيضًا هزمت الميثاقية هزيمة كتبت نهايتها كحركة عامة عاملة ، فإن الحكومة وقد بالغت في تقدير قوة الميثاقية وضعت الدوق العجوز ولنجتون في منصب القيادة ، ودندت أكثر من مائة وخمسين ألف كونستابل كان من بينهم لويس بونابرت الذي صار فيما بعد إمبراطورًا ، وحصنت المباني ووضعت المدافـــع في النقط الاستراتيجية وسلحت المواطنين المدنيين . وكان الميثاقيون قرروا الاجتماع في كنتجتون كومون Kensington Common ، والزحف منها في مظاهرتهم من نصف مليون إلى البرلمان لتسليم عريضة قيل إن عدد الموقعين عليها وصل إلى ستة ملايين ، فرأت الحكومة أن توقف ذلك بالاستيلاء على الكوبري وحشده بالجنود ومنع المرور منه "تكتيك الدوق أغلب الظن" ! وفي يوم 10 أبريل ، ميعاد الاجتماع ، تجمهر حوالي عشرين ألف بتقديلا التيمس و250 ألفاً بتقدير النجم الشمالي ، وأخذ أوكونور بالخوف أو بالحذر وقر رأيه على عدم الاصطدام ، وتعهد للبوليس بإرسال المتظاهرين إلى بيوتهم ، وخطب إحدى خطبه المثيرة التي أوضح فيها أنه حقناً للدماء يرى عدم الاشتباك وطالب المتجمهرين بالثقة في "والدهم الأمين ، ووكيلهم المتطوع" ، ولما ظفر فيها صاح "فليساعدني الله إذن ! فسأموت على أرض المجلس .. أو أظفر بحقوقكم"(1) ، وانصرف وسيتميسر تتبعه عدة عربات تحمل إحداها العريضة التي عندما فحصت في المجلس واكتشف أن بعض الإمضاءات غير صحيحة ، وإن إمضاءات أخرى كإمضاء الملكة ! والأمير الوصي ودوق ولنجتون(2) ! مزورة ، لم تظفر العريضة بأكثر من سبعة عشر صوتاً يؤيدها . وهكذا تفرق الاجتماع العظيم للعاشر في أبريل سنة 1848م دون أن يحقق شيئاً من آمال الثوريين في القادة ، ومخاوف الحكومة ، وكتب "لورد جون رسل يقدم في تواضع تحياته إلى الملكة ويشرفه أن يقرر أن اجتماع كنجتون كومون كان فشلاً ذريعًا" . وقد كان هذا حقيقيًا ، إلا أن الميثاقية ، وهو تجود بروحها ، كان عليها أن تبذل حهدًا أخيرًا ، وكان جهدًا بديعًا كما يحدث دائماً للجهود الأخيرة ، ولما كان المؤتمر لم يستطع أن يثبت في موضوع الثورة ، وكان رئيسه أوكونور كما كان معاوناه هارفي وأرنست جونز عاجزون عن الانتهاء إلى رأي ، فقد ترك ذلك للجمعية العمومية التي رأت تغيير تأسيس الجمعية الأهلية للميثاق على أساس كفاحي جديد وانتخبت دكتور ماكدوول Dr. McDauall رئيسًا تنفيذيًا ، ولكن الاختلافات تلت ذلك ، وفرقت الجمعية قددًا وأمشاجًا ، وفض الفريق المصمم في فكرة الثورة ، فأسس "حرس وطني" National Grande في يوركشير ولانكشير ، ودرب ــ كما قيل ــ ثلاثة آلاف في Wilsden تحت علم أسود ، وفي بنجلي وبرادفورد Bingley and Bradord كانت هناك فصائل قوية ، وقد اصطدمت فصيلة برادفورد مع البوليس في صدام مكشوف وهزمته بعد أن قتلت واحدًا وجرحت عدة ، ولكنها انسحبت قبل وصول الجيش ، وحدثت اشتباكات في ليفربول وليستر وأبردين وجلاسجو ، واهتبل الجواسيس الفرصة للقبض على الناس ، واصدر قاض أمرًا بالقبض على "وات تيلر" Wat Tyler ، ودبرت مؤامرة في لندن لاصطياد البوليس في الضواحي ، ولكنها بعد أن نجحت بعض الشيء انكشفت ، فدبرت مؤامرة ، كانت أكثر إحكامًا ، ولكن كان من بين واضعيها جاسوس حكومي يدعي جونسون فوضع خطتها بين يدي الحكومة التي قبضت على المؤتمرين وحكمت عليها بناء على شهادة جونسون ، بالترحيل مدى الحياة ، وكانت المؤامرة والمحاكمة أكثر استثارة من مؤامرة ومحاكمة نيوبورت ، وعلى هذا فلم يبذل جهد أو دعاية لإنقاذ ضحاياها ، ودل هذا على أن دماء الميثاقية قد اُستنزفت للنهاية . ولم تقم للميثاقية قائمة بعد ذلك ، وأسس برونتير أوبرن من بعض فلولوها العصبة الأهلية للإصلاح National Reform Cleaque جاعلاً مبادئها تأميم الأراضي وتعميم المنفعة بالخدمات العامة والصناعات الاحتكارية ، وتولى جورج جوليان هارفي قيادة البعثة الباقية من فلول بتأييد كارل ماركس وحاول عبثاً إيقاظ الميثاقية كحركة بروليتارية على أسس ماركسية ، وكان من نتائج ذلك أن أرسل ماركس خطابًا في مارس سنة 1854م(1) ، إلى المؤتمر الميثاقي في مانشستر بعنوان خطاب إلى برلمان العمال عبر فيه عن أسفه لاضطراره مغادرة لندن وقتئذ ، وبالتالي عدم استطاعته تلبية دعوة المؤتمر في الحضور كعضو شرفي وعبر فيه عن أمله في أن ينتصر العمال على الإنسان بعد أن انتصروا على الطبيعة بتوحيد قواهم في تنظيم الأهلي ، وكرر فكرة وجود برلمانيين برلمان الشعب في مانشستر وبرلمان الأغنياء في وستمنسر ، كما أننا نرى في كتاباته بعد ذلك بعام وصف لمظاهرة كبيرة في هايدبارك احتجاجًا على لائحة قديمة إلى البرلمان تستهدف إغلاق كل المؤسسات يوم الأحد (فيما عدا من 6 إلى 10 صباحًا) أخذ الميثاقيون منها بنصيب كبير ، ووزعت فيها نشرات عن العمل لإعادة تنظيم الميثاقية(1) ، ولكن هذه الجهــود كلها لم تكن لتحيي الموات و تبعث الرميم ، بل إن جونز نفسه انتهى بعد سنة 1858م بأن أصبح يؤمن بسياسة التحالف بين الطبقات العاملة والطبقة الوسطى لتوسيع دائرة الانتخاب ، وماتت الميثاقية بعد ذلك ميتة تدريجية هادئة بفضل انتشار التعليم وتحسين الأحوال ، وتحقيق بعض مبادئها . وفي سنة 1855م مات أوكونور وشيع جنازته خمسون ألف وألقى وليم جونز مرثاه قال فيها : "كان سليم الطوية .. فخُدع .. كريم الطبع فاسُـتغل .. وكانت رغبته في إسعاد الشعب غير محدودة ، وأن أخطأه التدبيــر اللازم للنجاح ، ولعل هذا ما يمكن أن يقال أيضًا على الميثاقية ، ولعل هذا الإيقاع كان مرثاه ، إذ لم يحدث بعد اجتماع الميثاقيين حول جثـة زعيمهم .. أي اجتماع آخر لهم يعتد به" . تقدير الحركة الميثاقية رأي (وب) : أشار كاتبان مرموقان إلى الحركة الميثاقية ، أما أولهما فهو "وب" في "تاريخ النقابية الإنجليزية" ، وأما الثاني فهو فردريك أنجلز في كتابه "ظروف الطبقة العاملة في بريطانيا" وكل وحد منهما نظر إلى الحركة من زاوية خاصة . أما "وب" فقد نظر إليها من زاوية الحركة النقابية ، وهو يرى أنها قد لعبت أعظم الأدوار في تاريخ العمال من سنة 1837م حتى 1842م ، وأنها لم تترك المسرح حتى سنة 1848م ، ولكن بعد أن أكسبها الإيمان والإخلاص والتضحية والبطولة ، وهي المشاعر التي امتلأت بها أفئدة جمهورها ــ الاحترام والتقدير ــ فإن عدم كفاءة زعمائها ، ومبالغاتهم الخطابية وديماجوجية بعضهم وانشقاقهم وتأمرهم وتخبطهم الاقتصادي والسياسي قد شان الحركة وانحط بها ثم قضي عليها ، وإنها بينما حصلت على تأييد معظم الطبقة العاملة ، فإن النقابات لا يمكن أن تعد جزءًا لا يتجزأ منها ، كما كانت بالنسبة للأوينية سنوات 33 ــ 1834م ، وإن كان بعض زعماء النقابات في الوقت نفسه اعتبر من أبرز زعماء الميثاقية ، وتأثرت بعض النقابات كنقابة عمال الأحذية بالدعوة الميثاقية وحاولت أن تنشرها في بقية النقابات ، كما سيطر الميثاقيون على إضرابات سنة 1842م في لانكشير ، وهي الإضرابات التي قيل إن عصبة مقاومة قوانين الغلال قد أثارتها ، وحولوها تقريبًا إلى تمرد سياسي ، ولكن لم يكن من الطبيعي أن يضرب العمال ويجوعوا حتى يتحقق الإصلاح السياسي ، وعندما دعا الميثاقيون في شيفيلد إلى إضراب عام حتى يتحقق الميثاق أرسل سبعة من سكرتاري النقابات المحلية إلى الجرائد يعلنون أن نقاباتهم ليس لها علاقة بالاجتماعات أو القرارات الميثاقية ، ويجب أن نتذكر أن النقابيين في هذا الوقت كانوا قلة ، من بين العمال (حوالي مائة ألف) ، وبالتالي لم يكونوا ليؤثروا كثيرًا وسط الملايين الثلاثة أو الأربعة الذين ادعاهم زعماء الميثاقية ، ولا تحوي سجلات معظم النقابات أي إشارات إلى تأييد الميثاقية ، بينما يوجد في بعضها قرارات بتأييد دعوة حرية التجارة ، وقد يوضح هذا اتخاذ النقابات لمبدأ فصل السياسة عن النشاط النقابي ، الأمر الذي كان محل نقد مر من الميثاقيين ، كما يوضح ذلك خوف النقابيين وقتئذ على أموالهم من مخاطر الحركة أو مطالبها التي كانت جديرة بأن تبتلع كل شيء ، وأغلب الظن أن هذا العامل الثاني كان أقوى من الأول ؛ لأن القابات خلال عامي 31ــ1832م قامت بدور نشيط في المطالبة بالإصلاح البرلماني ، وقد وصل عزوف النقابات عن مساعدة الحركة الميثاقية إلى درجة عدم محاولة جمع المال لمساعدة ضحاياها ، وقد كان العرف وقتئذ يقضي بمساعدة كل الطبقات العاملة ، وكان نيوبورت وفروست وجونز وليمز جديرين بجزء من العطف الذي كان يسيغ منذ محاكمة عمال دورشستر ، على كل ضحايا الحركة العاملة ، وفي سنة 1846م كتب أوكونور في مرارة "لم يكن هناك عزوف إجرائي أكثر من الذي أظهرته النقابات نحو المعذبين من أبنائها ، ولو أن تصف ما صنع لعمال دورشستر أو عمال غزل القطن بجلاسجو قدم لفروست ووليمز وجونز لكانوا قد أعيد ومن وقت طويل" . تقدير الحركة الميثاقية رأي (أنجلز) : نظر فردريك أنجلز إلى الحركة العمالية من الزاوية المتسعة زاوية الكفاح العمالي السياسي ، الذي لا يقتصر حتى على العمال بأسرهم ، ولكنه يشمل الشعب بأسره ، وخصص لها جزءًا كبيرًا من كتابه وتناول بالتحليل مراحلها المختلفة ، وهو يرى أنها بدأت من سنة 1835م محركة عمالية بصفة أساسية وإن لم تنفصل تمامًا عن البورجوازية الصغيرة ، وقد مضت راديكالية العمال مع راديكالية البورجوازية الصغيرة ، وعقـدا مؤتمراتهما معًا ، كما لو كانا حزبًا واحدًا ؛ لأن مؤخرة الطبقة الوسطى ناقمة على الإصلاح البرلماني الذي ضن عليها بحق التصويت . وفي هذا الوقت المبكر ظهرت الخصيصة الاشتراكية لميثاقية العمال ، وفي اجتماع حضره مائتي ألف من العمال في كرسال مور Kersall Moor في مانشستر قال القس ستيفنس : "إن الميثاقية أيها الأصدقاء ليست حركة سياسية ، الغرض الأساسي فيها أن يكون لكم حق الانتخاب ، إنها قضية شوكة وسكين .. والميثاق يعني بيتاً أحسن وغذاءً وشرابًا أطيب ، وساعات عمل أقصر" . وكانت الحركة ضد قانون الفقير الجديد ، وقانون العشر ساعات على علاقة وثيقة بالميثاقية ، وفي كل اجتماعات هذه الفترة كانت تقدم مئات العرائض الخاصة بتحسين الظروف الاجتماعية للعمال مع العريضة الأساسية للميثاق . وعندما تحدث أنجلز عن انفصال الميثاقيين بزعامة لوفت عن فريق الراديكاليين بزعامة ستورج ، قال : "من هذه اللحظة أصبحت الميثاقية عمالية خالصة وتحررت من كل العناصر البورجوازية ، وتحولت صحف هذه شيئاً فشيئاً إلى بقية نغمات الأحرار كحرية التجارة ، وهاجمت مشروع قانون العشر ساعات وكل المطالب المقصورة على العمال" . وعلى نقيض هؤلاء ، تبنت الميثاقية العمالية بحماسة مزدوجة كل كفاح البلوريتاريا ضد البورجوازية ، وكانت المطالب التي قدمها العمال كقانون العشر ساعات ، والحماية ضد الرأسماليين والأجور الطيبة والعمل المضمون وإلغاء قانون الفقير الجديد ، وهي كلها تضاد المنافسة الحرة وحرية التجارة [التي كان يدعو إليها الراديكاليون والبورجوازيين] وهذه هي النقطة التي فصلت بين البروليتاريا والبورجوازية والميثاقية والراديكالية ، ولا يمكن أن تفهم البورجوازية ذلك لأنها لا تفهم البروليتاريا . وهنا يكمن الخلاف بين ديمقراطية الميثاق وكل الديمقراطيات السياسية للبورجوازية ، غاية الأمر ونهايته ، ولم تكن تعني إليهم سوى إصلاحًا جديدًا للدستور بينما كانت بالنسبة للبلوريتاريا وسيلة لغاية أبعد ، تصورها صيحة الميثاقية "القوة السياسية وسيلتنا والسعادة الاجتماعية غايتنا" ، وكانت قضية "الشوكة والسكين" صحيحة لفريق من الميثاقيين سنة 1838م ، وصحيحة بالنسبة لكلهم سنة 1845م ، وقارن أنجلز بين الميثاقيين والاشتراكية الإنجليزية مقارنة دقيقة .. فهو يقول : "إن الاشتراكيين الإنجليز يستهدفون التكوين التدريجي لمستعمرات على أساس ملكية مشتركة ، تضم المستعمرة منها من ألفين إلا ثلاثة آلاف يقومون بالأعمال الزراعية والصناعية ويتمتعون بحقوق متساوية وتعليم متساو ، وهم يطالبون بتسهيلات في الحصول على الطلاق وتأسيس حكومة رشيدة (Rational) مع حرية كاملة للضمير ، وإلغاء العقاب وإحلال معالجة رشيدة علمية للمذنب ، هذه هي مطالبهم العملية ، أما أسسهم النظرية فلا تهمنا هنا ، وقد ظهرت الاشتراكية الإنجليزية على يدي أوين ، وهو مصنعي ، ومن هنا حملت تقديرًا كبيرًا للبورجوازية وحيفاً كبيرًا على البروليتاريا ، وإن كانت تبلغ قمتها في المطالبة بمحو العداوة الطبقية بين البلوريتاريا والبورجوازية . والاشتراكيون مسالمون "مستأنسون" يتقبلون الوضع الراهن على ما هو عليه من السوء ، لكي يكسبوا الرأي العام ، وفي الوقت الذي يندبون فيه تحلل الطبقات الدنيا فإنهم يعمون عن رؤية ناحية التقدم في هذا التحلل من الوضع القديم ، ويرفضون أن يروا أن الفساد الذي تجلبه المصالح الخاصة ، ونفاق الطبقات ذات الملك أعظم وأكثر ، ولا يعترفون بالتطور التاريخي ، ويريدون أن يضعوا الشعب في الوضعية الشيوعية بين عشية وضحاها ، لا عن طريق التقدم في الميدان السياسي الذي لا مناص عنه بحيث يكون التحول ممكناً وضروريًا ، ومع أنهم يدركون أسباب عداء الطبقة العاملة للبورجوازية ، فإنهم ينظرون إلى هذه العداوة كأمر عقيم في حين أنه قبل كل شيء الدافع المعنوي الوحيد الذي يجعل العامل يقترب من الهدف ، وهم يدعون بدلاً عنه إلى محبة وأخوية عالمية بعيدة كل البعد عن أن تكون مثمرة بالنسبة للوضع الحالي في إنجلترا ، وهم يعترفون فحسب بالسيكلوجية للرجل مجردًا عن كل روابط الماضي ، في حين أن العالم كله ، بما فيه الأفراد ، يقوم على الماضي ، ومن هنا كانوا مجردين جدًا ، وميتافيزيقيين جدًا ، ولم يتموا إلا القليل ، وهم مجندون جزئيًا من الطبقة العاملة التي لم ينجحوا إلا في جذب عدد ضئيل منها ، وإن كان يمثل أكثرها تعليمًا وصلابة ، ومن المستحيل أن تكون هذه الاشتراكية في صورتها تلك عقيدة للطبقة العاملة ، ويجب أن تتنزل ، هنيهة ، إلى مستوى الميثاقية ، ولكن الاشتراكية البروليتارية الصادقة وقد اجتازت الميثاقية ، منصهرة من عناصرها البرجوازية ، وبالغة الصورة التي تراود أذهان كثير من زعماء الاشتراكيين والميثاقيين ، يجب في خلال وقت قصير أن تلعب دورًا كبيرًا في تاريخ تطور الشعب البريطاني . وهكذا يتضح أن الحركة العمالية انقسمت إلى قسمين : الميثاقيون والاشتراكيون ، والميثاقيون من الوجهة النظرية ، أقلهم تطورًا وأكثرهم تأخرًا ، ولكن البلوريتاريون الصميميون الممثلون لطبقتهم ، أما الاشتراكية فإنهم أبعد نظرًا ، ويقترحون أنواعًا عملية من العلاج لما يرون من بأساء ، ولكنهم ، وقد نبعوا أساسًا من البورجوازية ، غير مستطيعين الاندماج التـام مع الطبقة العاملة ، واتحاد الاشتراكية بالميثاقية ، واستقدام الكوميونية الفرنسية في أسلوب إنجليزي ستكون الخطوة التالية ، وقد بدأت بالفعل وعند إتمام ذلك فحسب ، ستوجد القيادة الفكرية للطبقة العاملة ، وفي الوقت نفسه فإن التقدم السياسي والاجتماعي سيمضي قدمًا ، وسيحتضن هذا الحزب الجديد .. النابع من الميثاقية . ويرى أنجلز أن المصنعين وأنصار حرية التجارة هم الذين دفعوا الميثاقية إلى بعض صور العنف والإضرابات لحدوث أزمــة سنة 1842م ، واستيلاء التوري على الحكم ، ولم يكن عبثاً أن تعاصر هذه الأحداث تخالف أيضًا حرية التجارة بالميثاقيين ، وقد أراد الأول مدفوعين بالعاملين السابقين ، القيام بعمل ثوري لإجبار الحكومة على إلغاء قوانين الغلال ، وكان على العمال أن يقوموا بذلك وأن يقبضوا على "أبو فروة" بأيديهم حتى لا تحترق أيدي البورجوازيين ، فضلاً عن أن مثل هذا العمل ، سيدفع العمال إلى الأبراشيات الريفية حيث أملاك أرستقراطية التوري ليعيثوا فيها فسادًا ، بينما ينتظرون هم آمنين دون أن يقحموا أنفسهم في مخاطرها ، وعندما تحسنت الأحوال في يوليه خشى أصحاب الأعمال أن تفلت منهم الفرصة فخفضت ثلاث مصانع في ستاليبروج Staley bridge الأجور رغم التحسن ، وليس من المعلوم ما إذا كانوا قد اتخذوا هذا الإجراء من تلقاء أنفسهم أو بالاتفاق مع بعض المصنعيين ، ولاسيما الذين يتبعون عصبة مقاومة قوانين الغلال وقد انسحب اثنان بعد فترة ، ولكن أصحاب المصنع الثالث "ولين بايلي وإخوانه" أخبروا العمال أنه إذا لم تعجبهم الأجور فمن الخير لهم أن يذهبوا "ويلعبوا شوية" They had bettor to go and play a hit ، وقد أثار هذا الرد ثائرة العمال ، فانصرفوا في مظاهرة صاخبة خلال المدينة ودعوا كل زملائهم لترك العمل ، وفي خلال ساعات توقف كل مصنع وسرت العدوى إلى مانشستر وليدز وستكبورت وجونسون خلال النصف الأول من أغسطس ، ولكن المناقشات التي دارت لم تكن ــ لخيبة المصنعيين وأنصار حرية التجارة ــ حول إلغاء قوانين الغلال ، ولكن حول المطالبة بالأجر العادل ويوم العمل العادل ، وأدرك أصحاب الأعمال أنه ليس من السهل أن يكون العمال مجرد أداة في أيديهم وخشوا أن يفلت الزمام فأنحوا على دعاة الميثاقية باللوم وحملوهم تبعة الشغب في حين أنهم هم المسئولون عنه ، وكان هذا الموقف مقدمة للانفصال الذي حدث عندما أريد توحيد الجهود مرة أخرى . الخلاصــــــــــة : ليس من العسير ، مع هذا أن نصل إلى الحقيقة بين وجهتي نظر وب وأنجلز ، فقد كانت الميثاقية حركة إصلاح سياسي عندما قام بها لوفت وفريقه من أرستقراطية العمال والمشتغلين منهم بالمسائل العامة ، ولكنها لم تلبث عندما انتشرت بين غمار العمال أن أصبحت احتجاجًا على الفاقة والبأساء والبطالة التي كانت تطحن العمال طحناً ، ووجد فيها الزعماء الأخرون الذين كانوا يعملون ضد هذا الوضع بلورة تجمع السخط ، وتفزع الحكومة ، فلم يلبث أن أصبحت حركة اقتصادية الغاية سياسية الوسيلة ، ولكن هذا الوضع كان يعارض نفسه لأن الإصلاح السياسي المطلوب لم يكن ليمحي ضرورة البأساء والفاقة التي كانت اقتصادية بحتة ، وعلاجها اقتصادي أيضًا ، وليس أدل على هذا من أن الحركة كانت تشتد باشتداد أزمتي 39 و 1942م وتفتر عند فتورهما ونشأ من هذا الوضع أن جمعت الميثاقية جمهورًا وزعماء مزيفين متناقضين فجمهور الشمال والمناطق الوسطى كان من العمال الجياع الذين أودت الصناعة بمصادر رزقهم كعمال النسيج اليدوي وحبك الصوف والعمال الريفيين الذين جنى عليهم قانون الفقير الجديد ، وكان لهذا الفريق زعماؤه أوستلر وستيفنسن وأوكونور ، وكان هناك فريق لندن المعتزل ــ بزعامة لوفت ــ الذي يتكون من عمال في وضعية اقتصادية يأمنون فيها الحاجة الملحة بحيث لا يضطرون إلى النظر إلى تحقيق الميثاق باعتباره المنقذ من أزمتهم الواقعة ، وأضيف إلى هذين الفريقين العماليين فريق البورجوازية والطبقة الوسطى والراديكاليين وأنصار حرية التجارة بميولهم المتضاربة فلم يلبث أن اصبحت الميثاقية اسمًا لديانة تتعدد فيها المذاهب وتختلف فيها المشايخ ، وكانت قوى الزعماء متعادلة ، فلم يظهر الزعيم الذي يستطيع أن يخضع الجميع ، ويصهر كل هذه الاختلافات ، وقد تطلبت طبيعتها أن يبرز أوكونور الهائج المدوي الذي قدم لجيش العمال البديل الوحيد عن الخبز والعمال ، ألا وهو العاطفة والأمل ، ومن هنا كان بروزه وانتصاره فاستطاع أن يعلل العمال بالأماني حتى انقشعت الأزمة شيئاً ما ، وتحسنت الأحوال ، فلم تكن قيادته خطأً تاريخيًا أو حظاً سيئًا للحركة ، فإن رسالته في تلك الفترة الحالكة اليائسة التي لم تكن ليستطيع العمال فيها شيئاً ، كانت أن يجتاز بهم الأربعينات الجائعة كما يسمونها ، دون أن يفقدوا معنوياتهم ، وأن يقدم لهم الغذاء العاطفي عندما عز الغذاء المادي ، وكانت قضية «الشوكة والسكينة» والبيت ذي الحديقة(1) ، و «شجرة التين» المريحة كلها لم تكن أكثر من وعود ينطبق عليها البيت العربي : مُنى أن تكن حقاً تكن أحسن المنى وإلا فقد عشـنا بها زمناً رغــــــدًا أو أن تعرض نظامها وأموالها للخطر ، ومن العسير إبداء رأي محدد في أي الاحتمالين كان أكثر توقعًا ، وبالتالي تحديد موقف النقابات ومدى مسئوليتها . والشيء السليم الوحيد في الحركة كان هو الشطر السياسي ، أي النقط الست للميثاق التي أثبتت صحتها ، بيد أنها كانت متقدمة بعض الشيء عن وقتها ، ولو اقتصرت الدعوة عليها ونظمت لما احتاج تحقيقها إلى الوقت الطويل الذي حققت فيه ، ومع هذا فقد بدأ في إصلاح الدوائر وتوسيع دائرة الانتخاب سنة 1867م حتى شملت كل رجل أو امرأة ووافق على الاقتراع السري سنة 1872م ، وبدأت تسوية الدوائر من سنة 1885م ، وصرفت مهايا للأعضاء سنة 1910م ، والنقطة الوحيدة التي لم تتحقق حتى الآن هي البرلمان السنوي ، وما من شك في أنها أقل النقط رصانة وصحة . كما كان النص هدية فصل في إصلاح قانون الفقير المعدَّل ، وكشف السوءات التي كشف عنها تقرير مبدأ «إساءة المعاملة» حتى أودت فضيحة أندوفر(1) ،Andover Scandal بالقوميسرية أنفسهم ، ووكل أمر تنفيذ القانون إلى مجلس وزاري ، ولا يقل فضلها في تحقيق قانون العشر ساعات عن فضلها في وضع نهاية قوميسري قانون الفقير ، ففي هاتين الناحيتين لم تضع عبئاً جهود الميثاقيين ، إذ أثمرت قبل أن تأفل الحركة . ودراسة الميثاقية ، تقدم دروسًا طيبة في الحركات السياسية الشعبية ؛ لأنه قدر لها أن تستمر طويلاً ، وأن تتعرض لتقلبات كثيرة ، ولا ريب أنها أعظم استجابة شعبية تملكت الشعب البريطاني في العصر الحديث ، ولا يمكن مقارنتها بفكر ثورة الفلاحين في القرن الرابع عشر ، كما أن موقف النقابات منها جدير بالنظر ، فقد كان من المحتمل لو أنها تولتها ورعتها أن تنظم من شتاتها وتكبح من غلوائها ، ولكنها خشيت العكس ، أن تجعلها هي نفسها فوضوية ، ذلك الانحراف الذي يذكرنا بانحراف أوين بالاتحاد الأعظم وجهه الجمعية البريطانية .. الخ والانحراف الشديد الذي انحرفت إليه عندما اتجه بها أوكونور وجهة مشروع الأراضي ،يوضح أنها لم تكن "العقيدة" التي تستحوذ على النفس وتخضعها لها ، ولكنها كانت الأمل الذي تشتهيه النفس ، وقد يمكن أن تثنيها عنه بأمل آخر ، فقد غلبت فكرة "شجرة" التين فكرة "الشوكة والسكين" ، كما يغلب حب شقراء جديدة حب سمراء قديمة ، وقد يمكن الجمع بينهما حتى تشبع كل واحدة منها ناحية في النفس ، وبهذا يمكن الجمع بين شجـرة التين المريحة ، وبين الميثاق ونقاطه الست . * * * ولم تطو صفحة الميثاقية تمامًا بنهايتها فقد كان لبعض ممثليها أثر في الدعوة لتنظيم عمالي دولي . فنشر وليم لوفت وقد كان كما رأينا من أبرز مؤسسي الميثاقية خطابًا إلى الطبقات العاملة في أوروبا جاء فيه : "أيها الرفاق من منتجي الثروة .. انظروا إن الذين يستغلوننا يتحدون .. فلماذا لا نتحد نحن أيضًا في حماسة مقدسة لإظهار وحشية الحرب وقوة الطغيان والشقاء الذي يجروه على جنسنا" . وتبادل زعماء الحركة الميثاقية المراسلات سنة 1842 مع الصحيفة العمالية الفرنسية "المعمل" L Atelir ، وفي سنة 1846 مثـَّـل أرنست جونز الحركة الميثاقية في اللجنة الديمقراطية الدولية في بروكسل Brussels Int. Dem. Committee . وكان بردون هو الممثل لفرنسا فيها ، ولكن هذه الهيئة عوجلت وكبتت بسرعة وبالإضافة إلى هذا فقد بدت في الكتابات المختلفة للزعيم ج.ج. هارفي نزعة دولية ملحوظة . ولكن هذه المحاولات كلها لم تتمخض عن عمل إيجابي مثمر .
(1) نسبة إلى روبرت أوين الذي قاد الحركة النقابية البريطانية في ثلاثينات القرن التاسع عشر ، وألف أكبر اتحاد عمالي عرف وقتئذ ، وقد هاجمته الحكومة بضراوة وسلطت عليه قانون "القسم يمينا غير مشروع" الذي صدر عندما أضرب الأسطول البريطاني ، انظر بحث "عندما أضرب الأسطول البريطاني" في الجزء الأول من كتاب المختار من البحث والمقالات" ، فحل الاتحاد وتشتت وعوقب بعض أعضائه بالنفي , (1) الهويج حزب سياسي يمثل الطبقات الصاعدة ويقابله حزب "التوري" الذي يمثل الأرستقراطية . (1) حركة الأسيجة يقصد بها ما عمد إليه كبار ملاك الأراضي من تحويل أرضهم من أرض زراعية إلى مراعي يمكن نسييجها وذلك بالنسبة لازدياد الطلب على الصوف مع ازدهار صناعة الأنسجة الصوفية مع ظهور أولى صور الميكنة فيها ، وكان هذا يؤدي إلى توفير الفلاحين وطردهم من الأرض . (2) فيما بين عام 1700 و 1760م سُـــيج ثلثمائة ألف أكر ، وفيما بين عام 1761 و 1800م حوالي 2 مليون أكر ، وخلال الخمسين سنة الأولى من القرن التاسع عشر حوالي 2 مليون آخرين . (3) الانقلاب الصناعي ، ص 76 (توينبي) . (1) معالم التاريخ الاقتصادي ، ص 274 . (1) ويمكن ملاحظة وتتبع ارتفاع ميزانية القانون من الجدول التالي : السنة السكان ميزانية القانون المعدل على كل فرد من السكان بنس شلن 1760 1784 1803 1818 000ر000ر7 000ر000ر8 000ر216ر9 000ر876ر11 000ر250ر1 000ر000ر2 000ر077ر4 000ر370ر7 7 3 ــ 5 11 8 3 13 الانقلاب الصناعي لـ توينبي ، ص 74 . (1) معالم التاريخ الاقتصادي ، ص 274 . (2) عن ظروف الطبقة العاملة لــ أنجلر ، ص 321 . (1) سأل كوبر وهو أحد زعماء الميثاقية خلال تطوافه بناحية ليسيتسر عن الأجور فيها فأخبروه أنها أربعة شلنات وست بنسات ، فظن أن هذا هو الأجر اليومي وأخذ يحسب كم يكون في الأسبوع ، وقد فجع بالحقيقة الرهيبة ، وهي أن هذه الأجر هو أجر الأسبوع . (1) ظروف الطبقة العاملة ، أنجلز ، ص 298 . (2) حركة عمالية استهدفت تحطيم آلات النسيج الميكانيكية التي شردت عمال النسيج اليدوي ، نسبة إلى زعيمها وهو عامل يدعى "تود" وقد قاومت الحكومة الحركة بشدة وأعدمت بعض زعمائها بما فيهم لود . (1) انتصار الإصلاح ، إيلي هاليفي ، ص 15 ، وفي "تاريخ قصير للحركة العاملة البريطانية" إن الذين شنقوا تسعة . (1) انتصار الإصلاح ، ص 15 . (1) عمال المدن ، ص 217 . (2) انتصار الإصلاح ، ص 120 ، وقد كان هو كما رأيناه المستشار الذي أشار على لورد ملبورن في موضوع الحركة النقابية بما لم يجرؤ ملبورن نفسه على تحقيقه . (1) واسمها بالكامل جمعية عمال لندن للخدمة الاجتماعية والحرية والسياسية للطبقات النافعة . (2) خفضت "التمغة" على الصحف من 4 بنس إلى بنس واحد بفضل كفاح الراديكالية والعمال لمدة خمس سنوات ، بعد أن سجن خلال هذه المدة 500 شخص . London Working Association for Benefiting, Politically, Socially and Morally the Useful Classes. (1) كان هذا القانون يلغى النقابات باعتبارها "مؤامرة لتقييد التعامل" . (2) انظر : انتصار الإصلاح ، لإيلي هاليفي ، ص 293 . (1) صانعو الحركة العمالية ، مرجريت بول ، ص 89 . (1) انتصار الإصلاح ، ص 298 . (1) كانت مدة البرلمان سبع سنوات . (2) لم يكن أعضاء البرلمان وقتئذ يمنحون مرتبات ، وقد جري العرف بأن يأخذ العضو الذي كان يمثل أغلبية من ناخبيه 4 شلنات ، أما في المدن فلم يكن هناك عرف شامل إلا أن أكثر المدن كانت تدفع للأعضاء شلنين ، عن كل يوم ، بينما كان بعضها يعقد اتفاقات خاصة ، ويذكر المؤرخون أن مندوب كمبردج كان يتقاضى في سنة 1427م شلناً واحدًا عن كل يوم يقضيه في اجتماع البرلمان ، "الإنجليز في بلادهم" للأستاذ الدكتور حافظ عفيفي ، ص 55 . (1) انتصار الإصلاح ، ص 296 . (2) كان القانون الذي حورب به جمعية المراسلة والذي كان يحرم تكون جمعيات سياسية أهلية (أي ذات فروع في مختلف البلاد) لا يزال ساريًا ، فالتجأ إلى هذه الطريقة في انتخاب المندوبين تفاديًا من تأسيس فروع والوقوع تحت طائلة القانون ، فضلاً عما فيها من طابع شعبي مباشر . (1) ظروف الطبقة العاملة ، ص 265 . (2) ص 313 ، انتصار الإصلاح ، ومن رأي الأستاذ آلي هاليفي أن الثورة في ويلز كانت تعود إلى تطبيق قانون الفقير وإدخال دور العمل إلى عدد من الأسباب . (1) انتصار الإصلاح . (1) وظهر أنه لا توجد عربة بريد تسير من نيو بورت في ويلز إلى برمنجهام . Zifiyears, March, P. 124 (1) (1) كان وودود رئيس مجلس غرفة تجارة مانشستر ، ولم يكن من المتحمسين لفكرة حرية التجارة . (2) ذكر أنجلز في كتابه ظروف الطبقة العاملة في إنجلترا أن عقوبة مقاومة قوانين الغلال سيرت رجالاً يحملون نموذجين لرغيفين ، الأول : كبير كتب عليه "الرغيف الأمريكي 4 شلنات في اليوم ، والثاني : صغير وكتب عليه الأرغيف الإنجليزي 2 شلن في اليوم ، وقد استهدفت من ذلك تبديد الفكرة التي انتشرت بين العمال من أن إرخاص ثمن الرغيف سيتبعه تخفيف الأجور . (3) ظروف الطبقة العاملة ، ص 266 . (1) صانعوا الحركة العمالية ، ص 96 . (2) ظروف الطبقة العاملة ، ص 266 . (1) صانعو الحركة العمالية ، ص 98 . Common People, 283. (2) Common People, 285. (1) (1) صانعو الحركة العمالية ، ص 100 . Common People, 283. (1) People. 314. (1) Notes on British Acetous VI part. N. 837. (2) On England, P. 402. (1) Ibid, P 420. (2) (1) الإشارة هنا إلى ما كتبه ج. هارفي أحد زعماء الميثاقية في مجلة ديمقراطي لندن London Democrat في 27 أبريل سنة 1839م "أن يكون لكل منا بيتاً حسناً ليعيش فيه بحديقته ، وملابس حسنة تدفئه وتجعله يبدو محترمًا ، ويكون سعيدًا . (1) كان نزلاء دار عمل أندوفر يعملون في جمع العظام وإعدادها لبعض الصناعات ، وكانوا من الجوع وسوء التغذية بحيث يتقاتلون على كل "عظمة" عليها بعضًا من آثار الدهن أو اللحم .
#جمال_البنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة تجابه منعطفاً خطيرًا
-
نزولاً على إرادة الشعب
-
اقتراح
-
جمال البنا في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: التنوير وا
...
-
المسألة الشعبية بين جورج صاند وجوستاف فولبير
-
عندما ثار الأسطول البريطاني
-
الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا ( 3 3 )
-
كلكم سيدخل الجنة «إن شاء الله» إلا المارد المتمرد
-
مانيفستو المسلم المعاصر
-
الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل ( 1 3 )
-
الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل ( 2 3 )
-
الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل ( 3 3 )
-
الطقوسية العدو اللدود للإسلام
-
الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا ( 1 3 )
-
الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا ( 2 3 )
-
الحكمة باب يفتحه الإسلام على الزمان والمكان
-
امريكا افضل من صدام
-
الرد على شاكر النابلسي
-
دعوة لإعمال العقول
-
فصل من كتاب ( مسؤولية فشل الدولة الاسلامية) الذي منع نشره
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|