أحمد القاسمي
(Ahmed Alqassimi)
الحوار المتمدن-العدد: 3083 - 2010 / 8 / 3 - 14:22
المحور:
المجتمع المدني
"لغة القلب"
مارشال ب. روزنبرغ ومفهموه عن التواصل السلمي مع الآخرين
كاتارينا زيكمان
ترجمة عن الألمانية: أحمد القاسمي
القاعة مكتظة بالجمهور بعد أن بيعت كل تذاكر الدخول. على المسرح يجلس مارشال ب. روزنبرغ وهو ينظر بفضول إلى القاعة المزدحمة. بجانبه على الأرض الزرافة والذئب, عروستان يدويتان ترافقانه دوما. مثله بالضبط تحولا أثناء العرض إلى طريقة التواصل السلمي فيما بينهما. مايقارب من ستمائة شخص دفعهم الاهتمام بموضوعه للحضور في هذا المساء.
وإذا ما تأمل المرء في وجه روزنبرغ فسيشعر أن هذا الرجل قد رأى الكثير من الشقاء في حياته. إن الحماسة الأولى لتطوير طريقة تواصل مع الآخرين خالية من العنف تجد جذورها في طفولته " عندما كنت في سن التاسعة من العمر إنتقلت عائلتي إلى ديترويت في مشيغان في الولايات المتحدة. ولقد كان مجيئنا متزامنا مع الاضطرابات العرقية في عام 1943. بالقرب من بيتنا تم قتل اربعين شخصا. تعلمت وأنا ما أزال صبيا كيف أن المرء يمكن أن يكون مكروها فقط لأن له لون بشرة مختلف. وعندما ذهبت إلى المدرسة توصلتُ إلى أن إسمي العائلي يمكن أن يكون مناسبة تعطي الآخرين مبررا للعنف ضدي. مالذي جرى للبشر لتصبح وسائل إيلام الآخرين مصدر متعة لهم؟ ولكن لحسن الحظ أنني عايشت أشخاصا آخرين كانوا يتطلعون بسرور إلى خير الآخرين. أعتقد أن تلك السلوكيات هي استعداد طبيعي لدى البشر. إنطلاقا من هذه النقطة شغلني التفكيرعما يدفع البشر إلى المضي في أحد هذين الإتجاهين دون الآخر".
ومن أجل تطوير مفهوم التواصل الخالي من العنف بين البشر, كان روزنبرغ بحاجة إلى دراسة علمية مستفيضة لطرق التواصل بين البشر. ولذا فقد بدأ بدراسة علم النفس الإكلينكي في جامعة ويسكونسين. بحث روزنبرغ سلوك البشر الذين يسببون الألم للآخرين, وكذلك بحث بالمقابل لغة وسلوك البشر الذين يتحمسون لفعل ما من شأنه أن يجلب السعادة للبشر الآخرين. وتوصل إلى أن هذين المجموعتين تستعملان طريقة تواصل مع الآخرين مختلفة تماما عن الأخرى, وهذا الإكتشاف دفعه إلى إستخلاص مبادئ التواصل الخالية من العنف.
وعندما كان روزنبرغ يدرس الدكتوراه, جاء إلى الجامعة نفسها للعمل كبروفسور المعالج النفساني ومؤسس طريقة العلاج بالحوار كارل أر. روجرس. كان روجرس يقيم وزنا كبيرا للقاءات الإنسانية التي تتأسس على التعاطف الوجداني المتبادل وعلى الإحترام القائم على المشاعر الخيرية. أراد روجرس أن يتوصل إلى إجابة لسؤال أي العوامل يمكن أن تكون مساعدة في شفاء المرضى النفسانيين, ومن أجل ذلك أسس مجموعة عمل من المعالجين النفسانيين الذين يعملون وفق مبادئ علاجية متباينة فيما بينهم. أراد روجرس من ذلك أن يجيب على سؤال أي تلك المبادئ العلاجية ستتمكن من علاج المرضى بصورة أكثر فعالية. مارشال أر. روزنبرغ كان أحد أولئك المعالجين النفسانيين في مجموعة البحث التي أسسها روجرس.
" نتائج البحوث كانت لها دلالة كبيرة وجلية. لقد أكدت نظريتي في أن الشفاء النفساني لا يتوقف على الفهم العقلاني أو على مجموعة محددة من المهارات العلاجية النفسانية. توصّل كارل روجرس إلى أن الشيئين الأكثر أهمية في العلاج هما أولا التعاطف الوجداني الصادق وثانيا القدرة على التحدث من قلب صادق مع إنسان ما. وهذه النتائج وسمت عميقا بميسمها طريقتي في التواصل الخالي من العنف, لأنها أثبتت ما للتعاطف الوجداني الصادق من أثر بالغ الأهمية"
في عقد الستينات من القرن العشرين جمع روزنبرغ خبراته الأولية مع طريقة التواصل الخالي من العنف من خلال المشاركة في مشاريع مدرسية تجديدية ومن خلال عمله في بعض المؤسسات العامة الأخرى في الولايات المتحدة. في عام 1984 أسس " مركز التواصل الخالي من العنف" (سي أن في سي) وهو منظمة غير ربحية تتألف من أكثر من مائة مُدرِّب ومُدرِّبة يعطون دروسا و وتدريبات في طريقة التواصل الخالي من العنف في أكثر من ثلاثين بلداً.
لماذا يَصْعُب على كثير من الناس الحديث عن مشاعرهم؟ مارشال أر. روزنبرغ يفسر ذلك بقوة تأثير بُنى السيطرة السائدة في الثقافة الإنسانية منذ آلاف السنين. بُنى السيطرة تلك بدأت منذ أن بدأ البشر بالإعتقاد أن لهم الحق في وضع متفوق على البشر الآخرين يمنحهم الشرعية في التحكم بهم. ومن أجل أن تكون بنى السيطرة هذه مؤثرة وناجعة قام البشر بتلقين أقرانهم الآخرين كيفية الإستجابة المناسبة للغة السيطرة تلك. ولكن لغة السيطرة هذه تجعل البشر يفقدون الصلة تدريجيا بذواتهم الداخلية العميقة.
لا يقتصر عمل ماشارل أر. روزنبرغ على إعطاء محاضرات في التواصل الخالي من العنف فقط, وإنما يسافر شخصيا كوسيط لحل النزاعات الدولية في أنحاء مختلفة من العالم. قام مثلاًً بجمع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة حوار واحدة وتوسط بين الشرطة وأفراد عصابات الشوراع في المدن الأمريكية الكبرى.
" التواصل الخالي من العنف يقوم على فكرة أن أي شكل من الإنتقادات هو تعبير تراجيدي عن رغبة غير مُتحَقْقَة.
لبنة عقائدية غاية في الأهمية من بناء التواصل الخالي من العنف هي أن على المرء أن يرى إنسانية الآخر وإحتياجاته دون أن يكون ذلك مصحوبا بتصورات ذهنية عدائية عنه. وإذا ما تم هذا الشرط فإن بالإمكان حلّ أي صراع ما دون الحاجة للجوء للعنف, لأن كل الإحتياجات ستأخذ بنظر الإعتبار.
لذا فإن على مَن يتشوق لرؤية عالم يسوده السلم أن يبدأ أولا بالملاحظة وتوجيه الأسئلة العميقة للذات وأن يهتم بطريقته المتفردة بالتعبير عن ذاته وبالتواصل مع الآخرين.
#أحمد_القاسمي (هاشتاغ)
Ahmed_Alqassimi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟