غيِّر بالمنجل والمطرقة
سمير دياب
2010 / 10 / 25 - 09:36
" العمال يعرفون جيداً قيمة الوقت، لأنهم دوماً يدفعون ثمنه". مناسبة قول "فولتير" هي إقتراب موعد ميلاد حزب العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين، حزب الشعب اللبناني، الحزب الشيوعي الذي يصادف في الرابع والعشرين من تشرين الاول من العام 1924.
ستة وثمانون عاماً ليست كافية لبناء وطن حر وشعب سعيد، الشعار الذي أطلقه الحزب في بداياته وناضل وما يزال في سبيل تحقيقه. ستة وثمانون عاماً من الكفاح بكل أشكاله وأساليبه يستحيل معها الاحاطة بكل مفاصل نضال جذور وأغصان وبراعم السنديانه الحمراء التي ظللت بشهدائها مساحة كل لبنان، وتاريخها من تاريخ لبنان. هي سنديانة الحزب الذي تجاوزت ساحته الطوائف والمذاهب والأقضية والمحافظات. إنه الحزب الذي اتخذ من المعامل مقراً له، ومن الشوارع منبراً لقضايا الناس، ومن المدارس والجامعات نبراساً لتعليم أبناء الطبقة العاملة والفئات الشعبية الكادحة، ومن الزنازين والمعتقلات ممراً لمناضليه ومقاوميه.
حزب المنجل والمطرقة قاوم كل أشكال وألوان الاستعمار على لبنان من العثماني الى الفرنسي الى الأميركي الى المحتل الصهيوني، لأن التحرير هو من صلب عقيدته.
حزب، حمل السلاح في الوطن، يوم فرض عليه اليمين التقسيمي حمله، دفاعاً عن وحدة لبنان وعروبته وتطوره الديمقراطي .
حزب، أطلق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في وجه المحتل الصهيوني، وكان له الدور الأبرز في طرد العدو الاسرائيلي من بيروت والجبل وصيدا وصور والنبطية والبقاع الغربي.
حزب، عارض من موقعه الوطني كل سياسات الأمر الواقع التي برّرت للنظام السياسي –الطائفي وجوده. هذا النظام الذي لم يعرف في تاريخه إلا توليد الأزمات وفبركة الصراعات الطائفية والمذهبية، وهو النظام المستمر بفضل سيادة التخلي عن السيادة الوطنية واتباع سيادة الالتحاق والتبعية للخارج.
حزب، كرس مفهوم العمل الحزبي والنقابي في لبنان. فالى جانب العمال والكادحين وذوي الدخل المحدود إنتزع "قانون العمل" من كبد البرجوازية اللبنانية . والى جانب الشباب والطلاب والأساتذة والمعلمين إنتزع مرسوم بناء الجامعة الوطنية اللبنانية وتعميم التعليم الرسمي كي لا يبقى العلم والثقافة حكراً على طبقة برجوازية قليلة، وأطلق الى جانب كل الوطنيين "حركة طلابية نقابية ديمقراطية" في وجه أصحاب السلطة والمال. والى جانب المرأة والحركة النسوية من أجل حقوقها السياسية والاجتماعية والغاء كل أشكال التمييز بحقها في القوانين والتطبيق.
حزب، ساهم الى جانب الكتاب والمفكرين والصحفيين والباحثين والفنانين والشعراء من أجل نشر ثقافة الحرية والحياة والديمقراطية، من أجل ثقافة المقاومة والتحرير، من أجل حرية الكلمة والفكر والرأي والمعتقد، من أجل حرية الابداع والتعبير، من أجل التغيير. *****
هي فلسفة هذا الحزب منذ ولادته، نظرية ومعرفة وممارسة، ولذلك يعتبر الحزب وما يزال أن الالتزام هو " عماد" هذه الفلسفة العلمية وربطها بالواقع. فالفكر والسياسة والثقافة "وحدة بناء لا تتجزأ"، ولم يحد الحزب عن هذا المبدأ في مجرى تاريخه النضالي، لأن المسؤولية الوطنية هي المبدأ التي يتأسس عليها العمل والفعل والنضال في سبيل مجتمع الاشتراكية. فالمقاومة هي إنتصار للحياة وهي تجسيد لفعل الالتزام الوطني، ولا تعني بالمطلق الرغبة في الموت بل هي تكريس لمبدأ الحرية والتحرير والتغيير الديمقراطي.
ولأن الحزب الشيوعي هو حزب المقاومة والتغيير، فإن أفضل قيمة لفلسفته ومنهاجه وخطه وبرنامجه وفي مناسبة الذكرى الـ 86 لتأسيسه هو العمل على جعل العلاقة وطيدة ومباشرة بقضايا الناس، لأن التحديات الآتية ليست بأقل صعوبة من سابقاتها، إن لم نقل أعقد وأشرس، تتطلب في مواجهتها التوسع في البحث المعرفي والتمسك في وحدة الممارسة والتنفيذ، لضمان صحة سيرورة المنهاج والطرق لتحقيق الهدف التغييري بالافق الاشتراكي المنشود
*****
إذا كان التاريخ مهم، فإن المستقبل أهم. وإن كان فعل المقاومة قد تجسد تحريراً محققاً، فإن فعل الإصلاح والتغيير الديمقراطي لم يتحقق بعد. ولأن الرابط بين الاثنين موضوعي وضرورة وطنية، فإن الحزب الشيوعي وفي خضم مشهد الحياة السياسية اللبنانية وتشعباتها وادواتها الطائفية والمذهبية امام تحديات مصيرية، وأمام مسؤوليات وطنية كبيرة، وليس من حقه التراخي أو التكاسل او التراجع في ميدان العمل، لأن ذلك من حق الطبقة العاملة والكادحة، وحق كل من يدعي تمثيله. ولأن طريق الإصلاح لن ير النور، والتغيير الديمقراطي لن تقوم له قائمة إن لم يشكل حزب التغيير –الحزب الشيوعي رأس حربته الى جانب كل اليساريين والتقدميين والوطنيين الديمقراطيين في مواجهة طبقة التفتيت والدمار والموت المسيطرة.
ولن يتحقق هذا التغيير المطلوب بدون أن يعيد حزب الطبقة العاملة ربط حبل "السرة" مع العمال والكادحين والشباب والطلاب وكل الفئات الشعبية المسحوقة، وأن يكون برنامجه معبراً عن طموحات وآمال وأحلام هذه الطبقة في الديمقراطية والعدالة والمساواة والاشتراكية. وأن يمكن هذه الطبقة من امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي، والمعرفة الحقيقية لطبيعة الصراع الجاري وجوهره وأشكاله ومعوقاته. لأن الطبقة العاملة هي مرجع النضال الطبقي، وهي بوصلته وحركته اليومية في الشوارع والمعامل والساحات والجامعات، وعلى الحزب أن يعيد ميل دفة قيادته وبرامجه باتجاه كسب الطبقة العاملة مجدداً، رغم كل ما طرأ عليها من تغيير حتى يستحق أن يكون ممثلا عن الطبقة العاملة، وأن يستحق، بالتالي، أن يكون حزباً للتغيير الديمقراطي كما إستحق فعلا أن يكون حزباً للمقاومة والتحرير.
ومن أجل أن يبقى هذا الحزب جاهزاً، حاضراً، ومستعداً للعب دوره الوطني، وخوض معركته الوطنية بشقيها المقاوم، ضد المشروع الأميركي – الصهوني، وضد المشروع السياسي – الطائفي، لا بد من إعادة الهيكل التنظيمي، وتطبيق مفهوم المركزية الديمقراطية بجوهره، وحاجة كل من المركزية للديمقراطية، وبالعكس. فالمركزية بدون ديمقراطية شهدنا أسوأ النماذج التاريخية عليها. والديمقراطية بدون مركزية تحول الحزب الى منبر لتبادل وجهات النظر، وتبعده عن قضيته ومهمته الاساسية الذي وجد من أجل تحقيقها.
ولا يكتمل بناء هذا الجسر بدون الاستمرار الجدي لعملية التثقيف، واعداد الأجيال الشابه، وخلق الكوادر والقيادات الثورية. والأهم في مهمة التثقيف هو في كيفية تطويرها وإبتعادها عن " المفهوم التقليدي" أو عن النمط التلقيني- الحفظي، ولا يعيب قيادة الحزب ان تتعلم من الطبقة العاملة وأن تعلمها في آن.
*****
هي وقفة مناسبة الولادة، هي معنى إحتفال الشيوعي اللبناني بعيد تأسيسه ، هي المغزى من أن هذا الحزب لن يشيخ طالما الطبقة العاملة ترشد طريقه وتحميه بقواعدها، ويحميها الحزب بالدفاع عن مصالحها وحقوقها وحياتها ومستقبل أجيالها. وطالما هذا الحزب يتواصل مع الاجيال الشابه يعطيها من خبرته وتجاربه الايجابية والسلبية، لتعطيه هي بدورها الزخم والتجديد والاستمرارية وديمومة فعالية النضال من اجل المستقبل.
"غيّر بالمنجل والمطرقة" هو أفضل أختيار للمستقبل لأسوأ عصر لم تختاره الطبقة العاملة.
تحية لشهداء الحزب الشيوعي اللبناني.