فؤاد ابو لبدة
الحوار المتمدن-العدد: 3248 - 2011 / 1 / 16 - 03:36
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
’’الفقر غربة في وطن والمال صاحب وطن في غربة ’’ ذلك القول المأثور لعلي بن أبي طالب كان هو الشعور الذي يراود محمد البوعزيزي , ومؤكدا يراود الآلاف من شباب وفتيات مجتمعنا العربي, حيث أصبح لسان حالهم يقول انهم غرباء في أوطانهم يطاردهم شبح البطالة وكابوس الدكتاتورية وحرمان الحريات يدك مضاجعهم غير آمنين علي مستقبلهم وحثي حاضرهم لا يكفل لهم العيش بكرامة , وحلم حياتهم بإيجاد حزب ثوري يمثل طموحاتهم ويقود نضالهم التحرري في ظل الصراع الطبقي المحتدم والمتزايد بفعل الدكتاتورية البرجوازية التي تعيش علي أنقاض المعذبين والكادحين قد تبخر .
ان التجربة الرائعة للشعب التونسي العظيم بأحداثها الدراماتيكية السريعة دقت ناقوس للخطر لجميع الأحزاب اليسارية , تنبههم بان الصراع الطبقي قادر علي أن يتفجر في اي لحظة ولا يحتاج سوي الشرارة التي تشعل فتيل الثورة ,رغم مشاركة اليسار في هذه الثورة الجماهيرية المباركة لكن الأيام الأوائل منها لم تشهد الدور الذي كان مناطا باليسار التونسي القيام به وهو قيادة تلك الجماهير نحو إقامة ديكتاتورية البروليتاريا وإقامة الشكل الثالث منها ألا وهو الديمقراطية الشعبية ولا سيما انه الشكل الذي يتناسب وطبيعة الواقع العربي ,وهذا ما يدلل ان اليسار التونسي لم كان جاهز تماما لهذه المهمة شأنه شأن باقي الأحزاب اليسارية العربية غارقا بأزماته الفكرية والسياسية والتنظيمية والمالية ,فاليسار ابو التغيير وابو الديمقراطية وأبو التحرر وكان من الأجدر ان يكون اليسار التونسي اكتر جاهزية بحكم انه صاحب القراءة السياسية الصائبة للأحداث والتطورات , وان يكون أكثر تغلغلا وسط الجماهير ويكون اكتر إدراكا لكبتهم وغيظهم وعنفوانهم الثوري بعد ثلاثة وعشرين عاما كانت بمثابة خمس ولايات متتالية لحكم بن علي امتازت سياسته بتكميم الأفواه وحرمان الحريات وكبح جماح الكتاب والأدباء والمفكرين ناهيك عن ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية التي أصبحت درب من دروب الإرهاق الحصول عليها للمواطن العادي ناهيك عن المؤسسة الأمنية التي ينتمي إليها بن علي والتي أحكمت قبضتها علي المواطن التونسي ليصل الحد الي الرقابة علي اجهزة الاتصالات الأرضية والخلوية ووسائل الاتصال عبر الانترنت . ولا ننسي حجم الاحتكارات التي كانت تسيطر عليها اسرة بن علي وأسرة الطرابلسي ,تلك الأمور وغيرها كانت اكبر جهاز انذار لليسار التونسي بان الوضع يوشك علي الانفجار في اي لحظة وينبغي عليه انه يكون علي أتم الجاهزية
منذ تاريخ السابع عشر من كانون اول الماضي وارتقاء البو عزيزي نجما ليضئ الطريق للأحرار من بعده ,لان يتولي اليسار مهمته التاريخية لكونه هو من يجيد قيادة الثورة بوصفها فن ادارة الصراع الطبقي .
من منطلق هذه التجربة الفريدة والرائعة هل ستستفيد اليسار الفلسطيني من هذه التجربة ؟؟ ام سيكتفي بتدوين هذه التجربة في أدبياته ؟؟ ام سينظر إليها بشيء من الإعجاب والتقدير ؟؟ ام سيكتفي بإيجاد المبررات وإطلاق الشعارات في الصالونات السياسية والمنتديات الفكرية ؟؟؟؟ ام سيقف يتغني بها كما تغني بثورة جيفارا والليندي ولومببا وهوشي منه وجياب وماو وكاسترو وغيرهم ؟؟؟؟؟؟؟؟
بتقديرنا ان اليسار الفلسطيني هو اكتر تجربة من باقي الاحزاب اليسارية العربية والعالمية بفعل انه عاش تجربة انتفاضتين شعبيتين عامي 1987 و2000 , وعاش حياة التمرد الثوري علي الاحتلال ومعظم قادته أمضت سنوات خلف القضبان .
اليسار الفلسطيني وان جاز لنا التعبير إطلاق اسم اليسار الديمقراطي علي الجبهتين الشعبية والديمقراطية واللتان تمثلان اليسار بشكله الحقيقي دون الاستخفاف بباقي الأحزاب اليسارية لكونها احيانا تتأرجح ما بين احيانا ما بين التمركس وتارة أخري نحو الليبرالية السياسية , يتوجب علي اليسار الديقراطي ان يتعلم من التجربة التونسية وان يكون جاهزا في كل من غزة والضفة لان الأرضية خصبة تماما و بها ألاف البوعزيزين ,الجماهير في الأولي سئمت من يرتدي عباءة الدين وينتهك الحريات ويسجن ويعذب ويمارس اقسي العقوبات السياسية بمنع السفر وسحب جواز السفر من بعض المواطنين وهو ما يعتبر انتقاصا من الحقوق المدنية للمواطن ومن اخطر العقوبات السياسية التي تتخذ بحق المواطن هو حرمانه من التنقل والسفر ,علما انا جواز السفر الفلسطيني هو رمزا لفلسطينيتنا ويعبر عنها ويكتب باللغة العربية إضافة إلي اللغة الانجليزية في حين ان بطاقة الهوية الشخصية ما زالت تكتب باللغتين العربية والعبرية , علاوة علي التمييز ما بين المواطنين وتصنيفهم وفقا للاعتبارات السياسية .
أما في الثانية "الضفة " فما زال هناك أيضا اعتقالات سياسية وما زالت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير تسعي لتعزيز نهج التفرد والانفراد بالقرار بالفلسطيني والبحث عن حلول تتماشي ونهج البرجوازية واحتكار ثلة قليلة للمشاريع الاقتصادية والتي تحاول بدورها ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاحتلال وببعض الدول الرأسمالية الكبرى حيث تتماشي مصالحها ناهيك عن قضايا الفساد والرشوة والضبابية وعدم الشفافية .
علي اليسار الديمقراطي استخلاص العبر والنتائج من التجربة التونسية وان يبادر بالتالي :
1- الانتفاض أولا علي الذات ونفض غبار الكسل وتصليب الجبهة الداخلية ,لان اليسار رسالة تاريخية وهو الأجدر لقيادة الجماهير بعد أن فقدت الجماهير ثقتها بسلطة الأمر الواقع بغزة , وبسلطة التعيين برام الله .
2- أن يلتصق اليسار اكتر بالجماهير ويكون المعبر عن صوتها الصادق وان يتغلغل في أوساطهم وعدم الاكتفاء بالنظر عليهم من الأبراج العاجية أو إطلاق الشعارات من خلف المنصات والاحتفالات بالمناسبات الوطنية فقط.
3- ان يكثف اكتر من فعله الكفاحي والنضالي ضد الاحتلال لتغطية العجز الكفاحي الذي بات يلمسه كل مواطن وتحديدا في العقود الثلاثة الأخيرة , وان كان له دور في الانتفاضتين الاخريتين الا انه لم يرتقي الي حجم المسؤولية التاريخية المناطة به .
4- القيام بدور اكثر فعالية في النقابات العمالية والاطر المهنية الاخري والاطر الطلابية , فهو من يمثل الطبقة العاملة ومن يتحدث باسمها ولا يجدر به ان يكون علي هامش العمل النقابي .
5- الاسراع في ترتيب البيت الفلسطيني واعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني علي اسس مهنية ونقابية باعتبار انه يمثل ثاني وثالث الفصائل الفلسطينية فيها .
6-العمل علي توحيد الفصائل اليسارية والعمل ضمن جبهة يسارية عريضة تضم كافة الفصائل اليسارية علي قاعدة توحيد الجهود وفقا لاطار مهني وفكري والابتعاد عن نظام المحاصصة لضمان تشكيل هذا الإطار الجبهوي اليساري .
في نهاية رسالتنا هذه نتمنى لليسار العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص ان يستفيد من تلك التجربة التونسية الرائعة ولا يسعنا هنا الا ان نبرق بالتحية لجماهير تونس الحبيبة ,ومزيدا من التقدم نحو الحرية والتحرر ونبرق بالتحية لأهالي شهداء التحرر فهم شهداء الديمقراطية ونجوما تلألأ في سماء الحرية ونتمنى الشفاء العاجل لجرحي الثورة التونسية وجميع الثوار والأحرار بالعالم.
#فؤاد_ابو_لبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟