|
رأس المال الاجتماعي مدخل حديث للتنمية
فتحى سيد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 2993 - 2010 / 5 / 2 - 14:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لعقود طويلة من الزمن يعتقد الإنسان أن تطوره وارتقاء حياته مرهون فقط بالأمور المادية، وبما يستطيع تراكمه من أموال وثروات، هذه النظرة أدت إلى أن يغتر الإنسان بما حققه، فأصبحت عقيدته أنه يمكن النمو بلا حدود، وأن فهمه المادي لرأس المال هو سر كل هذا الوجود .. ليس هناك نموا بلا حدود وإنما هناك إمكانية لتنمية مستدامة، بشرط أن يوظف الإنسان كل نفسه، عقله، وفكره، وروحه، وبدنه، وأن يحترم الآخرين، كل الآخرين، الإنسان الآخر، والنبات، والحيوان، والجماد، وكل ما تحويه البيئة الطبيعية من كائنات حية وغير حية، فلقد أدرك الإنسان أن التنمية الحقيقية هي التي تبدأ بتنمية الإنسان لنفسه ولا تستديم هذه التنمية إلا أن تكون تنمية شاملة وعادلة (1) . فالتنمية الشاملة والمستدامة هي التي فرضت على الإنسان، أن يعدل من فهمه لرأس المال، ففي عقله رأسمال، وفي روحه رأسمال، وفي نفسه رأسمال، وفي علاقاته مع الآخرين رأسمال، وفي بيئته الطبيعية رأسمال، وحتى في أحلامه وخيالاته رأسمال، أطلق عليه مجموعة من علماء الاجتماع "رأس المال الاجتماعي Social Capital " . فما هو رأس المال الاجتماعي وما دوره في أحداث التنمية ؟ لقد اختلفت آراء الباحثين في تفسير تفاوت التطوّر الحضاري ومعدلات النمو والقوة الاقتصادية بين الدول والمجتمعات وأسبابها، وركّز بعض الباحثين على العوامل المادية مثل التباين في امتلاك الموارد الطبيعة والفوارق الجغرافية والطبيعية، فيما ذهب فريق آخر إلى التشديد على أهمية العوامل السياسية مثل دور الدولة وطبيعة النظام السياسي وأوضاع حقوق الإنسان والحريات المدنية، وشدّد آخرون على المهارات البشرية التي يُشار إليها أيضاً باسم "رأس المال البشري Human Capital. " ولكن هناك آراء حديثة تنبّهت إلى أهمية عناصر أخري مثل أداء المجتمع الأهلي، طبيعة الروابط الأسرية، العلاقات الاجتماعية، مدى التمسّك بالقيم الاجتماعية، درجة متانة النسيج الاجتماعي، تنوّع البني الاجتماعية وما يشبهها من العوامل، وأطلقوا عليها مفهوم "رأس المال الاجتماعي " Social Capital. والذي عرفه الفيلسوف الفرنسي "بيار بورديو ."Pierre Bourdieu بأنه "الموارد والطاقات الكامنة في الشبكات الاجتماعية المختلفة، والتي تؤدي إلى تحقيق منافع جماعية بأثر من القِيَم التي تتحكّم في البني الاجتماعية . وقد جذب مفهوم رأس المال الاجتماعي انتباه كثير من الباحثين والمفكرين خلال الأعوام العشرة الماضية، وكان من أهم الإصدارات في هذا الشأن كتاب "رأس المال الاجتماعي لدي الشرائح المهنية من الطبقة الوسطي" للدكتور/أحمد زايد وآخرون والذي يمثل أول محاولة مصرية جادة في إطار علم الاجتماع بهدف توظيف مفهوم رأس المال الاجتماعي في فهم الواقع الاجتماعي للطبقة الوسطي في المجتمع المصري، وهو دراسة متكاملة تم إنجازها ضمن المشروع البحثي الكبير حول رأس المال الاجتماعي الذي ينفذه مركز بحوث ودراسات الدول النامية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية (2) . طرح "أحمد زايد" من خلال الفصل الأول مشكلة الدراسة وإطارها المنهجي، وحاول في صدر هذا الفصل الإجابة على تساؤل هام مؤداه : لماذا رأس المال الاجتماعي ؟. وأشار في هذا السياق إلى أنه لم يحظ مفهوم باهتمام دراسي وسياسي مثلما حظي مفهوم رأس المال الاجتماعي في السنوات العشر الماضية، لقد تحول إلى مفهوم يتشدق به رجال السياسة والاقتصاد خاصة أولئك الذين يمثلون المنظمات الدولية، وتحول المفهوم بالتدريج إلى مدخل تعلق عليه آمال كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية . ومن خلال ما قام به المؤلف من فحص للخلفية التاريخية التي ظهر في سياقها هذا الاهتمام، انتهي أن هذا الطرح يرتبط بالفكرة التي مفادها أن لا أحد سوف يقوم للناس بالتنمية، فهم أداة هذه التنمية وغايتها، وأن النجاح أو الفشل يرجع إليهم، ولا تقع مسئوليته بحال على الدول الغنية أو الدول الاستعمارية أو على قوي النظام الرأسمالي العالمي، وهنا أكد المؤلف على أن الاهتمام بقضية رأس المال الاجتماعي نقل قضية التنمية في ملعب المجتمع، وألقي باللائمة على شبكات العلاقات غير المنظمة وغير المشحونة بالثقة والشفافية والتسامح. وفى إطار تحاوره الجدلي مع مختلف الرؤى النظرية التي اقتربت من مفهوم رأس المال الاجتماعي، ميز المؤلف ما بين رؤيتين : الأولي : ويمثلها "بيير بورديو" الذي دأب في تحليله لرأس المال الاجتماعي والثقافي على ربطه بالتحليل الطبقي. حيث فهم رأس المال الاجتماعي على أنه رصيد اجتماعي من العلاقات والرموز يتقابل ويتفاعل مع الرصيد الذي يملكه الأفراد من رأس المال المادي. فرأس المال الاجتماعي والثقافي هو رصيد قابل للتداول والتراكم والاستخدام مثله مثل رأس المال المادي. أما الرؤية الثانية : هي التي ظهرت عندما تم تبني مفهوم رأس المال الاجتماعي في أوساط المنظمات المشتغلة بقضايا التنمية، وتم نزع الرؤية السوسيولوجية الطبقية لمفهوم رأس المال الاجتماعي، وعوضاً عن ذلك فقد تمت صياغة المفهوم في إطار سلوكي اقتصادي، وارتبطت هذه الرؤية بأعمال كل من "جيمس كولمان" ومن بعده "روبرت بوتنام"، فقد نظر الأول إلى رأس المال الاجتماعي بمثابة الرصيد الذي يتملكه الفرد من علاقات وقيم تمكنه من أن يؤسس لعلاقات داخل البناء الاجتماعي، وأن يبني توقعاته وأهدافه، وفى المقابل فقد نظر "بوتنام" إلى رأس المال الاجتماعي من خلال تحديد الخصائص والسمات التي تكون رصيد داخل التنظيم الاجتماعي، مثل الثقة، والمعايير، والشبكات الاجتماعية؛ مع التأكيد على أن امتلاك الجوانب الإيجابية من هذه الخصائص يمكن المجتمع من أن يؤدي وظائفه على نحو أكفأ وأفضل، كما أنها تسهل التنسيق بين الأفعال الاجتماعية المختلفة . وبعد هذا الاشتباك النظري للمؤلف مع الاتجاهات النظرية التي عالجت مفهوم رأس المال الاجتماعي، انتقل إلى عرض تعريف رأس المال الاجتماعي، وذهب في هذا الصدد إلى أن رأس المال الاجتماعي يعرف بأنه "موارد كامنة في البناء الاجتماعي يمكن الوصول إليها واستخدامها في أفعال مقصودة" ويكشف هذا التعريف عن أن أرصدة رأس المال الاجتماعي توجد لصيقة بالفعل الاجتماعي، وتتلخص هذه المصادر في نوعين من المصادر أولا : علاقات وشبكات يقيمها الأفراد اختياريا لتحقيق أهداف معينة، مثل: النقابات والأحزاب والجمعيات، وغير ذلك من العلاقات والشبكات التي تؤسس لحياة مدنية، ثانيا : منظومة قيمية تأتي على رأسها قيم الثقة، والشفافية، واحترام الآخر، والرغبة في التعاون معه، والعقلانية، وغير ذلك من قيم الحداثة . ومن خلال الفصل الثاني عالج "محمد عبد البديع" صورة رأس المال الاجتماعي لدي عينة الدراسة من خلال الثقة والارتياب، ولقد بدأ المؤلف هذا الفصل بالتأكيد على أهمية قضية الثقة في الحياة الجمعية المستقرة، وأن توافر عنصر الثقة يعد شرطا ضروريا للتكامل الاجتماعي والتعاون والانسجام، والرضا في الحياة الشخصية وصولاً إلى الاستقرار والتطور الديمقراطي. وكضرورة لا غني عنها في دفع التطور الاقتصادي وتأمين المصالح العامة. وتستطيع الثقة كميكانيزم سوسيولوجي التأثير على سلوكنا الاجتماعي إلى حد كبير، حيث يعمل هذا الميكانيزم كصلة معنوية فيما بين دوافعنا، ومعتقداتنا، والأهداف المطلوب إحرازها في إطار الشرط الاجتماعي . والوجه الآخر لهذه العملية هو الارتياب، الذي يفصل الذات عن الآخرين، ويثير الشك فيما بينهم، ويطرح الحيرة والتساؤل حول العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع ويقلص إمكانات الفعل الجمعي . ومن خلال قراءته للتراث النظري للثقة كجوهر لرأس المال الاجتماعي باعتبار أنها العلاقة التي تتجاوز حدود حسابات المصلحة الذاتية الضيقة، أخذ يسرد لرؤى مجموعة من الباحثين منهم على سبيل المثال "جورج زيمل" الذي أكد على أن الثقة أحد أهم تركيبات قوي المجتمع، وأنه بدون الثقة العامة فيما بين الناس وبعضهم البعض يتحلل المجتمع أو يفقد تكامله، كما أشار إلى ما أطلق عليه الثقة الأداتية، عند "بارسونز" كآلية تكاملية للنسق الاجتماعي، ولقد أكد "نيكولاس لومان" على أن الثقة ضرورة لحاضر ومستقبل يتميز بالتعقيد، واللايقين، والمخاطرة، وهي خصائص تسم العيش في المجتمع المعاصر . ويرى فوكوياما أن قيمة" الثقة "احتلت مكانة خاصة بين القيم الجماعية المولّدة لرأس المال الاجتماعي. وأشار إلى أن نسبة الثقة بين أفراد المجتمع تعد عاملاً أساسياً في تحديد مستوى رخائه ومقدرته على منافسة المجتمعات الأخرى، ومدى ممارسة الديمقراطية والتمتع بالحقوق المدنية فيه. كما أكد علماء اجتماع آخرون أن الجماعة التي يوجد بينها ثقة تكون أكثر إنتاجية من غيرها . واعتمادا على النظرة السوسيولوجية التي اتضحت من خلال التناول النظري، انتهي المؤلف من تحليله للمعطيات الميدانية، إلى اختلال دورة الثقة في المجتمع المصري، وبالتالي ضعف إمكانات نمو رأس المال الاجتماعي، ودليله على ذلك سيادة العلاقات التقليدية مع تدني علاقاتها بالارتباطات الحديثة المدنية والرسمية في الحياة اليومية لأفراد هذه الشريحة، فمستوى الانتماءات الأفقية التقليدية الموروثة من خلال العلاقات الإجبارية كالأسرة والعائلة والانتماءات الدينية وإلى حد ما الانتماءات العقائدية تسيطر على الفضاء الاجتماعي . ولكننا قد نختلف مع المؤلف حول طبيعة هذه الانتماءات حيث يمكن القول أن معامل الثقة داخل الانتماءات التقليدية قد يكون على درجة عالية وذو فاعلية كبيرة ولكنه مجرد معامل ثقة خاص يقتصر على أفراد الأسرة أو العائلة، وليس له مردود اجتماعي كبير، في مقابل ذلك نجد أن معامل الثقة داخل الانتماءات الحديثة قد لا يرتفع لدرجة الثقة العائلية، ولكن مردودة الاجتماعي عالي، وهو الذي يلعب دورا مؤثرا في مسيرة التنمية . ولكن مستوى الانتماءات الرأسية الحديثة ذات البعد الاختياري، والمتمثلة في منظمات المجتمع المدني والسياسي، ما تزال تشغل حيز ضعيف في الفضاء الاجتماعي، وهذا لا يسمح بنمو وانتشار الثقة الاجتماعية في دوائر واسعة، فالسمة الغالبة التي ترسم خارطة الثقة وعدم الثقة وسط هؤلاء الأفراد هي أيضا العلاقات التقليدية، التي تحدد أفق الثقة الاجتماعية وتخضعها لانضغاط نطاقها، وتقلص مجال تأثيرها الإيجابي، حيث لم تستطع الانتماءات الحديثة أن تنجز رأس مال للثقة، أو أن تؤسس تحولاً جديداً يمنحنا نمطاً مغايراً من الاستثمار في ترابطات أصلية، لأن طريقة عمل هذه الشبكات تظهر كملحق لأسلوب ومنطق الشبكات التقليدية أكثر منها ككينونة فاعلة في تطوير وتعميم الثقة النشطة، ومع غياب تصور الناس لأنفسهم كشركاء في المجتمع سيطر ضعف النزوع للعمل والتعاون الجماعي والمحصلة تآكل رأس المال الاجتماعي، أو استبقاء الحدود المنخفضة لهذا النوع من رأس المال في دوائر العلاقات التقليدية . وهذا ما أكدته "آمال طنطاوي" من خلال الفصل الثالث الذي رصدت فيه صور تشكل رأس المال الاجتماعي وهدره لدي عينة الدراسة، واعتمدت في ذلك على تقنية السرد الذاتي لأفراد العينة، وكان عرض هذا السرد والتسجيل من خلال العناصر التالية : • النشأة الأولي وقيم رأس المال الاجتماعي : كشفت الدراسة عن تكوين صورة قيم رأس المال الاجتماعي لدي عينة الدراسة كان داخل الأسرة، وبداية الثقة بالآخرين كانت عبر الأقارب الذين هم جيران في القرية أو الحي الشعبي، ومن المحتمل أن تكون الصورة الأولي التي ساهمت في تشكيل قيم رأس المال الاجتماعي هي صورة الأب والتي تمثلت في خليط من العناصر : ديكتاتور، عادل ولا يظلم أو يفرق بين الأبناء، مجتهد في عمله من أجل أسرته، موثوق في حكمته وخبرته، وتقيم العلاقة ما بين أفراد عينة الدراسة وآبائهم، أنها علاقة خوف واحترام والتزام وتعاون وتضامن . • النشأة الأولي وقيم رأس المال الاجتماعي في الفضاء العام : تداخلت قيم اللاخصوصية والتداخل ما بين المجالين العام والخاص، الذي كان يتمثل في الأقارب والجيرة في القرية مع الالتزام بالمعايير العامة، وتبادل الزيارات الاجتماعية، ونجدة المحتاج دون دعوة، والإحساس بالثقة في كل العالم ( الذي لم يكن يتعدى حدود القرية ) ومن المحتمل أن تكون هذه الملامح من الأسباب التي لعبت دور في خلق وتراكم رأس مال اجتماعي بين أفراد الأسرة النووية والممتدة، وبين الجيران، ورغم هذا، فقد كانت هناك صورة أخرى في التوقيت ذاته في المدينة، عرفها بعض ذوي الأصول المتوسطة، حيث كان الانكفاء على الذات والاستغناء عن الآخر هو أحد علامات التميز لهؤلاء القاطنين في أحياء الطبقة الوسطي في المدينة . • صورة الدولة في النشأة الأولي : ارتبطت صورة الدولة لدي عينة الدراسة بمتناقضات، فهي الكفيلة بالخدمات الاجتماعية المطلوبة، ولكنها هي ذاتها القاهرة، وتأثرت رؤية عينة الدراسة للسلطة بالموقف التاريخي للسلطة في مصر، حيث مثلت عبر الأزمان -أي السلطة- الشر الذي ينبغي الابتعاد عنه، ومن ثم كانت الأسرة - الأقارب - الجيرة هي معاقل رأس المال الاجتماعي الأساسية . • دور قيم رأس المال الاجتماعي في وضوح الحراك لهدف : وضح أن عينة الدراسة كانت تملك هدف خاص واضح في التعليم والالتحاق بمهن مغايرة لمهن الأب المضنية بدون عائد اقتصادي أو اجتماعي، كان المناخ العام يشجع عليه ويسانده، فقد كانوا يريدون احتراماً اجتماعياً نالته الطبقة الوسطي المتعلمة في هذه الآونة، فالحراك الاقتصادي والاجتماعي كان هدفهم الواضح والمحدد والذي يقترن بتحقيق حلم الأب، أي أن فقيم رأس المال الاجتماعي التي ترسخت لديهم كانت وراء الالتحام بالهدف الخاص . • الهجرة وتحول الثقة من المجال الخاص إلى تأسيس الذات : كان السفر لدوافع متعددة لدي عينة الدراسة أهمها : إحباط الحلم في مصر، هو بداية خلق الحذر الاجتماعي داخلهم، وإن كان قد شكل مزيداً من التحدي والإصرار على التحقيق الاجتماعي، وتحول هنا مجال الثقة من المجال الخاص إلى مجال الذات، فالفرد مطالب بالثقة في نفسه باكتساب مزيد من المهارات حتى يتواءم مع هذا المختلف، ثم جاءت الغربة خارج مصر، فازدادوا التصاقاً بالذات وتقلص مجالهم الخاص . • تحولات الثقة من الذات إلى الاستهلاك : اتضح من خلال الوقائع أنه بعد العودة من الهجرة، حدث تفاوت وتمايز اجتماعي عن الأقارب وبعض زملاء العمل، ولقد أثر ذلك على علاقة هؤلاء الأفراد مع المجال الخاص المتسع : الأسرة ، الأقارب ، الجيرة، زملاء العمل ...الخ، حيث أصبح الأبناء هم بؤرة الاهتمام، والتحمت بعض قيم رأس المال الاجتماعي لدي هؤلاء الأفراد وهي التضامن والثقة مع ثقافة استهلاكية تسم العصر كله خاصة وهم يملكون أدوات تواصل إعلامي مع هذه الثقافة، وقدراً من رأس المال الذي تحقق من خلال العمل خارج وداخل مصر . • عوامل انهيار قيم رأس المال الاجتماعي : رصدت الدراسة بعض العوامل المسئولة عن انهيار قيم رأس المال الاجتماعي لدي هذه الشريحة، ومنها البعد الجغرافي، والمسافات المتزايدة التي تفصل الإخوة والأقارب، مما يعوق التفاعل الاجتماعي، وكذلك اختلاف نوعية المهن التي يشغلونها عن مهن الآباء إضافة لعوامل اجتماعية - ثقافية دافعة لهذا التحول مثل : الخوف من الحسد، وهناك دور النساء سواء على مستوي خلق قيم رأس المال الاجتماعي، أو على مستوي هدرها، فعلي حين يشير البعض إلى عمل المرأة باعتباره من عوامل هدر رأس المال الاجتماعي، حيث لم تعد قادرة على المساهمة في تدعيم التعاون والتضامن عبر الزيارات والمشاركات الاجتماعية، يشير البعض الآخر إلى النساء باعتبارهن مفسدات للعلاقات بين الأقارب والإخوة . • التواصل عبر الطبقات : رصدت الدراسة الراهنة، من خلال أصوات عينة الدراسة اصطفاف كل المتناقضات جنباً إلى جنب في علاقة هذه الشريحة من الطبقة الوسطي المصرية بغيرهم من الشرائح والفئات الاجتماعية الأخرى في المجتمع، فينظرون للفقراء تارة على أنهم يفسدون الحياة بتعطلهم عن العمل، وبسلوكياتهم وأخلاقياتهم العشوائية، وفى ذات الوقت يشفقون عليهم، ويشعرون بمسئولية الدولة عن هذا الكم من الفقر في مصر، ويسعون إلى مساعدتهم الإنسانية. وكما اتسم وعيهم وعلاقاتهم مع الفقراء بالتناقض، فالأمر ذاته يسم صورة الأغنياء لديهم، فهي صورة تحوي مشاهد متعددة ومتناقضة، فالغني من عند الله، وليس عيباً، بل أمل، ولكنه الغني عن الطريق المشروع، وليس مثل أغنياء اليوم، الذين يسلكون طرقاً غير شرعية . • الدولـة : بين الضرورة وفقدان الثقة : كشفت أصوات عينة الدراسة عن تناقض واضح، فالدولة سياستها فاسدة، منفذوا السياسة متسلطون، مؤسساتها عزب خاصة، ووظائفها لا تكفي شراء الخبز، بدون وساطة لا يمكن للمرء أن يحصل على مصلحة أو خدمة من مؤسساتها، ورغم ذلك لازال بعضهم يثق في الدولة .. لماذا ؟ لأنها تقوم بأعمال لا يقوم بها الأفراد، ولأن وظائفها مضمونة الدخل والعلاج والمعاش، ولأن إشرافها ضروري من أجل إصلاح الخدمات أي أنهم مازالوا يتشبثون بالدور الذي كانت تقوم به دولة الستينيات، والتي عاشوا طفولتهم في إطارها . • صورة مؤسسات المجتمع المدني وعلاقتها بصورة الدولة : إذا تأملنا تصورات عينتنا عن المجتمع المدني وآليات عمله وأشكال مؤسساته، تتراوح الإجابات على متصل يبدأ بمن لا يعرف معني مجتمع مدني (وهم الشريحة المتعلمة تعليماً عالياً) وبين من يعرف ويري أنها أشكال مؤسسية لا تختلف عن الأشكال الرسمية للدولة، ولا يرون داخله قيماً وأخلاقيات مغايرة عما هو سائد. أما الشكل الوحيد الذي مازال يمثل أهمية ومعني لدي العينة –رغم انتقاده أيضاً- هو الشكل النقابي، فعبره يمكن للفرد أن يكتسب مكانة ورمزاً اجتماعياً. في الفصل الرابع الذي يختتم به "أحمد زايد" هذه الدراسة تحت عنوان " كوابح الاندماج الاجتماعي "، انطلق من افتراض أولي: مؤداه، أن الممارسات الاجتماعية للشريحة المهنية من الطبقة الوسطي تميل نحو الاهتمام بالعوالم الخاصة، وتطوير قيم الخصوصية، ومن ثم عدم القدرة على تطوير رأس مال اجتماعي فعال، أو ممارسات تجيد استغلاله في تأسيس عوالم عامة للحياة تتجاوز وتتفاعل مع عوالم الحياة الخاصة. وافتراض ثاني : مؤداه، تراجع رأس المال الاجتماعي لدي الطبقة الوسطي على ضوء فقدانها لدورها التاريخي، وتراجع فرصها في احتلال مكانة في عملية التحول الاجتماعي التي يشهدها المجتمع. وعلى ضوء هذه الفرضيات حاول الإجابة على تساؤلات من قبيل: ما حدود الثقة لدي هذه الفئة ؟ وما هي مجلياتها ؟ ودوائرها ؟ وما حدود الاندماج الاجتماعي والتشبيك الاجتماعي لديها ؟ وذلك من خلال تتبع إجابات هذه التساؤلات عبر مستويات عديدة من التحليل، وأخيراً التعرف على حدود الموقف النقدي الذي تتبناه هذه الشريحة والذي يتمحور حول ما أطلق عليه المؤلف في ثنايا هذا الطرح " ثقافة الامتعاض " أو " ثقافة القنوط ". ومن خلال ما تم مناقشته وطرحه من قضايا في هذا الفصل، ألمح "زايد" إلى أهمية دراسة رأس المال الاجتماعي لا في ضوء الأرصدة أو الموارد التي يملكها الأفراد منه فحسب، بل في ضوء ما يفرض على سلوك هؤلاء الأفراد من قيود وكوابح تمنعهم من تكوين هذا الرصيد أصلاً، أو من سوء استخدامه إذا وجد. ولقد توصل المؤلف من خلال هذا الفصل إلى تآكل رأس المال الاجتماعي لدي هذه الشريحة الوسطي، ويتبدي ذلك في الحدود المفروضة على اندماجها المدني من ناحية وعلى حدود رصيدها من الثقة من ناحية أخرى، ولقد طور المؤلف هذه النتيجة إلى أخرى ظهرت من خلال دراسة الحدود التي تفرضها الشريحة المهنية من الطبقة الوسطي على فكرها وسلوكها، ألا وهي تقلص الدور الذي تقوم به في الحياة المدنية العامة، وتحويل أهدافها للتركيز على العوالم الخاصة من خلال نظرة متشائمة إلى المستقبل ومن خلال "ثقافة امتعاض" لا تغفل عن نقد كل ما هو عام وخارجي، وكأنها آلية ركون إلى دعة العوالم الخاصة التي يأوي إليها الأفراد. كما تشير عديد من الدراسات (3) إلى دور مجتمعات الانترنت في تعزيز رأس المال الاجتماعي فالاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات يؤدي إلى تراكم رأس المال الاجتماعي، من خلال تعميق التشابك الاجتماعي وتفعيل القيم الأخلاقية وزيادة العمل الخيري. وفي المجتمعات ما بعد الصناعية الراهنة، يُعتبر التَطوّع الالكتروني (أي تبرع الكادرات العلمية والتقنية للعب حلقة الوصل بين التكنولوجيا المتقدمة والمجتمع) نموذجاً قوياً منه . وبفضل خدمات الإنترنت والهاتف النقّال، نشأت المنتديات الالكترونية والجماعات الافتراضية والمُدوّنون، وغيرها من الشبكات الاجتماعية والسياسية المستندة إلى الشبكات الرقمية المتطوّرة في المعلوماتية والاتصالات. وأدت تلك الأمور أيضاً إلى زيادة حيوية البني الاجتماعية والسياسية وفاعليتها، ما أضاف زخماً قوياً وديناميكية معرفية إلى الحياة السياسية والاجتماعية، حيث تساهم نشاطات الأحزاب والمجتمع المدني والمُدوّنون الإلكترونيون، في زيادة اندماج الأفراد في الحياة العامة وتفعيل الديمقراطية وزيادة التنوّع في الخيارات السياسية. وتُفَعّل النقابات ومنظمات المجتمع الأهلي والجمعيات الدينية والمهنية، والتكافل الاجتماعي والاستثمار في المجتمع والعمل من أجل المجموع، وبناء على ذلك فانه يمكن الاستنتاج أن التدوين وهو نشاط اجتماعي يقوم بتعزيز التبادل والثقة والمشاركة، فانضمام المدون والقارئ إلى الشبكة الاجتماعية سيوفر علاقات اجتماعية أكثر وبالتالي رأس مال اجتماعي أفضل . وبفـضل تكنولوجيـا المعلومات برزت نافـذة أخرى لاستغلال الطاقات الكامنة في الشبكات الاجتماعية المرتبطة بالإنترنت، وظهر نوع جديد من العطاء الاجتماعي يسمى "العطاء الاجتماعي الرقمي"، المتمثل في حض الأفراد على التبرع بالمعرفة والخبرات المتراكمة لديهم، في المقابل، يدرج في أشكال رأس المال الاجتماعي السلبي الناتج من الشبكة والمعلوماتية، الاستخدام غير الرشيد للإنترنت وتخصيص الفرد جزءاً كبيراً من وقته لعالمها الافتراضي، على حساب المقربين منه . ويساهم رأس المال الاجتماعي في تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال زيادة الإنتاج وتحسين القدرة التنافسية للمشروعات، وتنمية رأس المال البشري وخفض تكلفة المعاملات، وردم الفجوة الطبقية، وتكمن عبقريته في كونه نقطة التقاء بين أطر فكرية متنوّعة مثل الاتجاهات الرأسمالية والاتجاهات الاشتراكية. وكذلك دعم فاعلية كل من الدولة والسوق والمجتمع المدني من خلال العمل المشترك فيما بينهم لتحقيق الرفاهة والتنمية الاقتصادية، ويعتمد نجاح هذه المنظومة على الجهود التي يكمل بعضها البعض ولا يستوي أن يحل أحدها محل الآخر وتتمثل في الثقة وحرية الاختيار ورغبة الأطراف في التعاون، وهكذا يعتبر رأس المال الاجتماعي عاملاً مهماً في الاقتصاديات الحديثة، وفي انتشار الديمقراطية والحرية والعدالة . وكخلاصة : يمكن القول أن الدراسات الحديثة اعتبرت رأس المال الاجتماعي أحد مواد التنظيم الاجتماعي ومصدراً كامناً للقيمة يمكن العمل على تقويته وتدعيمه وتحويله إلى أهداف إستراتيجية مثمرة، فحتى وقت قريب كانت النظريات الاقتصادية التي تضع معايير تقدم وتخلف المجتمعات البشرية تتجاهل السياق الاجتماعي الذي تجري فيه عملية التنمية الاقتصادية، وكانت التنمية لها معايير مادية بحتة مثل متوسط الدخل الفردي، واستدامة الزيادة السنوية في الناتج القومي الإجمالي، إضافة إلى قدرة الدولة على توسيع إنتاجها بمعدلات أسرع من معدل النمو السكاني . غير أنه مع إضفاء البعد الإنساني على عملية التنمية، بدأ يظهر تنامي الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية والثقافية للتنمية الاقتصادية، خاصة أن هذه الأبعاد خلقت مؤسسات من رحم المجتمع المدني ساعدت شرائح مجتمعية عديدة لم تستطع الدولة مساعدتها، لاسيما مع تنفيذ برامج التكيف الهيكلي . في هذا الإطار ظهر مفهوم رأس المال الاجتماعي كأسلوب لتسهيل تبادل العلاقات والسلع، وتقوية الثقة في عمليات ومؤسسات التبادل الاقتصادي والاجتماعي ليزيد من كفاءتها وسرعتها، كما أنه يخلق علاقة قوية بين الدولة والمجتمع تسمح بخلق قنوات مؤسسية لمناقشة الأهداف والسياسات التنموية، وخلق هياكل وبني اجتماعية تدعم أعضاءها وتحقق مصالحهم وتعضد تماسكهم. ولا يمكن إغفال أن تحقيق التنمية والتوصّل إلى دولة الرعاية والعدالة الاجتماعية، يتطلّب توظيف المعلوماتية لتعميق التشابك بين الأفراد وتفعيل القيم وزيادة العطاء الاجتماعي الرقمي واستغلال الطاقات المعرفية لدى العموم، إن رأس المال الاجتماعي ليس فقط مجموع المؤسسات التي تعزز المجتمع بل يمتد ليمثل الروابط التي تربط بين كل منهم . المراجع 1. د. هاشم بن عبد الله الصالح - "التنمية برأس المال الاجتماعي" موقع "الأسواق العربية" نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية بتاريخ 26/4/2008 . 2. د. أحمد زايد وآخرون – رأس المال الاجتماعي لدي الشرائح المهنية من الطبقة الوسطي – مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – الطبعة الأولي 2006 - قدم الأستاذ / خالد أبو دوح عرضا له بشكل جيد ومفصل على موقع الحوار المتمدن سيفيدنا كثيرا في هذا العرض . 3. تم الاستفادة بتصرف من دراسات كلا من : • عبد الناصر عبد العال – تكنولوجيا المعلومات تصنع رأس المال الاجتماعي - مجلة الحاسبات العدد الثالث شباط 2010 - وجريدة الحياة 30/09/08//. • ودراسة . د . ناجي على عبد الله "مجتمعات الانترنت ودورها في تعزيز رأس المال الاجتماعي" رسالة دكتوراه من جامعة سيتول بكوريا الجنوبية عام 2008 . • موريال مبنيو . "رأس المال الاجتماعي أحد المفاهيم الجوهرية لفهم الإنتاج الاجتماعي" دراسة مقدمة للتحالف الدولي للموئل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إطار برنامج تفعيل الحركات الاجتماعية . • عمر راشد . "رأس مالنا الاجتماعي" دراسة منشورة على موقع إسلام أون لاين نت بتاريخ 24/6/2004
#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواطنة ممارسة
-
العلم وشروط النهضة
-
هدم العقارت كارثة للملاك الفقراء وإهدار للثروة القومية في مص
...
-
العالم بدون كلود ليفي شتراوس
-
الطرق إلى الحداثة
-
لماذا لم يكتمل تشكل الدولة الحديثة في مصر ؟ 2 من 3
-
لماذا لم يكتمل تشكل الدولة الحديثة في مصر ؟ 1 من 3
-
تقارير التنمية الإنسانية تثير الجدل حول تردي الاوضاع العربية
-
زمن ال -مابعد - 2 - 2
-
زمن ال - ما بعد - 1 من 2
-
زمن ال - ما بعد -
-
دفاعا عن المنظمة التي تدافع عن حقوق الإنسان
-
على طريق الهند
-
بدر الدين أبو غازي ... الناقد والرسالة
-
نظرية اللعب في دراما الأطفال
-
الحكومات العسكرية في العالم العربي
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية (كامل)
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 3 من 3
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 2 من 3
-
ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 1 من 3
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|