|
مؤمنون أم متدينون؟
فؤاد علي أكبر
الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 04:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأنسان هذا الكائن المتأرجح مابين الغريزة والعقل‘ مابين الأحساس بالعجز والهوان والأحساس بالقدرة والطغيان‘ مابين الحقيقة والخيال. قُدِر له أن يمضي في رحلةٍ قسرية مجهولة البداية ومجهولة النهاية تخترق الزمان والمكان. فما كان منه إلا أن يكون في بحث دائم عن كنه ذاته وخلقه وعن علة وجوده في هذه الرحلة وعما كان قبلها وما سيكون بعدها وعما يحدث خارج فضاءات علمه وادراكه خلال وجوده فيها وكذلك عما ينظم علاقته بأبناء جنسه ومحيطه. فكان هناك العلماء والفلاسفة والمعلمين كنتيجة حتميه لكل هذه الهواجس والتساؤلات. وبسبب قدرة الأنسان المحدودة في الأجابة عن الكثير من هذه التساؤلات كانت هناك حاجة ملحه لخالق يُنبئُ عن نفسه أو يبعث من ينبئ عنه ويأتي بالخبر اليقين من خارج الزمان والمكان وخارج الفضاءات التي أستطاع الأنسان فهمها وتفسيرها. فكان هناك الالهة والكهنة والأنبياء والرسل وبالطبع كان هناك دائما المؤيدين والمخالفين وبدوافع مختلفة بالأضافة الى الحياديين واللامبالين. في الواقع أن فكرة وجود الخالق والعلة من وراء الخلق كانت وماتزال قوية ومتفاعلة ومؤثرة رغم التطورات والتغييرات الكبيرة في حياة الأنسان وفي وسائل معرفته وأستدلالاته على الحقائق وبالرغم من أن صورة الخلق والخالق كانت قد أتخذت أشكالاً وصفات أو تعابير شتى‘ فتارةً يُصور أو يَكون الخالق بذاته كصورة مادية محسوسة من صور الخلق وتارةً يُستدل عليه بما هو مادي ومحسوس من صور الخلق بينما تظل قدرة الخالق والخلق في جميع الأحوال خارقة عظيمة مطلقة بحيث لايستطيع الأنسان الصمود أمامها أو حتى أدراكها. هذا الأحساس الواقعي بالعجز في القدرات المادية والعقلية لدى الأنسان في مواجهة الخلق أو في معرفة حقيقة الخالق‘ مع ما أستطاع أن يحققه من أنجازات كبيرة عبر مراحل حياته وما أمتلك من سيادة مطلقة على الأرض بالرغم من التباين الحضاري والثقافي المتزامن بين مجتمعاته خلال هذه المراحل‘ جعل الأنسان في صراع أزلي دائم مع ذاته. توفر العوامل المحفزة لتصعيد هذا الصراع‘ الفضول المعرفي لفهم الحقائق والحاجة الملحة للأجابة على التساؤلات التي تفرض نفسها معترضةً مسارات الأنسان وتطلعاته في هذه الحياة‘ الخوف الفطري من المجهول وقدرة الولوج والحركة الحرة الفائقة والغير محدودة للأنسان في عوالم الخيال‘ الميل والنزعة الطبيعية للأنسان بأتجاه حفظ نوعه والسعي الدائم لأيجاد النظم والقوانين والشرائع التي تنظم العلاقة بين أفراد جنسه وتنظم علاقته بمحيطه بما يحفظ له الأستمرار والبقاء ومع توفر الأسباب والمتطلبات الفكرية والأجتماعية والأقتصادية والسياسية للتغيير في بعض المجتمعات البشرية بالأضافة الى بروز الحاجة الى مصدر للتشريع ذات سلطة عادلة عُليا تفوق قدرة الأنسان لضمان تطبيق هذه القوانين والتشريعات‘ هي من الأسباب والدوافع الرئيسية لوجود الأديان والمعتقدات. وحدة هذه الدوافع والأسباب وتشابهها لدى معظم التجمعات البشرية وعبر مراحلها التأريخية المختلفة تكمن وراء التشابه في المبادئ الأساسية والخطابات الدعوية لمختلف هذه الأديان في بدايات ظهورها وأنتشارها. وكنتيجة لهذه التساؤلات والأحتياجات الأنسانية كانت الديانات والمعتقدات التي تقترب من أجابة هذه المتطلبات هي الأكثر أنتشاراً وأستمراراً حيث أنها أستطاعت أن تجد لها أجيالاً من المؤمنين والمخلصين لمبادئها و كذلك أيجاد بيئة صالحة وواسعة لنموها وأنتشارها. أن من أهم عناصر قوة تأثير هذه المبادئ والتي تكاد أن تكون مشتركة مابين هذه الأديان والمعتقدات هي كونها على الأغلب مستلهمه من قوى غيبية لا قدرة للأنسان على مناقشتها أو الأعتراض عليها بما متاح له من قدرات عقلية وحسية لا مناص من الأستسلام لها وقبولها بالأضافة الى ما حققته هذه المبادئ بدرجة أو بأخرى من عدل وتنظيم في حياة الأنسان وفقاً لمتطلبات وتداعيات المراحل المختلفة التي مر بها الأنسان والخصائص التي تميزت بها تلك المجتمعات البشرية. كما أنها قد حققت توازن نفسياً معتدلاً بين الغريزة والعقل وعوامل القوة والضعف لدى الأنسان وبذلك كان لها تأثيراً واضحاً في معظم شؤون الأنسان وحركته منذ بداياته الأولى نحو التحضرألى ًحاضرنا المعاصر. رغم هذه الأهمية التي أكتسبتها الأديان في حياة الأنسان ورغم وضوح الخطوط المشتركة بين هذه الأديان وبين المؤمنين بها اصبحت هذه الأديان تشكل خطراً حقيقياً على حياة الأنسان وأمنه وتعايشه بفعل الأختلافات وعوامل التغيير التي طرأت على هذه الأديان. هذه الأختلافات كانت بسبب أشكاليات زمنية ومكانية تتعلق بالظروف التي ظهرت أو نشأت فيها الأديان أكثر من كونها أختلافات في طبيعة الأديان نفسها. ولربما القدرة الطبيعية التي أتصفت بها هذه الديانات والمعتقدات كتعبير عن أرادات بشرية محدودة أو ما قُدِر لها أن تكون كذلك كان السبب المتقدم لتعددها ولظهورها في مجتمعات و في فترات زمنية مختلفة ولأنحسارها أو أنتشارها ضمن مساحات جغرافية وزمنية معينه. فموت الأنسان بعد فترة من الزمن تكاد أن تكون قصيرة جداً بالنسبة الى وجوده التأريخي‘ البعد الجغرافي وصعوبة التواصل بالأضافة الى اختلاف وتباين اللغات والثقافات بين التجمعات البشرية‘ الحروب وصراعات الهيمنة السياسية والأقتصادية‘ التطور الحضاري الغير متواصل والغير منتظم تأريخياً وجغرافياً ربما هي من أهم الأسباب التي أدت الى تعدد الأديان والمعتقدات. وبنظرة عامة لتاريخ الأديان نجد أن أثر الأنسان بات جلياً وواضحًا عليها حيث أنه قام بتغييرات وبتحولات كبيرة وكثيرة في معتقداته كتعبير عن تناقضاته أو نزعته للبحث والتطوير أو كأستجابة للمتغيراتً الثقافية والسياسية والأجتماعية والأقتصادية والعلمية المحيطه به وحتى ضمن الدين الواحد مما أدت به الى أيجاد مدارس ومذاهب متعددة ومختلفة في رؤاها وأطروحاتها جذرياً. فها هو أنسان اليوم وقد أبتعد تماماً عن المبادئ الأساسية التي آمن بها وأستغرق في الخصوصيات الدينية شكلاً ومضموناً فالشكل الذي يميز انتمائه الديني هو من أهم الأولويات التي لاغنى عنها والأختلاف مع الاخرين والأدعاء بأنه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة وأن الاخرين في ضلال مُبين هو من أهم ما يدور في ذهنه‘ فمن أرباب وأنبياء ورسل أتسم معظمهم بالفقر وغنى النفس والتواضع والبساطة وشغف العيش الى رجال دين بأزياء غريبة وعجيبة لاتعكس سوى مظاهر القوة والسلطة أو التميز عن الاخرين من بني البشر ومن مؤمنيين لا هَم لهم سوى رضى الخالق والعيش بسلام مع أبناء جلدتهم الى متدينين لا هَم لهم سوى الغُلو في الدين وتكفير الاخر والعمل على قتل أبناء جلدتهم. وهكذا تحول معظم الناس من الأيمان بالخالق وبالمبادئ السامية التي كانوا ينشدونها لتُؤمن لهم حياة مُطمئنة وتَحضُهم على عمل الخير والتكافل الأجتماعي الى الأعتقاد بأديان ومذاهب ومعتقدات تؤزم حياتِهمِ وتَحضُهم على الكراهية والقتل والأرهاب وتحول الدين من حاجة فكرية وأنسانية جاءت لتوفر الأستقرار والأمان للمجتمعات البشرية البدائية التي كانت تحبو بأتجاه بناء مجتمع مدني متحضر الى خطر يهدد السلام في المجتمعات البشرية المدنية المعاصرة ويسعى للعودة بها الى مجتمعات همجية متخلفة. وبعد ألا يجدر بالأنسان أن يعي خطورة هذه الأنحرافات الفكرية وقد تحولت الى تطبيقات فعلية أجرامية داميه منظمة تتسع نشاطاتها ومدياتها يوماً بعد يوم وهي بحاجة الى معالجات جاده وفعاله بتسخير كل الجهود الفكرية والثقافية والمادية وأعلان حالة الطوارئ لأنقاذ الأنسان من نفسه. ثم ألا يجدر بالمتدينين من جميع المذاهب والأديان أن تكون لهم وقفه جاده مع الذات وأن يعودوا عما هم فيه ويكونوا مؤمنين لاتعتمر قلوبهم بغير الأيمان والحب والسلام.
#فؤاد_علي_أكبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا هو العراق, فهل من متعض؟
المزيد.....
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|