|
العلم السوري
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3060 - 2010 / 7 / 11 - 13:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ظاهرة جديدة باتت تجد طريقها إلى قلب الشوارع والساحات والمدن السورية وهي رفع العلم السوري على سارية عالية ربما أحد عشر متراً أو أكثر، في ظل غياب رائع وملفت للعلم القومي العربي الذي كان يستأثر بالساحة والمشهد العام ويشكل غيابه في الحقيقة مصدر سعادة وارتياح خاص من قبلي على الأقل. ويرتفع هذا العلم السوري الجميل، شامخاً عالياً مرفرفاً في ساحات ومداخل المدن السورية ليبعث في النفس مشاعر عذبة من الحنين بالانتماء لوطن عظيم صاحب أمجاد غابرة في قلب التاريخ، وكانت تصدر الحضارة والجمال والفن لجميع شعوب الأرض. وللعلم، فإن ألوان العلم السوري، الأبيض، والأخضر والأسود، والأحمر، ورغم تحفظاتنا على وجود اللونين الأحمر والأسود وما يرمزان له من رموز قد لا تبعث في النفس مشاعر ارتياح، فيكفي أنها تعود وموجود على علم وطني لتكتسب أهمية ودلالات جميلة، إذ من النادر أن ترى لون السواد في الأعلام الوطنية للدول والشعوب الأخرى، وتكون عادة ألوان الأعلام زاهية وجميلة ومشرقة وتبعث في النفس مشاعر ارتياح وإلفة ومودة. وألوان علمنا الوطني السوري مشتقة من بيت شعر للشاعر صفي الدين الحلي، إن لم تخني الذاكرة المثقلة، يقول فيها:
بيض صنائعنا، سود وقائعنا***** خضر مرابعنا، حمر مواضينا
وهذه الألوان، هي نفس ألوان العلم القومي العربي لكن بشكل آخر، وتشترك بها تقريباً معظم الدول المسماة عربية، والمفترض إبراز جانب سوري خاص بسوريا لوحدها وتشتهر به كالياسمين، أو نهر الفرات، أو شجرة الزيتون مثلاً، التي تعد سوريا ثالثاً في إنتاجها وزراعتها عالمياً، فكندا ترفع ورقة العنب على علمها الوطني ليميزها عن غيرها وتشكل رمزاً وطنياً خاصاً.(أليس الياسمين الدمشقي والزيتون أجمل بكثير من الوقائع السود والعياذ بالله، والمواضي الحمر؟)
طبعاً نحن لا نريد أن تكون وقائعنا-أي معاركنا سوداً ولا نيلاً، ولا نريد الصدام مع أحد ولا نسعى إلا للسلام والحب والتعايش بين الناس، كما أن المواضي-أي السيوف- الحمر جراء الدماء المسالة أمر لا يبعث على سروري على الأقل وإن كان يسر البعض فقتل وهدر دم أي إنسان وتحت أي ذريعة وزهق الأرواح هو أمر مستهجن ومرفوض.
والتركيز على الوطنية والمواطنة والهوية السورية الأعظم بكثير من مثيلاتها من الهويات الأخرى المفروضة هو أمر طيب، فافتخارنا بسوريتنا هو أسبق وأقدم بكثير على الافتخار بهويات طارئة وفي طريقها للزوال بسبب عدم قدرتها على التكيف والتأقلم، وإن كانت تعتاش اليوم على "السيروم" وعمليات الإنعاش البترودولاري، فعندما سينجلي كل ذاك الغبار، ويهدأ هذا الزعيق ستبرز الهويات الحضارية لتفرض نفسها بكل زهو واعتزاز، وهذا أمر قادم لا محال.
الظاهرة في الحقيقة موجودة في جميل دول العالم، فمن منا لل يعرف العلم الأمريكي والإنكليزي والهولندي والبرازيلي والفرنسي.... إلخ أحياناً أكثر من علم بلاده، وهنا عملية ترويج إعلامية كبرى لهذه الأعلام وبذكاء ملموس إذ تنتهز هذه الدول أية فرصة لإبراز علمها الوطني. إذ ترتفع الأعلام الوطنية أولاً، وأكثر ما لفت انتباهي في هذه الظاهرة هو العلم التركية، من خلال معرفتي الجيدة بتركيا وزياراتي المتكررة والعديدة لها، حيث ترى العلم التركي الأحمر الذي تتوسطه نجمة وهلال في كل مكان، ويبرز بشكل لافت، ولا يكاد يخلو شارع من وجوده بشكل لافت وبين ومنار في الكثير من الأحيان، وعلى الجبال، ومرصوف أحياناً على سفوح الجبال بأحجار ملونة زاهية وجميلة، رغم أن تركيا دولة إسلامية فهي تقدم تركيتها ووطنيها على إسلاميتها، ونادراً ما ترى علماً يشير إلى الإسلام والعرب، إذ يعتبر هذا نوعاً من الإهانة للوطن والوطنية والمواطنة التركية الأسبق والأقدم، فليس كل الأتراك مسلمين أو أتراك، وكذا الأمر بالنسبة للسوريين حيث يشكل التنوع والتعدد اللإثني والعرقي والديني جوهر وجود هذا الوطن العظيم والمتسامح مع كل الثقافات، ولولا هذا التسامح التاريخي الموروث من حضارات سابقة، لما وجدنا كل هذه الألوان السورية الجميلة.
كم هو جميل أن تتكرس وتتجذر هذه الظاهرة في التركيز على العلم السوري، فحين كنا صغاراً كان العلم القومي-كثير الشبه بالعلم الفلسطيني والكويتي والإماراتي- هو الطاغي والمسيطر على المشهد انعكس في ازدواجية في الانتماء وتخبط في الرؤية والولاء، فهل يكون ولاؤنا لسوريا، أم لدول الجوار الأخرى؟ العلم القومي العربي، هو بكل بساطة إلغاء للعلم والهوية الوطنية السورية، وكثير منا كان يعرف علم البعث القومي أكثر من معرفته بعلم سورية الوطني وهذا أمر غير مستحسن، ومن وجهة نظر وطنية بحتة.
الملاحظة الأخيرة على هذه الظاهرة الجديدة والطيبة، والتي نشد على أيادي كل من يقف ورائها، هو ضرروة إنارة هذه الأعلام ليلاً، وقد تضفي الإنارة عليها جمالاً وبهاء ورونقاً أكثر، فوطنيتنا وعشقنا للعلم السوري ليس في النهار فقط، بل ليلاً وعلى مدار الساعات والأيام.
وإلى علم سورية الجميل ألف قبلة وتحية و"تعظيم" سلام.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إرضاع الكبير: ومجتمع الدواويث
-
ماذا لو كانت إسبانيا عربية وإسلامية؟
-
حضارة لصوص الخراج
-
لا للنقاب، لا لثقافة التصحر والغباء
-
رئاسة الاتحاد العام للطلبة العرب: من ندرة الفعل إلى قلة الأص
...
-
بلاغ عاجل إلى محكمة الجزاء الدولية- لحجب نايل وعرب سات
-
كلهم يصلّون ويصومون ويقرؤون القرآن
-
حق العودة للمسيحيين واليهود إلى جزيرة العرب
-
إسرائيل والتطبيع الرياضي
-
يا بخت هنود الخليج
-
لماذا لا يقاطع العرب كأس العالم؟
-
هل نرى يهودياً عربياً زعيماً لحزب قومي عربي؟
-
تعقيب على مقال الوطن القومي للمسيحيين
-
أطالب بوطن قومي للمسيحيين العرب
-
المرضعات: وعلاوة إرضاع الكبير
-
خرافة المفكر العربي
-
عولمة رياضية
-
الجهاد الإسلامي بين الأنموذج الأردوغاني والأنموذج البن لادني
-
نعم لإرضاع الهندي الفقير
-
العرب والسطو على التاريخ
المزيد.....
-
-لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر
...
-
نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
-
لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا
...
-
أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض
...
-
عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا
...
-
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
-
حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
-
من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
-
بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
-
اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|