جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 3163 - 2010 / 10 / 23 - 17:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
رأينا في العدد الماضي كيف أضحى غزو الشمال أو بلاد الشام ومابين النهرين أي الهلال الخصيب قضية حياة أو موت بالنسبة لبدو الجزيرة العربية في منتصف القرن السادس حتى الربع الأول من القرن السابع الميلادي بعد انقطاع طرق التجارة نحو الجنوب واتساع مفاوز المجاعات والغزووالحروب الطويلة بين القبائل ,,, انضمت لهم قبائل اليمن بعد النكبات والمذابح العديدة التي حلت باليمن السعيد وحولته إلى دمار وخراب على جميع الأصعدة على يد الإحتلالين الحبشي – والفارسي اليهودي طيلة القرن السادس حتى خراب سد مأرب وقنوات الري وخراب الزراعة والتجارة والحرفة .. ولم يبق سوى أثرياء قريش لتموين وتنظيم قوات الغزونحو البلدان العامرة والغنية في الشمال وفي مقدمتهم الملأ المكي الذي كان بزعامة أبو سفيان الذي لم يعلن إسلامه بعد سقوط مكة ثم ركب موجة الغزو مع أبنائه وعلى رأسهم معاوية الذي استأثر بالسلطة في دمشق وحولها إلى ملكية وراثية بعد الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي – ا لذين قتلوا غيلة باستثناء أبو بكر الذي لم يبق في الخلافة أكثر من عام ,وهكذاعاد أبوسفيان للسلطة ليس في مكة وحدها التي انتزعها محمد وأبوبكر وعمر منه بل على رأس إمبراطورية أموية توارثها أبناؤه بدءاً بمعاوية في دمشق .....
ورأينا أن عثمان وحده جهز جيش تبوك من ماله الخاص ليجلب له الغنائم ومثله فعل الأّخرون .. بينما رأينا كيف كان فقراء مكة والمدينة والمنطقة كلها يموتون من الجوع ويعتفدوا داخل أكواخهم حتى الموت جوعاً ....ولنتابع ماورد في المصادر الإسلامية نفسها لنرى ماكان يملك أولئك الأثرياء قادة الغزو ( في سبيل الله ) الذي لاعلاقة له بنبوة أودين بل بالمغانم والنهب واستباحة كل شيء في البلدان المحتلة ...حتى أضحت الخلافة والولاية وقيادة الغزو محلاً للصراع الدموي على السلطة والثروة .. وجاء في الطبقات لإبن سعد ج2ص 190 وما بعدها وتاريخ الطبري ج 3 ص 226 – وفي مروج الذهب ج2 ص 366 – وما بعدها ...مايلي :
تنافسوا على الدنيا حتى سلت سيوفهم وتحاربوا وكفّر بعضهم بعضاً ...وبلغت ثروة الزبير وحده – ألف فرس وألف عبد , و ومئة ألف دينار وضياعاً كثيرة – بمافيها من بشر ومواشي في البصرة والكوفة وفي مصر وغيرها ....
كمابلغت غلة ّ طلحة وحده كل يوم ألف دينار وقيل أكثر بكثير ..
وكان لعبد الرحمن بن عوف مئة فرس وألف بعير وعشرة اّلاف شاة ,وبلغ ربع ماله الذي وزع على زوجاته بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً ...
وترك زيدبن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس حتى محلت أيدي الناس ( يقال في العامية إنملخت اليد أي أرهقت من الحفر أو الصرب ...الخ ) عدا الأموال والضياع بقيمة أكثر من مئة ألف دينار ....
وعندما قاد أبوذر الغفاري والكثيرون معه من البؤساء ..بذخ وتبذير معاوية وحاشيته ولبسهم الذهب والحرير والناس عراة جياع بعد الغزو والإستباحة والفوضى مستنجدين بعمر بن الخطاب ,, قال لهم عمر : ( دعوه فإنه كسرى العرب ) ولم يوجه له أية كلمة ..
وترك سعد بن أبي وقاص بعد وفاته في العراق عشرات القرى في أرض السواد واّلاف الخيول والإبل وأكثر من مئتي ألف دينار وأكثر من ألف من الجواري والعبيد ...
وترك أبو هريرة معتمد السنة النبوية وناقل أحاديث محمد ,,معظمها ,,ومفبرك مايشتهي معاوية وعائشة في صراعهما مع علي في الفتنة الكبرى وبعد موقعتي الجمل مع عائشة ,, وموقعة صفين بين علي ومعاوية .. ترك أبو هريرة بعد وفاته في المدينة __ قصر العقيق الذي تجاوز بناؤه قصر الخليفة سعة وطرازاً وفيه مئات العبيد والجواري - وقصرأً اّخر في دمشق عندما طالبه معاوية وإبنه يزيد البقاء بجانب عرشهم == راجع صحيح البخاري ومسلم – وتاريخ إبن عساكر –
أما ثروات عمرو بن العاص وأولاده في مصر والشام كانت تشكل أكبربكثير من إقطاعيات قياصرة روما ومرازبة فارس ومهراجات الهند ...
والحديث عن النهب والإثراء السريع والقتل بالجملة والسبي طويل طويل لاينتهي يحتاج لمجلدات ...حتى للبلدان التي فتحت للغزاة سلماًولم يرفع أهلها سيفاً أو عصا ضدهم لم يسلم أهلها من القتل والنهب والسبي كما حدث لبلدات عين تمر - والحيرة وبلدة – بانقيا – السريانية في جنوب العراق التي أبادها خالد بن الوليد رغم دفعها الجزية و دخوله إليها سلماً --- هذا ماجاء في كتاب / الخراج / الذي ألفه قاضي القضاة أبو يوسف للخليفة العباسي الرشيد ص 157.. وفي كتاب / المسالك والممالك/ للبكري ص 306 وغيرها ..
حتى علي بن أبي طالب المعروف بزهده في المصادر طلب من عمر بن الخطاب في خلافته أن يقطعه قرية من القرى المحتلة ففعل عمر ..وهذا ماورد في القاموس المحيط ( حدثنا الحسن البصري قال : سمعت من عبد الله بن حسن يقول : إن علياً سأل عمر فأقطعه / ينبع / وهو حصن أو قلعة فيها عيون وزرع ونخيل , ومنذتلك اللحظة دخل علي في زمرة كبار الملاّك وهو الذي كان يأكل من كده وعرق جبينه ولذلك ورث أولاده على كثرتهم ما جعلهم في مصاف أقرانهم من ملاكي قريش )..
ونال العشرة المبشرون بالجنة ( أصحاب محمد ) من قريش الغنائم من أموال الغزو المنقولة – المواشي والخيول والإبل والعبيد والجواري ,, وغير المنقولة كالقرى والدساكر والمزارع بكل خيراتها وكائناتها الحية ,,
وكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص في العراق أن يقطع -- سعيد بن زيد -- أرضاً فأقطعه ما أراد . ثم أقطع عثمان سعيد نفسه أرضاً أخرى في الكوفة ,, وأقطع معه – عبدالله بن مسعود - وعمّار بن ياسر - وسعدبن مالك - قرى كاملة بما فيها من بشر كانو يطلقون عليهم إسم ( العلوج) رغم إغتصاب أرضهم وممتلكاتهم وسبي نسائهم ... وهكذا أصبح الخليفة الإقطاعي الأكبر وحوله طبقة الإقطاع الجديدة ..
ومن عطاءات عثمان للوليد بن عقبة الذي عينه والياً على العراق بدلاً من سعد بن أبي وقاص .. مساحات شاسعة وصلت أملاكه فيها إلى الرقة ونهر البليخ رافد الفرات وورد في فتوح البلدان للبلاذري وغيره أنه كان يقضي أيامه سكراناً ويؤم الناس في الصلاة وهو سكران..
كما أعاد عثمان / الحكم بن العاص / والياً على المدينة وكان محمد قد طرده منها وقدعاد حاملاً المال الكثير من الخليفة الذي أطلق يده لينهب أهل المدينة من جديد وأعطى الأرض الخاصة التي كان يملكها محمد ويعيش منها في / فدك / لمروان بن الحكم ..وقد صحح هذا الإعتداء فيما بعدعمر بن عبد العزيز كما ورد في تاريخ الخلفاء .*.
وكان محمد أول من سن مبدأ الإستيلاء على الأرص والأموال المنقولة وغير المنقولة والعائلات التي تقطنها وهذا ماجاء في السيرة النبوية لإبن هشام مايلي :
( كتب رسول الله .. لنعيم بن أوس أخي تميم الداري أن له حبرى وعيون بالشام قريتهما كلها سهلها وجبلها وماءها وحرثها – نساءها --- وأنباطها وبقرها ,, ولعقبه من بعده لايحاقه بها أحد )**
أي منحه ملكيتها قبل إحتلالها وتوفي قبل تحقيق حلمه باحتلال بلاد الشام والرافدين ..
والأنكى من ذلك كله أن إبنته فاطمة زوجة علي بعد وفاته ( جاءت تطالب أبا بكر وعمر بميراثها من والدها فأبى أبوبكر أن يدفع منه إلى فاطمة شيئاً فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت ولم تأذن لأبي بكر وعمر بالدخول عليها .. ولما أدخلهما علي أدارت بوجها إلى الحائط ولم تنظر إليهما ..*** وقد توفيت ودفنت في الليل سراً بوصية منها حتى لايحضر جنازتها أحد منهم .. ولايزال قبرها مجهولاً **هذا ماورد في تاريخ الخلفاء ج1 ص20 وفي صحيح البخاري ج2ص 206 وج3 ص 39 – تحت عنوان مناقب قرابة رسول الله – وفي الإمامة والسياسة لإبن قتيبة ج2 ص20 و 92 )
ولم يكن مصير عائشة بنت أبي بكر وزوجة التي دعا المسلمين أن يأخذوا نصف دينهم منها ( خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء ) .. لم يكن أفضل من مصير فاطمة في طلب ميراث محمد ...
وجاء في شرح – نهج البلاغة لإبن أبي حديد ج16 ص 220 مايلي : ( عندما جاءت عائشة وحفصة إلى عثمان بن عفان تطلبان إرثهما من محمد .... قال لهما : جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أنه رسول الله وأن رسول الله قال : ( نحن معشر الأنبياء لانورث ) وإذا كان رسول الله يورث لماذا منعتم عن إبنته فاطمة حقها ؟؟؟
فخرجت عائشة من عنده غاضبة صائحة : ( أقتلوا نعثلاً فقد كفر ) – النعثل يعني الضبع -- وأجمعت المصادر الإسلامية أن قتلة عثمان كانوا من الصحابة وفي مقدمتهم عائشة ( أم المؤمنين ) التي كانت تنادي بقتله وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد ,, ومعها شقيقها محمد بن أبي بكر ومعه طلحة والزبير وغيرهم من كبار الصحابة ..حاصروا عثمان في منزله ومنعوا عنه شرب الماء ليجبروه على الإستقالة فأبى .وواصلوا تعذيبه حتى توفي ,, كما حدثنا المؤرخون بأن هؤلاء الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في / حش كوكب / -- مكان منبوذ في المدينة -- بدون غسيل ولاكفن .. كماتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة ..فكيف يقال لنا إن قتلته ليسوا مسلمين ثم إتهم علي بقتله زوراً ؟؟؟؟؟= وردت هذه الأحداث الرهيبة في المراجع الهامة التالية التي يحاول المتأسلمون العصبويون الذين يرفعون شعار ( الإسلام هو الحل في هذه الأيام القاحلة )) طمسها :
الطبري ج 4ص 407 – تاريخ إبن أثير ج3 ص 206 --لسان العرب ج14 ص193
تاج العروس – للزبيدي ج 8ص 141 – العقد الفريد لإبن عبد ربه ج4 ص206
وحملت عائشة قميص عثمان متهمة علي بقتله ظلماً وعدواناً ...كما قدمته لمعاوية في الشام ليرفعه على منابر دمشق مطالباً الثأر من علي, وأمر جميع المساجد السب على علي واتهامه بقتل عثمان ...
والتاريخ يعيد نفسه في القرن الحادي والعشرين بأشكال مختلفة .. ألم يكن عميد الأدب العربي طه حسين على حق عندما خصص لهذه الكارثة كتابه الشهير / الفتنة الكبرى / في الإسلام ...-- يتبع لاهاي / 22 / 10
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟