فتحى غريب أبوغريب
الحوار المتمدن-العدد: 3194 - 2010 / 11 / 23 - 10:59
المحور:
كتابات ساخرة
*فى التاسعه من عمرى ,
طلبت أمى من والدى,أن نقضى أجازه الصيف فى قريتنا الام ,أبو حماد الشرقيه التى تخلت عنها أمى ,وتركت جدنى وحيده بدار العائله الكبير,بحكم زواجها من أبى,وما إن لمست أقدامى أرض القريه إلاو مصيبه فرضت نفسها كعاده أهل القرى المصريه.
أن أكون مثل كل أبناء القريه نقاد كألمعيز الى كتاب مولانا سيدنا الشيخ صاحب أكبر كرش فى القريه,لم يكن له طول ولاعرض ولا إرتفاع فهو أبداً لايضم زراعيه الى خاصرته, وكأنهم فى خصام مع وسطه ـو بسبب قصر هما وشحمهما الامر الذى جعلهما متباعدين وزاد هو فى العناد فزاد بعادهما ,يمشى فى الطريق فيترك وراءه غباراً مثل كاسحه الالغام ’حتى صرت أسميه مولانا الشيخ أبوبطيخه بدلا من أبوهليطه وهو الاسم الذى يناديه به أهل القريه .
دائماً تصرخ جدتى فى وجهى أخرس ياقليل الادب..عيب تقول على شيخ الكتاب اللى بيعلمك الدين والصلا كده, ثم تغرق فى الضحك ..رغم أنها لاتجيد العربيه بل تنطق النوبيه وبقايا اللغه المصريه القديمه,وخليط من العاميه العربيه الدارجه فى القريه . فلغتنا طمسها من لايرحم ولايعرف للرحمه طريق من إجريج, ورومان, وعربان, وغربان ,مثلنا مثل كل البلاد التى حولنا ,من عراق بابل وأشور فى اقصى الشرق منا ,والى المغرب والجزائر الامازيريه فى أقصى الغرب.
المهم حتى لايصيبك الحزن مثلى ,أعود بك الى كتاب الشيخ أبو هليطه ,أو مولانا بطيخه الذى كنت أفضله لسهوله النداء به,إنتهت الاجازه الصيفيه ولم أحفظ ولاحتى البسمله إلا بشق الانفس ,وكلما قالت لى الجده سمع ماتعلمته فى الكتاب ,أقول لها لقد قال لى لاتحفظ ولكن أقرأ أنت ياغريب فقط دون الاولاد كلهم .."كذب منجى خير من صدق تعقبه علقه", وكمان ياجدتى قال عشان مخك تخين,وأفتح الكراسه وأبدأ فى القراءه فتسكت وترضى, وهذا ماكنت أتهرب به منها ,والحقبقه ,أننى كنت لاأعير كتابنا ولامولانا أى أهتمام ,فقد كانت لى هوايه وعشقاً لم أجده فى القاهره ,فقد كنت عاشقاً لجمع الضفادع أو الجفضع بالمصريه, هذا الحيوان العجيب الصغير الذى يقفز مستخدماً أرجله الخلفيه فى الحركه, لانه لايمشى دون ألاحياء على الارض جميعاً ,يعيش بين حشائش شاطىء البرك ,وفى الغيطان بعد سقايتها,وتحت أشجار البرتقال واليوسفى,والجوافه التى كانت تملا حقول القريه .
*ولكن ألعشق إمتد لتلك الفراشات الطائرات الملونه الجميله الساحره التى نقف فى رشاقه فوق الازها , فى قضاء النهار بطوله فى الجرى وراء الفراشات وجمعها بكل ألوانها,ووضعها بين أوراق كراسه مولانا أبو بطيخه,ومابين كل ورقه وورقه كنت أحتفظ بها حتى وصولى الى الدار فأجمعهم ,بدبابيس صغيره كنت أخذها وأخفيها عن والدى كلما وجدتها على أرفف المكتبه , فهو يستخدمها كثيراً لربط مجموعه من الاوراق من أعلاها فى المكان الذى لاتوجد به كتابات ,كنت أختلس منه بعض الورقات الفلوسكاب.
*أقوم بتحنيط الفراشات ولطعها وتدبيس جناحيها على هذه الاوراق بنظام حير وأدهش جدتى, وما أن انتهى من تستيف مجموعه من الفراشات,حتى أبداْ بالاخرى .
كانت تقول لى الجده, أنك تحنط تلك الفراشات ,والجفضع ياولدى مثل أجدادك المصريون القدماء, حين قبضت على متلبساً بتحنيط ضفدعه كبيره لها كرش كبير ,
ولم أكن أعرف مامعنى هذه الكلمه حتى تنبهت إليها وهى تشرح لى كيف كان قدماء المصريين يحنطون موتاهم من الامراء والملوك والكهنه,ويخفونهم فى الجانب الغربى المتصحر بعيداً عن النيل فى تل العبارنه,أو العمارنه بتحويره .
الان, كما كانت تحكى لى,
*حتى تتمكن أرواحهم من التعرف عليهم مره أخرى عندما يبعثون مره أخرى بصرخه الاله آمون من السماء فترتد هذه الجسامين المحنطه حيه مره أخرى ..أه لو كان ملوكنا يعرفون أن الكهنه خدعوهم ,وجعلوا منهم منهبه ,ومطمعاً للثروه والمتاجره والسرقه,كلاب العالم سرقت رفات أجدادنا ,وأصبحت حرمه الموتى لنا مدنسه من القريب والغريب.
*المهم لم أحفظ لمولانا الشيخ المقرف أبو هليطه ,
ولا حتى ربع سطر مما كان يمليه بصوته الذى يشبه صوت الحمار عند النهيق ,ورزاز فمه الذى يشبه الضقدعه , كان ينزل كألمطر على وجههى , وأسمع رفاقى يبغبغون به ويحفظونه عن ظهر قلب , وأنا أسرح بعيدا بخيالى مابين الفراشات وألوانها, وكم أصبح عددهم وكم من الاوراق سأكون فى إحتياج إليها بعد الخروج مباشره من الكتاب ,وكنت أحكى لرفاقى بما أفعل فكان الجميع يتحمسون بمساعدتى( بعد الخروج من حضره مولانا أبو هليطه) ,لفكره جمع الفراشات والضفادع ,من الحقول والغيطان التى كانت هى الريف نفسه ,وصانعه الجمال الطبيعى فيه بلمسات الفلاح المصرى الساحره فى تخطيطه وتنسيقه,وخبرته القديمه فى الزراعه .
سرحت وسرحت ..وإذا بالشيخ الملعون يقول لى قم ياغريب, وقل وسمع: ماحفظته ,بجالك شهر حِدَانا بتعمل إيه ,ودون سابق إنذار, توهمت انه يقول لى قل ماكنت تفكر فيه وتسرح ياولد .
*وعلى الفور قفت منتصباً قلت له بألصوت العالى عندى عشرون ورقه كبيره ,مليئه بأجمل الفراشات ,منها الاحمر ,والاصفر والازرق والزهرى,ومنها ماله عيون على جانبى أجنحته حتى تخيف أبو زعيزع من أن يقترب منها ,وعندى فراشه مرسوم على جناحيها بطيخه مدوره ومخططه جميله وسوف اخرج أنا ورفاقى من هنا الى الحقول مباشره لنصطاد الفراشات والضفدع,وأما عن الضفادع ,فعندى ضفدعه محنطه لها كرش كبير كألبطيخه مثل حضرتك ,ووجهها وفمها يشبهك ياسيدنا تماماً,وصدقنى انها أول ضفدعه أرى جلدها كألكاكوله التى تستر بها بطيختك ومخططه بالطول مثلها تماماً ..
*وهممت إستعدادا للجرى والهروب ,من المحتم والمكتوب لى دائماً ,وهو الضرب ,لانى عرفت اننى نطقت بما كان فى نفسى بتعمد إنها علاقتى بأبوطليطه ,وأجبت عن سؤالأ أخر غير مايقصده مولانا ..فقت بدأت ملامحه تنطق بنيه إطعامى عللقه ساخنه فى الوداع .
*حينئذ حاولت مراوغته بجمله تمنحنى لحظه الانطلاق جرياً فأكملت وأنا أخلق عن صندلى من قدمى بترديد وسيذهب معى الاصحاب من هنا حتى يشاهدوها وهى محنطه فى صندوق جدتى الخشبى ,و ولم أكمل ..ووجدت شيخنا ومولانا أبو هليطه يصرخ, إمسكوا الملعون ده قبل مايجرى.
ويالا... خيانه الرفاق والاصدقاء اليوم حين تحولوا هجوماً ناحيتى كأن بينى وبينهم عداء وأيديهم تلتف حولى مثل الاربطه ,ليقتادونى إليه ,وأنا فى وسطهم كأن النهار قد ولى عنى ,حين أصبحوا فوقى جميعاً ,وبأعلى مافى صوتى ..صرخت ألحقينى ياجده ...
* كتموا أنفاسى إنى أموت مش قادر أخد نفسى ياولاد الكلب ,وما إن لمحت بعينى فتحه باب الكتاب . وانا على ركبتى مسجى ,فأذا نمن يهمس فى أذنى إنه الصديق الوحيد ,رفض أمر مولانا وحاول مساعدتى ,قال: سوف أوسع لك المكان وكأنى أمسك قدميك حافياً ,والباب أمامك أهرب وسوف أحضر لك نعليك ..وكألبرق إنطلقت حافياً فى إتجاه الباب ,ونسيت موعد الرفاق الجبناء ,وما قاموا به معى .
*وكألريح وصلت الى دار الجده وحكيت لها قصه مختلفه عما فعلته ,وقلت لها لقد قال أبو بطيخه لكل الولاد فى الكتاب أن يضربوننى وقيدنى هو بنفسه لهم ..سألتنى ماذا قلت لها ليفعل هذا بك .
قلت لانى نسيت وناديته.. بيامولانا أبو بطيخه .
وفى غضبه منها رايت عينيها إتقدت شرراً ,أخذتنى من يدى والى كتاب أبو بطيخه ,فأذا بها تنهال عليه بألشيشب وسط الكتاب ,وتصرخ فى وجهه ,بقى ياشيخ ياناقص تكتف الولد وتخلى العيال تضربه ياأبوقليطه ياواطى .
طب أنا وأهل القريه من أدبنا, سميناك أبو هليطه عشان محدش يعرف إسمك الحقيقى اللى أهلك كانوا بينادوك بيه ,يبقى لما الولد غريب يقولك ياأبو بطيخه تعمل فيه كده ..
*قسماً بربى ماهوداخل الكتاب ده تانى ,وكانت هذه أجمل العبارات التى سمعتها منها ,لاول مره أجد جدتى أطول وأعرض من أبو بطيخه مرتان ,ويبدوا أمامها كألفار الذى وقع فريسه قطه سياميه فرعونيه ,سألت عن الصندل الذى كنت ألبسه فى قدمى ,أحضره لها وهو يرتعد من الخوف ,نظرت إليه وقالت: سو عصارى البارحه,رواح آتون.
ياربى لقد تحولت الى فرعونيه أصيله لاتخا ف رجلا ولا عفريتا مما يهجصون به علينا ,هكذا كانت نساء الفراعنه,عصمتهم بأيديهم,وقرارهم لارجعه فيه.
كنت أعلم ماتقوله له ..أنك أيها الحيوان الاجنبى , بعد اذان العصر يوم أمس , منحتك خمسون بيضه ونصف أردب قمح, وقدح من السمن البلدى,وكوزين من أفماع السكر ,وهى رغم مافعله بى, لن نطلبهم منه ولكنها دعت عليه بأن يوزعهم إله الشر ست فى كرشه حميماً ووجع ,وتركته وأمسكت يدى بقوه ,وهى تقول لى أنا عارفه إنك فرعونى ,ولازم تتعلم علوم دنيا ,مش علم البغبغه العرابه الازهرجيه , وفكر كراهيه خلق الله.
#فتحى_غريب_أبوغريب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟