|
حُصَّة العرب من الضغوط التي يتعرَّض لها عباس!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3094 - 2010 / 8 / 14 - 16:43
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس من السياسة (التي تَعْكِس العالم الواقعي الحقيقي للسياسة) في شيء أنْ تقول أجِبْ بـ "نعم" أو "لا" عن سؤال "هل يذهب عباس إلى المفاوضات المباشِرة؟"؛ ذلك لأنَّ المفاوضات المباشِرة "بحدِّ ذاتها" لا وجود لها؛ بل لا وجود لأيِّ شيء "بحد ذاته"؛ ويترتَّب على ذلك أنَّ الموقف (إيجاباً أو سلباً) من المفاوضات المباشِرة "بحدِّ ذاتها" لا ينتمي إلى "السياسة" التي لم يَنْتَمِ العرب (والفلسطينيون) إليها بعد.
وإنَّ على كل من يجيب عن ذاك السؤال بـ "نعم"، أو "لا"، أن يشرح ويوضِّح الأسباب والحيثيات التي حَمَلَتْه على أنْ يختار إحدى الإجابتين القاطعتين، فمن غير ذلك يظل المجيب في خارج العالم الواقعي للسياسة، والذي يراد الآن لرئيس السلطة الفلسطينية نفسه أنْ يَخْرُج منه حتى يَدْخُل إلى غرفة المفاوضات المباِشرة مع نتنياهو؛ وإلاَّ ما معنى تعريضه لضغوط تَسْتَهْدِف إكراهه وإرغامه على الذهاب إلى تلك المفاوضات مجرَّداً من كل شرط أو مطلب يرى في تلبية إسرائيل والولايات المتحدة له طريقاً (لا ثانية لها) إلى جَعْل المفاوضات المباشِرة ممكنة النجاح ("النجاح" في معناه غير الإسرائيلي)؟!
ولِمُحبِّي فَهْم القادة والزعماء (وما أكثر أولئك عندنا) فَهْماً مثالياً ميتافيزيقياً، ومجافياً، بالتالي، للفهم السياسي الواقعي التاريخي، أقول لو جِئنا بنابليون بونابرت، ووضَعْناه مكان عباس، أي رئيساً للسلطة الفلسطينية، لرأيْناه، ومن حيث المبدأ والأساس والجوهر، يشبه ويزداد شبهاً، بعباس من الوجهة السياسية والسلوكية، فإنَّ وزن "القائد"، باستثناء القادة العرب، مِن الوزن (الواقعي الحقيقي والعام) للشعب (والدولة) الذي يقود؛ أمَّا لماذا استثنيتُ القادة والزعماء العرب من هذه القاعدة فلأنَّ كل دولة عربية تتوفَّر على تصوير وزن قائدها أو زعيمها على أنَّه وزن يفوق كثيراً وزنها هي، ووزن شعبها!
دَعُونا الآن من الوزن السياسي (والتفاوضي) الحقيقي والواقعي لعباس، والذي ليس كله من صُنْع "ظروف موضوعية" قاهرة، يُصَوِّرها بعض "فلاسفة" السياسة في السلطة الفلسطينية على أنَّها نظير "القضاء والقدر"، وَلْنَنْظُر في وزن 13 دولة عربية تتأَّلف منها "لجنة مبادرة السلام العربية"، التي غدت لجنة لـ "إقناع" المفاوِض الفلسطيني (الذي هو نسيج وحده بين المفاوضين السياسيين في العالم) بضرورة وأهمية التحلُّل من كل شروطه ومطالبه، توصُّلاً إلى تمكين "الرجل الطيِّب" أوباما من أن يأتي بما يقيم الدليل على أنَّه كان جديراً بثقة "اللجنة" به، وبنيَّاته (الطيِّبة).
مِنْ كثرة ضعفهم (الذي جُلُّه من صُنْع أياديهم) استكثروا أنْ يقولوا لـ "المفاوِض" عباس، في قرارهم، إذا ما كان قرارهم، "نحن معك، إنْ قرَّرتَ الذهاب، أو إنْ قرَّرت عدمه".
"المفاوِِض" عباس قالها غير مرَّة "لستُ، من حيث المبدأ، ضدَّ الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة (واليوم قبل غد) ولكنَّني لن أذهب (لأنني لا أستطيع الذهاب) إليها قبل أن يصبح لديَّ من المواقف الإسرائيلية (وغير الإسرائيلية) ما يَضْمَن أن تُجرى تلك المفاوضات في مناخ الوقف التام للنشاط الاستيطاني، وأن تكون إقامة دولة فلسطينية بحدود 1967 مدار المفاوضات المباشِرة (التي قد تستغرق 24 شهراً)".
إذا كان هذا الموقف الفلسطيني، أي هذا الذي قاله عباس غير مرَّة، يلقى له سنداً حقيقياً في سياسة "لجنة مبادرة السلام العربية"، ويحظى بتأييد عربي حقيقي بصفة كونه أقل ما يمكن (وما يجب) أن يستمسك به الفلسطينيون، فلماذا لم تتجشَّم "اللجنة" إصدار بيان تقول فيه في جلاء ووضوح "إنَّنا مع ذهاب عباس إلى المفاوضات المباشِرة إذا ما لُبِّيت له تلك المطالب والشروط"، التي إنْ لم تُلَبَّ أصبح ذهابه إلى تلك المفاوضات كذهابه إلى مقصلة سياسية؛ فإنَّ "المفاوِض" الفلسطيني يكفي أن يذهب إلى المفاضات المباشرة من هذه الطريق، أي من طريق الضغوط التي تُمارَس عليه، والتي بعضها جاء من قرار "اللجنة العربية" نفسها، حتى يعطي الدليل للمفاوِض الإسرائيلي على أنَّه قد استنفد البقية الباقية من "اللا الفلسطينية" للحل النهائي الإسرائيلي؛ وإنَّ من يأتي إلى المفاوضات المباشِرة من هذه الطريق سيأتي منها نفسها، حتماً، إلى توقيع اتفاقية تضيق بكل حلِّ غير الحل النهائي الإسرائيلي.
"السلطة الفلسطينية" هي الآن، وعلى ضعفها السياسي ـ الإستراتيجي في مقاومة المشيئة السياسية ـ الإستراتيجية لحكومة نتنياهو التي تزداد إدارة الرئيس أوباما استخذاءً لها، "البنت" الأكبر والأعظم شأناً من "أُمِّها"، أي من منظمة التحرير الفلسطينية، ومن حركة "فتح" أيضاً، فـ "المنظَّمة" و"الحركة"، وإنْ ليس في الظاهر، أصبحتا جزءاً من "السلطة"، التي كانت هي "الجزء"، الذي "بقدرة قادر" نما وكبر حتى ابتلع ذلك "الكل"، أي "الممثِّل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني.
و"الضغط الأعظم" الذي تتعرَّض له "السلطة" الآن من أجل إرغامها على الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة وفق شرط نتنياهو، أي وفق شرط "تخلِّي السلطة عن كل شروطها ومطالبها"، هو الضغط الذي يمكن أن يتسبَّب بجعلها في "أزمة مالية حادة"، لا حلَّ لها إلاَّ ذاك المتأتي من طريق قبولها التخلِّي عن شروطها ومطالبها، أي من طريق قبولها "شرط نتنياهو"، فما تتلقاه "السلطة" من "مساعدات مالية"، بفضلها تقدِّم الخدمات للسكان، وتدفع الرواتب للموظَّفين، هو الآن، وعلى نحوٍ أوضح من ذي قبل، "السيف السياسي البتَّار" في يد ممارسي الضغط عليها، والذين لم ينفقوا أموالهم إلاَّ في ما أنجح سعيهم إلى خلق جهاز بيروقراطي فلسطيني يتعذَّر عليه العيش إلاَّ في هذه "المساعدات"، وبها.
ولكن، هل للعرب من مساهمة "جليلة" في تمكين هذا "الاحتلال المالي" لـ "السلطة الفلسطينية" من أن يعطي ثماره السياسية المُرَّة فلسطينياً، أي المُرُّ مذاقها في ذائقة الشعب الفلسطيني، وليس في ذائقة "الجهاز البيروقراطي" الفلسطيني؟
تلميحاً، أجاب الرئيس عباس إيجاباً عن هذا السؤال إذ قال: "إنَّ دولاً عربية عدة لم تدفع أموالاً للسلطة الفلسطينية منذ سنوات". لماذا لا تدفع؟
هل لنقصٍ في الأموال تعانيه؟
كلاَّ، ليس لنقصٍ في الأموال، وإنَّما لنقص في إرادتها السياسية إذا ما كانت هذه الإرادة أنْ تريد تلك الدول ما لا تريده الولايات المتحدة (من السلطة الفلسطينية، ولها).
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرارة الغلاء وحرارة الانتخابات ترتفعان في رمضان!
-
عُذْرٌ عربي أقبح من ذنب!
-
ظاهرة -بافيت وجيتس..- في معناها الحقيقي!
-
في القرآن.. لا وجود لفكرة -الخَلْق من العدم-!
-
-السلبيون- انتخابياً!
-
عباس.. هل يرتدي كوفية عرفات؟!
-
صورة -المادة- في الدِّين!
-
هل أصبحت -المفاوضات بلا سلام- خياراً إستراتيجياً؟!
-
الأزمة الاقتصادية العالمية تنتصر ل -قانون القيمة-!
-
هرطقة تُدْعى -الملكية الفكرية-!
-
الآلة
-
معنى -التقريب-.. في مهمة ميتشل!
-
أمراض ثقافية يعانيها -الطلب- في اقتصادنا!
-
حكوماتنا هي الجديرة بلبس -النقاب-!
-
صورة -المفاوِض الفلسطيني- في مرآة -الأمير-!
-
معادلة ليبرمان!
-
الفقر والفقراء.. في دراسة مُغْرِضة!
-
ما تيسَّر من سيرة -القطاع العام-!
-
مهزلة يُضْرَب بها المثل!
-
الرأسمالية الأوروبية تتسلَّح ب -العنصرية-!
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|