|
نظام تونس يعيد ترتيب أوراقه
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 16:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أغلب الظن أن الرئيس التونسي المغادر لبلاده، لم يرحل بقصد التخلي عن السلطة.. وفي اعتقادي أنه خرج لتهدئة الأمور إلى أن تستطيع أركان نظامه السيطرة على مجريات الأمور، على غرار ماحدث مع شاه إيران السابق أثناء اضطرام ثورة الشعب بزعامة مصدق عام 1953، عندما غادر البلاد عدة أيام إلى أن استطاعت قوات أمنه بمساعدة أمريكية إخماد الثورة وقتل مصدق، فعاد إلى البلاد يسومها القمع والفساد إلى أن قامت الثورة الشعبية في 1979، التي سرقها الملالي. ويؤكد هذا التصور خروج بن علي وتولي رئيس وزرائه صلاحياته على هذا النحو، حيث اعتبر أن ما حدث يعتبر "تعذرا وقتيا" على قيام رئيس الجمهورية بمهامه..تطبيقا للمادة 56 من الدستور التونسي الذي ينص على أنه في حال"تعذر على رئيس الجمهورية القيام بمهامه بصفة مؤقتة أن يفوض سلطته إلى الوزير الأول"..ومن ثم، لم يكن هناك تحايلا على الدستور، وإنما محاولة لاختطاف ثورة الشعب. وربما كان مايؤكده أيضا، بيان الديوان الملكي السعودي حول استضافة بن علي بسبب "ظروف استثنائية تمر بها تونس".. فهي استضافة مؤقتة إلى أن تزول الظروف الاستثنائية! غير أن أغلب الظن أيضا، أن أركان الظام الذين بقوا في البلاد وتولوا السلطة لن يسمحوا بعودته مرة أخرى وإنما سيقدمونه كبش فداء للمحافظة على بقاء النظام ككل.. فالمسألة لن تتعدى تغيير شخوص بشخوص أخرى، وليس تغييرا للنظام. وهذا ما أكده أيضا إعلان رئيس مجلس النواب "شغور منصب رئيس الجمهورية" والدعوة لانتخابات رئاسية خلال 60 يوما، لاشك أنها ستجيء بأحد أركان النظام أيضا نظرا لغياب حياة ديمقراطية سليمة تتيح تغييرا حقيقيا. وهي حقيقة، وإن كانت تسبب قلقا للبعض ممن راهنوا على أن تكون انتفاضة الشعب التونسي ـ خاصة مع ما وقع بعد رحيل التونسي من فوضى يبدو أنها متعمدة من النظام الذي مازال قائما لتمديد حالة الطوارئ وتبرير التدابير الأمنية لقمع الانتفاضة ـ ثورة حقيقية إلا أنها لا تفاجئ من يقرأون الأحداث قراءة عميقة، ويتعلمون من دروس التاريخ. فلم يحدث أن أطيح بنظام بأكمله عقب انتفاضة شعبية غير منظمة استمرت بضع أيام! غير أن هذا لايقلل من روعة الحدث ومن عظمة نضال الشعب التونسي. وهي في نهاية الأمر خطوة أولى لابد أن يليها خطوات.. وربما تنجح عناصر الثورة المضادة، وأركان النظام القائم في حرف مسار الثورة مرحليا، أو قمعها والالتفاف عليها.. لكن حركة الشعب التونسي لابد أنها ستتواصل، مضيفة إلى الجماهير التونسية مزيدا من الوعي وتراكم الخبرة النضالية، حتى تحقق النصر النهائي، الذي تسعد به أرواح الشهداء وملايين الشعب التونسي. وتؤكد دروس التاريخ أيضا أن القمع الذي تمارسه النظم الديكتاتورية ـ بغل يد القيادات الطليعية المثقفة عن تولي قيادة الحركة الشعبية، عبر تكميم أفواه المثقفين وحرمانهم من إنشاء الأحزاب الحقيقية المعبرة عنهم، وغياب حياة ديمقراطية وبرلمانية سليمة تمنح أملا في التغيير السلمي ـ هو المسئول الوحيد عن الانفجارات الشعبية العفوية والعشوائية، من دون قيادات منظمة واعية، وما يتبعها من فوضى وأعمال قمعية تالية. فالجماهير الفقيرة والمقهورة، عندما تتدهور أحوالها، مع انعدام الأمل في أي تغيير سلمي تسمح به متلازمة الاستبداد والفساد، إلى حد يجعلها توقن أن ليس لديها ما تخسره، لن تنتظر فذلكات المثقفين ونظرياتهم، ولا تنظيمات ورقية سمحت بها الحكومة، وإنما ستخرج إلى الشوارع تشعلها نارا ودمارا. وكم تحفل صفحات التاريخ بمواقف سبقت فيها حركة الجماهير غير الواعية، تحرك النخبة المثقفة.. وكم تحفل أيضا بأحداث فوضى وعنف من هذه الجماهير يليها عنف وقمع مضاعف من الديكتاتورية. ولاشك أنه مامن مثقف يتمنى أن يتصاعد التخريب والفوضى وتسيل الدماء، بيد أن الديكتاتوريات لاتترك أمام الجماهير المقهورة حلا آخر بعدما حرمتها من الانتظام في تنظيمات مستقلة حرة تحت قيادة طليعة واعية ومثقفة. فلا يكون أمام هذه الجماهير سوى الخروج بلا قيادة منظمة للتعبير عن نيران القهر المشتعلة داخلها. ومن ثم، فعلى الديكتاتوريات ألا تلوم سوى نفسها على قطع الطريق أمام التحام القيادات المثقفة بجماهيرها. وعلينا أن نتقبل دفع ثمن الحرية، خسائر وتضحيات ودماء شهداء، إلى أن تتعلم الجماهير بمنطق التجربة والخطأ ويزداد وعيها، وتفرز من بين صفوفها قياداتها الطبيعية التي تنظم صفوفها، وتوحد قبضاتها في قبضة واحدة قوية تطيح بكامل النظام الديكتاتوري الفاسد.. ولا شك أن هذا سوف يستغرق المزيد من الوقت، والخسائر، والتضحيات؛ إلا أن غباء الديكتاتورية لايترك خيارًا آخر..فهي تحفر بنفسها قبرها، ولكن دونه الكثير من النضال الشاق والعسير. الانتفاضة العفوية في تونس، نجحت في الإطاحة بشخص بن علي، لكن مازال أمامها الكثير حتى تنتصر على متلازمة الفساد والاستبداد. وهي، على أي حال، خطوة تستحق الإشادة والتهنئة، فليس مطلوبا من جماهير عشوائية، حيل بينها وبين كيانات تنظيمية معبرة عن مصالحها الحقيقية أن تتصرف بوعي وحنكة لم تكتسبهما من قيادات مثقفة. لم تترك الديكتاتورية أمامهم خيارا فلتتذوق ثمار ما زرعت يداها، وليس أمام الجماهير سوى قبول التحدي، ومواجهته بالمزيد من الحركات العفوية، ولتكتسب الوعي والخبرات في الشوارع، بعدما حرمت من النضج السياسي الذي تضمنه الحياة الديمقراطية السليمة. وهو درس ليس من المنتظر أن تتعلمه أنظمة مازالت تصر على أن شعوبها لم تنضج إلى مستوى تستحق معه حياة ديمقراطية.
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احذروا سارقي ثورات الشعوب
-
مطلوب دروع بشرية لحماية الكنائس
-
السكوت عار وخيانة
-
كل ما تهل البشاير من يناير
-
ميزان الحسنات الكئيب
-
البرادعي.. والثقافة المنسية
-
في بيتنا أمل
-
لماذا..؟
-
جنازة عسكرية لشهداء العيد
-
تأملات مصرية غير كروية
-
العربة والحصان.. أو فقه الأولويات 2-2
-
العربة والحصان.. أو فقه الأولويات 1-2
-
مصداقية البديل.. أعز ما تملك
-
إلا أزهار البساتين!
-
احذروا.. إنهم يحرفون البوصلة! مسميات ثورية بنكهة المارينز
-
انتبهوا.. إنهم يسرقون الحلم!
-
هلوسات.. بمناسبة يوم المرأة
-
أزمة .. وتعدي 22
-
أزمة .. وتعدي 1-2
-
صعوبة ألا تكون سوى نفسك!
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|