أسعد محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 09:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أخيرا إنبثقت الحكومة العراقيّة بعد مخاض شديد العسر , إستمرّ قرابة الثمانية أشهر , بل التسعة أشهر إذا حسبنا المدّة منذ ظهور النتائج الأوليّة للأنتخابات التي جرت في السابع من آذار هذا العام .
الآن صار واضحا أن مسعى تشكيل حكومة عراقيّة دستوريّة ثانية قد وصل إلى نهايته , وصار مّلِحّا أن نعرف طبيعة هذه الحكومة وماهيتها ونضع تصوّراتنا عمّا يمكن أن يؤول إليه الوضع في العراق وإلى حدٍّ ما المنطقة أيضا . ولكي تكون هذه التصوّرات معقولة لابد من استعادة بعضٍ من محطّات الطريق الذي سلكته جهود المعنيّين من أجل الوصول إلى يوم إعلانها.
جرت الأنتخابات بأقلّ ما يمكن من الخروقات الأمنية وكان الجميع , ممن أمسكوا بأعنّة القرار , مطمئنّين إلى أنّ الأمور ستؤول إليهم وحدهم بعد أن استطاعوا تمرير التعديلات إيّاها على قانون الأنتخابات واستطاعوا بواسطتها مصادرة أصوات ناخبي القوائم الأنتخابيّة التي لم تكن طائفيّة لكي تصوّت لها الطائفة المتكدّسة في محافظة أو منطقة محدّدة , ولا قوميّة لكي تصوّت لها جماهير قوميّتها المتجمّعة في مناطق محدّدة أيضا .. بل كانت هذه القوى والكتل الأنتخابيّة تملك جماهيرها منتشرةً على مساحة العراق كلّه . ولو كان قانون الأنتخاب كما هو قبل التعديلات لأصبح العراق كلّه منطقة انتخابيّة واحدة وكانت تلك القوائم ستحصل على ما تستحقّه في البرلمان الجديد بعد أن تتخطّى العتبة أو القاسم الأنتخابي بسهولة وفق اعتبار البلاد منطقة انتخابيّة واحدة . ولو إنّه من المؤكّد إنّها إذا تمكنت من إجتياز حاجز القاسم الأنتخابي فإنّها لن تتمكن من اجتياز الحاجز الأكثر صعوبة وأعني به التزوير والتلاعب
انتهى يوم الأنتخابات وبدأ الفرز وعد الأصوات . وكان من الواضح إنّ إئتلاف دولة القانون الذي يتزعّمه المالكي يحصد المزيد من التفوّق في عدد الأصوات والمقاعد .
بعد يومين أو ثلاثة أيّام تردّد في نشرات الأخبار إنّ الولايات المتحدة طلبت من السعوديّة أن تستخدم نفوذها الأقتصادي , هي ودول الخليج الأخرى , مع الصين وروسيا من أجل دفعهما إلى الموافقة على عقوبات الأمم المتحدة التي تنوي فرضها على إيران . وكان رد السعوديّة أنها ستفعل ما بوسعها ولكن بعد نهاية الأنتخابات العراقيّة .. وكان كلُّ شيءٍ غريبا في هذا الحوار المدهش ولكن ليس من الصعب معرفة الرابط بين طلب الولايات المتحدة وجواب المملكة السعوديّة .
وطبيعي إنّ الولايات المتحدة فهمت الطلب السعودي ونتيجة لهذا الفهم صار عدُّ الأصوات يميل لصالح علاوي وقائمته فيما توقّف المالكي عند حدوده حتى بدا الأثنان قريبين جدّا من بعضهما ومن ثم بدأ تفوّق الدكتور علاّوي وكانت النتيجة المعروفة . ولكن الغريب إنّ الأمم المتحدة قد تمكنت بعد ذلك من فرض عقوباتها على طهران ولم تعترض الصين وروسيا عليها بعد أن كانتا أشدّ المعارضين لها .
المالكي فهم اللعبة , ورفع صوته بالأعتراض والمطالبة بأعادة الفرز والعد يدويّا بعد أن راجت تكهنات , لا أحد يعلم مدى صحّتها , مفادها انّ برنامج الكومبيوتر الذي استُخدِم لأدارة بيانات الأنتخابات كان من تجهيز شركة عالميّة تعود ملكيّتها لمنظّمة مجاهدي خلق وهو ما برّرَ الطلب بإعادة الفرز والعد يدوّيا . وقد جرت الموافقة على ذلك في بغداد فقط
وقد قبِل المالكي ذلك وبعدها أعلن قبوله وقائمته بنتائج عمليّة الأعادة والتي أكّدت صحة النتائج السابقة فيما يتعلّق بعدد المقاعد لكلّ كيان انتخابي .
وكان غريبا أن يتقبّل المالكي الأمرَ بهدوء , ولكنّه في مناسبة لاحقة أشار إلى أنّ قائمته فقدت في الفرز الأوّل حوالي ستة عشر مقعدا وهو الأمر الذي برّر للبعض فكرة أنّ المالكي قَبِلَ ذلك حفاظا على سمعة العمليّة الديمقراطيّة التي يتناهشها جميع المحيطين بالعراق , وحتى بعض الأشقّاء البعيدين , وأيضا ربّما كان قبولُه بالنتائج مترافقا مع وعدٍ بأنّه هو , في النهاية , من سيكلّف بتشكيل الوزارة . أوّلا لقدرته موضوعيّا على تشكيل الكتلة البرلمانيّة الأكبر بعد أن تكون المحكمة الدستوريّة قد أفتتْ بحق الكتلة البرلمانيّة الأكبر في التكليف . وثانيا سيكون الآخرون ملزمين بالتعاون والرضوخ للأمر الواقع .
وكانت الأشهر التسعة التي مرّت هي صراع بين من أراد التنصّل من الألتزام بهذا حيثما تمكن ووقتما ساعدته الظروف وبين من أراد تنفيذ ما اعتقد إنّه حقّ واجب التنفيذ .
كان موقف العراقيّة مستندا إلى الرقم 91 الذي يمثل المقاعد التي حصلت عليها إزاء الرقم 89 لائتلاف دولة القانون , وقد رفض الدكتور علاّوي كل الطروحات المعارضة لحقّه في تشكيل الحكومة متجاهلا كل تجارب الدول الديمقراطيّة الأخرى في هذا المجال , وقد يكون أكثرها وضوحا هي الحالة الأيطاليّة والتي ظلّ فيها الحزب الشيوعي الأيطالي منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية وحتى سبعينات القرن الماضي يحصل على الكتلة الأنتخابيّة الأكبر ولكنه لم يُكَلَف يوما بتشكيل الحكومة الأيطاليّة بسبب عجزه عن تكوين الكتلة البرلمانيّة الأكبر والتي كان اليمين , ممثلا بالحزب الديمقراطي المسيحي , قادرا على تشكيلها وبالتالي كان هو من يشكّل , غالبا , الحكومات الأيطاليّة .
وكان الدكتور علاّوي قد رحّب بقرار المحكمة الأتحادية في إعلان التطابق بين النتائج الأنتخابيّة الأولى والثانية بعد إعادة الفرز والعد ولكنّه رفض قرارها بحق الكتلة البرلمانيّة الأكبر في تشكيل الحكومة , بل إنّه شكّك في قانونيّة ودستوريّة المحكمة .
ولكنّه بعد أشهر من التمسّك بحق الكتلة الأنتخابيّة وتغليبِه على حق الكتلة البرلمانيّة في تشكيل الحكومة المقبلة , ومتجاهلا إنه لو كُلِّف بهذه المهمّة سيفشل حتما, لاستحالة حصوله على كتلة برلمانيّة كافية . وكان بين آنٍ وآخريذكّر الآخرين بالمصير المجهول والنفق المظلم الذي ستدخله البلاد, فيما لو حُرِمَ من حق كتلتِه في تشكيل الحكومة , وهو تذكير لا يمكن فهمه إلا على إنّه تهديد صريح بالعنف , بعدها طلع علينا بأعلانه الشهير " إنّه ينحني أمام مصلحة الشعب العراقي ويتراجع عن إصراره على حق التكليف .. ولكنه عاد وأعلن إنه مستعد للتخلي عن حقّه هو شخصيّا ولكنه لن يتخلى عن حق كتلته أو قائمته . وطبعا هناك أسباب لم يُخطِئْها العراقيون . إذ إنّ تعنّت القائمة العراقيّة ومكوّناتها كان مترافقا مع ارتفاع درجة المناورات الأشعبيّة التي كان يمارسها الحلفاء المحتملون للمالكي وهم الائتلاف الوطني بشقيه الرئيسيّيْن التيار الصدري والمجلس الأعلى , وكذلك ائتلاف الكتل الكردستانيّة . وكان ارتفاع مطالب هؤلاء الحلفاء المحتملين لدولة القانون ورئيسها مشجّعا للطرف الآخر للتمسّك بما يعتبره حقه الدستوري .
وعندما وَضُحَ للعراقيّة ومكوّناتها إن التفاهم بين المالكي وحلفائه قد صار واقعا, كان التراجع عن المطالبة بنتشكيل الحكومة تحصيل حاصل , إذ لا جدوى من الأستمرار بها . ولكن ظلّ بالأمكان الضغط للحصول على ما أمكن من المكاسب على صعيد المناصب وعلى صعيد التراجع عن الأجراءات المقيّدة لنشاط بعض أطراف العراقيّة , ومنها الأجتثاث الذي طال رموزا تخطّت حدود المعقول في تمسكها بمنهج البعث أمام مشهد الدمار الشامل الذي نتج عن سياسة هذا الحزب , والذي يبدو بوضوح في العدد الهائل من الضحايا على مدى عقودَ طويلة وفي الخراب المفجع للأقتصاد العراقي , ومن ثم ّتعريض البلاد إلى الأحتلال وضياع استقلالها , وأخيرا هذه السنوات السبع من القتل والأرهاب والتدمير وإعاقة التقدّم .
لقد أصرّ علاوي على مواقع مهمّة تحت الشعار المخادع , حكومة المشاركة الوطنيّة , وكان رافعوا هذا الشعار قد أبعدوا لتوّهم القوى الوطنيّة بتعديلات أبعد ما تكون عن الديمقراطيّة على قانون الأنتخابات . وجرى اللجوء إلى استحداث مؤسسات ووزارات من أجل ترجمة مشاركة أطراف القائمة العراقيّة في السلطة , بالرغم من إن الجميع يرى في هذه المشاركة عودة صريحة لقوى البعث , صدّاميّا وغير صدّامي .... إنّه النهج ذاته , نهج الأقتراب التدريجي من المواقع المؤثرة ومواقع التمويل المالي ومن ثم فتح إمكانيّة الأنقضاض على كل شيء , وعندها لن يتمكن الآخرون وهم بهذا التمزّق وبهذه الطبيعة النهمة للمكاسب الشخصيّة , من دَرْءِ الخطرالذي لن يرحم فيما لو أمسك بناصية الأمور .
لقد فَتَحَ بابَ التفاهم على ترتيبات تشكيل الحكومة , المقترحُ , الذي قدّمه رئيس إقليم كردستان مبتدئا بذلك الطريق لتوثيق التنازلات والمطالبات , وكان من الغريب أن تكون كل مطالبات العراقيّة قد جرت تلبيتها , من تشكيل مجلس وطني للسياسات العليا إلى رفع الأجتثاث والآن تجري المطالبة بأن تكون لهذا المجلس صلاحيّة النقض لسياسات الحكومة بعد أن وضعوا المطلك نائبا لرئيس هذه الحكومة .
ولكن السؤال الذي يضرب الآن في رؤوس المراقبين هو عن السبب الذي دفع المالكي لقبول كل هذه المطالب , والسبب الذي دفع الجميع للقبول بهذا الخرق الدستوري الفاضح في عمليّة رفع الأجتثاث , (والبعض يتساءل عمّا إذا كان من الأفضل عدم القيام بالأجتثاث من الأصل ), وإعطاء كل هذه المناصب والمشاركة في السلطة والقرار لجهات يعلم الجميع إنّها كانت , في السابق ولا زالت , تمثل امتدادا لنهج البعث , والذي لم يتسبّب نهجٌ بتدمير شعبٍ كما تسبّب هو في تدمير الشعب العراقي .
ولكن أكثر ما يثير الأستغراب أنّ كلّ شيءٍ جرى بعد أن مارس بعثيّو العراقيّة نهجهم الأنتهازي المعتاد , في محاولة لتخريب وتعطيل العمليّة البرلمانيّة في انتخاب رئيس الجمهوريّة والذي سيؤدّي الى تكليف المالكي بتشكيل الحكومة , بعد أن حصلت العراقيّة على حصتها في رئاسة البرلمان . وقد هُزِم هذا النهج في هذه الجلسة , فبعد أن غادر نوّاب العراقيّة جرى انتخاب الرئيس الطالباني والذي أعلن إنه سيكلف المالكي بتأليف الوزارة , وهو ما اعتبره المراقبون دليلا على قدرة هذين الطرفين , التحالف الوطني وائتلاف الكتل الكردستانيّة , على تخطّي إمكانيّة الحاجة إلى أصوات العراقيّة في كل ِّ شيءٍ لاحق .
ومع كل هذا استيقظنا على رفع الأجتثاث ودخول المجتثين الى المناصب السياديّة والأتفاق على قانون المجلس الوطني للسياسات الأستراتيجيّة وإعطاء وزارات مهمّة جدا للعراقية تتعلق تقريبا بكل النشاط الحياتي للبلاد , من زراعة وصناعة وماليّة واشراف على كل سياسات الدولة من خلال المجلس المصطنع للسياسات .
كل هذا يحتم على الجميع التأكّد من إن الدستور يسمح أو لا يسمح في أيٍّ من موادّه , للبرلمان بإلغاء قرار قضائي أو إلغاء هيئة دستوريّة قائمة بموجبه كما يعلن هنا وهناك أطراف من العراقية في اشارة الى امكانية الغاء هيئة المساءلة والعدالة أو استبدالها بعد عدة اشهر من الآن دون ان يشيروا إلى ضرورة التعديل الدستوري اللازم والذي لا يمكن إجراؤه الآن بأيِّ حال .
كل هذا يثير سؤالا مهما الآن حول إمكانية بناء دولة ديمقراطيّة على أساس من الخروقات المتكرّرة للدستور وتلفيق المؤسسات والمجالس والمفصّلة على أساس إرضاء هذا الطرف أو ذاك
وبعد كل ِّ هذا , ليس بمستغربٍ أن نشهد عمليّة السلق البرلماني للوزارة العتيدة , والتي يُفتَرَضُ أنها مناقشةٌ لأهليّة الأشخاص المكلفين بالمناصب الحكوميّة , والتي لم تستهلك من الوقت سوى دقائق معدودات لم يكن اعضاء البرلمان قادرين خلالها على اللحاق برئيسه النجيفي الذي صار يردّد بسرعة غريبة اسم الوزير ويُلحِقُه بمصطلح الأجماع أو أغلبية كبيرة دون أن يصرف حتى ثواني في تدقيق عدد الموافقين والممتنعين في كل حالة .
ولكن الأمر المثير الذي يجب التوقف عنده هو إعلان المالكي إنه لم يعرف أسماء الكثير من المرشحين إلا وهو في الطريق قادما الى البرلمان ,, وهو الأعلان الذي يكشف مدى شراسة المناورات التي نفذتها بعض الكتل للضغط من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب ,, فكيف في هذه الحالة تسنّى لنوّاب البرلمان التحقّق من كفاءة الوزراء الذين أعطوا الموافقة على استيزارهم ؟ إنّها عمليّة سلق حقّا .
لقد حاول الجميع , ومن مختلف الأطراف , أن يوحوا لنا بأن الأمر تم بسلاسة , وإن فترة انتعاش ونهوض وبناء سوف يشهدها البلد المبتلى . ولكن الواقع لن يكون بهذا الشكل ما لم تنقلب قوانين الحياة ويصبح عاليها سافلها . وبإمكان أيّ عراقي بسيط أن يعدّد الكثير من الأسباب لذلك
أوّلا ليس بالأمكان , حتى لو كان المرء ساذجا , أنْ يتصوّر إنّ إنسجاما من أيّ نوع يمكن أن يقوم بين الأطراف المشاركة في الحكومة ... وما لم يقم هذا الأنسجام فإن الحكومة لن تحقق شيئا سوى المراوحة في مكانها في أفضل الأحوال
وثانيا هناك مصيبة كبيرة ركبت أغلب اللاعبين في ساحة السلطة وهي اعتقادهم , وهم محقون في ذلك رغم إنها مصيبة , إن أقصر طريق لجني مواقع في السلطة وتوسيعها هي في الحصول على مصادر المال والمال الوفير جدا بالذات , وهذا المال لايتوفّر إلا من خلال المؤسسات والوزارات التي تستدعي تخصيصات ماليّة ضخمة وبالتالي فإننا سنشهد الكثير من الحالات التي تستدعي نشاطا خارقا لهيئة النزاهة , على شاكلة صرف المليارات على الحصّة التموينية في الوقت الذي غابت مكوّناتها ... أو المليارات التي صُرفت على الطرق والخدمات البلديّة مع بقاء الجميع يشكو من غياب الطرق الممهدة والخدمات البلدية سواء في العاصمة أو في المحافظات , وغير هذا الكثير ولا يمكن استثناء أي طرف من الأطراف من المشاركة في هذا المهرجان الذي يمكن ان نسمّيه ,, حوسمة إداريّة ,, والحوسمة هنا هي ذلك المصطلح الغريب الذي أطلقته الجماهير على عملية النهب التي أعقبت ساعات سقوط النظام السابق بالأستناد إلى الأسم الذي أطلقه صدام حسين على المعركة ( معركة الحواسم )والتي كانت حاسمة فعلا في ضياع استقلال العراق .
وثالثا , أن البعض يشارك على أمل الأستحواذ على موقع أكثر أهمية من أجل إزاحة الآخرين , أي تحقيق ما لم يتمكن من تحقيقه بالأنتخابات رغم نهر الأموال والدعم الخارجي وهو ما سيجعل الثقة اللازمة لأداء حكومي جيّد أمرا صعب المنال .
رابعا , إن الخلافات القائمة بين أطراف الحكومة ستمنح الفساد الأداري المزيد من الفرص الذهبيّة لكي يصول ويجول مفتّتا ما بقي من ذمم غير ملوّثة ومشيعا نمطا خطِرا من التقاليد الهمجيّة في التعامل مع الشؤون العامّة التي سيعاني منها العراقيّون كثيرا وسوف يسيء كثيرا لسمعة البلاد ويمنع عنها الكثير من الأستثمارات .
خامسا , إنّ الإختلافات في الرؤى بين الأطراف الحكوميّة الفاعلة حول استحقاقات مهمّة , وأهمّها في السنة القادمة هي الأنسحاب الأمريكي من العراق , يدفع إلى الأعتقاد بأن خطرا كبيرا قد يهدّد الأستقرار خاصة وإن الأختلاف في هذا الأمر قد يصل إلى الرغبة عند بعض الأطراف بتأجيله وهو ما يعني أنّ الوجود الأمريكي هو الصمّام الذي يمنع انفلات الأمور وهذا مفهوم خطر جدا من ناحية الموقف الوطني .. إذ إنّه يعني غياب الأستعداد لتقديم أية تنازلات من أجل خلق موقف وطني موحّد ورصين يستطيع مساعدة البلاد للخروج من أزمتها ويعني أيضا أن الأنانيّة السياسيّة هي سيّدة الموقف .
سادسا , إن الكثير من الأطراف المشاركة في الحكومة لا زالت على علاقة جيدة مع أطراف الجوار عربيّا وغير عربيّ إلى الحد الذي سيعطي هذا الجوار القدرة على إثارة الصراعات المختلفة , طائفيّة ودينيّة وقوميّة , من جديد .. وبالطبع ليس بالأمكان تصوّر أداءٍ حكوميٍّ ممتاز مع ظروف احتقانات من هذا النوع .
أخيرا فإن الكلّ مجمعٌ على أن التشكيلة الوزاريّة لا تثير الشعور بأنّها تضم كفاءات مميّزة في المجالات التي انتدبت لها وبالتالي فإننا لن نشهد برامجَ مميّزة يقدّمها هذا الوزير أو ذاك وهو ما سيعطي وكلاء الوزارات مساحة أوسع لتسيير امور وزاراتهم بسبب خبراتهم الأداريّة السابقة .
وبالأمكان تلخيص هذه المعمعة كلها بما تعنيه الفقرة التالية
لو كنت قياديا في القائمة العراقيّة وطُلِبَ مني ترشيح أسماء لمناصبَ وزاريَة لما قدّمت سوى عناصرَ غير كفوءة ( وقد تكون كفوءة في مجال غير اختصاص الوزارة المعنيّة )والسبب واضح جدا فأنا لا أحبّذ, حتى لو كنت في أشدّ حالات الود والتصالح , أن أرى وزارة المالكي تعمل بطريقة مرضية وملبّية لمصالح الناس وهو ما يساهم بفتح الطريق لخلق قاعدة شعبيّة تعيد قائمته وحزبه إلى الوزارة في الأنتخابات القادمة .
وأيضا فإن أداءا وزاريا سيئا سوف يدفع لتصاعد الأحتجاجات على الحكومة ومع بعض المكائد السياسيّة المشروعة وغير المشروعة سيكون بالأمكان إسقاطها وعندها سيكون لكلّ حادث حديث .
ولو كنت قياديا في التحالف الوطني لقبلت بالوزراء الغير كفوئين لسهولة التعامل معهم وربما يمكن تضييق حدود نشاطاتهم في مجلس الوزراء وبالتالي , مع بعض الصرامة يبدو من الممكن الأنفراد بالقرار خاصة وإن وكلاء هؤلاء الوزراء والذين يمكن تسميتهم , وزراء الظل , سيكون من السهل عليهم الأستحواذ على تصريف شؤون الوزارة المعنيّة .
ولو كنت من قادة الأئتلاف الكردستاني لما طالبت ولما عملت على إصلاح الأمر, لأن هذا الصراع القبيح , والذي يفتقر كثيرا للشرعيّة الدستوريّة , على مركز القرار يجعل نقاط الخلاف بين المركز والأقليم ممكنة الحل دائما لصالح قيادة الأقليم .
هناك اختلافات كثيرة بين جميع الأطراف تعيق السير على طريق اصلاح البنية الأدارية للبلاد والحقيقة إنهم لا يختلفون على مسائل جوهريّة , إنما جُلَّ اختلافهم على حجم الحصّة التي يجب أن يحوزها من الغنيمة , سلطةً أو مالاً , كلّ طرف من الأطراف المتصارعة , بعد أن نجحت هذه الأطراف كما قلنا سابقا في تنحية أصواتٍ وطنيّة كان بإمكانها لعب دورٍ مهمٍّ في انهاض الروح الوطنيّة وسيادة روح المسؤوليّة التي يجب أن يتحلى بها الجميع . على الجميع أن لا يتوجّسوا خيفةً من هذا الصراع لأنّه لن يصل إلى لحظات احتدام خطرة , ما لم يفتح الباب أمام المصالح الأجنبيّة , فالجميع توحّدهم مصالحهم الطبقيّة والجميع يتلفعون بالدين والقوميّة والمذهب وحقيقة الأمر إنهم موحّدون في انتماءاتهم وتطلعاتهم الطبقيّة . واذا تشابكوا بينهم بالأيدي فإن حل الأمر لن يكون صعبا إذا ما طُرِحَت على الطاولة خطَطٌ معقولة لاقتسام المغانم فهم في النتيجة لا يمثلون إلا طبقتهم البرجوازيّة التي تدرك دائما إن ما يهدّدها لا يأتي من داخلها وإنّما من خارجها , من الطبقات الأخرى وممثليها لأن لهذه الطبقات الأخرى مصالح مناقضة تماما... ولذلك نجد إن جميع المشتبكين من أطراف الفوز الأنتخابي لايختلفون في مواقفهم من الأحتلال الأمريكي والعلاقة مع رموزه , وهذا الأحتلال بدوره لا يوفّر جهدا في التوسط لتهدئة العلاقة بين المتنافسين ومساعدتهم على معرفة الطريقة التي يقتسمون بها الغنيمة التي صارت إليهم ولذلك أيضا لا نجد في برامج هذه الأطراف أيّة إشارة إلى نوع الأقتصاد وما هو بالتحديد توجّهه وما هو دور القطاع الخاص وما هو دور القطاع العام , ولانجد أيضا أيّة إشارات إلى مصير المشاريع الكبيرة التي يملكها هذا القطاع الصديق الودود للطبقات الشعبيّة على مدى عقود طويلة منذ تأسيس الدولة العراقيّة قبل أن يخرّبه النهج الصدّامي بحروبه العبثيّة وعنفه المدمّر .
وبالرغم من أهمية الأتفاقيّات الكبرى التي أُبرمت مع الشركات العالميّة في قطاع النفط والطاقة خاصة , فإننا لم نسمع إن الصراعات قد نشأت حول نمط هذه الأتفاقيّات والطريقة التي عقدت بها وكيف إنّ اتفاقيات مهمة من هذا النوع لم يجرِ عرضها على الشعب للمناقشة ومعرفة تفاصيلها , فهذا بالنسبة للأطراف المتصارعة خطّ أحمر , إذ إن الجميع يخطب ود هذه الشركات وخاصة منها تلك التي تحوز على القبول والرضا الأمريكي .
إن الجميع لا يختلفون على كيفيّة توفير الدواء مثلا ولكنهم يتدافعون على المركز الذي يتيح لهم توفيره عبر التعاقد مع الشركات والتي تدفع الكثير لمن يسهّل لها توقيع العقود الكبيرة . أمّا عن الخطط الوطنيّة لتوفيره وتطوير صناعته وتنمية القطاعين العام والخاص في هذا المجال فلا أحد ينبس ببنت شفة حولها . وكذا الحال في كل فرع من فروع الأقتصاد والخدمات . ولكننا والحق يُقال لا نعدم أن نسمع من هذا الطرف أو ذاك تلميحا إلى أنهم يعملون على إشاعة اقتصاد السوق وترسيخه في العراق وبنيته الأقتصاديّة , الأمر الذي يفضح بشكل جلي وحدتهم الطبقيّة البرجوازيّة المتخطية للدين والمذهب والقوميّة والتي يتلفعون بها , لا لشيء , سوى اعتبارها وسيلة لأسناد مصالحهم
وهكذا يبدو الأمر بمجمله شديد المرارة وإنّ المسؤوليّة الجماعيّة تجاه القضايا الوطنيّة لا زالت بعيدة المنال , والعراقي لا يزال بعيدا عن الشعور بأن القانون ومصلحة الوطن هما سيّدا الموقف ولذلك على الجميع التأكّد من أن صبر الشعب له ما يكفي من المدد وإنّ هذا المدد لن ينضب في أحد الصباحات التي يعشقها العراقيّون .
#أسعد_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟