90 سنة على اقامة الهستدروت: حزبنا الوحيد الذي التزم بالمبادئ الطبقية

بنيامين غونين

الحوار المتمدن-العدد: 3235 - 2011 / 1 / 3 - 18:47
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

قبل ايام مرت ذكرى 90 سنة على اقامة الهستدروت. في واقع الأمر لم يُحتفل بهذه الذكرى. الهستدروت تحت رئاسة عوفر عيني، لا تريد أن تتذكر جذورها الطبقية ولا ابراز الخلافات التي رافقت تأسيسها. بحسب رئيسها عيني، أعلن قبل أسبوع أنه قريبًا سيعمل "لصالحه الخاص"، ليس هناك ما يُحتفل من اجله ولا يوجد للهستدروت أي داع لاجراء حساب نفس. لكن في جامعة تل ابيب اقيم حفل أكاديمي (بدون رعاية الهستدروت)، ولم يذكر أحد في اسرائيل الذكرى الـ 90 لإقامة الهستدروت.
في الرابع من كانون الأول 1920 عقد المؤتمر التأسيسي لنقابة العمال العامة – الهستدروت، ومنذ أيامها الأولى كان هناك من طالب بضرورة تأسيسها وفقًا للمبادئ الطبقية لا القومية- الصهيونية. ومنذ تأسيس الهستدروت نادى الحزب الشيوعي الفلسطيني ونشطاؤه بضرورة الالتزام بالمبادئ الطبقية. كانت هذه نقطة الانطلاق لتحليل القضايا آنذاك، وخاصة القضية القومية. ما تناقض مع مواقف الاحزاب "الصهيونية الاشتراكية" (أجل، كان في الماضي جهات صهيونية تعرّف نفسها بالاشتراكية) التي سيطرت على الهستدروت.
في العام 1922 أنشئ داخل الهستدروت "عصبة العمال" وهي اطار قانوني لفعاليات الحزب الشيوعي الفلسطيني بسبب الملاحقة من قبل سلطات الانتداب البريطاني، الجهات الصهيونية والنظام الرجعي العربي. ونبهت "العصبة" من عدم اشراك طبقات أخرى وطالبت بـ "صراع طبقي مستمر" وفصل المنظمات النقابية عن المنظمات التعاونية المشتركة. وقد رأت الاستيطان في الكيبوتسات بأنه "بؤس الشيوعية" ومثالية تخدم البرجوازية اليهودية. وعارضت انشاء شركات المقاولات التابعة للهستدروت (مثل سوليل بونيه).
في كتابه "غيرة داوود" (السيرة الذاتية الرسمية لدافيد بن غوريون) يتطرق الكاتب شبتاي طيفت الى عمل الشيوعيين في الهستدروت، وانه بعد عدة ايام من تأسيسها ناقشت قيادتها "تسرب الفاشلين" (صفة ألصقت بالشيوعيين) الى نقابة عمال الحديد، بهدف تحويلها الى نقابة مهنية عربية- يهودية. وقد وصفها برل كتسنلسون (مباي) ويتسحاق طبنكين (أحدوت هعفودا) بأنها عمل خطير، وطالبوا بفصل نقابة العمال اليهود ونقابة العمال العرب. ويروي بطبات أيضًا كيف أخرجت نقابة العمال في تل ابيب من صفوفها قطاع الخبازين، بسبب تسمية نقابتهم "النقابة المهنية الأممية"، أي المشتركة لليهود والعرب.
في المؤتمر التأسيسي دار نقاش مبدئي حول شكل ومضمون الهستدروت. قال طبنكين في المؤتمر التأسيسي: "علينا الاهتمام بشدة بشراء الأراضي في بلادنا. ليست محاربة الاقتصاد الخاص هي مركز الثقل". مئير يعاري (هشومير هتسعير) ادعى أن "تنظيم العمال في الهستدروت لن يكون على اساس صراع الطبقات، كما اقترح الشيوعيون، انما على اساس غير حزبي". كما جاء آنفًا، عارض الشيوعيون تعريف الهستدروت على أنها نقابة العمال اليهود فقط (النقابة العامة للعمال العبريين في ارض اسرائيل) وكذلك لالغاء طابعها الطبقي. المندوب الشيوعي قال في المؤتمر التأسيسي: "طالما بقي العامل العربي خارج الهستدروت، لن يكون هناك حل للعامل اليهودي أيضًا". الحزب الشيوعي الفلسطيني طالب بالغاء الانتداب البريطاني وقاطع الصهيونية كحركة برجوازية ربطت مصيرها بالاستعمار البريطاني. رغم مرور الزمن الا ان الصورة واضحة: الشيوعيون حاربوا من اجل استقلال البلاد وضد الحكم الاجنبي. هذا هو النضال المشترك، العربي- اليهودي، من اجل السلام والحياة المشتركة التي يجب ان تستمر، وفق هذه الرؤيا، على اساس طبقي.
منذ تلك الأيام البعيدة، اقامة الهستدروت، وحتى يومنا هذا، جرت تقلبات كثيرة. على المستوى السياسي اختفى العديد من الأحزاب الصهيونية التي كانت وكأنها تمثل العمال وطبقات المأجورين. مباي اختفت، وحزب العمل اليوم بوزرائه براك وسمحون وهرتسوغ وبرافرمان وبن اليعيزر (ورئيس الهستدروت عيني!) أصبح حزبًا رأسماليًا نيو- ليبراليًا تمامًا كباقي الاحزاب الرجعية، التي حاربت حركات العمال على مدار سنوات طويلة. كذلك هشومير هتسعير، الذي تحول الى حزب العمال الموحد، مبام، الذي اندمج داخل حركة ميرتس، التي تناضل ضد الاحتلال والتمييز، لكنها من الناحية الايديولوجية ليست أكثر من مجرد حركة ليبرالية يصعب جدًا ايجاد بقايا لمواقف يسارية في القضايا الطبقية فيها.
من كل القوى المتصارعة حول اقامة الهستدروت لم يبق سوى الحزب الشيوعي الفلسطيني (الاسرائيلي اليوم). وقد كتب في دستور الحزب الشيوعي أنه حزب الطبقة العاملة وكل الطبقات المستغلة، حزب الأممية الكفاحية الحقيقي. حزب يهودي- عربي يناضل من اجل القضايا الحقيقية في اسرائيل لصالح كل المواطنين. كشيوعيين كنا نريد ان تكون القضايا الاجتماعية والطبقية مركز نشاطنا وأن يحكم الجمهور على القضية القومية كجزء من النضال العام ضد الرأسمالية. لكن القضية القومية احتدمت مع السنين وكل شيء يدور حولها- خاصة بعد احتلال المناطق الفلسطينية في العام 1967.
ان عطاءنا من أجل دفع القضية الطبقية والدفاع عن حقوق العمال متعلق بقدرتنا على كسب ثقة العمال، والتمسك بقضاياهم والاخلاص لها واعطاء نموذج شخصي. قمنا بهذا الدور خلال سنوات الانتداب البريطاني وايضًا في نضالاتنا في المناطق الصناعية في تل ابيب وحيفا وبيتح تكفا والناصرة ودير حنا وأماكن أخرى. كانت تلك مبادرات نشأت من القاعدة وفرضنا على قيادة الهستدروت الوقوف الى جانب العمال والعاطلين عن العمل والقيام بواجبهم. هذا هو نهج النضال الطبقي الذي علينا ان نتعلمه ونستمر في نشاطنا اليومي من أجله. خاصة عندما يستعد رئيس الهستدروت لانتقاله الى مجال الاعمال الخاصة. خاصة في مثل هذه الظروف التي نفتقد فيها وجود قيادة عمالية اممية طبقية داخل الهستدروت وخارجها.

#بنيامين_غونين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات