سوزان مبارك، والبرادعي

فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3132 - 2010 / 9 / 22 - 21:09
المحور: حقوق الانسان
    

قبل أيام، كرّمتْ جامعةُ القاهرة العريقةُ السيدةَ سوزان مبارك، بمنحها درجة الدكتوراه الفخرية في علم الاجتماع، بقرار أجمعت عليه مجالسُ القسم، والكلية، والجامعة، الثلاثة؛ بالنظر والتقدير لعطاءاتها في مجال التنمية الاجتماعية عبر العقود الثلاثة الماضية. وبالرغم من انقسام أكاديميي جامعات مصر، ومثقفيها، حول هذا القرار، الذي اعتبره البعضُ قرارًا سياسيًّا، ومزايدةً في التزّلف للنظام، لا سيما في لحظة دقيقة، يقفُ فيها النظام المصري على محكّ اختبار حرج في مسألة الديمقراطية وتداول السلطة والتوريث وحق الشعب في اختيار حاكمه، (تلك الثقافة التي كاد الشعبُ المصريُّ أن ينساها من فرط ما غابت عن سمائه). وبرغم اعتراضهم أن تكرِّمَ الدولةُ الدولةَ. باعتبار الجامعة تابعةً لوزارة، وبالتالي هي جزءٌ من الدولة، وباعتبار السيدة سوزان قرينةَ عصب الدولة، فيكون بهذا قد كرّمَ النظامُ نفسَه. وبالرغم من نفور الكثيرين من هذا القرار؛ لأنهم يرون فيه مداهنةً لا تليق بجامعة مصرية لها ثقلها، أن تُكرَّمَ حرمُ الرئيس، في حين تظل عديد رموز مصرية من علماء ومفكرين دون تكريم. بالرغم من كل ذلك، فقد أبهجني هذا التكريم، لعدة أسباب. أولا لأنها امرأة. وأنا، وبشدة، من الذاهبين إلى أن تحضّر أمّة يُقاسُ بمكانة المرأة فيها. وثانيًّا لأن للسيدة الأولى بالفعل دورًا مشهودًا على المستوى الثقافي: في إحياء مكتبة الإسكندرية التاريخية العريقة، وفي مشروع القراءة للجميع ومكتبة الأسرة، وعلى المستوى الاجتماعي: في مجالات حقوق الأمومة والطفولة وتنظيم الأسرة وسواها. حتى وإن أخفقت جهودها الثقافية في جعل القراءة "أسلوبًا للحياة" لدى المواطن المصري، أولا لأنه ميراثٌ تراكميّ ضخم يحتاج ثورة في أسلوب التعليم وتثقيف الأمهات والآباء والنشء وخلافه، وثانيًا لأن ذلك الهدف يستلزم إشباع البطون الجوعى، لكي تتمكن أيادي تلك البطون من الإمساك بالكتاب لتقرأ، وتلك مسئولية الحاكم والحكومة. وحتى إن أخفقت جهودها في حماية المرأة الفقيرة، والأم العائلة من بطش المجتمع والرجل، وإن أخفقت الجهودُ كافة في جعل الناس يُرشدّون نسلهم؛ فنجد الأطفالَ يُقذفون للشوارع كل دقيقة، كقنابل موقوتة ستنفجر في وجوهنا بعد عقد واحد. إلا إننا ليس بوسعنا أن نحاسب صاحب المشاريع التنويرية النبيلة على النتائج السلبية، لأن وراء تلك المشاريع وزاراتٍ ومؤسسات مترهّلة، تحبط تنفيذَها بلوائحها البائدة، وموظفين بيروقراطيين لا يكترثون للوطن ولا المواطن. فالكلُّ يعرف أن الهيكل الإداري بمصر مشوّهٌ، يحتاج قنبلةً بيولوجية لإصلاحه. أبهجني خبر تكريمها بحق، سيما وهي حاصلة على الماجستير في علم الاجتماع، وسيما وقد كرّمتها جامعات دولية كبرى. فبأي منطق لا تكرّمها بلادُها؟ ولأنني أمقتُ ثقافةَ خلط الأوراق، بوسعي أن أنظر للسيدة سوزان مبارك، بمعزل عن موقعها الاجتماعي كزوجة الرئيس، فأراها مواطنةً مصرية مستنيرةً فاعلة في مجتمعها. ومن ثم وجب تكريمها.
وبنفس المنطق، "عدم خلط الأوراق"، ضربتني الدهشةُ العميقةُ، واخترقني التقززُ المُرُّ، حين غابت صورة الدكتور محمد البرادعي عن سِجّل الصور الجدارية التي عُلِّقت على سور خيمة التكريم. صور أولئك الحاصلين على الدكتوراه الفخرية من الجامعة في السنوات الماضية! نجد نيلسون مانديلا، المناضل الأفريقي الحاصل على الدرجة عام 1990، وأنيتا شافان الأديبة الألمانية الحاصلة عليها مؤخرًا، ويغيب البرادعي، العالم المصري الكبير؟! حتى وإن برر رئيسُ الجامعة بأنهم اختاروا 50% فقط من الرموز، سنقول إن د. البرادعي لابد أن يأتي على رأس تلك ال50%! المفترض أن أكملَ المقالَ بعلامات التعجب! لكنني سأكمل بسؤال: كيف تريدنا جامعةُ القاهرة أن نصدّق أن منحها الدكتوراه للسيدة سوزان مبارك ليس نفاقًا للكرسي، بينما أغفلت وضع صورة د.البرادعي، الذي شرَّفَ الدرجةَ الفخرية بحصوله عليها عام 2008، مثلما شرّف مصرَ من قبل بقطفه ثمرةَ نوبل الهائلة، ليضعها في سلّة مصر!! .

#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات