|
أن تكون ملحدا فى مصر
مايكل نبيل سند
الحوار المتمدن-العدد: 3052 - 2010 / 7 / 3 - 20:13
المحور:
حقوق الانسان
" أنا ضد الحمار بأمتياز و معة أنا وحش تاريخى عالمى , أنا ضد المسيح " ... فريدريك نيتشة - هذا هو الإنسان
يمكننى القول أن فريدريك نيتشة لو كان يعيش فى مصر هذة الأيام ، كان سيكون نزيلا بسجن برج العرب الشهير ، نفس السجن الذى يقضى فية كريم عامر ( المصرى الملحد ) عقوبة السجن أربعة سنوات بسبب إلحادة ... و ليس نيتشة وحدة الذى كان سيكون سجينا لو كان يعيش فى مصر هذة الأيام ، بل أيضا أديسون و دارون و كارل ماركس و فولتير و سيجموند فرويد و أينشتين و الكثيرين من نخبة مثقفى و مبدعى الأنسانية الملاحدة
الإلحاد - نظرة تاريخية " قال الجاهل في قلبه ليس اله " ... سفر المزامير - مزمور رقم 14 / ترجمة فانديك أعتقد أن هذا أقدم ذكر للملحدين فى التاريخ ، فسفر المزامير يرجع تقريبا للفترة ما بين القرن العاشر و القرن السادس قبل الميلاد ... نعم النص لم يزودنا بمعلومات عن أولئك الملحدين الأوائل ، الذين يشتمهم النبى و يقول عنهم أنهم جهلاء ، و لكن النص بكل بساطة يؤكد أن الإلحاد كان معتقدا موجودا عدة قرون قبل ميلاد المسيح الأفتراضى ، و أن الإلحاد أقدم من كلا من المسيحية و الإسلام ( حوالى 30 قرن ) و يمكن ببساطة شديدة لقارئ التاريخ أن يتتبع الأفكار الإحادية فى الفكر الإنسانى العام ، بدئا من فلاسفة اليونان الرافضون لوجود زيوس ، و الذى خرج من أسمهم تسمية ملحد ( Atheist ) ... مرورا بالبوذية و الطاوية التى توصف بأنها ديانات لا إلوهية Non-Theistic Religions ، لأن كلاهما لا يؤمنان بوجود إلة أو خالق ... مرورا بالمانوية و المعتقدات ذات الأصول الفارسية التى نادت بأذلية المادة و عدم وجود الروح ... مرورا بحركات القرامطة و الشعوبية فى التاريخ الإسلامى ، و كتابات الرواندى و أبن المقفع ، و أشعار أبو العلاء المعرى ... ثم الوطنيين الفرنسيين الذين قاموا بالثورة الفرنسية و نفوا البابا خارج فرنسا و صادروا ممتلكات الكنيسة ، و الذين كان يجاهر جزء غير قليل منهم برغبتة فى أقتلاع المسيحية من فرنسا ... و مرورا بالآباء المؤسسين الذين قاموا بالثورة الأمريكية و أهتموا منذ اللحظة الأولى لتأسيس الدولة الأمريكية على فصل الكنيسة عن الدولة ، و التأكيد على حرية المعتقد و عدم أنحياز الدولة لأى دين أو مذهب ... إلى أن ننتهى بالكتاب الملحدين المعاصرين الذين تباع ملايين النسخ من كتبهم فى الغرب من أمثال " ريتشارد داوكنز " ، أو الذين يلقون فى السجون فى الشرق مثل " كريم عامر " ، هذا أذا لم يتم نفيهم من ديارهم مثلما حدث مع " سلمان رشدى " و " وفاء سلطان "
الإلحاد فى مصر يعتبر الكثير من الحقوقيين فى مصر أن الحديث عن حقوق الملحدين فى مصر هو نوع من الرفاهية الحقوقية ... فالمسيحيون المصريون الذين قد يبلغ تعدادهم حوالى 10 مليون مصرى ( حسب تصريحات المسئولون المصريون ) يعانون من تمييز واضح فى ممارسة شعائرهم الدينية و قضايا التحول الدينى ... واليهود المصريون طردتهم مصر فى خمسينيات القرن الماضى ، بعدما نزعت عنهم جنسيتهم و صادرت أملاكهم ، ولازالت الدولة المصرية ترفض تعويضهم أو السماح لمن يرغب منهم بالعودة ... و البهائيين المصريين أقصى آمالهم أن يستخرجوا أوراق ثبوتية شخصية مدون بها خانة ديانة فارغة .... بل أن الشيعة المصريون ، و هم مسلمون يعتنقون نفس دين الأغلبية ، يعانون تمييزا لا يمكن أنكارة ، ولا زالوا حتى يومنا هذا ممنوعون من أداء شعائرهم الدينية .... فأذا كان هذا ما يعانى منة من يعبد نفس الإلة الذى تعبدة الأغلبية ، فتخيل ما يحدث لمن لا يؤمن بوجود هذا الإله أصلا فى القرن الماضى ، كل من نقد الدين فى مصر ، أو تم أتهامة بالإلحاد ، تعرض للأضطهاد و التمييز ، بل و القتل أيضا فى بعض الحالات ... فحينما نشر طه حسين ( عميد الأدب العربى ، و عميد كلية الآداب وقتها ) كتابه " فى الشعر الجاهلى " تم أقالتة من منصبة ، مصحوبا بحملة هجوم شعبية عنيفة ضدة ... و حينما نشر " نجيب محفوظ " الحائز على نوبل روايتة " أولاد حارتنا " على حلقات فى أحدى الصحف المصرية ، تدخل الأزهر ليمنع أستمرار نشر حلقات الرواية ، ثم قام أحد الإسلاميين بمحاولة أغتيال الأديب الكبير ... محاولة الأغتيال نجحت فى حالة " فرج فودة " الليبرالى المصرى ، الذى كفرتة المرجعيات الأسلامية و أحلت دمة ، لتنطلق كتائب الأعدام و تضربة بالرصاص ... نصر حامد أبو زيد ، حكم القضاء المصرى بتكفيرة و فصلة أجباريا عن زوجتة ، فأضطر إلى الهجرة لخارج مصر ... الشاعر عبد المعطى حجازى ، الذى حكم علية القضاء المصرى بمصادرة أملاكة ، لأنه نشر قصيدة تستخدم الذات الإلهية فى تعبيراتها الأدبية ... و أخيرا ، كريم عامر ، المدون الشاب المصرى ، الذى يقضى حاليا عقوبة بالسجن 4 سنوات ، بسبب قضية رفعها علية الأزهر ، بسبب مقالاتة الإلحادية و الناقدة للإسلام و تصرفات المسلمين هذة الأمثلة و غيرها تثبت أن هناك ملحدون فى مصر ، و أنهم لا يتمتعون بالحقوق نفسها التى تتمتع بها الأغلبية
و سأحرص أن أعرض هنا لبعض الأنتهاكات الرسمية التى يعانى منها الملحدين المصريين على يد الدولة المصرية
" الأيمان بالإلة الصحراوى أحد شروط المواطنة فى مصر " ... الدولة المصرية حتى تكون مواطنا مصريا يجب أن تؤمن بوجود الكائن الوهمى المدعو " الله " .... فكل الوثائق الرسمية تقريبا ، شهادات الميلاد و البطاقات الشخصية و عقود الزواج ، أى مستند يمكن أن يثبت أنك مواطنا مصريا ، يوجد بة خانة ديانة يجب أن يتم ملؤها أجباريا ، و يلزمك القانون أن تملأها بواحدة من ثلاثة أختيارات فقط ( الإسلام - المسيحية - اليهودية ) ... فإن كنت لا تؤمن بأحد هذة الثلاثة أديان ، فأمامك حل من أثنين : إما ألا تستخرج وثائقك و تعيش بدون جنسية أو هوية أو حقوق ، أو تستجيب لقهر الدولة و تكذب و تنكر معتقدك الدينى لكى تستطيع أن تعيش فى هذا الوطن الذى يسيطر علية الفاشيست المؤمنون ببساطة شديدة : أنت ملحد فى مصر ، أذن فلا مواطنة ولا حقوق لك ... ليس مسموحا لك أن تكون ملحدا فى مصر ... و كاتب هذة السطور ذاتة ، رغم إلحادة العميق ، إلا انة يكتب و سيظل يكتب " مسيحى " فى خانة الديانة ، رغم أنفة ، حتى يستطيع أن يحصل على الأوراق الرسمية التى يحتاجها للحياة فى مصر
" من حق الله أن يشتمك ، و لكن ليس من حقك أن ترد له الشتيمة " ... الدولة المصرية يوجد بمصر قانون فاشى يسمى " قانون إزدراء الأديان " ... هذا القانون يحمى ما يسمية " الأديان السماوية " ( دون أن يكشف لنا كيف يثبت سماويتها ) ، و يعاقب بالغرامة و السجن لفترة قد تصل ل 5 سنوات ، كل من يزدرى ( أى يتكلم أو يعامل بإحتقار ) أحد الأديان الثلاثة أو رموزها الغريب فى الأمر أن القانون يتغاضى عن الإزدراء و العنصرية و الشتيمة التى يوجهها الإلة الأبراهيمى لمخالفية فى الرأى حتى أن كانوا يؤمنون بأحد هذة الأديان المدعوة سماوية ... فالأنجيل مثلا يصف اليهود بأنهم " شياطين " ( رؤيا يوحنا اللاهوتى 2 : 9 ) ، ولا يعاقب القانون المصرى هذة العبارة ، رغم أعترافة باليهودية كديانة سماوية ... نفس الشئ عند إله الإسلام الذى يصف مخالفية بأنهم " قردة و خنازير " ( سورة البقرة ) و " كالإنعام بل و أضل سبيلا " ( الفرقان ) و أنهم " نجس " ( سورة التوبة ) .... فالشتيمة فى مصر هى حق إلهى لله و عبيدة ، و على الملحدين المصريين أن يتقبلوا سماع الشتيمة ليل نهار ، و اذا فكروا فى مجرد نقد الأديان ، يكون مصيرهم السجون و المعتقلات ، هذا أذا لم يتطوع أحد المؤمنون بتنفيذ شريعة إلهه و قتل الملحد الأمر المضحك المبكى فى آن واحد ، أنى أتلقى تهديدات بأقامة دعاوى أزدراء أديان ضدى ، من المسيحيين أيضا ، و ليس من المسلمين فقط ... فالمسيحيين الذين يملأون الدنيا صراخا و شكوى من كتابات زغلول النجار و أبو أسلام أحمد ، لا يقبلون أن ينقد أحد دينهم ، و يستخدمون نفس الإرهاب الدينى الذى يستخدمة الإسلاميون لفرض هيمنتهم على المواطنين من خلفيات مسيحية يمكننى ان أقول أنى أعرف عشرات و ربما مئات الملحدون فى مصر ، كلهم يضطرون للأحتفاظ بإلحادهم سرا ، يتظاهرون بالأيمان علنا ، و يكتبون بأسماء مستعارة ، خوفا من أن تنالهم أيادى المؤمنين الباطشة ، فى ظل تقاعس الدولة المصرية عن القيام بواجباتها و تحالفها مع السلطات الدينية الفاشية
الملحد محروم من الزواج فى مصر فى مصر لدينا قانونان للأحوال الشخصية : واحد للمسلمين ، و آخر للمسيحيين ، ولا يوجد أى منظومة للقانون المدنى يمكن للملحدين أستخدامها ... فالملحد من خلفية مسيحية مستحيل أن يستطيع الزواج إن لم يذهب إلى الكنيسة ، و يعلن أيمانة بالمسيحية ، و يحنى رأسة أمام رجال الدين ، ليسمحوا له بأن يمارس حقة الطبيعى و الأنسانى فى الزواج ... نفس الشئ تقريبا بالنسبة للملحدين من خلفية إسلامية معظم الملحدين المصريين يضطرون إلى التظاهر بالأيمان حتى يستطيعوا أستخراج عقود زواج رسمية ، لأنهم يعلمون جيدا أنهم لن يحصلوا على هذة العقود ألا بهذة الطريقة ... و رغم كل هذا تبقى فئة ممنوعة من الزواج حتى لو تظاهرت بالإيمان ، فقانون الأحوال الشخصية للمسلمين يمنع على المرأة المسلمة الزواج برجل غير مسلم ، و لأن الملحدة من خلفية إسلامية لديها خانة " مسلمة " فى أوراقها الرسمية ، فهى لا تستطيع الزواج بشخص ملحد لدية خانة " مسيحى " فى البطاقة ، رغم أن كلاهما ملحدان ولا يؤمنان بأى من هذة الأديان ، و قد رأيت هذة الحالة أكثر من مرة أمام عينى
بأختصار شديد الملحدون غير موجودون فى مصر ... غير موجودون فى أحصاءيات الدولة ... غير مسموح لهم بالتواجد فى التشريع المصرى ... غير موجودون فى الأوراق الثبوتية الملحدون سيلقون فى السجون أذا عبروا عن أفكارهم الرافضة للأديان ، طبقا لقانون إزدراء الأديان الملحدون عليهم التظاهر بالأيمان لكى يستطيعوا الزواج ، و حتى هذا لن يجدى فى كل الحالات
أديسون ، الذى أخترع المصباح الكهربائى ، و الذى لولاة لعاش المؤمنون تحت أضواء الشموع إلى يومنا هذا ، لو جاء لمصر لسجنة المؤمنون بسبب إلحادة ... بينما كل مواطنينا يستعدون أن يضحوا بحياتهم من أجل محمد الذى أباد اليهود من جزيرة العرب ، ثم ترك وصيتة ألا يجتمع فى جزيرة العرب دينان
أن تدرك يعنى أن تعانى ... أرسطو
www.maikelnabil.com
#مايكل_نبيل_سند (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللحظات الأخيرة
-
أحببت الشمس
-
أنضم معانا لجروب : لا للتجنيد الاجبارى
-
أعتذار للشعب السودانى الشقيق
-
نظام الأسرة الأجتماعى
-
الأمن بيهددنى من خلال والدى
-
مغامرة مع حرس جامعة أسيوط - حرس الجامعة يصادر كارنيهى
-
الأفراج عن أيمن نور لا يكفى
-
مين اللى قال ان حزب التنمية و العدالة أسلامى ؟
-
و ماذا أيضا تعرف شركات المحمول عنا ؟
-
نفسى فى أية فى 2009 ؟
-
و أهلى أرهابيون أيضا
-
آخر يوم فى حياة صابر
-
أوقفوا أهانة المسلمين فى الكنائس
-
بكام ؟؟
-
ثقافة القبيلة
-
لأن الحياة مرّة
-
الدين أفيون الضمير
-
خائف من الحب
-
تقدر تساعد المدونين أزاى ؟
المزيد.....
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
-
كنايسل تنتقد ازدواجية المعايير لدى الغرب تجاه مذكرات الاعتقا
...
-
-المملكة المتحدة ستفي بالتزاماتها القانونية-.. لندن تعلق على
...
-
5 شهداء وعشرات الإصابات بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
شهيدان وأكثر من 20 جريح بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
مدفيديف: روسيا تدعم قرارات الأمم المتحدة لحل الصراع الفلسطين
...
-
مذكرة اعتقال نتانياهو.. هل تتخذ إدارة ترامب المقبلة -خطوات ع
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|