دعوة عبد الله أوجلان للسلام في كوردستان تكتسب طابعاً أُممياً
صادق إطيمش
2010 / 8 / 14 - 00:04
الرسالة التي وجهها توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام ، رجل الدين البارز في أفريقيا ، والمناضل ضد النظام العنصري في جنوب أفريقيا ، إلى رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والذي طالبه فيها " ببذل الجهود لحل المشكلة الكوردية في تركيا ، معتبراً أن إطلاق زعيم حزب العمال الكوردستاني المعتقل عبد الله أوجلان سيكون عاملاً مساعداً لحل هذه المشكلة " لها دلالات كثيرة جداً، لاسيما وأنها جاءت من رئيس لجنة الحكماء التي تضم الزعيم ألأفريقي المناضل نيلسون مانديلا والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي انان .
يمكن أن نسجل أولى هذه الدلالات على شكل إنعكاس لنداء السلام الذي وجهه المناضل الكوردي عبد الله أوجلان والذي سجل فيه مشروعاً واضح المعالم يعتمد على السلم أساساً في تنفيذه على الواقع العملي . لقد أوضح عبد الله أوجلان من خلال فكره الثوري الثاقب ونزوعه إلى وقف القتال في كوردستان الشمالية بأن الإعتراف بحقوق الشعب الكوردي والعمل على خلق الأجواء التي تتيح له ممارسة الإدارة الذاتية في شمال كوردستان سيقود إلى نزع سلاح المقاتلين الكورد وانخراطهم في المجتمع بإسلوب تتبناه وتشرف عليه الأمم المتحدة وتسهر على تطبيق بنود تحقيق السلام الواردة في هذا المشروع . لقد خرج مشروع أوجلان السلمي هذا من حيز المزايدات السياسية التي ألصقتها به العنصرية التركية ضاربة به عرض الحائط ، لقد خرج هذا المشروع السلمي من هذا الحيز ليكتسب طابعاً أممياً لا تنادي به الثورة الكوردية على لسان قائدها فقط ، بل وتبنته حركة التحرر الوطني العالمية التي تضم الكثير من المفكرين والمناضلين في سبيل العدالة والمساواة على مختلف بقاع الأرض . لقد سبق وأن أكدنا في أكثر من مناسبة على دور وأهمية التضامن الأممي مع الثورة الكوردية والضرورة القصوى لنشر أفكار ومبادئ هذه الثورة التي لا تتجاوز على ما تضمنه لها المبادئ الإنسانية الداعية إلى حق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها ونيل حقوقها . والشعب الكوردي الذي يشكل اليوم أكبر شعب في العالم لا دولة له هو أول مَن يستحق التمتع بهذا الحق الذي حجبته عنه السياسة الإستعمارية الدولية التي كرستها الحروب العالمية والمصالح التي فرضها المنتصرون في هذه الحروب على الشعوب التي وقعت تحت نير الإحتلال والإنتداب والهيمنة العسكرية التي تحولت اليوم إلى هيمنة سياسية إقتصادية تسعى لتحقيق ذات المصالح القديمة ولكن بأساليب أخرى . فصدور رسالة بهذا المحتوى من تجمع كهذا الذي يرأسه توتو وتبَني هذا التجمع لمشروع السلام الذي طرحه قائد الشعب الكوردي عبد الله أوجلان يجب أن يدفع الثورة الكوردية ليس في كوردستان الشمالية فقط ، بل وفي كل أنحاء كوردستان إلى العمل من جانبها على جعل هذا المشروع كقاعدة للنضال الثوري بين الجماهير الكوردية أينما وُجِدت . وهذه هي الدلالة الثانية التي ينبغي لها أن تتفاعل مع نضال الشعب الكوردي في هذه المرحلة بالذات من تاريخ تطور الثورة الكوردية. أي أن العمق الجماهيري الذي يجب أن يكتسبه هذا المشروع السلمي الذي طرحه أوجلان سيشكل القاعدة الأساسية التي ستنطلق منها مبادئ الثورة الكوردية والإعلان عن دفاعها عن حقوقها على أرضها بالذات وإسماع العالم وكل المدافعين عن حقوق الشعوب ومساندتها على تحقيق مصيرها ، بأن الثورة الكوردية هي ثورة سلام لا ثورة عنف ، وإنها تسعى إلى تحقيق هذا السلام من خلال المشاريع العديدة التي طرحتها خلال سنين نضالها الثوري والذي تجاهلته العنصربة التركية والعسكرية التركية التي زجت بالآلاف من أبناء الشعب التركي في حرب لم تستطع حسمها لصالحها بعد كل هذه السنين ورغم القوة العسكرية التي يمتلكها واحد من أقوى جيوش حلف الناتو . إن على الثورة الكوردية ان تعمل الآن على جعل شعار " السلم والديمقراطية في كوردستان " شعاراً منتشراً على جميع بقاع كوردستان وبين شعوب العالم المختلفة . وبذلك نستطيع ضمان التضامن الأممي مع الشعب الكوردي وثورته على مستوى الشعوب أيضاَ وليس على مستوى المنظمات والتجمعات الدولية فقط .
لقد صدق توتو حينما طلب من أردوغان أن يظهر تجاه الكورد الحساسية نفسها التي يظهرها تجاه الفلسطينيين . وهنا لابد لنا من التوقف قليلاً امام اللعبة السياسية الجديدة التي تلعبها الدولة التركية والتي إستبشر بها الحكام العرب الذين يتشبثون بواهي القش الذي يعتقدون بأنه سينقذهم من الغوص أكثر وأكثر في أتون غباءهم السياسي وحماقاتهم الفارغة وكل ما أقترفوه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني وشعوبهم عامة منذ أن ظهرت أنظمة هؤلاء الحكام إلى الوجود ولحد الآن . فنكبة الشعب الفلسطيني هي نكبة الحكومات العربية أولاً قبل أن تكون نكبة الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين والذي جاء كحصيلة حاصل لسياسة التبعية وللسياسات التي إنتهجتها هذه الأنظمة الهزيلة بكل شيئ إلا بقوة القمع والتسلط التي تمارسها ضد شعوبها . لقد تمسكت هذه الأنظمة بالسياسة التركية الحالية ، في الوقت التي ظلت فيه هذه السياسة على مدى العقود الماضية ولا زالت تتعامل مع الحركة الصهيونية العالمية ممثلة بدولتها إسرائيل تعاملاً عسكرياً واقتصادياً ساهم ، مع السياسة الأمريكية والأوربية ، على تقويم هذه الدولة منذ تأسيسها عام 1948 ولحد الآن . وبقدرة قادر إكتشفت السياسة التركية الآن وبعد مرور أكثر من ستين عاماً على تشكيل دولة إسرائيل التي إحتفظت ولا زالت تحتفظ معها بأحسن العلاقات ، إكتشفت مظلومية الشعب الفلسطيني ومسؤليتها في الدفاع عنه لا من خلال بعض المسرحيات السياسية التي أبهرت وأعجبت الغباء العربي الرسمي فقط ، بل ومن خلال اللعب على الوتر الديني الذي لعبه حزب العدالة والتنمية مؤخراً بدعوته لما يسمى بالمؤتمر الإسلامي الذي وفرت له العنصرية التركية كل أسباب الإبتذال الرخيص والإنتهازية المقرفة التي جاءت على لسان واحد من فقهاء السلاطين ومن خلال بيان رئيس هذا المجلس يوسف القرضاوي ألذي سفَّ في تجاوزه على الشعب الكوردي وثورته إرضاءً لولي نعمة جديد لم يستجب لنداءات السلم المتكررة التي أطلقتها الثورة الكوردية في الوقت الذي يأمره القرآن بذلك . { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } ( الحجرات 9 ) . فأين القرضاوي من هذا الأمر الإلهي الذي تجاهله فقيه السلاطين هذا . وهنا لابد لنا من تذكير القرضاوي واردوغان والحكام العرب وكل مَن يعول على إسناد حاكم يقتل شعبه ويمثل بجثامين القتلى من هذا الشعب ، كما فعل الجيش التركي بجثامين المقاتلين الكورد ، نُذكر كل هؤلاء بالموقف الذي إتخذته السفارة التركية في لندن والتي رفضت إستلام هذه الرسالة ، مما إضطر حامل الرسالة ماتيو ايسو إلى التصريح بأن الوفد سيرسل الرسالة عبر سفارة جنوب أفريقيا إلى أنقرة . إن هذا الموقف يكشف بشكل واضح على ان هذا التصرف من قبل السفارة ليس بعيداً عن القرار الرسمي للحكومة التركية التي يرأسها أردوغان .
والدلالة الثالثة التي يمكن إستنتاجها من هذه الرسالة والظروف التي لازمت كتابتها والمحاولات الفاشلة لتسليمها إلى السفارة التركية في لندن وإرسالها بدلاً عن ذلك إلى أنقرة عبر الطريق الرسمي لسفارة جنوب أفريقيا في أنقرة ، هو بروز شخصية القائد الكوردي عبد الله أوجلان كقائد سلام أممي وضعه حامل الرسالة ايسو في تلك المواقع التي يحتلها رواد حركة السلام العالمي المعاصرون مثل مانديلا وتوتو . وأشار ايسو إلى أن أوجلان يمكن ان يساهم في حركة السلام العالمي كما ساهم ويساهم بها مانديلا وتوتو ، وأكد على الدور الذي تلعبه منظمات حقوق الإنسان المختلفة التي تطالب بإطلاق سراح عبد الله أوجلان كي يساهم في دوره لتحقيق السلام العالمي . كما أوضح الرابطة النضالية التي تربط كل من مانديلا وأوجلان ومسار نضالهما الذي قضيا فيه سنيناً طويلة من أعمارهما دفاعاً عن حرية أوطانهما وشعوبهما . فليس غريباً عندئذ أن يكون رجل السلام العالمي اليوم مانديلا " إرهابياً " بالأمس ، كما أنه ليس غريباً أيضاً أن يكون عبد الله أوجلان " إرهابياً " اليوم ليصبح رجل السلام العالمي غداً ، وإن غداً لناظره قريب .
الدكتور صادق إطيمش