إميل دوركايم:تقسيم العمل.
لطفي الإدريسي
2010 / 3 / 7 - 03:08
أسس دوركايم تحليله في ( تقسيم العمل في المجتمع ) على مفهومه عن نوعين مثاليين من المجتمعات. النوع الأكثر بساطة يتميز بالتضامن الآلي وهو ذو بناء اجتماعي غير متباين نسبياً وينعدم فيه تقسيم العمل أو يوجد في أدنى درجاته. النوع الحديث يتميز بالتضامن العضوي وبه تقسيم واسع للعمل. بالنسبة لدوركايم تقسيم العمل في المجتمع حقيقة اجتماعية مادية تتضمن الدرجة التى يتحدد فيها تخصيص الأعمال والمسئوليات. الناس في المجتمعات البسيطة يحتلون مواقع عامة جداً يؤدون فيها قدر واسع من المهام المختلفة ويتعاملون مع عدد كبير من المسئوليات. بمعنى آخر إن الشخص البسيط هو رجل كل المهن. على النقيض من ذلك فإن أولئك الذين يعيشون في مجتمعات حديثة يحتلون مواقع أكثر تخصصاً ولهم نطاق ضيق من المهام والمسئوليات. مثلا ً دور الأم ربة المنزل في المجتمعات البسيطة له موقع أقل تخصصاً من دور الأم اليوم (خدمات الغسيل، خدمات التوصيل للمنازل، والأجهزة المنزلية، ماكينات الغسيل، الأفران الخ ) تؤدى عدد من المهام كانت في السابق مسئولية الأم ربة المنزل .
التغير في تقسيم العمل له انعكاسات عديدة على بنية المجتمع وبعض أهم هذه الانعكاسات يظهر في الاختلاف بين نوعى التضامن – آلي وعضوي. في تناوله لموضوع التضامن كان دوركايم مهتماً بما يجعل المجتمع متماسكاً. المجتمع الذى يتميز بالتضامن الآلي موحد لأن كل الناس عموميين. الرابطة بين الناس تتمثل في أنهم جميعاً يؤدون نفس المهام ولهم مسئوليات متشابهة. على النقيض من ذلك، المجتمع الذى يتميز بالتضامن العضوي متماسك بالاختلاف الموجود بين أفراده لان لهم مهام ومسئوليات مختلفة. لأن الناس في المجتمع الحديث يؤدون مهاماً محدودة نسبياً فانهم بحاجة إلى أناس آخرين عديدين للبقاء. الأ سرة البسيطة التى ربها صياد الأم فيها جامعة للغذاء مكتفية ذاتيا ً عمليا ً. لكن الأسرة الحديثة فمن أجل البقاء لمدة أسبوع مثلآً، تحتاج إلى بقال، خباز، جزار، ميكانيكي سيارات، معلم، ضابط بوليس الخ. هؤلاء الناس يحتاجون الخدمات التى يقدمها الآخرون من أجل الحياة في العالم الحديث. فالمجتمع الحديث، كما يرى دوركايم متماسك بتخصص أفراده وحاجتهم إلى خدمات آخرين عديدين.
الكثافة الحيوية
تقسيم العمل حقيقة اجتماعية مادية لدى دوركايم لأنه يمثل نسق التفاعل في العالم الاجتماعي. حقيقة اجتماعية مادية أخرى وذات صلة وثيقة بتقسيم العمل والعامل الأساسي في نظرية دوركايم عن الانتقال من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي هى الكثافة الحيوية.
مفهوم الكثافة الحيوية يعنى عدد السكان في المجتمع وكمية التفاعل الذى يحدث بينهم. الزيادة السكانية أو الزيادة في التفاعل إذا أخذنا كلاً على حدة لا يشكلان عاملاً مهماً في التغير الاجتماعي. لكن الزيادة في أعداد الناس مصحوبة بزيادة في التفاعل بينهم ـ الكثافة الحيوية- يؤديان إلى التغير من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي لانهما معاً يقودان إلى المزيد من التنافس حول الموارد النادرة وصراع أكثر كثافة من أجل البقاء بين مختلف مكونات المجتمع البسيط المتشابهة والمتوازية. وبما أن الأفراد والمجموعات، الأسر، والقبائل وما إلى ذلك تؤدى أدواراً متشابهة فغالباً ما يصطدمون حول هذه الأدوار خاصة في حالة ندرة الموارد. نشوء تقسيم العمل يسمح للناس والبنيات الاجتماعية التى يخلقونها بالتكامل أكثر من الصراع مع بعضهم البعض وهذا بدوره يجعل التعايش السلمي أكثر احتمالاً. إضافة إلى ذلك فإن الزيادة في تقسيم العمل تؤدى إلى المزيد من الفعالية وينتج عن ذلك الزيادة في الموارد مما يسمح لعدد أكبر وأكبر من الناس بالبقاء في سلام.
كان دوركايم مهتماً أيضاً بتوضيح كيف أن تقسيم العمل والكثافة الحيوية يقودان إلى نوع مختلف من التضامن الاجتماعي. لقد كان مهتماً بشكل أساسي بتأثير هذه التغيرات المادية على الحقائق الاجتماعية غير المادية وطبيعتها في المجتمعات ذات التضامن الآلي والعضوي. لكن ونسبة لتصوره عن أي نوع من العلم يجب أن يكون علم الاجتماع، شعر دوركايم أنه من الصعوبة دراسة الحقائق الاجتماعية غير المادية مباشرة. الدراسة المباشرة للحقائق غير المادية كانت بالنسبة له موضوعاً فلسفياً أكثر من أنه موضوعاً لعلم الاجتماع. ومن أجل دراسة الحقائق غيرالمادية علمياً يجب على عالم الاجتماع البحث عن الحقائق المادية ودراستها لأنها هى التى تحدد طبيعة الحقائق غير المادية والتغيرات داخلها. في( تقسيم العمل في المجتمع ) يلعب هذا الدور القانون والفرق في القانون بين المجتمعات ذات التضامن الآلي والعضوي.