محمود غازي سعدالدين
الحوار المتمدن-العدد: 3086 - 2010 / 8 / 6 - 13:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لازال المسلمون متشبثين بالامور السطحية التي لا تخدم مجتمعاتهم في شيء سوى زيادة شق الخلاف واثارة الضغائن والحساسيات بينهم وبين الملل ألأخرى وغربلة العقل المتغربل بمشاكل وهموم الحياة الكثيرة , على بعد أمتار قلائل تحاول مؤسسة اسلامية بادارة شريف الجمال اقامة اكبر مسجد ضمن بناية يسمى بمجمع قرطبة في نيويورك , حيث أجازت بلدية مانهاتن اقامة البناية التي تضم بجانب المسجد مكاتب ومسبح ومرافق اخرى خصصت للمشروع مئات الملايين من الدولارات .
أثار هذا القرار حفيظة العديد من عوائل ضحايا هجمات 11 سبتمبر الارهابية , حيث صرح العديد منهم علنا أن اقامة مثل هذا الصرح بالقرب من مكان البرجيين هو مدعاة لاثارة مشاعر الغضب وان الهجمات الارهابية قامت بها مجموعة ارهابية مسلمة لا زالت تحظى بدعم كبير على الاقل من الناحية الاعلامية من قبل العديد من المسلمين المتطرفين وتزايد نزعة الجماعات المتطرفة المسلمة ( المبرمج) ضد الولايات المتحدة , وخصوصا بعد أنفتاح العديد من الدول الديمقراطية والشخصيات الليبرالية على السياسات المتفتحة للولايات المتحدة تجاه العالم الاسلامي , المشحون بالكراهية من قبل الفقهاء المتزمتين المتطرفين .
هنا استشهد بقول سيد البلاغة وباب العلم الامام علي بقوله قَالَ ( عليه السلام ) : يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ وَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ وَ مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى سُكَّانُهَا وَ عُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ وَ إِلَيْهِمْ تَأْوِي الْخَطِيئَةُ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا وَ يَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَ قَدْ فَعَلَ وَ نَحْنُ نَسْتَقِيلُ اللَّهَ عَثْرَةَ الْغَفْلَةِ.
ما حاجتنا للمساجد في السعودية والمغرب والعراق والولايات المتحدة واوربا وقد أصبحت معظمها اماكن لترويج الفتن والضغائن خرابا من الهدى كما أشار اليها سيد البلاغة , سيخرج علينا العديد من مروجي ظاهرة بناء المساجد واصحاب العقول والمخيلات الضيقة الذين يمشون بغير هدى وتعقل وتبصر , ليعلقوا بأن كل من يمنع بناء مساجد الله فهو زنديق كافر مصيره القتل وسوء المهاد , متشبثين بايات لو تتبعناها فهي كلها صريحة وواضحة تطعن فيمن استغل بناء المساجد والفرائض لصالحهم , يخادعون الله وعباد الله من المساكين والفقراء والايتام والمعوقين ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ )(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) صريحة هي الآية ان من يتشدق بعمارة المساجد وسقاية الحجاج ليس كمن آمن بالله واليوم ألآخر ولم تأتي الآية لتنتقد قريشا في ذلك الزمان فالايات تشمل كل زمان ومكان وتشير بوضوح الى زماننا هذا الذي باتت المساجد منابر تثير الفتن وتشيع خرابا وفسادا .
والقصد من جاهد في سبيل الله يفسره المنافقون والمتطرفون حسب تاوليهم انها لغة السيف والقتال والتفجير والتفخيخ والاكراه , وتختلف مع من نصوص تدعو الى التعقل والاسستبصار في كل شيء (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ) , وليست الدعوة الى الله تنحصر في طائفة بعينها فالانبياء والرسل جمبعا والناس الصالحون جاءوا رحمة للعالمين ولكل بني البشر ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وليست ذكر اسم الله عزوجل فقط محصورة بالمساجد الذي قال فيها علي عليه السلام منها تخرج الفتنة واليها تأوي الخطيئة , فصوامع للرهبان وبيع ومساجد اليهود والصلوات وكنائس النصارى والصابئة يذكر فيها اسم الله أيضا , حتى أن أحد صحابة علي في زمانه قال عند مروره بكنيسة يتعبد فيها بعض النصارى فقال لعلي لطالما كفروا بالله فرد علي بل قل لطالما عبد الله هنا .
هؤلاء الذين يروجون لبناء المساجد وعمرانها لا يخدمون سوى مصالحهم ومصالح الحكام والطغاة , الا بالله عليكم ما حاجتنا للمساجد وطقوس الحج المختلفة وعالمنا الاسلامي مليء بالفقراء والجوعى والارامل واليتامى والمرضى والثكلى والمعوقين والمحرومين المعدومين (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
السعودية الممول والداعم الاول في العالم لظاهرة بناء المساجد وهذه الظاهرة بالنتيجة تدر عليهم الكثير من الاموال من عمليات غسيل الدماغ التي يجيدها الفقهاء على المنابر , ظاهرة بناء المساجد مستمرة على قدم وساق في بلداننا المتخلفة والمحاولة الاخطر هي ايجاد منافذ لترويج ظاهرة بناء مؤسسات دينية ومساجد في اوربا والولايات المتحدة الامريكية لتشويش العقول وتوجيها باتجاه معين يخدم المتطرفين والممولين .
عدد المساجد في السعودية يزيد على 50 الف مسجد تدار كلها مع الواقفين على منابرها بواسطة وزارة الاوقاف السعودية , ومصر أكثر من 100 الف , المغرب أكثر من 41 ألف و755 مسجد , الولايات المتحدة أكثر من 1209 مسجد ,فرنسا أكثر من 2000 مسجد , بلجيكا أكثر من 290 مسجد ودور عبادة , هولندا أكثر من 400 مسجد , معظمها ممول بمصادر تمويل سعودية صرفة .
على سبيل الذكر منطقة مثل شمال العراق تضم أكثر من 4500 مسجد بني نصفها في زمن أدارة الحزبين الحاكمين بامتياز وجلها موضوعة تحت اشراف وزارة الاوقاف وقد مولت وبني معظمها من قبل المملكة السعودية أو عبر وسطاء وأغنياء أغتنوا على حساب الفقراء وبالتنسيق مع وزارةالاوقاف القومية , لهم اليد الطولى في نشر ثقافة العداء للغرب عموما ومهمتهم خلق الفتن والخوض في ألأمور السطحية التي تثير الضغائن والاخذ بالثأر وعمليات ما تسمى غسل العار وشحذ الخطاب القومي الجديد , و جل المواضيع التي تشغل عقل المتلقي عن سرقات وجرائم المسئولين هناك .
نأخذ مثالا واحدا على تخلفنا وابتعادنا عن القيم الانسانية والتي وصل اليها العالم المتحضر متمثلا بالدول الديمقراطية ووصلت مستوى راقيا في التعامل الانساني , فها هي باكستان المقحمة بالتنظيمات الاسلامية الارهابية تعاني كارثة الفيضانات وقد وصل عدد المنكوبين من جراء السيول العارمة أكثر من 4 ملايين مسلم بالتمام والكمال (اللهم لا شماتة ) وآلاف القتلى والجرحى ويتوجه أكثر من 115 الف حاج نحو السعودية لاداء حقوق وواجبات الله عزوجل الغفور الرحيم التواب , بعد دفع ما يزيد عن 5000 دولار للرحلة الواحدة وللحاج الواحد لا غيرها على جثث ومعاناة وصرخات المنكوبين والجرحى والذين فقدوا المأوى الذي كان يأويهم حالهم هذا هو حال الحجاج عموما الذين يرمون بآلاف مؤلفة من الدولارات تذهب لجيوب أمراء الارهاب العالمي ماقيمة ذلك الدين أذا أصبح مجرد طقوس وفروض تبتعد عن القيم الانسانية التي كرم الله بها الانسان وخلقه في احسن تقويم , حال الباكستانيين هذا كان حاله حال 200 الف حاج اندونيسي وماليزي داسوا بأقدامهم بطون وجثث المنكوبين جراء أمواج تسونامي قبل سنوات , ليحجوا الى بيت الله وهم يحسبون أن ذنوبهم تمحى وتغسل عن بكرة ابيها بمجرد اكمال طقوس شكلية , ومثاله في العراق أيضا , والمغرب الذي يتشدق ملكها ببناء المساجد والخطاب الديني , وفي نفس الوقت تقترن حرية 7100 انسان مسلم مغربي بشحومهم ولحومهم بقطعة من ..... ولي العهد في حفل ختانه وتقام الليال وتقدم المآدب ويدعو الفقهاء على المنابر بأن يرزق بولي عهد جديد (ذكرا طبعا ) وب ...... أطول أضعاف أضعاف من سابقه لتفرغ السجون من روادها , والعمر المديد لحكامنا رعاة الدين والاسلام وحماتها وبناة مساجدها !!
أذا أردنا أن نلحق بركب العالم المتحضر فعلينا أن نحذو حذو المتمدنين الذين كتبوا عن مجتمعاتهم كل شيء بعيدا عن أي تزلف وتملق وفي ظل العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق , بناء وزيادة أعداد المساجد وطولها وعرضها وشكلها وعدد مرتاديها لن ينفعنا في شيء , فنحن بأمس الحاجة لبناء العقول وتحرير الانسان وفهم أنفسنا وتربية عقولنا بعيدا عن أية قيود لنحظى بتفكير ناجح وننظر الى الحياة عموما بمنظار جديد وثاقب لم يعهده الناس من قبل لخدمة أخوتنا في ألانسانية .
#محمود_غازي_سعدالدين (هاشتاغ)