|
القضاء على التمييز العنصري
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3007 - 2010 / 5 / 17 - 17:13
المحور:
حقوق الانسان
إن التقاء شعوب العالم في علاقة متناغمة ومبتكرة لهي حاجة ماسة في الوقت الحاضر. ففي أعقاب التقدم الحاصل في ميدان المعرفة الإنسانية التي عمقت روابط الاعتماد المتبادل وقلّصت هذا الكوكب، أضحت المهمة الأساسية الملقاة على عاتق جميع سكانها هو إرساء أسس مجتمع عالمي يمكنه أن يعكس وحدانية الطبيعة البشرية. وخلق مثل هذه الثقافة العالمية للتعاون والتوفبق سيتطلب العودة إلى الوعي الروحي وتحمل المسؤولية. منذ أكثر من قرن من الزمان، أعلن حضرة بهاءالله أن البشرية تدخل حقبة جديدة من تاريخها، سرعان ما تَفرِضُ فيها عملياتُ تسريع تحقيق الوحدة والاتحاد، الاعترافَ بأن البشرية شعب واحد ذا مصير مشترك. وفي مناشدته للإنسانية لقبول الحقيقة الأساسية لوحدتها، ولتنحي جانباً حواجز العرق والدين والجنسية، التي كانت من الأسباب الرئيسة للصراع على مر التاريخ، حثها حضرة بهاءالله بأن: "... لا ينظر بعضكم إلى البعض كنظرة غريب إلى غريب، كلكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد". وبيّن أنه لا إمكانية هناك لتحقيق السلام العالمي حتى يتم قبول مبدأ الوحدة الأساسي ووضعه موضع التطبيق العملي في تنظيم المجتمع. وأضاف: "لا يمكن تحقيق إصلاح العالم واستتباب أمنه واطمئنانه إلا بعد ترسيخ دعائم الاتحاد والاتفاق" وكذلك: "… اسلكوا بكمال المحبة والاتحاد والمودة والاتفاق… قوة نور الاتفاق، تستطيع أن تضيء وتنير كل الآفاق". (مترجم عن الفارسية – "منتخباتي أز آثار حضرة بهاءالله"، مقتطف رقم 132، الصفحة 184). إن الوحدة التي يجب أن تدعّم أسس نظام اجتماعي قائم على السلام والعدل، هي الوحدة التي تحتضن مبدأ التنوع والتعدد وتكرمه، فالوحدة والتنوع والتعدد أمران متكاملان لا ينفصلان. وكون الوعي الإنساني يعمل بالضرورة من خلال التنوع اللامتناهي للعقول والدوافع الفردية، فإن ذلك لا ينتقص بأي حال من الأحوال من وحدته الأساسية. في الواقع، إن التنوع والتعدد المتأصل هو بالضبط ما يميّز الوحدة عن التجانس أو التماثل. وبالتالي، فإن قبول مفهوم الوحدة والاتحاد في التنوع والتعدد، ينطوي على تنمية وعي عالمي، والشعور بالمواطنة العالمية، ومحبة البشرية جمعاء. وهذا المفهوم يدفع كلّ فرد ليدرك بأنه طالما أن جسم البشرية واحد لا يتجزّأ، فإن كلّ عضو من الجنس البشري هو مولود في العالم ما هو إلا أمانة لدى البشرية بأسرها. كما يوحي هذا المفهوم أيضاً بأنه إذا كان لمجتمع عالمي مسالم أن يبرز إلى الوجود فلا بدّ من السماح لأساليب التعبير الثقافية المتطورة والمتنوعة للإنسانية أن تنمو وتزدهر، بالإضافة إلى تفاعل كلّ منها مع الآخر في أنماط الحضارة دائمة التغير. "فالتنوع والتعدد في العائلة الإنسانية" كما تؤكد الكتابات البهائية، "يجب أن يكون سبب المحبة والألفة، كما هو الحال في النوتات الموسيقية المختلفة المتعددة تمتزج معاً لتنتج نغماً متكاملاً". انطلاقاً من هذا المبدأ الأساسي القائل بوحدة شعوب الأرض، اشتُقت جميع المفاهيم المتعلّقة بحرية الإنسان ورفاهه. فإذا كان الجنس البشري واحداً، فيجب نبذ كل فكرة توحي بأن جنساً معيناً أو جماعة عرقية أو قومية هي بطريقة أو بأخرى تتفوق على بقية البشر. يجب على المجتمع إعادة تنظيم حياته بحيث يطبق عملياً مبدأ المساواة على جميع أفراده بغض النظر عن اللون أو العقيدة أو الجنس. ويجب إتاحة الفرصة للجميع ليدركوا قدراتهم الفطرية وبذلك يساهمون في تأسيس "حضارة دائمة التقدم". لقد انتهكت شرور العنصرية الكرامة الإنسانية لحقبة من التاريخ طويلة، فأعاق تأثيرها تطوّر أولئك الذين رزحوا تحت نيرها، وأفسدت أخلاق ممارسيها، وأنزلت الآفات بعملية تقدم البشرية. وسيتطلب التغلب على آثارها المدمرة جهوداً واعية مدروسة ومستمرة. وفي الواقع، لا شيء إلا الحبّ الحقيقي والصبر اللامتناهي والتواضع الصادق والتأمل الورع سينجح في محو وصمته الخبيثة من الشؤون الإنسانية. ينصحنا حضرة بهاءالله بأن: "أغمضوا أعينكم عن الاختلافات الجنسية ورحبوا بالجميع في نور الوحدة والاتحاد." من الواضح، أن تعزيز التسامح والتفاهم المتبادل بين الشرائح المختلفة للجنس البشري لا يمكن أن يكون تمريناً سلبياً أو ممارسة خطابية. فيجب التصدي مباشرة لجميع أشكال الإقليمية والانعزالية والتعصبات. إن تنفيذ التدابير القانونية المناسبة لحفظ الحقوق والفرص للجميع، واعتماد المبادرات التعليمية التي تعزز التضامن الإنساني والمواطنة العالمية، ينبغي أن تكون من بين الخطوات العملية الأولى التي تتخذها جميع الدول. إن القيادة الأخلاقية التي تقدمها المجتمعات الدينية يجب أن تكون بلا شك عنصراً أساسياً لأي مجهود كهذا. ولضمان وجود دور بنّاء للدين، يتوجب على أتباع جميع الأديان الاعتراف بالنزاع والمعاناة اللذين سببهما أولئك الذين سخّروا رموز الدين ووسائطه لأغراضهم وأهوائهم الأنانية. إن التعصبات والنزاعات تسمم ينابيع التسامح، وتقدم تعابير محرّفة عن القيم الحقيقية للدين. والتحدي الذي يواجه قادة الأديان كافة يحملهم على أن يتمعنوا في محنة الإنسانية بقلوب مليئة حناناً وبرغبة في توخي الحقيقة، وأن يسألوا أنفسهم متذللين أمام الخالق العلي القدير ما إذا كان بإمكانهم دفن خلافاتهم الفقهية بروح عالية من التسامح ليستطيعوا العمل معاً في سبيل تقدم العدالة الاجتماعية والسلام. ففي نصيحته "للتقيد بالتسامح والاستقامة والصلاح"، يؤكد حضرة بهاءالله أنه من الممكن أن نؤمن بالله ونكون متسامحين في آن معاً. إن طريق الوحدة والوفاق هو الطريق الوحيد المتاح أمام العائلة الإنسانية. فرؤيا عالم يضم كافة الأمم والأعراق والعقائد والطبقات متحدة اتحاداً وثيقاً دائماً ليست رؤيا مثالية من نسج الخيال بل ضرورة حتمية وحيوية. وينبهنا حضرة بهاءالله بقوله: "نوروا القلوب وطهروها من أشواك الضغينة والبغضاء، كلكم أهل عالم واحد وخلقتم من كلمة واحدة، فنعم حال نفس عاشرت عموم الأنام بتمام المحبة". (مترجم عن الفارسية – منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله – مقتطف رقم 156 ص 21) بيان صدر بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري البيان الذي طلبته ماري روبنسون، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وباوا جين، الأمين العام لمؤتمر القمة الألفية للسلام العالمي للزعماء الدينيين والروحيين وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، 21 آذار/مارس 2001.
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية 21 آذار/مارس 2001 النص الانجليزى: International Day for the Elimination of Racial Discrimination http://bic.org/statements-and-reports/bic-statements/01-0321.htm BIC Document #01-0321 Human Rights
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى تُصبح نفساً متكاملة-الخاتمة
-
التحوُّل الروحاني: المفهوم والتطبيق -الصلاة والدعاء والتأمل
-
التحوُّل الروحاني: المفهوم والتطبيق
-
البعد الروحاني-تفهُّم الماضي
-
البعد الروحاني -التكيف في الحياة ومحدودية -العلاج- Life Modi
...
-
حتى تُصبح نفساً متكاملة- -البعد الروحاني للوحدة
-
مقال أعجبني-ما أجمل تَسامُحهم!-رجال الدين المسلمون والبابا و
...
-
حتى تُصبح نفساً متكاملة - تحدِّيات الوحدة والتكامُل
-
المخ البشري والروح الإنساني:ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني
-
المخ (الدماغ)، الوعي، الروحانية
-
نحو قواعد عامة للسلوك الإنساني
-
المحبة والإتحاد
-
من المراهقة إلى النضج
-
الحرية وإرادة الإنسان
-
أسقام المعرفة في حالةٍ تعالج المصاعب السيكولوجية بالنسبة للف
...
-
أسقام المعرفة
-
عندما تتجه الأمور نحو الأسوأ-المعاناة أول الطريق نحو الحقيقة
...
-
سيكولوجية الروحانيّة وخصائص الإنسان الأساسية
-
رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة- المحبة والإرادة و البحث عن
...
-
رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة-الغرض من الأحاسيس
المزيد.....
-
أول وزير خزانة مثلي الجنس.. ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيس
...
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|