2_إميل دوركايم:1_القانون.2_اللامعيارية .3_الضمير الجمعي .4_التمثل الجمعي .
لطفي الإدريسي
2010 / 3 / 8 - 00:25
القانون:
ذكر دوركايم أن المجتمع ذو التضامن الآلي يتميز بقانون قمعي. لأن الناس متشابهين جداً في مثل هذا المجتمع ولأنهم يعتقدون بقوة في أخلاق عامة فان أي خرق للقانون تجاه نسق القيم المشتركة غالباً ما يكون ذا أهمية بالنسبة لأغلبية الأفراد. وبما أن الناس يحسون بالجرم ويعتقدون بقوة في الأخلاق العامة فان خارق القانون يعاقب بقسوة لكل فعل يعتبر خرقاً للقانون ومخترقاً لنسق الأخلاق العامة.
على النقيض من ذلك، يتميز المجتمع ذو التضامن العضوي بقانون تعويضي. فبدلاً من العقوبة القاسية حتى في مواجهة الجرائم الصغيرة ضد الأخلاق العامة، إن الأفراد في هذا النوع من المجتمع الأكثر حداثة يطلب منهم الانصياع للقانون أو تعويض أولئك الذين تضرروا من أفعالهم. في حين أن بعض القانون القمعي يظل موجوداً في مجتمع التضامن العضوي - عقوبة الإعدام مثلا ً- فإن القانون التعويضي هو الصفة الغالبة. هنالك القليل من الأخلاق العامة غير القاهرة وليست ذات قوة كبيرة والأغلبية العظمى من الناس لا ينفعلون عاطفياً لخرق القانون. مراقبة القانون القمعي تكون في أيدي الجماهير في مجتمعات التضامن الآلي لكن الحفاظ على القانون التعويضي يكون مسئولية هيئات متخصصة كالشرطة والمحاكم مثلاً. هذا منسجم مع زيادة تقسيم العمل في مجتمعات التضامن العضوي. التغير في الحقائق الاجتماعية المادية مثل القانون يعتبر في نسق دوركايم النظرى مجرد انعكاسات للتغير في عوامل أكثر أهمية في علم اجتماعه تلك هى العوامل غير المادية مثل الأخلاق، الضمير الجمعي، التمثل الجمعي والعقل الجمعى. كل هذه المفاهيم سنناقشها لاحقا ً.
على المستوى العام والشامل فقد كان دوركايم عالم اجتماع أخلاق. وكما ذكر ارنسيت والورك أن علم اجتماع دوركايم يعتبر منتجاً جانبياً لاهتمامه بالقضايا الأخلاقية. ذلك أن اهتمام دوركايم بالمشاكل الأخلاقية في عصره قاده كعالم اجتماعي ليوجه جل اهتمامه إلى الجوانب الأخلاقية للحياة الاجتماعية. بشكل أساسي فإن اهتمام دوركايم الأعظم كان يختص بتدني قوة الأخلاق العامة في العالم الحديث. وهو يرى أن الناس في خطر من التحلل المرضى للروابط الأخلاقية. هذه الروابط الأخلاقية مهمة في نظره لأن الفرد بدونها يكون عبداً لشغف نهم ومتوسع باستمرار. وسينجر الناس بسب شغفهم إلى البحث المجنون عن الإشباع، لكن كل إشباع جديد يؤدى إلى المزيد من الحاجات. سنقوم بتطوير هذه الفكرة لاحقاً في هذا الفصل. لكن ربما نقول هنا أن دوركايم يتمسك بالرؤية المتناقضة أن الفرد بحاجة إلى الأخلاق والسيطرة الخارجية من أجل أن يكون حراً. هذا تعريف غريب للحرية لكنه هو الموقف الذى اتخذه دور كايم .
اللامعيارية:
العديد من القضايا التى شغلت دوركايم كانت نابعة من اهتمامه بتدني الأخلاق العامة. وفى مفهوم اللامعيارية أظهر دوركايم جيداً اهتمامه بمشاكل ضعف الأخلاق العامة. يواجه الأفراد اللامعيارية عندما لا تكون هنالك قيود أخلاقية كافية، أي عندما لا يكون لديهم مفهوم واضح عن ما هو صحيح ومقبول كسلوك وما هو غير ذلك. إن المرض الأساسي في المجتمع الحديث حسب رؤية دوركايم هو تقسيم العمل اللامعيارى. وبحديثه عن اللامعيارية كمرض أظهر دوركايم اعتقاده أن مشاكل العالم الحديث يمكن معالجتها. يعتقد دوركايم أن تقسيم العمل البنيوي في المجتمع الحديث مصدر للتماسك ربما يعوض ضعف الأخلاق العامة. لكن الطعن في حجته هذه أن تقسيم العمل لايمكن أن يعوض كلياً ضعف الأخلاق العامة إذا أخذنا في الحسبان أن اللامعيارية مرض مصاحب للتضامن العضوي الذى ينتج عن الزيادة في تقسيم العمل. يمكن أن يكون الأفراد معزولين في نشاطاتهم عالية التخصص ويمكن أن لا يكون لهم إحساس برابطة عامة مع الذين يعملون معهم أو يعيشون حولهم. لكن من الضروري أن نتذكر أن هذا اعتبر موقفا شاذاً من قبل دوركايم بما أنه فقط في الأحوال غير العادية يختزل تقسيم العمل عمل الناس إلى مهام ومواقع معزولة وغير ذات معنى. مفهوم اللامعيارية لا يوجد فقط في ( تقسيم العمل في المجتمع ) لكن أيضاً في( الانتحار) باعتباره أحد أنواع الانتحار الأساسية. لدينا الكثير الذى سنقوله عن هذا الموضوع لاحقاً لكن يمكننا أن نشير إلى أن الانتحار اللامعيارى يحدث نتيجة لتدنى الأخلاق الجمعية ولغياب الموجهات الخارجية الكافية لكبح نزوات الفرد.
الضمير الجمعي:
تعامل دوركايم مع اهتمامه بالأخلاق العامة بطرق ومفاهيم متعددة. في مجهوداته المبكرة في تناول هذا الموضوع طور دوركايم فكرة الضمير الجمعي التى تميز (تقسيم العمل في المجتمع ) كما يلي "إن مجموع المعتقدات والمشاعر العامة لدى المواطنين العاديين في المجتمع تكون نسقاً محدداً له حياته الخاصة يمكن أن نطلق عليها( الضمير الجمعي ) وهو مختلف تماماً عن ضمير معينة بالرغم من أنه لا يمكن تحقيقه إلا عن طريقها" . العديد من النقاط جديرة بالتوضيح في هذا التعريف، وذلك ضمن اهتمامنا بالضمير الجمعي باعتباره نموذجاً للحقائق الاجتماعية غير المادية. أولاً من الواضح أن دوركايم اعتبر أن الضمير الجمعي يتكون عالمياً عندما تحدث عن مجموع المعتقدات والمشاعر. ثانياً، من الواضح أن دوركايم تصور الضمير الجمعي كنسق ثقافي مستقل وحتمي. بالرغم من رؤيته هذه عن الضمير الجمعي فإن دوركايم تحدث عن تحقيقه من الضمائر الفردية. لذلك فإنه لم يتصور الضمير الجمعي كشيء مستقل تماماً عن ضمير الفرد وهذه الإشارة ذات أهمية عندما نناقش الاتهام بأن دوركايم يعتقد في مفهوم العقل الجمعي.
مفهوم الضمير الجمعي يتيح لنا العودة لتحليل دوركايم في (تقسيم العمل في المجتمع) عن الحقائق الاجتماعية المادية وعلاقتها بالتغير في الأخلاق العامة. جوهر حجته أن الزيادة في تقسيم العمل الناتجة عن الزيادة في الكثافة الحيوية تسبب ضعف الضمير الجمعي. والضمير الجمعي ليس له أهمية كبرى في مجتمع التضامن العضوي مقارنة بمجتمع التضامن الآلي. الناس في المجتمع الحديث ينصهرون عن طريق تقسيم العمل والحاجة الناتجة للوظائف التى يؤديها الآخرون أكثر من انصهارهم عن طريق ضمير جمعي قوى ومشترك. أنتونى قدنيز قدم خدمة مفيدة عندما أشار إلى أن الضمير الجمعي في كلا المجتمعين ذوى التضامن الآلي والعضوي يمكن تمييزه في أربعة أبعاد هى الحجم، القوة،الصرامة والمحتوى. الحجم يعنى عدد الناس الذين يشملهم، القوة تعود إلى مدى العمق بالإحساس تجاهه، الصرامة تشير إلى مدى معرف بشكل واضح، والمحتوى يعود إلى الشكل الذى يأخذه الضمير الجمعي في كلا المجتمعين. في مجتمع يتميز بالتضامن الآلي يغطى الضمير الجمعي كل المجتمع وكل أفراده, ويعتقد فيه بقوة (كما ينعكس ذلك في العقوبات القمعية في حالة خرقه ) إنه شديد الصرامة ومحتواه ديني.
في مجتمع التضامن العضوي يكون الضمير الجمعي محدوداً في النطاق الذى يشمله وكذلك عدد الناس, لا يعتقد فيه بقوة (كما ينعكس في استبدال القانون القمعي بآخر تعويضي) إنه ليس صارما ومحتواه يمكن وصفه على أفضل وجه بالتعبير"الفردية الأخلاقية " أو زيادة أهمية ارتقاء الفرد للإدراك الأخلاقي.
التمثل الجمعي :
في حين أن فكرة الضمير الجمعي مفيدة لدوركايم لكن من الواضح أنها فضفاضة وغير محددة. وعدم قناعته بمفهوم الضمير الجمعي قاده إلى التخلي عنه في أعماله اللاحقة لمصلحة مفهوم آخر اكثر تحديداً هو التمثل الجمعي.
التمثل الجمعي يمكن اعتباره حالات محددة أو طبقات فرعية من الضمير الجمعي. باللغة المعاصرة ربما نصف التمثل الجمعي بقيم ومعايير جمعية معينة مثل الأ سرة, المهنة, الدولة والمعاهد التعليمية والدينية. مفهوم التمثل الجمعي يمكن استخدامه بعمومية وبتحديد أيضا, لكن ما هو مهم فيه أنه أتاح لدوركايم فهم الحقائق الاجتماعية غير المادية بصورة أكثر تحديداً من مفهوم الضمير الجمعي الشامل. على الرغم من أنها محدودة بشكل كبير فإن التمثلات الجمعية لايمكن اختزالها إلى مستوى وعى الفرد. "التمثلات الجمعية تنتج من طبقات الأفراد المشتركين لكن لها ميزاتها المتفردة" هذا يعنى أن ميزاتها الفريدة لايمكن اختزالها إلى الوعي الفردي وهذا يضعها داخل إطار الحقائق الاجتماعية غير المادية. إنها تتجاوز الفرد لأنها لا تعتمد في وجودها على فرد معين. إنها مستقلة عن الأفراد لأن عمرها أطول من عمر أي فرد. التمثلات الجمعية جزء أساسي في نسق دوركايم عن الحقائق الاجتماعية غير المادية.