|
طلال سالم الحديثي- المعلم الاول- 2
علي الانباري
الحوار المتمدن-العدد: 3002 - 2010 / 5 / 12 - 11:12
المحور:
الادب والفن
في الجزائر مكث الحديثي اربع سنوات عانى بها كثيرا من الغربة، والانقطاع عن بلده الذي كان يذكره دائما من خلال رسائله الى الاصدقاء ذكر لي في احدى رسائله انه افتقد الجو الادبي الذي كان يحياه بشغف في العراق ففي الجزائر لم ير التشبث بالاصالة والتراث كما في بلده وربما ينبع ذلك من التداخل الكبير بين الثقافتين العربية والفرنسية اذ ان كبار الكتاب هنالك كانوا يكتبون باللغة الفرنسية مما يخلق فجوة بينهم وبين قرائهم العرب الذين لا يقرأونهم الا من خلال الترجمة التي لا يمكنها ان تكون معبرة بصدق عن مشاعر الكاتب. خلال هذه السنوات لم ينقطع طلال عن الكتابة في مجلة التراث الشعبي التي نشر فيها العشرات من المقالات حيث كان يقوم بعرض الكتب التي تهتم بالتراث الشعبي عرضا دقيقا يجعل القارئ يلم بفحوى الكتاب اضافة الى مقالاته المتنوعة عن الحياة في الجزء الغربي من العراق وفي هذه الفترة الف كتابا عن الشاعر (ساري العبدالله) احد شعراء البدو وصاحب القصة الشهيرة بين الناس. بعد عودته الى العراق في بداية الثمانينيات من القرن الماضي عين مشرفا تربويا في مديرية تربية الانبار فكان له الفضل الكبير في تطوير الحركة الادبية في المحافظة من خلال المجلة التي اصدرتها المديرية وكانت بعنوان (الهدى) كانت هذه المجلة منبرا لعشرات الكتاب في شتى المجالات كان طلال يشرف على القسم الادبي في المجلة وله دراسات عديدة فيها كما كان له الفضل في تشجيع الكتاب والشعراء ولاسيما الناشئين منهم اذ وجدوا الطريق ممهدا امامهم لايصال اصواتهم الى الاخرين وكثيرا ما كان يحضني على الكتابة في المجلة ورفدها بالمقالات والقصائد قائلا: انه لفخر لنا ان تكون لنا مجلة في هذه المحافظة املا في غرس المعرفة في عقول الناس فاذا استطعنا ان نصنع كاتبا او شاعرا فهذا حسبنا. استمرت المجلة بالصدور الى ان سيق الحديثي الى جبهات القتال متطوعا قسريا في الجيش الشعبي رغم عمره الكبير واعتلال صحته وكثيرا ما كنت التقي به في اجازته فيحدثني طويلا عن معاناته واسلوب الحياة القاسي الذي جعل منه انسانا محطما ورغم اللجان الطبية لم يستطع الافلات من قبضة الحرب القاسية الى ان رماه القدر القاسي اسيرا في احدى المعارك. طال به الاسر ثماني سنوات عرفت من خلال اهله انه ارسل عدة رسائل توقفت بعد حين فلم يعرف بعدها شيء عن وضعه هكذا استمرت الايام في مرورها والحرب تطحن الآلاف من البشر الى ان القت هذه الحرب الضروس اوزارها بعد ثماني سنوات عجاف اكلت الاخضر واليابس وتركت البلد يئن من كثر ما نزف من الدماء ذات مساء شتائي ممطر اتصل بي الشاعر حمد الانباري صديقنا المشترك مبشرا بعودة طلال من الاسر فما كان الصباح تهل اساريره حتى مضيت الى الصديق حمد فذهبنا معا الى بيت طلال متلهفين لرؤيته بعد السنين الطوال قرعنا جرس الباب اطلت علينا زوجته واسارير وجهها تومي بالسعادة سألناها عن صحة الخبر اكدته لنا ودعتنا الى الدخول كان الاستاذ طلال جالسا على اريكة قديمة شاحبا نحيلا يغطي الشيب فوديه ما ان رآنا حتى هب واقفا احتضننا بقوة وهو يصرخ والدموع تخنقه آه يا اصدقائي لقد بعثت من جديد لقد عدت من الموت وها انا اولد من جديد حدثنا عن سنواته الثمانية وما قاساه في غربته الحالكة التي سلبت منه قواه وجعلت بصره اقرب ما يكون الى العمى وهو ما حدث له بعد شهر من رجوعه الى وطنه واهله واصحابه اذن اصبح هذا الانسان كفيفا كيف سيقرأ مئات الكتب التي يحلم بقراءتها؟ كيف يرى معالم مدينته ووجوه ابنائه الذين حملهم في القلب بانتظار ساعة الخلاص. بعد عمليتين جراحيتين استطاع الابصار بشكل جزئي يتيح له القراءة والكتابة فبدأ العمل بكتابه (مرابط خيل الشاه) الذي شرح فيه تجربته المريرة في الاسر وعذابه الروحي بين الجدران التي سلبته نسيم الحرية وهو الاديب والشاعر الحساس لم يرسم طلال في هذا الكتاب دعاية سياسية ولا حاول ارضاء النظام انذاك بذم الطرف الاخر بل كل ما عبر عنه معاناة الانسان الذي يفقد وطنه وارضه ويعيش تحت سماء اخرى وشمس غريبة. بهمة وروح وثابة استطاع طلال ان يعود الى ذاته ويصل ما انقطع بماضيه فاخذ يكتب في الصحف والمجلات عشرات المقالات في التراث والنقد الادبي قارئا ما فاته من اصدارات خلال فترة غيابه القسري. قبل فترة وجيزة زرت طلالا في بيته فوجدته منكبا على الكتابة قلت الا تتعب ايها الشيخ من قلمك واوراقك؟ اجابني وابتسامة مشرقة تنير وجهه الشاحب: لن القي هذا القلم الى ان افارق هذا العالم انه مصدر قوي وقد لا تصدق اذا اخبرتك بانني اعكف الان على كتابة رواية اعيد من خلالها الماضي الذي خلفته ورائي بكل الآمه وافراحه وانني متفائل بالآتي رغم مرارة الحاضر.
#علي_الانباري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طلال سالم الحديثي- المعلم الاول- 1
-
لقد تمت بحمد الله
-
اية الكرسي
-
مرثية لسليم السامرائي
-
اسرافيل
-
خارج القوس ابحث عن فريستي
-
قفا نبك
-
معاطف رثة
-
كل العهود ربيعها اسود
-
اين امريكا مما يجري في العراق؟
-
ما بين حانة ومانة
-
عودة كافور الاخشيدي
-
الى الجحيم بالديمقراطية الكاذبة
-
نديم الفاجعة
-
مائدة اللئام
-
طعمها مر المذاق
-
لا جدوى
-
لعبة الكراسي في بلاد المآسي
-
غابة الانياب
-
لوحة عراقية
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|